أشرف شريف فهد
الحوار المتمدن-العدد: 3284 - 2011 / 2 / 21 - 02:29
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
إذا ما أراد احد إن يعرف ما كان عليه العراق في الفترة المظلمة ، فلا يتعب نفسه في البحث والتنقيب عن صور أو رسومات قديمة أو يرجع لكتب التاريخ ورواياته ، لا حاجة ولا ضرورة لذلك، فحاضر العراق الآن هو صورة حقيقية وواقعية لما كان عليه العراق في العصور المظلمة وفترات الانحطاط ، والفضل بالطبع لأحزاب الفساد الإسلامية والطائفية.
في غابر عهد، كان العراق يسمى مجازا بـ( ارض السواد ) لكثرة نخيله وأشجاره ومراعيه ومياهه وشطوطه ، فلا تقع عين الناظر إلا على زرع وماء وغابات وأبقار وخراف ترعى ، اليوم هو أيضا ( ارض السواد ) ، لكن ليس مجازا ، بل حقيقة وواقع ، فلا تقع عين الرائي إلا على خراب وبؤس وأوساخ ووحول ومياه آسنة وعلى رجال وأطفال ونساء تبحث في المزابل لتكسب قوتها اليومي ، عراق مظلم معتم يغيبان فيه الضوء والحرية ، عراق ترتسم ملامح الأسى واليأس على وجوه أطفاله ونساءه ، أشباح الجوع والضياع تجول في شوارعه وإحياءه ، رياح مسمومة خبيثة صفراء تعصف به وتقلع أبوابه فتدخل بهائم الموت الإرهابية تثير الفزع وتنشر الموت ، أيادي خبيثة وأرواح شريرة تشعل حرائق الفتن بين أبناءه ، الخوف يسكن أهله ، الأمل يغادر نفوس سكانه ويثقل الخوف قلوبهم ، خوف من الغد ومن ما يحمله المستقبل.
ووسط هذا البؤس والأسى والخوف ، سيطرت زمرة من الأحزاب الدينية والطائفية على الوطن فحولته إلى حصص واقتسمته فيما بينها مثلما يتقاسم اللصوص الغنيمة ، أو مثلما تتقاسم الذئاب الفريسة ، قادة أحزاب وكتل اشتروا سكوت بعضهم على بعضهم بالرواتب الضخمة والمناصب العليا وضمنوا صمتهم بالتلويح بنشر فضائحهم ووثائق التشهير بفسادهم ، اجتمعوا على الفساد كما يجتمع المصلون لأداء صلاة الجماعة ، وكأن مؤذن قد صاح حيا على الفساد ، فلبوا نداءه جميعا ولم يتخلف احد.
في بلد مستشفياته أوسخ من ملاجئ المشردين ومدارسه تزدحم بها الأطفال كالأسماك الصغيرة في علب السردين ، في بلد تدفن فيه المواهب والإبداعات كما تدفن جثث الموتى ، غاية الطموح أن يكون الشاب شرطيا أو جنديا ، في بلد انعدام فرص العمل ، في بلد الجياع والثكالى والأيتام والأرامل والعوانس والخراب ، في بلد عليه أن يدفع تعويضات ومديونيات .
في هذا البلد المنكوب رئيس وزراءه نوري المالكي ، الذي يدعي الزهد والإيمان والاستقامة يستلم راتبا مقدرا بـ 36 ألف دولار شهريا من غير المخصصات ومن غير رواتب الحراسات ومن غير نفقات الإقامة والسفر والأكل والشرب والعزائم والولائم ومن غير ملايين الدولارات سنويا ، منافع اجتماعية لا احد يحاسبه ولا يسأله عنها.
وبعد أن اغتنى والتحق بنادي المليونيرات ، وبعد خمس سنوات من الشفط واللفط ،
تنازل عن نصف راتبه ليصبح 18 ألف دولار شهريا!! أنها محاولة بائسة و رياء مكشوف للضحك على ذقون الناس ، أسوء ما فيها الاعتقاد بان العراقيين أغبياء وبلهاء لا يفهمون.
هل كان المالكي يعرف كم يتقاضى رئيس الوزراء ، ليس في العراق بل في الدول المجاورة.؟ رئيس وزراء لبنان لا يتقاضى سوى ( 8 آلاف دولار ) وحتى حسني مبارك لا يتقاضى سوى( 10 آلاف جنية مصري ) راتبا رسميا وهو رئيس دولة عريقة ، والشهيد عبد الكريم قاسم لم يتقاضى سوى راتبه العسكري.. فلماذا اقتدى المالكي بنماذج السوء ولم يقتدي بنماذج الصالحين؟
أين ذمة نوري المالكي وأين هي صلاته وصيامه وأين آيات القرآن التي تحث على الزهد وأين نهج الإمام علي. ؟ أليس هو الفساد بعينه أن يصبح الإنسان مليونيرا في يوم وليلة. ؟ لماذا لم يرفض راتبه الضخم ومنافعه الاجتماعية المليونية غير المعقولة ؟ هل يجهل كــــم هــــو متوسط الدخل لعائلة عراقية من الطبقة الوسطى ناهيك عن العائلة من الطبقة الفقيرة. ؟ لماذا يبذر ملايين الدولارات المخصصة كمنافع اجتماعية ولم يسأل عن أسباب وضرورة تخصيص هذه المنافع المشينة التي تدفع له دون وجه حق بينما آلاف الأطفال العراقيين لا يجدون بيتا غير أرصفة الشوارع والأزقة الضيقة ؟
وإذا كان الوزراء والمدراء فاسدون ، وهو كلام لا جدال فيه يبصره العميان ويسمعه الطرشان ، فان نوري المالكي هو إمام الفاسدين وشيخهم الكبير ، هو قائدهم وزعيمهم وعقيدهم. هو أسوئهم فهو المسئول الأول عما يدور في وزارته من فساد إداري ومالي ، لكننا لم نراه يوما يحاسب أحدا على تقصيره ولم يحيل أحدا لمحكمة أو تحقيق لفساده ، فهو ساكت عنهم والسكوت علامة الرضا. على العكس من هذا ، رأينا كيف خرج الفاسد فلاح السوداني وزير التجارة المقال من جريمة الفساد كما تخرج الشعرة من العجينة ، وكيف إن المالكي يحاول وبكل طاقته إصدار قرار بالعفو العام عن المزورين والغشاشين ، وكيف يفرض نائب ثالث لرئيس الجمهورية هو الملا خضير الخزاعي ليكون عبأ ثقيلا على ميزانية الدولة بعد إن كان عبأ على التربية فافسد مناهجها.
لا نعتقد إن المالكي تنقصه الأجهزة الاستخباراتية فلا يعرف ما يدور حوله ففي كل وزارة مخبر من حزب الدعوة ، ولا تنقصه السلطة لاتخاذ ما يلزم لمحاربة الفساد والفاسدين فهو صاحب القرار ، ولا المقدرة أن أراد إن لا يتساهل مع الفساد ، لكنه لا يريد ذلك أو ربما تنقصه الشجاعة ويثنيه الطمع أو خشي تهديد بنشر فضيحة.
ربما إن كل ما يهم نوري المالكي هو البقاء في المنصب، وثمن البقاء بالمنصب السكوت على الفساد.
#أشرف_شريف_فهد (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟