بلند حسين
الحوار المتمدن-العدد: 3071 - 2010 / 7 / 22 - 02:24
المحور:
القضية الكردية
منذ تسنمهِ مقاليد السلطة في تركيا، شرَعَ حزب(العدالة والتنمية) في انتهاج سياسة وصِفَتْ بـ(العثمانية الجديدة)؛ حيث تتعزز في ظلها الميول الاسلامية، التي ستنسف بمرور الزمن الأساس العلماني المشيَّد، وفق رأي بعض المحللين، أو تساوقاً مع الوهم السائد في الشارعين العربي والاسلامي على حد سواء.
والمتمعن حقيقة في هذه السياسة القديمة/الجديدة المنتهَجة، سيلحظ أن قدراً هائلاً من التناقض يكتنفها، فضلاً عما يعتريها من الزيف على الصعيدين الداخلي والخارجي، رغم أنها بنيت وفق رؤى، تبدو في الظاهر جديدة، سبق لمهندس السياسة الخارجية التركية(احمد داوود أوغلو) أن طرحها في كتابه: التحول الحضاري والعالم الاسلامي، بهدف تجاوز حالة إنكفاء تركيا على ذاتها والتفاعل مع محيطها الاقليمي والاسلامي كقوة إقليمية، تبحث عن موطىء قدم لها في شرق المتوسط، ومن ثم تعزيز هذا التفاعل أو تصفير الخلافات وتذويبها بين تركيا من جهة ودول الجوار من جهة أخرى، كخطوة أولى، على خارطة الطريق المرسومة باحكام من قبل الثنائي(غول/أردوغان)، خصوصاً بعد تعثر محاولات تركيا الحثيثة للانضمام إلى الاتحاد الأوربي.
إذنْ يمكن، وفق هذا المنظور، مقاربة التغيرات التي طرأت على السياسة الخارجية التركية في الآونة الأخيرة، وأعني على وجه التحديد العلاقات التركية المتنامية التي تشيد اليوم مع كلٍ من سوريا واليونان وأرمينيا ...الخ؛ وعلى خلفية هذا المشهد الموصوف أيضاً، يمكن قراءة المساعي الدبلوماسية التركية لحلحلة الأزمة الناجمة عن الملف النووي الايراني.
إلا أن المتأمل في الشأن التركي الداخلي، سرعان ما تنتابه الشكوك حول مصداقية نوايا أنقرة، التي مازالت تحافظ في ظل سياستها الاسلاموية، على بنى تحتية هشة ومهترئة في كردستان الشمالية(أو جنوب شرق الأناضول وفق الخطاب الرسمي التركي السائد)، وتشن حرباً ضروساً، ومنذ سنوات، ضد مقاتلي حزب العمال الكردستاني(1)، وتجتاح جحافلها أراضي كردستان العراق بين الفينة والأخرى، تحت حجة ملاحقة عناصر هذا الحزب، كما تمارس إرهاباً فاضحاً ضد الشعب الكردي على مسمع ومرأى الرأي العام العالمي، غير آبهة بالاحتجاجات الخجولة من هنا أو هناك. وما زاد الطين بلة أن محكمتها الدستورية العليا، التي تتحكم بها وبمصائر البلاد والعباد المؤسسة العسكرية المكبِّلة أصلاً، سبق لها أن قامت باصدار قرار، يحظر بموجبه نشاط حزب(التجمع الديمقراطي) الكردي؛ ورغم ذلك لاتكف تركيا عن التبجح بقيَمِها الديمقراطية أمام الملأ جهاراً نهاراً. ومن المفيد ذكره، أن أنقرة التي تذرف اليوم دموع التماسيح على أطفال فلسطين، وتتظاهر بمناصرتها للقضية الفلسطينية في شتى المحافل الدولية أو مؤازرتها قطاع غزة المحاصر على شاكلة نظام طهران، تزج في ذات الوقت بأطفال الكرد الذين يرشقون قوى الأمن بالحجارة في المعتقلات أو تسحقهم بمجنزراتها؛ وهي في الوقت الذي تنوي فيه ـ كما تدّعي ـ فك الحصار عن قطاع غزة، تشدد الحصار على شعب برمته في الداخل، أعني الشعب الكردي.
وعلاوة على ذلك، يلحظ المتتبع للشأن التركي، كيف تقوم سياسة أنقرة الخارجية أيضاً على جمع المتناقضات؛ ففي الوقت الذي تتمتع فيه تركيا بعضوية حلف الناتو، وتعتز بتحالفها الاستراتيجي مع إسرائيل، نجدها تُقْدِم على إقامة تحالف مماثل مع دمشق، متناسية أنها ضمت إليها ومنذ بداية الحرب العالمية الثانية ـ أعني في فترة الانتداب ـ أراضٍ سورية، في ظل تواطىء فرنسي يومئذٍ، ومازالت تحتفظ بها إلى يومنا هذا، مثلها في ذلك كمثل نظيرتها ايران، التي سبق لها أن ألحقت بها جزر(طمب الكبرى والصغرى وأبي موسى)، وما زالت مستمرة في محاصرتها لحركات التحرر(العربية في إقليم عربستان والكردية في كردستان الشرقية والأذرية والبلوشية ..الخ).
يتضح لكل ذي بصيرة ـ والحال على ما تقدم ـ أن تركيا كنظيرتها ايران تودُّ، بسياستها المكيافيلية هذه، والتي سبق لمصطفى كمال(أتاتورك) أن أرسى دعائمها، تلميع صورتها ومن ثم تسويقها فنياً(2)، لتعزيز موقعها كقوة إقليمية في شرق المتوسط إقتصادياً وسياسياً وعسكرياً كما أسلفنا، من خلال لعب دور الوسيط في الصراع العربي ـ الاسرائيلي، نيابة عن الولايات المتحدة الأمريكية.
إلا أن مايلفت النظر ويثير الدهشة حقاً في الآونة الأخيرة، هذا الرهان العربي على الدور التركي أو مثل هذا الافتتان العربي بـ(الأواني التركية الجديدة)، رغم أنها لاتحوي سوى الخمر المُنْتَج من كروم(الكمالية)، ناهيك عن الضجيج المفتعل الذي يثيره الاعلام العربي، حول الحضور التركي أو اكتشاف تركيا أو التغني بشهر العسل العربي ـ التركي، حتى بلغ الأمر بأحدهم(3)، إلى اطلاق صيحة الاستغاثة:(وا أردوغاناه) على الملأ في قناة الجزيرة !. لكن، هذه المعزوفة(الهُوسا) المصحوبة ببعض الفتاوى ذات الطابع الاسلامي، والتي يسعى من خلالها هذا الاعلام تضليل الرأي العام العربي، أضحت باهتة أمام الوقائع الدامغة، ففي نهاية حزيران2010م، تسربت ـ كما هو معلوم ـ أنباء عن عقد لقاء سري تركي ـ اسرائيلي بسويسرا، ضم كلاً من أحمد داوود أوغلو و بن أليعازر، مما أثار هذا اللقاء المزيد من الاشمئزاز والاستهجان من لدن المواطن العربي، الذي يعاني من رهاب الواقع أو الذي لايتعاطى السياسة، فما بالك بالمعنيين بهذا الشأن يا تُرى ؟.
------------------------------------------------------
1- جدير ذكره أن تركيا أدرجت(حزب العمال الكردستاني) تحت قائمة الارهاب بمباركة أمريكية، متناسية إرهاب الدولة(الابادة الجماعية وحملات الجينوسايد) التي مارستها في الماضي بحق الأرمن والسريان والكرد والعرب واليونان، أو الارهاب الذي تمارسه اليوم بحق الكرد. لكن رجل دين، مثل الشيخ(قرضاوي)، ضرب بمفهوم المقاومة عرض الحائط منذ فترة قصيرة، تساوقاً مع النزعة العنصرية الطورانية، وذلك حين وصف صراحة هذا الحزب بالارهاب، لأنه يسعى وفق زعمه إلى تقسيم بلد إسلامي مستقر !، متناسياً بأن هذا الحزب لم يستهدف سوى الأهداف العسكرية والأمنية دفاعاً عن النفس، وأقدم على مبادرات عدة ومن طرف واحد بغية وقف إراقة الدماء، ودعا إلى الحوار مراراً، لكن النظام التركي كان يفوت الفرصة تلو الأخرى، تحت هذه الحجة تارة أو تلك تارة أخرى. والتاريخ ياسيدي سيعاقب عاجلاً أو آجلاً مفوتي الفرص، وسيفضح عهر فقهاء الظلام ومتزلفي الأنظمة التي تضطهد شعباً كالشعب الكردي.
2- تتهافت اليوم الفضائيات العربية على بث العديد من المسلسلات التركية بعد دبلجتها، ومنها تلك المثقلة بالايديولوجيا الكمالية، التي تشوه حقيقة حركة التحرر الكردية.
3- استضافه (فيصل القاسم) في برنامجه المعروف(الاتجاه المعاكس)، الذي تبثه قناة الجزيرة كل ثلاثاء، لكن المحلل السياسي(عقاب صقر)، وقف له بالمرصاد وأفحمه بالحجج والوقائع الصارخة، مما أثلج قلوبنا جميعاً بحق.
#بلند_حسين (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟