أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - نبيل مسيعد - مهلا ...الثورة لا تنتقل بالعدوى















المزيد.....



مهلا ...الثورة لا تنتقل بالعدوى


نبيل مسيعد

الحوار المتمدن-العدد: 3259 - 2011 / 1 / 27 - 17:40
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


بفرار الرئيس التونسي زين العابدين بن على من تونس يوم 14 . 01 . 2011 ، تحت تأثير المظاهرات التي عمت التراب التونسي ، تعالت أصوات المقهورين في البلاد العربية و البلاد الإسلامية متضرعة إلى الله ، أن يصيب قادتهم بما أصاب زين العابدين من هوان ، و يمنون النفس بانتقال الثورة ، لتعم كامل البلاد العربية . هذا ما نسمعه عند رجل الشارع في المقاهي و الأماكن العامة ، و يردده كل من تخذله الإدارة ، وكل محروم من حقوقه ، وكل مظلوم لم يجد قضاءا مستقلا ينصفه وينصره على الظلمة ، ويردده كل عامل لا يتقاضى الأجر الذي يضمن له كرامته و كرامة عائلته ، ويصرخ به عاليا كل شاب لم يجد فرصة عمل ، وتتعالى به دعوات أولياء " الحراقة " الذين غامروا بحياتهم و ركبوا قوارب الموت بحثا عن الأمل المفقود في ارض غير أرضهم ، لكن هذه القوراب حولتهم عن طيب خاطر إلى وجبة جاهزة للقرش في عرض البحار ، وتتكرر هذه الأماني وتتوالد مع مرور الوقت.

إن ما حدث في تونس ، أثلج الصدور ، ودغدغ في النفوس الشعور بالحرية ، وجعل المحرومين للحظة يعتقدون ، انه من المكن تغيير الواقع السيئ الذي يعانون منه ، وان الاستبداد ليس قدر محتوم ، وان الطاغية يمكن أن يرحل غير مأسوف عليه ، و من دون الحاجة إلى الدعم الخارجي . وما زاد في انتشار هذه الآمال و التحمس لها من طرف فئات عريضة في المجتمع ، هو ما يقوم به الإعلام بكل أشكاله و ألوانه بما فيه الإعلام الحكومي أحيانا . إن الفضائيات في برامجها الحوارية لا تمل من الإطراء على بطولة الشعب التونسي ، و لا تتوقف عن نقل ما يحدث في هذا البلد على مدار الساعة ، ولو كان الآمر بأيدي أصحاب هذه القنوات لأضرموا نار الانقلاب في كل قطر عربي و إسلامي .
وفي المحصلة إن اغلب المحللين وحتى الخبراء منهم ، يميلون إلى الاعتقاد بان لحظة التغيير التي ينشدها المواطن في البلاد العربية ، قد حان أوانها ، وأنها لا تحتاج إلا لمن ينفخ لهيب الثورة فيها ، وان يقتبس احد المقهورين جذوة من نار ملتهبة من النوع الذي أوقده محمد البوعزيزي في سيدي بوزيد التونسية أواخر شهر ديسمبر من العام الماضي ، ويدسه في أول ما تقع عليه عيناه ، فكل شيء قابل للاشتعال ، والظروف مهيأة ، و الفساد ينتشر بكل قوة ، موفرا وقود النار ، التي تلتهم الأخضر واليابس ، و بالتالي سيتم استنساخ ثورة الياسمين ، بكل يسر ، ولا يهم ان كانت ثورة من فصيلة الإزهار ، أو الفواكه أو الخضار. إن العربي يرحب بالثورة حتى لو كانت ثورة باذنجان أو ثورة قرع ، لا يهم التسمية ولا تهم رائحة الثورة وطعمها بقدر ما يهم ما تسفر عنه من أعمال.
لقد فعلت ثورة الياسمين فعلها في نفوس الشعب العربي التواق إلى الحرية و الكرامة و العزة التي لم ينعم بها من قبل ، حتى ان البعض من هذا الكتل البشرية المنهوكة و المنبطحة ، لم تجد ما تعبر به عن فرحتها ، إلا بالتوجه الى السفارة التونسية ، و الوقوف أمامها ، معلنين تعاطفهم مع الشعب التونسي ، و مبدين فرحتهم لرحيل الرئيس السابق بن على . فهل حقا هو احتفال ؟ أم هو التظاهر السلبي أو التظاهر المنحرف الذي فقد الاتجاه الصحيح ، لان هذه الجموع كان عليها أن تتوجه إلى قصر الحاكم الذي يقبع فيه مند عقود ، لتقتلعه من جذوره التي تغلغلت في النفوس قبل أن تخترق الأرض ، منتظرا ملك الموت أن يعفيه من مهمة تركيع الشعب . كان عليهم ان يستسمحوا ملك الموت إلى حين ، ويزيحون الطاغية ، تقليدا لما صدر من الشعب التونسي ، لا أن يتظاهروا أمام السفارة التونسية . ليس من حق الشعوب المقهورة أن تفتخر بما حققه الشعب التونسي ، إلا هذا الشعب الذي أعلنها أخيرا و تمرد على النظام الحاكم ، انه شعب ملّ من انتظار المخَلص الذي ينقذهم من براثن النظام البائد ، نظام زين العابدين ، فحق له أن يحتفل . أما أنت أيها الشعب المغلوب على أمره في باقي الدول العربية و الإسلامية و العالم الثالث ، فاعلم أن الآمر لا يتعلق بمقابلة في كرة القدم ، و لا يتعلق أيضا بزفة تتطلب مشاركة أهل العرس أفراحهم ، إن الأمر اجل من ذلك و اكبر ، انه يتعلق بمصير الأمة ، فاعمل على تحقيق الانتصارات ثم احتفل بانتصارك .
لكن الشعوب الحرة التي تمارس دورها السياسي كما تريد والمتواجدة في العالم المتقدم ، يمكنها أن تشاركه فرحته ، و الغريب في هذه الشعوب أنها تتجاهل ثورة الياسمين فلا نجد ذلك التهليل الذي يترافق عادة مع سقوط الأنظمة المستبدة ، كما حدث في أوروبا الشرقية في أوكرانيا و جورجيا . لماذا هذا التجاهل ؟ انه ينم عن نظرة الغرب إلى العالم الثالث ، وهي نظرة دائما ما تكون مقترنة بالاحتقار و الازدراء ، حتى أمام عظائم الأفعال كما وقع في تونس . و على كل حال إن الشعب التونسي ، لا يهمه التظاهر أمام سفاراته احتفالا بالنصر من طرف الأشقاء في الذل والعذاب و الهوان ، كما لا يكترث لتجاهل الغرب لما حققه من انتصار على الديكتاتورية .

قد يكون الكلام السابق تحريض على التظاهر و القيام بكل ما من شأنه أن يسقط الأنظمة الظالمة في البلاد العربية ، و كل بلاد العالم و أن يطيح بالحكومات الفاسدة التي تعبث بمقدرات شعوبها ، و ينسف الهيئات التي تشارك النظام في استمرار تسلطه على الشعب وتشاركه في ذلك باسم الشعب ، فليس من الممكن الإبقاء على هذه الكيانات التي تنخر جسد الأمة بل أصبح من الضروري اقتلاعها من الجذور .
لكن و بالعودة إلى التاريخ ، فان هذا التحريض الذي نسمعه في كل وقت ، صادرا عن مختلف فئات الشعب وبعض سائل الإعلام في كل مكان ، هذا التحريض سيذهب أدراج الرياح ، دون أن يجد أذانا صاغية ، وبالأحرى ، لن يجد نفوسا مهيأة لذلك ، فلا يتعدى طور الكلام ، وان شئت انه مجرد تنفيس عن ما يعانيه المواطن العربي من ذل و تهميش وهوان ، إن أصوات الحالمين بمستقبل سعيد في البلاد العربية ، والعيش في كنف الديمقراطية و استقلال السلطات في العالم العربي و الإسلامي و العالم الثالث ، عن طريق نقل ثورة الياسمين أو غيرها من الثورات إلى بلدانهم ، حلم ليس من السهل تحقيقه ، فتجارب الشعوب التي يذكرها التاريخ ، تبين انه الثورات لا تعدي في كل الأحوال ، فهناك تفاوت بين هذه الشعوب في إمكانية الاستجابة للدعوات التي تحرض على الانقلاب ضد الأنظمة الحاكمة .
والعودة إلى التاريخ تفرضها الأسئلة التي ما فتئت تنطلق من السنة المحللين و المراقبين ورجال الفكر ، الذين عبروا و بكل صراحة ، أن ما احدث في تونس كان مفاجئ جدا وغير منتظر ، خاصة وانه صدر عن شعب هادئ نسبيا مقارنة بغيره من الشعوب ، ولم يقتصر الأمر على هؤلاء ، بل حتى قرون الاستشعار الغربية أيضا ، لم تلتقط هذا الحراك ، وعموما يمكن اختصار حيرة الخبراء و المحللين و المراقبين في هذا السؤال : ماهي الأسباب التي دفعت بالشعب التونسي إلى الثورة في هذا الوقت بالذات ؟ وهل يمكن أن تنتقل هذه الثورة إلى باقي البلاد التي تعاني من الاستبداد ؟
والتاريخ يدرس تجارب الشعوب السابقة ، محاولا تقديم تفسير لما جرى من أحداث ، بغرض الاستفادة منها على قدر الإمكان في مستقبل الأيام . هذا التاريخ يعلن ـ ولو بشكل غير مباشر ـ أن الثورة لا تنتقل بين الشعوب ، وهو حكم بقدر ما يكون محبط بالنسبة للحالمين ببداية عهد التحرر من الأنظمة المستبدة ، ومنغص لأمالهم ، التي بدأت ترسم لهم معالم العهد الجديد ، عهد الديمقراطية و الحرية ، أقول بقدر ما يكون محبط لهؤلاء ، يكون بشارة خير للمستبدين ، الذين بدؤوا يستشعرون الخطر المحدق بهم ، وبدؤوا يتلمسون موضع خطواتهم فلا يدرون متى تزلزل الأرض من تحت أقدامهم ، لذلك أقول لهم ، لا داعي لكل هذا الذعر ، واصلوا تجبركم و تسلطكم ، تفننوا في تركيع شعوبكم وعيثوا في الأرض فسادا على فساد .

الحكم السابق أكرره الآن . إن الثورات لا تنتقل بين الشعوب ، وإذا عثرنا على خلاف ذلك في كتب التاريخ ، فالسبب هو المنهجية المتبعة في التأريخ ، إن التاريخ عندما يعرض علينا الثورات ، ويبين لنا كيف انتقلت من امة إلى أخرى ، يكون في هذه الحالة يعرض علينا ما يبدو على السطح فقط ، لكنه لم يتعمق أكثر ليكشف عن القوانين التي تحرك الشعوب ، أو تمنعها من الحركة ، و قد يكون معذورا في ذلك ، لأنه غير مؤهل للقيام بهذه المهمة ، وإلا ، لماذا تنتظر الثورة زمن معين حتى تندلع ؟ ولماذا احتاجت الشعوب المستعمرة إلى عقود من السنين حتى ثارت على الاستعمار و أخذت استقلالها عنوة ؟ ما ذا كان ينقصها ؟ قد يجيب المؤرخ بان العوامل المؤدية إلى الثورة لم تكن متوفرة ، لكن السؤال يبقى هو نفسه : هل هناك قوانين وسنن ثابتة تتحكم في ظهور عوامل الثورة ؟
وإذا كان التاريخ غير مؤهل للبحث في الأسباب الخفية التي تؤدي إلى ظهور الثورات ، فان علم النفس الاجتماعي له ما يقول في هذا المجال ، وعندما اعترف بان الثورة لا يمكن أن تنتقل من امة إلى امة ، سأكون متكئ في حكمي هذا ، على النتائج التي وصل إليها غوستاف لوبون في بحثه عن السنن النفسية المتحكمة في تطور الأمم .

إذا كان علم النفس بصورة عامة ، يبحث في النفس من حيث هي مصدر لأفعال و مقر لأحوال ، بغرض الكشف عن أسبابها ، ثم محاولة الاستفادة من نتائج البحث للتحكم في السلوك أو تغييره على مستوى الأفراد ، فان علم النفس الاجتماعي يبحث في الظواهر الفردية ذات البعد الاجتماعي ، خاصة ما تعلق منها بالأمم و عوامل قوتها و ضعفها ، وأسباب ظهورها وزوالها ، وهو بذلك يكون موضوع مشترك بين فلاسفة التاريخ و علماء النفس ، فمن فلاسفة التاريخ الذين بحثوا في شان الأمم ، من حيث القوة و الضعف و الانهيار ، نذكر ابن خلدون ، و جيامباتيستا فيكو ، و ارنولد توينبي ، ازوالد شبنجلر ، و مالك بن نبي . فلكل من هؤلاء وجهة نظر في مسألة التقدم الحضاري ، أو الانهيار الذي يعصف ببعض الأمم ، او بعض الحضارات . لكن لا نجد بينهم من بحث في البعد النفسي ودوره في مسيرة الأمم وحضارتها ، بشكل مفصل و مركز ـ حسب علمي ـ إلا المفكر الفرنسي غوستاف لوبون (1841 ـ 1931 ) وقد أشار لهذا الموضوع في كتب عديدة منها : الآراء والمعتقدات ، روح الاجتماع ، سيكولوجية الجماهير ، الحرب الأوروبية الأولى ، حضارة العرب ، اختلال التوازن العالمي ، حضارة بابل و أشور ، فلسفة التاريخ ، روح الثورة و الثورة الفرنسية ، و قد ظهرت هذه المؤلفات في نهاية القرن التاسع و بداية القرن العشرين .
واهم هذه الكتب بالنسبة لموضوع المقال ، هو كتاب " السنن النفسية لتطور الأمم " وقد نقله إلى العربية احمد فتحي زغلول باشا سنة 1913 و أعاد ترجمته عادل زعيتر ، في هذا الكتاب يبين غوستاف لوبون القوانين النفسية المسؤولة عن تطور الأمم ، مستندا في بحثه ، إلى أخر ما كشفت عنه الدراسات البيولوجية حول الوراثة في عصره ، و كيفية انتقال الصفات الجسمانية من الإباء إلى الأبناء ، مركزا على انتقال الصفات النفسية . كما استفاد كثيرا مما أسفر عنه علم النفس التحليلي من فتوحات في مجال دراسة النفس وكشفه عن جانب كبير فيها ظل مجهولا من طرف الفلاسفة و العلماء ، إلى أن جاء سيجموند فرويد بنظرية اللاشعور ، التي اثبت من خلالها أن القسم الأكبر من حياتنا النفسية ، لا نشعر به ، و هو المسؤول عن كثير من ردود أفعالنا . وهو كشف ارتفع به البعض إلى مرتبة أعمال غاليلي في مجال علم الفلك .
وقد استطاع غوستاف لوبون ان يؤلف بين هذه التحولات التي طرأت على العلم التجريبي و النفسي و يجمع بين هذه العناصر ، و يضيف إليها مجهوده الشخصي . وقد كان كثير الترحال ، فسافر إلى أسيا و إفريقيا ، وكون تصوره الخاص عن شعوب الأرض ، ليصل في الأخير الى وضع نظرية تفسر سبب تطور الأمم .
وما يهمني في هذه المقالة ، هو رأي غوستاف لوبون في إمكانية انتقال الحضارة بين الأمم ، بمعنى انه إذا ظهرت حضارة ما ، في مكان ما من العالم ، فهل من الممكن أن تساهم هذه الحضارة عندما تكتمل ، في نقل ما توصلت إليه من تقدم ، و تسلمه إلى الأمم الأخرى بغرض تشييد الحضارة عند هذه الأخيرة ؟ وقد أجاب غوستاف لوبون بالنفي ، و اعترض على فكرة انتقال الحضارة بين الشعوب اشد الاعتراض . إن التحضر عنده فعل يستوجب توفر شروط معينة ، ربطها البعض بالبيئة ، و البعض جعلها تابعة لعرق معين من البشر و منهم من يعتقد إن التحضر يمكن نقله عن طريق التعليم او حتى التقليد . لكن غوستاف لوبون يرفض ذلك كله ، و يرى أن الحضارة لا يمكن نقلها من امة إلى امة ، وان كان هناك من نقل ، فانه لا يتعدى الأشياء المادية ، و بعض عناصر الحضارة كالأنظمة السياسية و الاقتصادية ، وربما الفنون . ولكن لن يمر وقت حتى تتشوه هذه المنقولات لكي تنسجم مع المزاج النفس للأمة المستقبِلة ، وهنا ستفشل في تحقيق القفزة الحضارية .
إن الحضارة المتلقِفة لعناصر حضارية أنتجتها امة أخرى ، لا يمكن أن تنسجم هده العناصر مع روحها ، لان التركيبة النفسية للأمتين مختلفة ، فالأمة التي أنتجت الحضارة ، تكون قد مرت بمراحل طويلة ، تَشَكل فيها طبع ومزاج نفسي يميزها عن غيرها من الأمم ، ثم تناقلت أجيالها هذه الصفات عن طريق آلية الوراثة ، فلا يمكن إذا حرق المراحل و القفز على السنن الطبيعية ، فالطفل لن يبلغ مرحلة النضج إلا إذا اجتاز مراحل عديدة ، وكذلك حال الأمم .
إن الاستعداد للتحضر مسألة يفصل فيها الأموات حسب غوستاف لوبون ، الأموات ذهبوا منذ قرون خلت ، لكنهم قبل المغادرة قاموا بإرسال هدايا لأحفادهم الذين يأتون من بعدهم بمئات السنين ، هذه الهدايا تكمن في صفات جسمية و صفات نفسية ، تكفل بحملها الحامض الريبي النووي .
إن الوراثة تضمن انتقال الصفات الجسمية ، وتضمن أيضا انتقال الصفات النفسية ، وان كانت الأمة تفتقد إلى هذه الصفات من نشاط و إرادة وتحمل و صبر ، فلا يمكن أن تنتظر منها أن تبدع الحضارة ، ولا يمكن أن تكتسب هذه الصفات بأي طريقة كانت إلا الوراثة التي يعوزها البعد الزمني . لهذا وجب التحذير من الأمم التي تفتقد الى الصفات النفسية الايجابية ، و هنا لا تستغرب الموقف العدائي الذي يبديه غوستاف لوبون ضد المهاجرين ، لقد وصفهم في كتابه السابق الذكر بالأعداء الذين يجب استبعادهم او حتى القضاء عليهم ، وبالقضاء عليهم تكون الأمة قد تخلصت من مورثاتهم التي قد تنتقل بالمصاهرة و التزاوج ، إنها فيروسات لا تحمل في مورثاتها الا الخنوع و الكسل و الهوان ، لذلك ينبغي تدميرها .
وإذا كان غوستاف لوبون قد ركز على التحضر ، و كشف عن القوانين المتحكمة في بناء الحضارة ، فانا اقتبس منه الفكرة ، ولكن سأسقطها على الثورة في المجتمع الواحد ضد نظام الحكم فيه ، او أسقطها على الانقلابات الشعبية ، إن الثورة لا تقع ألا اذا توفرت شروطها أيضا ، وهذا حكم يلقى الإجماع عند كل الباحثين ، على اختلاف الزوايا التي ينظرون منها الى الموضوع . لكن الشروط التي أتكلم عنها الآن ، هي الشروط النفسية التي يجب ان تسبق كل ثورة . فالثورة الفرنسية ما كانت لتقع ، لولا التراكم الوراثي الذي تركه السلف للخلف ، و هو مخزون وراثي يعود لقرون طويلة . بل هناك من يرد انتصار يوشع بن نون في حربه ، إلى التغير الذي طرأ على نفسية اليهود إبان التيه الذي عرف انقراض الجيل الأول ، المترهل الخائف الخائر القوى ، و ظهر جيل آخر صقلته المحن في الصحراء ، فنجح هذا الجيل الحائز على صفات نفسية وراثية ، فيما فشل فيه بنو اسرائيل زمن موسى عليه السلام . إن هذه الصفات فعالة لكن لا يمكن نقلها شفهيا بل ينقلها الحامض الريبي النووي فقط .

والذي حدث في تونس يمكن النظر إليه من هذه الزاوية ، هذا الشعب عانى الكثير من الظلم و الاستبداد منذ عهد الاستعمار الفرنسي ، وقبله كانت المنطقة عرضة لجحافل الاستعمار الوندالي و الروماني. وهي فترة طويلة جدا كافية بان تزرع في كل تونسي بذور الثورة ، وقبل أن تتناقل الأجيال هذه الصفات النفسية المفعمة بالثورة ، شفهيا تكون في الحقيقة ، قد مررتها إلى الأجيال القادمة عن طريق آلية الوراثة ، وهي اضمن طريق لضمان وصول الرسالة الوراثية ، من الأموات إلى الأحياء ، إن آلية الوراثة بريد مضمون جدا ، فلا يوجد من تأمنه على رسالة ، ترسلها إلى أحفادك بعد 500 عام ، أفضل من DNA . وكما ذهب إليه غوستاف لوبون فان الصفات الوراثية النفسية هذه ، كلما طال بها الزمن تصبح أقوى و اشد . و في حالة الثورة ، نقول تكون اخطر خاصة عندما تستقر في أعماق النفس بشكل لا شعوري . لذلك اعتقد أن الصفات الوراثية ذات الطابع النفسي هي المسؤولة عما قام به الشعب التونسي ، ومن استمع إلى خطبة الجمعة 21 ـ 01 ـ 2011 التي ألقاها الشيخ القرضاوي في قطر ، يجد انه أشار إلى دور العامل الوراثي في صنع البطل ، وهذا عندما تطرق إلى الحديث عن سيدي بوزيد التي انطلقت منها الأحداث في تونس ، مبينا للحضور انه كان يظن أن اسم المنطقة ينسب إلى والى من أولياء الله ، ثم صحح له بعض التونسيين المعلومة ، ليكتشف أن المقصود بالاسم هو أبو زيد الهلالي ، ليعرج بعدها إلى الحديث عن محمد البوعزيزي و يصرح بصيغة المفتخر " انه هلالي " الأصل ، فمن أين جاءت هلالية محمد البوعزيزي ؟ هل وصلته شفهيا أم هو شأن وراثي خالص ؟
لهذا على الذين ينتظرون أن تقوم ثورات في البلاد العربية ، تقليدا لما حدث في تونس ، أن يتمهلوا ، و يراجعوا التركيبة النفسية لهذا الشعب أو ذاك ، و يمكن الاستدلال على محتوى الكرموزمات ، من صفات نفسية ثورية ، مثلما يمكن التنبؤ ، بالصفات الجسمية ، وذلك من خلال التعرف على المعطيات القديمة التي يطلعنا عليها التاريخ ، اعني تاريخ هذا الشعب الذي ننتظر منه أن يثور ، و ماهي المحطات التي مر بها ؟ وهل تعرض إلى ما من شانه ان يقوي فيه العزيمة ؟ أم تعرض لما يسلبه هذه العزيمة ؟ و يزرع في الضعف الاستكانة .
فإذا تبين انه فاقد لهذه الصفات ، فان فاقد الشيء لا يعطيه ، و لا تنتظر منه إي عمل يخلده ، بل يمكنك أن تتوقع له مستقبل طويل من الخضوع و الركوع ، إلى أن يتمكن و عبر سنين طويلة من تكوين الروح الثوري عند أحفاد أحفاده .
قد يعترض البعض على هذا الإسقاط و هذه النظرة البسيكوفيزيولجية للثورة ويرفض أن يكون للعوامل الوراثية إي اثر في قيام الثورات ، وسنده في هذا الاعتراض ، هو أن الحالة التونسية لا تختلف عن الحالات الأخرى في الدول العربية و الإفريقية ودول العالم الثالث ، وان تاريخهم متقارب و المراحل التي مرت بها هذه الدول متشابهة ، وبالتالي إذا كان المزاج النفسي يتكون متأثرا بهذه المراحل فانه يكون مزاج متقارب أيضا بين هذه الدول ، لكن رد الفعل ظهر في تونس دون غيرها ، لهذه يميل البعض إلى البحث عن أسباب أخرى لثورة الياسمين .
حقيقة انه لا يوجد اختلاف كبير بين تاريخ الشعب التونسي و باقي الشعوب العربية خاصة المتواجدة في شمال إفريقيا ، لكن مع هذا ، تبقى الوراثة مؤثرة و لها الدور الريادي في حلحلة الشعوب ، إلا انه أحيانا تتدخل عوامل خارجية ، تساهم إما في تسريع فعالية الوراثة ، كما قد تتسبب في تأخير عملية التغيير . فمثلا الشعوب التي كانت تحت الاستعمار الانكليزي حتما تركيبتها النفسية تختلف عن الشعوب التي كانت تحت الاستعمار الفرنسي ، ونظرة سريعة إلى الجماهير في ملاعب كرة القدم ، تعطيك فكرة عن الفرق بين عرب دول شمال إفريقيا و دول الخليج العربي ، و هذه الدول فيها من تتوفر على مصادر الثروة كالبترول و الغاز ، وهي ثروة تمكن الحكام من وأد إي تضمر أو رغبة في التغيير ، وذلك عن طريق توفير شروط الحياة الكريمة ، وبالتالي يمنع ظهور الثورات ، وقد لا تظهر حتى الأزمات الظرفية ، و في هذه الحالة يكون هذا الشعب في غير حاجة للثورة ، و حتى لو كان يتوفر على عناصر نفسية ثورية من الأجداد القدماء ، فإنه لا يفعلها ، و العضو الذي لا يعمل فانه يضمر مع مرور الوقت ، و هذا يصدق أيضا على الصفات النفسية ، التي تتراجع إن لم تفعل وقد تضيع نهائيا ، و بالتالي لا يمكن المحافظة عليها ومن ثم لن ترسل إلى الأبناء .
ونتيجة لهذا التصور ، فان الأجيال القادمة في بعض الدول العربية التي لا تعاني في الوقت الراهن من إي مشاكل اقتصادية ، أو أزمات سياسية ، ستكون مهددة في المستقبل من جهتين ، أولهما أن البترول و الغاز كمصدرين للثروة ، في نقصان مستمر إلى أن يختفيا تماما ، ومن جهة أخرى ترث الأمة كتل بشرية خالية من إي صفات نفسية وراثية تمكنها من تجاوز شح الطبيعة ، وهذا يرشحها لان تكون بؤرة للفوضى و الفساد الذي تعاني منه الصومال الحالية ، وقد يكون مستقبلها أبشع من وضع الصومال الحالي . والسبب أن أجدادهم و آباؤهم الذين يعيشون بين ظهرانينا الآن ، لا يتعرضون إلى منغصات الحياة ، و لا يعانون من الأزمات التي تعاني منها باقي الشعوب في العالم الثالث ، و بالتالي لا يتكون عندهم المزاج النفسي الثائر ، وبدل ذلك يتكون مزاج نفسي ، مستسلم قانع و خاضع ، و في هذه الحالة ، فأنهم لا يملكون ما يمررونه إلى أحفادهم من الصفات النفسية الثائرة ، و لا يجدون ما يرسلونه إلى من يأتي من أبنائهم ، إلا الخنوع و الاستسلام . لذلك أرى أن ما حدث في تونس ، مستبعد أن يتكرر في الدول العربية التي تعرف ارتياح مالي و استقرار اقتصادي .
أما الدول العربية التي تمر بظروف عصيبة في زمننا هذا ، سواء من حيث شح الموارد الطبيعية ، أو تكرر الأزمات السياسية التي تهدد الأمة من حين لآخر ، هذه الدول ستكون بمنأى عن الإخطار التي تتعرض لها الدول البترولية في المستقبل ، لان الأحفاد وان لم يرثوا عناصر الحضارة المادية من إبائهم فإنهم ورثوا ما هو أثمن و أغلى ، انه العناصر النفسية الدافعة لتشييد الحضارة ، لقد ضمن لهم الأجداد و الإباء زاد وراثي كافي ، يمكنهم من التعامل مع الظروف القاسية مهما كان نوعها .
أما لماذا لم تعرف هذه الدول ـ وهي على ما هي عليه من ضعف و استبداد ـ مظاهرات قوية بهدف تغيير أنظمة الحكم فيها ، رغم التشابه الظاهر بين هذه الدول الفقيرة و تونس ؟ فلا أجد من تفسير إلا القول بان دهاء الحكام قد يساهم بدوره في تأجيل الثورة و يمنع تفعيل الصفات النفسية الثورية وهذا من خلال سياسة التنفيس . فيستطيع أن يؤجلها لكنه لا قدرة له على منعها أو نزعها من نفوس حامليها نهائيا ، إنها أشبه بقنبلة موقوتة تنتظر أوان انفجارها .
كثيرا من الدول العربية أسوأ حال من تونس ، لكن لم تشهد حراك سياسي واجتماعي أو انقلاب شعبي كما وقع في تونس ، ذلك لان الحكام على علم بقوة البركان الخامد الذي يستقر في أعماق الشعب ، فيعمد هؤلاء إلى سياسة تنفيس البركان . فيسمحون ببعض التظاهرات و يستغلون المناسبات السعيدة خاصة التي تستقطب الشباب ، مثل كرة القدم و الحفلات و المهرجانات ، ويعملون على التقليل من حدة البركان الذي يكاد ينفجر ، بسياسة التنفيس المدروس فيُمنع من الانفجار ، و بالطبع هذه العملية ـ تنفيس البركان ـ تحتاج إلى خبرة كبيرة ، إلى كفاءات تستطيع قياس درجة البركان في صدور المواطنين ، و تقترح الوقت الذي يتم فيه التنفيس ، و كم يستغرق التنفيس ، و متى ينتهي ، و المكان الذي يتم فيه التنفيس . هذه كلها عمليات تُدار بدقة . وتحتاج إلى الخبرة العالية وتلقى اهتمام من المستبد إلى درجة التفكير في إنشاء وزارة للتنفيس ، إلا أن الاحتياط و الحذر يُبقي على هذه الهيئة بعيدة عن الأضواء . بالإضافة إلى الاستعانة بالأئمة المأجورين الذين لهم باع طويل في تحضير المهدئات و المسكنات التي ينتزعونها من القرآن و السنة ، و يتصرفون في ما ينتزعون حسب أهوائهم و بالأحرى حسب إرادة الحاكم ، و ليس على ما يقتضيه التفسير الصحيح للنص المقدس .
لكن الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي ، لم يكن يتقن فن التنفيس ، او انه يتقنه ولكنه الغرور الذي جعله يظن أن الشعب التونسي قد استقر التطور فيه على صفات الخضوع الأعمى ، و انه شعب لا يمكن أن يغير هذه الصفات ،التي استمر لعقود منذ أن كان وزيرا للداخلية و هو يلقنها شعبه بكل طرق التدريس و بأحدث ما توصلت إليه الوسائل البيداغوجية التي تتم في دهاليز مراكز الأمن ، وربما فكر في أن يطعمهم الذل الهوان ممزوجا مع الخبز و الحليب . لقد اعتقد أن الشعب ، و نظرا لركوعه الطويل ، سينصبه ملكا على تونس . إن القبضة الحديدة التي حكم بها تونس ، جعلته لا يتفطن إلى سياسة التنفيس ، التي تتقنها جيدا بعض الدول العربية . فتتحكم في بركان الشعوب بطريقة تثير الغيرة في نفوس علماء الجيولوجيا و المتخصصين في دراسة البراكين الطبيعية . فما هي إلا أيام معدودات ، وتتنفس البركان وبقوة قذفت بالرئيس يوم 14 جانفي 2011 من تونس الى السعودية في جنح الظلام .
ومنه إن السبب الذي جعل الثورة تقوم في تونس دون غيرها من البلاد العربية ، خاصة الفقيرة منها ، هي الصفات النفسية الموروثة ، التي تراكمت وترسبت عند المواطن التونسي ، مضافا إليها سياسة القمع التي انتهجها بن علي ، متجاهلا القانون الفيزيائي القائل بأن الضغط يولد الانفجار ، و بما انه لم يعتمد على سياسة التنفيس ، واخطأ في قراءة شعبه ولم يفهمه إلا في اللحظات الأخيرة كما قال . حدث الانفجار وقامت الثورة في تونس و ذهب بن على ، لكن ماذا بعد سقوط بن على ؟ هل الصفات النفسية الثورية الموروثة التي أدت إلى ثورة الياسمين ، توجد إلى جانبها ، صفات نفسية متخصصة في البناء بعد الهدم ؟
إن تشييد الحضارة عند غوستاف لوبون كما سبقت الإشارة إليه ، يقوم على صفات نفسية لا شعورية ، تمكن المواطن من القيام بدوره الحضاري دون تَصنّع ، و دون أن ينتظر أوامر، و لا يبتغي من وراء ذلك شكرا من احد . وعندما يقوم بأعمال البناء يقوم بها بشكل لا شعوري ، و لا اقصد من كلمة لا شعوري ، غياب الوعي ، وإنما اقصد الإقبال عليه بحماس و نشاط كنتيجة لرغبة داخلية فيه و ليس نتيجة لدوافع خارجية . وهو في هذا يقف على طرفي نقيض مع المواطن العربي الحالي من القمة إلى القاعدة ، الذي يقوم بأعمال الفساد و النهب و الرشوة على السليقة ، و لا يجد حرج فيها ، وقد يعدها مصدر فخر يتباهى به أمام مواطنيه ، هذا النوع من الأفراد الذين يشكلون المعدل المتوسط في المجتمعات العربية ، لو فرضنا انه يريد القيام بعمل خيري لصالح بلاده ، فانه لن يستطيع فهو مدفوع إلى الإفساد ، ومبرمج وراثيا على الهدم و في هذه الحالة لا يمكن تغيير سلوكه .
و بالمقابل نجد الإنسان المتحضر في الدول المتقدمة ، يقوم بعمله الحضاري بكل إخلاص و هذا الإخلاص لا ينبع من التربية و الدين و لا من الوطنية الموسمية ، لكنه نابع من مخزونه الوراثي ، و ما صله من أجداده و إبائه ( الابن سر أبيه ) فتراه يجد و يجتهد ، وأكاد اجزم أن الإنسان المشيد للحضارة ، لو تعمد الإفساد لما استطاع ذلك ، ألا ترى معي أن الذي يتعود العمل و النشاط ، يشعر بالضيق الشديد إذا توقف عن العمل ؟ كذلك الحال بالنسبة للمواطن المتحضر ، فهل للشعب التونسي هذه الصفات الوراثية التي تعمل على تشييد الحضارة ؟ آم انه اكتفى بالصفات النفسية الثورية التي مكنته من طرد زين العابدين بن علي ؟ وهل تسعفه هذه الصفات في المحافظة على الثورة و حمايتها و العمل على توجيهها و التصدي لكل انحراف يطالها ؟
إذا كان الشعب التونسي اسقط بن علي ، و يريد إسقاط نظامه بالكامل و ذلك عن طريق حل الهيئات التي كان يسيطر عليها الحزب الحاكم ، و لم يفكر في إسقاط هذا النظام القمعي من النفس الجمعية التونسية ، حتى يمنع استنساخ نظام بن علي مرة أخرى . وهذا مستبعد خاصة في ظل إقبال المعارضة على المشاركة في حكومة الإنقاذ ، ورغم تفطنهم للخطأ الذي ارتكبوه عندما انسحبوا منها ، فان هذا التصرف مؤشر خطير على خلو هؤلاء من الصفات النفسية الايجابية .
إن الاكتفاء بالهدم دون البناء في تونس ، يؤدي إلى الاعتراف بصواب الرأي الذي نظر إلى الثورة التي وقعت في تونس ، على أساس أنها ليست ثورة ديمقراطية ، بقدر ماهي ثورة على نظام الحكم ، قام بها شبان ضد قائد فاسد و تم إسقاطه . لكن هذا لا يمنع ظهور نظام حكم أخر اشد و أقسى ، و قد يخرج من بين أفراد هذا الشعب المنتفض الذي اسقط النظام ، حاكم على شاكلة بن علي ، و قد ورد عن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم قوله كما تكونوا يولى عليكم ، بمعنى أن الحاكم يكون من طينة الشعب ، حاكم لا تختلف صفاته النفسية عن زين العابدين بن علي ، أو إي حمال في باجة أو المهدية أو تاجر في سيدي بوزيد ، فالمزاج النفسي للأمة متشابه ، لذلك قد تسفر الثورة عن نظام آخر اشد استبدادا و ديكتاتورية من سابقه .
هذا إذا كان الشعب غير محمل بمزاج نفسي واعي بحقيقة الديمقراطية كسلوك ، يتدخل في تسيير شؤون الدولة وإدارة دواليب الحكم ، أو كمنهج ينعكس في معاملات الناس فيما بينهم على اختلاف مناصبهم ووظائفهم ، وفق أسس ديمقراطية ، بل وكمنهج يطبق حتى في منازلهم مع أفراد العائلة ، إن الديمقراطية شعور ينعكس على كل ما يصدر عن حامله من أفعال وسلوك ، إنها ليست شعار يرفع ، وعندما تصبح الديمقراطية ثقافة سائدة في المجتمع ، هنا يتم الانتقال إلى الديمقراطية كنظام حكم بسلاسة .
الديمقراطية دواء فعال لما تعانيه البشرية من ظلم وهذه حقيقة ، لكنه كغيره من الأدوية يحتاج إلى نظام عند التداوي به ، و يحتاج إلى أخذه على فترات و بجرعات محددة من طرف حكيم عليم بالأمراض وأساليب العلاج ، وإذا كان الطبيب يفصل بين الجرعات بالساعات حتى يحقق الدواء الشفاء ، فان الديمقراطية أيضا ، لا يجب أن تُؤخذ في جرعة واحدة ، ولو فعلت ذلك امة من الأمم ، لكان في الديمقراطية حتفها ، إن الديمقراطية تؤخذ على جرعات ، ويجب الفصل بين هذه الجرعات ليس بالساعات ، وإنما بالعقود من السنين و ربما تطلب الشفاء التام ، القرن و القرنين من الزمن ، حتى تتحول الديمقراطية إلى ثقافة في المجتمع ، وهذا ما يفسر انتقال كثير من الدول إلى الديمقراطية مثل اسبانيا التي تخلصت من فرانكو و الشيلي التى أزاحت بينوشيه و بعض الدول في أوروبا الشرقية ، دون لغط و دون فوضى و دون أن تدفع ضريبة الدم ، و بعيدا عن الأحداث المؤلمة التي عاشتها بعض الدول و تعيشها الآن ، دون أن تحصل في النهاية على الأمل المنشود وهو الديمقراطية . فهل أدركت تونس هذا المستوى من التطور ؟ وهل أخذت الديمقراطية على جرعات متباعدة ؟
وهنا لا استطيع أن اخفي شعوري إزاء ما وقع في تونس ، إن الشعب التونسي أراه قد شرب الديمقراطية دفعة واحدة ، و هو الآن ثمل من شراب الديمقراطية ، كما ثمل من قبله الشعب الجزائري ، لكن بعد أن يزول تأثير المشروب سيستيقظ على أوجاعه وقد زادت حدة . و مع هذا إن التعامل مع الديمقراطية و محاولة الاقتراب منها ، قد يكون مشوب بأخطاء وقلة تبصر، خاصة في ظل الاستبداد و القمع ، وقد تتعرض البلاد لهزات عنيفة ، إلا انه لا يجب الخوف من الديمقراطية ، بل إن الاقتراب من الديمقراطية في إي صور كان ، يعبر عن سلوك صحي في تاريخ الأمة ، وان لم يستفد الجيل الحالي منها ، فان هذا الجيل يكفيه فخرا انه وضع اللبنات الأولى لبناء الديمقراطية في تونس ، وستذكره الأجيال القادمة بخير ، إن عثرت عليه في ثنايا كتب التاريخ ، وان قصر المؤرخون و لم يسجلوا هذه الأعمال العظيمة ، فإن الحامض الريبي النووي لا ينسى ، و سينقل الرسالة بصدق وأمانة ، من الإباء إلى الأبناء و إلى الأحفاد و أحفاد الأحفاد . فلتهدأ روح محمد البوعزيزي وكل أرواح شهداء ثورة الياسمين .







الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295


المزيد.....




- بتكليف من بوتين.. شويغو في بيونغ يانغ للقاء الزعيم الكوري ال ...
- نتنياهو وإيران: تلويحٌ بالتغيير من الداخل واستدعاء واشنطن إل ...
- -واينت-: مقتل جندي من جولاني في خان يونس وإصابة 4 آخرين بجرو ...
- الشرطة الإسرائيلية تعتقل أشخاصا أحضروا كاميرات لبث مباشر لضر ...
- هل بدء العد النازلي نحو -القنبلة النووية الإيرانية-.. من يص ...
- أشار إلى عملية البيجر.. سفير إسرائيلي: هناك -طرق أخرى- للتعا ...
- ‌‏غروسي: أجهزة الطرد المركزي في نطنز ربما تضررت بشدة إن لم ت ...
- OnePlus تعلن عن حاسب ممتاز وسعره منافس
- جيمس ويب يوثق أغرب كوكب خارج نظامنا الشمسي تم رصده على الإطل ...
- الاستحمام بالماء الساخن.. راحة نفسية أم تهديد صحي خفي؟


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - نبيل مسيعد - مهلا ...الثورة لا تنتقل بالعدوى