|
قاسم محمد التجديد في المسرحية الشعبية
سامي عبد الحميد
الحوار المتمدن-العدد: 3273 - 2011 / 2 / 10 - 17:01
المحور:
الادب والفن
كانت مناسبة سعيدة ومؤثرة تلك التي جمعتنا عبر شاشة التلفزيون مع المخرج العراقي البارع (قاسم محمد) في إمارة الشارقة منذ أكثر من عشر سنوات لا خوفاً من تهديد ولا ابتعاداً عن المخاطر، انما لكونه وجد هناك فضاءات أوسع لتحقيق انجازات وإبداعات فنية أكثر بعد ان ضاقت تلك الفضاءات في بلده الذي ولد فيه وترعرع وتشرب بأصالته وتشبع بحزن وحب أبنائه معبراً عن ذلك التشبع وذلك التشرب من اكمال مسرحية شعبية عديدة مازالت كلها راسخة من ذاكرة زملائه المسرحيين والمعجبين به وبفنه من المواطنين، وكانت (النخلة والجيران) التي أعدها عن رواية الراحل غائب طعمة فرمان أولى تلك الميزات تسجيله بصدق وقائع مرحلة من تاريخ عراقنا الذي كان رازحاً تحت وطأة الاحتلال البريطاني وموقف العراقيين منه، وكانت الثانية في تجسيده شخصيات متنوعة في أبعادها من أبناء الشعب وخصوصاً من الطبقة الكادحة وما يعانون جراء التعسف وما يتطلعون الى حياة أفضل، والثالثة في تصويره البيئة العراقية بكل نكهتها بوسائل منظرية موجزة ومبتكرة ساعده فيها الفنان الراحل كاظم حيدر، وحدث الأمر نفسه في (الشريعة) ليوسف العاني وجعل المتفرج يعيش مع شخوص المسرحية تلك ويتلمس مساراتهم ومكابداتهم حيث بلور معالم المسرح الشعبي الجديد والتي تمثلت فيما لحق من انتاجاته المسرحية، وكانت مسرحية (حكاية العطش والأرض والناس) قد وصلت الى الذروة في أسلوبها المبتكر وفي مضمونها الحساس وأحداثها المعيشية التي ركزت على استلاب الحقوق، وانتقل فيها قاسم من الأسلوب التقليدي في بناء المسرحية الى الأسلوب الاحتفالي. ومن بداية عودته من بعثته الدراسية خارج البلاد أظهر قاسم محمد رغبة مدروسة في التجديد عندما دخل مدخل المسرح (المسرح التجريبي) حيث قدم لفرقة المسرح الفني الحديث وفي مسرح بغداد ثلاثية الكاتب الثوري اللاتيني (ازفالدو دراغون) إخراج الأولى (حكاية الرجل الذي صار كلباً) بنفسه محققاً أسلوب السهل الممتع، وأخرج الثانية (حكاية صديقنا بانجيتو) المخرج صلاح القصب، وأخرج الثالثة (مرض أسنان) كاتب هذه الكلمات محققين تنوعاً في الرؤى وفي الأسلوب ومتفقين في التأكيد على المضمون الشعبي بشأن معاناة الإنسان البسيط في مجتمعات تتحكم فيها أنظمة القهر والاستغلال، وبذلك أتاح (قاسم) لنفسه ولزملائه فرص التجريب في مسارات المسرح الشعبي الأممي. واذا كان هذا المخرج المجدد قد أبدى اهتماماً بالغاً في تقديم صور مشرقة للمسرح الشعبي فأنه أبدى اهتماماً آخر بتقديم المسرحية العالمية بصيغ يتقبلها المتفرج العراقي وبالمضامين الإنسانية التي لم تغب عن ذهنه وعن أذهانهم وفي هذا المجال أخرج لانطون جيكوف (أغنية التم) ولمكسيم غوركي (نفوس) بعد ان أعدها لتناسب البيئة العراقية وأخرج للياباني كيخوسيتا مسرحية (طائر الحب) وللشاعر التقدمي التركي ناظم حكمت مسرحية (شيرين وفرهاد) وللروائي الأمريكي وليم ساروبان مسرحية (النصيحة) بعد ان أعدها مقرباً إياها من أفكار ومشاعر المتفرجين العراقيين، كذلك أخرج للكاتب الإيراني كوهر مرار مسرحية بعنوان (الاملاء). وكان هذا المبدع المتفاني في حب المسرح ورسالته السامية من جملة المسرحيين العرب الذي حاولوا خلال الستينيات من القرن الماضي تحقيق هوية خاصة لمسرحهم بالإفادة من التراث الأدبي والشعبي، فكان ان قدم (أنا ضمير المتكلم) أعد فيها مسرحية ملحمية عن قضية الشعب الفلسطيني وأرضه السليبة مستفيداً من أشعار شعراء المقاومة الفلسطينية أمثال محمود درويش وسميح القاسم، وقدم (بغداد الأزل بين الجد والهزل) اعتماداً على مقامات الحريري وعلى أدب الجاحظ، وقدم (كان ياما كان) اعتماداً على حكايات الف ليلة وليلة، وقدم (مجالس التراث) اعتماداً على مصادر تراثية عديدة، وقدم (زاد حزني وسروري في مقامات الحريري) اعتماداً على عدد من مقامات الحريري، وقدم أيضاً من تأليفه في هذا المجال (الملحمة الشعبية) التي أخرجها له الراحل إبراهيم جلال، وكانت مساهمة قاسم محمد في مسرح الطفل وبعملية الناجحين (طير السعد) و(سر الكنز) من العلامات البارزة على الصعيد الفني والإقبال الجماهيري. وبرغم كونه كاتباً ناجحاً ومعداً ذكياً فقد اعترف بقدرة المؤلفين العراقيين الآخرين في تحقيق نجاحات مرموقة فنياً وشعبياً، لذلك اخرج للشاعر يوسف الصائغ مسرحيتين هما (العودة) و(الباب) وأخرج للروائي الراحل جليل القيسي (انا لمن وضد من؟) واخرج لأمير الشارقة الدكتور سلطان القاسمي عدداً من نصوصه المسرحية.وأخيراً وليس أخراً فقد عرف عن قاسم محمد في مجال تدريسه فنون المسرح أو في مجال عمله الإخراجي والتمثيلي مرتبة في التحليل والتفسير وحرصه على سبر أغوار الممثلين واستخراج قدراتهم وصولاً الى تحقيق الصدق في التعبير والتلقائية في الأداء، وبالتالي الى اقناع المتفرجين.
#سامي_عبد_الحميد (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جعفر السعدي .. مسيرة حافلة بالتألق
المزيد.....
-
اكتشاف قلعة عسكرية على طريق حورس الحربي في شمال سيناء
-
انطلاق الدورة السادسة لمهرجان بغداد الدولي للمسرح
-
ظهرت في أكثر من 60 فيلما..وفاة الممثلة ديان كيتون عن 79 عاما
...
-
حربٌ هزمت المجتمعَين وأسقطت كذبة وحدة اللغة والتاريخ المشترك
...
-
ظهرت في أكثر من 60 فيلما.. وفاة الممثلة ديان كيتون عن 79 عام
...
-
بيت المدى يستذكر الأديب الباحث الدكتور علي عباس علوان
-
-كتاب الرياض- يناقش صناعة المحتوى الثقافي
-
-الممثل غير المحترف-.. جديد محمد عبد الرحمن في معرض الرياض ل
...
-
دان براون يعود ليسأل: ماذا بعد الموت؟ قراءة في -سر الأسرار-
...
-
-الحافلة الضائعة-.. فيلم يعيد الفتى الذهبي ماثيو ماكونهي إلى
...
المزيد.....
-
شهريار
/ كمال التاغوتي
-
مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
شهريار
/ كمال التاغوتي
-
فرس تتعثر بظلال الغيوم
/ د. خالد زغريت
-
سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي
/ أبو الحسن سلام
-
الرملة 4000
/ رانية مرجية
-
هبنّقة
/ كمال التاغوتي
-
يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025
/ السيد حافظ
-
للجرح شكل الوتر
/ د. خالد زغريت
-
الثريا في ليالينا نائمة
/ د. خالد زغريت
المزيد.....
|