كريم المظفر
الحوار المتمدن-العدد: 3274 - 2011 / 2 / 11 - 14:59
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
خطاب الرئيس المصري حسني مبارك , وإن كان وكما هو متوقع لدينا لم يأت بالجديد سواء بالاستقالة أو الرحيل وكما توقع الكثير من هذا الخطاب , إلا أنه خطا خطوة من وجهة نظر كثيرين بالأتجاه الصحيح لتعديل الأوضاع في البلاد , ألا وهي تفويض نائبه بصلاحيات الرئيس لإجراء الإصلاحات الدستورية التي يطالب بها المعتصمون في ساحة الميدان وسط العاصمة المصرية القاهرة , وبهذا يكون مبارك عمليا رئيسا فخريا للبلاد ومن دون صلاحيات .
فقدان الثقة بالنظام الحاكم في مصر من قبل المتظاهرين , حمل القيادة العسكرية في البلاد , والتي ظلت حتى اليوم تقف على الحياد , إلى المسارعة لتقديم ضمانات بموجب بيانها الذي يحمل رقم ( 2 ) لتنفيذ كافة التعديلات الدستورية وإجراء إنتخابات رئاسية شفافة مقابل أن يعود المتظاهرين إلى بيوتهم وممارسة أعمالهم وإعادة البلاد الذي يتعرض إلى خسائر إقتصادية جمة , إلى وضعها الطبيعي , , لتضع أمام الجميع تساؤلا مشروعا هو ماذا بعد هذه التنازلات الحكومية الكبيرة والتي لم تتحقق طوال ثلاثين سنة ماضية ؟ !!
لا يختلف إثنان بأن لوحة انتفاضة الشباب المصري الهادرة في ميدان التحرير وغيرها في كل شوارع وأزقات مصر ، لا بد أن ينظر لها بانبهار وإعجاب شديدين لما أنجز على الواقع ، خصوصا وإن مثل هذا الإنجاز لم يتأتّ من فراغ , ونتفق على أن النظام حالياً يمر بأسوأ أيامه، ومع ذلك منسوب سقف التنازلات مازال قفراً وشحيحاً، ويبدو أن المجتمع الدولي وعلى رأسه أمريكا لا يريد التفريط بالنظام حتى ولو رحل مبارك شخصياً , لكن الغريب في الأمر هو أن أبرز ما يميز هذه الثورة هو أنها حتى الأن بلا قادة ولا أحد يعرف حتى الآن توجهاتهم؟ أيضا، لا احد يعرف عنها أي شيء , وكل ما هو معروف فقط هو شعارهم: الشعب يريد إسقاط النظام.
بالتأكيد أن حماس الشباب ونواياهم الطيبة وإن كانت مستندة إلى شعارات وطموح وآمال وردية , إلا أنها تمنع حاليا التفكير بمستقبل البلاد بعد رحيل ( مبارك ) , ولكن كما هو معروف فإن مثل هذه النوايا لا يمكن أن تقود دولة كمصر ذو ثقل سياسي وأقتصادي كبير في وطننا العربي والعالم .
الخطورة في مثل هذا الموقف الآن هو إستمرار الأحزاب والإتحادات السياسية والدينية القفز على مشروعية الإنتفاضة الشبابية المشروعة , لحصد ثمار ما قدم هؤلاء الشباب من تضحيات حتى الآن , فمثلا خرجت الأحزاب الدينية وجلست مع كل التيارات لوضع حل للخروج من الأزمة الحالية وبالتالي فإن الدخول في نفق الدولة الدينية يهدم كل المكاسب الحقيقية ويرجع بمصر إلى القرون الوسطى بل والمنطقة كلها بحكم ريادة مصر في المنطقة في حين تعالت أصوات الأحزاب السياسية بأحقيتها في قطف ثمار هذه الثورة الفتية لأنها وكما " يدعون " جاءت ثمرة " ( نضالهم ) !! .
ومثل هذا الوضع الآن في مصر دفع الأعداء بالأمس إلى التلاحم اليوم للتدخل بالشأن المصري وعلى أرض مصر الكنانة , مثل إيران والولايات المتحدة , وبالتالي فإن الوضع مرشح أيضا إلى تدخلات أو حتى عربية أخرى , خصوصا وأن الفوضى في مصر أصبحت اليوم أكثر خصوبة لمثل هذه التدخلات سواء لتصفية حسابات سابقة , أو لمصالح قادمة في بلاد النيل .
وليس غريبا أن تكون إيران هي السباقة في محاولة خطف ثمار الثورة الشبابية في مصر , ومنح " مرشدها الأعلى " خامنئي صفة "دينية الثورة " !!!! لتليها خطوات الرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي هدم السياسات الأمريكية المعتدلة المتبقية ، ودفع باتجاه التحريض على الدول وهذا أمر غير مقبول حتى من قبل المعارضة في هذه الدول .
إن مثل هذه الخطوة تحتم على المصريين اليوم التنبه بشكل كامل , ووعي عظمة التحول الذي قادوا مصر إليه وتحقيق مطالبهم بالإصلاح الدستوري , وإدراك أن هناك من يتربص لهذه الإنجازات لأجهاضها , وتأكيد على أن المصريين واعتدالهم وحبهم لبلدهم يجعلهم يرفضون أي تدخل في شؤونهم الداخلية ، وإعتزازهم بعروبتهم وحبهم للدولة القوية المتماسكة سيفشل النوايا " السيئة الصيت " سواء في واشنطن أو في طهران , أو في أي بقعة في أرض المعمورة أن تحصد شيئا من تدخلها السافر .
صحفي وأعلامي مقيم في موسكو
#كريم_المظفر (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟