أماجود علي
الحوار المتمدن-العدد: 3286 - 2011 / 2 / 23 - 20:09
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في خضم كل الإحتجاجات الشعبية من الخليج إلى المحيط، وبعد بدأ التغييرات السياسية في عدد من البلدان التي قامت بالإطاحة بحكامها السابقين، تولدت بالمغرب فكرة إستعمال الشارع كأداة للتعبير عن مجموعة من المطالب خصوصاً في شقها السياسي المتعلق بالدستور، بعد سنوات من إحتكار هذه المطالب من طرف اليسار (الرديكالي) و من طرف الإسلاميين الغير المتحزبين(العدل و الإحسان، السلفيين...).بحيث لأول مرة في السنوات الأخيرة يتم رفع شعارات من قبيل:"ليسقط النظام"، "المخزن سير بحالك المغرب ماشي ديالك" "المغرب سير سير حتى النصر والتحرير" ...إلخ. لكن يبقى أهم شعار وأهم مطلب:"لا للحكم الفردي، ملكية برلمانية، ملك يسود ولا يحكم" بعد أكثر من 50سنة من الحكم المطلق من قبل نفس المؤسسة في بلد لا يبعد عن أوروبا إلا ب14كلم، وبنفس المسافة عن نظام ملكي أوروبي ديموقراطي برلماني. في بلد يطبق فيه دستور يخول فيه صلاحيات واسعة للملك، وفي نفس الوقت يضع عدة مؤسسات دستورية على أرض الوجود ولكن بصلاحيات جد مقننة وبدون إستقلالية تامة، مما يجعلها مرتبطة بشكل كبير بالقرارات و الإستراتيجيات الملكية.
بعد ما سمي بالإنتقال الديموقراطي قبل وفاة الحسن الثاني، ومجيء حكومة اليوسفي كمقابل مادي لنخبة من اليسار (الحداثي أو الإشتراكيين الديموقراطيين)بعد تصويتها على دستور96، إنتقلت المؤسسة الملكية من فترة حرجة، التخوف من الفترة الإنتقالية ما بين الملكيين بعد كل التقارير الدولية التي تتحدث عن ظرفية حرجة للمغرب، إلى فترة لعلب فيها الملك ورقة القرب من الشعب(ملك الفقراء) لإدخال كل التعديلات الأساسية داخل المؤسسة الملكية، ونطرا لتكوينه الإقتصادي جعل من المؤسسة الملكية أحد أم مؤسسات الإنتاج داخل المغرب، بل وحتى محتكرة قطاعات إقتصادية عدة. لقد إستطاع في أقل من عشر سنين الرفع من حجم ثروة العائلة الملكية مرتين.
وفي نفس الوقت حاول الحفاط على مكتسبات ما يسمى بفترة الإنتقال الديموقراطي، بأن خلق محيطاً رسمياً والمتكون من المستشارين السابقين في عهد أبيه وأصدقاء الدراسة الذين عهد إليهم بمسؤليات رسمية و غير رسمية وأيضاً من جنرالات الجيش.
و محيطاً غير رسمي يلتقيه في تنقلاته الدائمة أو أثناء اللقاأت الرسمية والغير الرسمية يتكون أساساً من اليسار (الحداثي) و الذي أوكل لعدد كبير منهم مسؤليات على مؤسسات الدولة(مجالس، وكالات، سفارات....). مكتسبات تتجلى أساساً في عدم المطالبة بالإصلاحات أو بالأحرى بالتغييرات الدستورية، وأيضاً عدم القطع مع فترة التحرر الليبرالي الذي إختاره كأداة لدعم هيبته الإقتصادية، رغم ما ستخلقه هذه الإستراتيجية من بؤر الفساد في كل القطاعات( العقار، الأبناك، التجارة، الصناعة...)
فبعدما كان المغرب يعاني من فساد على مستوى الدولة(الجيش، العدل، الصحة، الدرك...) و في بعض القطاعات الإقتصادية. أصبح بعد إستراتيجية التحرر الليبرالي يعاني من الفساد من القمة إلى الأسفل، حسب التعبير الشعبوي، و أصبح الجميع يشير بأصابع الإتهام إلى أشخاص محددين داخل أو بالقرب من المؤسسة الملكية: منير الماجدي، حسني بن سليمان، أندري أزولاي، الجنرال بناني، الصفريوي، عثمان بن جلون، و رؤساء بعض المكاتب( الفوسفاط، الكهرباء، الماء...)، وأيضا إلى عدد كبير من المسؤولين الجهويين والمحليين في كل ربوع المملكة و عرف المغرب ظهور طبقة من البرجوازية الجديدة إلتي إستثمرت في هذا المناخ مما جعل من المغرب أحد أهم البلدان التي تعيش على فراغ كبير بين طباقاتها الإجتماعية.
للخروج بمعادلة تجعل من التغيير السياسي الحقيقي ،عبر إصلاح دستوري حقيقي، شبه مستحيل جاءت فكرة خلق قطب سياسي حداثي يدافع عن إختيارات الملك الليبرالية وفي نفس الوقت يملأ فراغ المعارضة داخل الرقعة السياسية، وبدعم كبير من مهندسي الخريطة الساسية بالمغرب إستطاع هذا القطب أن يلعب بكل الأوراق لتركيع ما تبقى داخل المشهد السياسي بالمغرب بما فيهم الإسلاميون المتحزبون للدخول إلى تقنية المفاوضات للإستفادة من ما تبقى من المناصب قبل الدخول في التحضير لإنتخابات2012
لقد كان الشعب المغربي يشير جيداً إلى بؤر الفساد على كل المستويات، وفي نفس الوقت لا يريد إسيتعاب فكرة أن القصر"قد" يحمي الفساد، لأن الملك مقدس و الصورة المرسخة هي أن الملك "ملك الفقراء" وأنه لا يمكن تصور المغرب بدون ملكية. فبعد إحتجاجات 20فبراير عمت مظاهر الفوضى عدة مدن مغربية حيث رفع الشباب شعارين متناقضين "ليسقط النظام" وبعد ذلك" ملكنا واحد الملك محمد السادس".و هنا يكمن لب المطالب الشرعية ليس فقط لحركة 20فبراير ولكن لكل الشعب المغربي: ليسقط نظام الفساد، لتسقط كل مؤسسات الفساد(بما فيها الأشخاص)
ليسقط نظام الحكم الفردي؛ وأكبر دليل على هذا النظام الفردي كان يوم 21فبراير مع تعيين المجلس الإقتصادي و الإجتماعي بحيث أننا في سنة 2011 حيث لازال منطق التعيين سائد وفي نفس الوقت جاءت مطالبأن يكون الملك بعيدا عن بؤرهذا النظام.
ففي رأي كل المحللين السياسين لأوضاع المغرب، لقد بدأ العد العكسي لكي يستجيب القصر لكل المطالب المشروعة، مهما كانت حجم وأشكال الإحتجاجات القادمة، ومهما كان الوقت الذي سيتطلبه إستيعاب هاته المطالب من طرف المؤسسة الملكية، و لكن التخوف المعبر عنه هو أن طبيعة النظام بالمغرب رغم ما يعطيه من إنطباع بأن الحكم بيد الملك، لكن في حقيقية الأمر هناك مؤسسات وأشخاص داخل القصر و في محيط الملك، ليس في صالحها إجراء أي تغيير بالمغرب ولكن في صالحها التنازل و لو للإسلاميين الرسميين لسد المنافذ داخل الخريطة السياسية للمطالبة بالإصلاحات الدستورية. وليصبح أي ُمطالب بالتغيير الدستوري عدو للملكية أو مشاغب.
أماجود علي
#أماجود_علي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟