أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - طه رشيد - الله والغزالة















المزيد.....

الله والغزالة


طه رشيد

الحوار المتمدن-العدد: 3257 - 2011 / 1 / 25 - 08:54
المحور: كتابات ساخرة
    


حكاية ميلودرامية مستوحاة من نكتةٍ عراقية ، وشر الكفر ما يضحك في العراق !!!


في زمنٍ غابرٍ حكمَ بلادَ مابينَ النهرينِ حاكمٌ جمّع الناسَ حولهُ بقوةِ السيفِ وبالبطش كلما فشلتْ مع رعيّتِه المساعي الاخوانية والرقيقة او طريقة ( العيني والآغاتي) كما يسمونها ابناء هذا البلد .

وقد خصص لهذه العملية المعقدة مبالغاً ضخمة اقتطعها من خزينة الدولة الغنية بالنفط والماء والعقول ، وهيأ للتنفيذ جيشا جرارا من العسسة والجواسيس والنصاتين والمخبرين وعدد هائل من المتطوعين من كتبة تقارير لا تؤدي الّا الى التهلكةِ، كانت عدتَهم القلم والورقة نظرا لعدم انتشار الكومبيوتر او الحاسوب ( كما يصرون ، الآن ، أهل تلك البلاد على تسمية هذا الجهاز ).

وانعدام انتشار الحاسوب آنذاك ، كان نعمة من الخالق ، إذ إن إيصال التقرير الورقي يحتاج إلى وقت كبير ، من لقاء المسؤول الى عقد اجتماع في وقت غير معلوم ، بعكس عملية إرسال التقرير الحاسوبي الذي لايحتاج الا الى دوسة زر وينتهي الأمر.

لقد وصل الأمر آنذاك الى حد ان الوشاية صارت السمة البارزة في التعامل بين الرعية ، فبات الولد يكتب على ابيه ، أو يسلم الاب ابنه الى العسس لأنه هارب من الجيش او لأنه معارض للنظام ، والموظف يشي بزميله والزوجة بزوجها حتى اختلط الموت وسام العذاب عددا من كبار القوم ومن صغاره كان قد وشي بهم أناس تربطهم صلة رحم او دم أو صداقة . ومن هؤلاء الضحايا من ليس له علاقة بالسياسة لا من بعيد ولا من قريب الا انه تجرأ وروى نكتة تمس من بيده الجاه والسلطان فاوشي به ، أما الضحية ألثانية فهو من سمع النكتة وانفرجت اساريره ولم يبلغ عن راويها .!!
ووصلت النذالة ببعض المنضوين تحت خيمة الحاكم - وكان استاذا بإحدى الجامعات - ان يقف امام سيده متبجحا بانه قاد اثنين من تلامذته الى المشنقة !!! .

كانت في هذه البلاد حديقة حيوانات ترعاها الدولة وتستخدمها لأغراض شتى ، ففي العلن للتنزه والفرجة وفي السر يستخدمون الحيوانات الضارية في تهديد وتعذيب وربما رمي من تسول له نفسه ، أن يحلم أو يفكر أو ينوي ان يغيّرأركان الدولة ، لقمة جاهزة لتلك الحيوانات..
كان في الحديقة غزالة بان عليها الهزال ، غالبا ما تستخدمها الحكومة في مرافقة من يلعب دور ( بابا نؤيل ) لتوزيع الهدايا في نهاية كل عام على عوائلٍ من اطياف مختلفة يتوددون لها من اجل كسب رضاهم وتقريبهم للحاكم الجبار ، اي ان الحكومة في هذه المرة تستخدم طريقة العيني والاغاتي .

ورغم كل ما بذلت الدولة من جهود لكي تكون متماسكة الا انها بدأت تتفكك وبدأت أسوارها تتصدع وبدأ الناس يشعرون بالضيق والضائقة وخاصة بعد عقود متواصلة من الغزوات ( والكونات ) التي لم تجلب سوى الخراب للناس وللمدينة .
كان شكل ( بابانؤيل ) مرعبا في ذلك العام ، اذ قرر الحاكم ان يقوم بنفسه باللعبة ليرى ردود افعال الناس بنفسه ، ولكنه لم يحلق على أجنحة الملائكة بل على أجنحة حرسه الخاص المدجج بالسلاح وركبوا الجميع داخل شاحنة محملة بالدنانير والدولارات ، شاحنة هائلة بسحبها ٩٩ عجلة لا تتأثر بالرعد او العواصف ولا تأثر فيها لا الراجمات ولا المنجنيق .
فبعد ان لبس السروال الأحمر ووضع اللحية الكثة البيضاء ولكي لا يتعرف الناس على شخصيته الحقيقة لانه كان الحاكم بنفسه ودمه ولحمه وشحمه ، وضع على رأسه - بدل القلنسوة الحمراء - قناعا احمر لم تظهر منه سوى عينيه الواسعتين والمخيفتين ، وراح يتنقل من بيت الى بيت ، ولكن الفكرة جاءت متأخرة ، إذ ان التصدع أخذ مأخذه من الدولة والبلاد التي حاصرتها شعوب وقبائل من الجهات الأربع لنجدت الناس التي عانت الأمرين على يدي الحاكم ورجاله . . . . .

حدث الزلزال في صبيحة ذلك اليوم النيساني حين تهدمت اسوار المدينة من جهاتها الأربع وحدث هرج ومرج وخرج الناس بين مطبل ومزمر فرحا باختفاء حكومة الجلاوزة والجلادين ببنما راح قسم آخر من الناس بالأستيلاء على ما يقع تحت ايديهم ولم تسلم منهم حتى حديقة الحيوانات تلك . وظهرت في تلك الأيام شرائح جديدة لم يسمع بها من قبل مثل : الحواسم والتوابون والعلاسون والمكبسلون والسلّابة الى آخر الاسماء والصفات التي ما أنزل الله بها من سلطان ...
ومات من مات بعد ذلك سحقا تحت الأقدام او بأمر من الحكومة الجديدة التي تشكلت بمساعدة القبائل المجاورة .
ومن المتوفين ذلك المواطن الذي حاول انقاذ غزالة هزيلة كانت قد هربت من تلك الحديقة وهي نفسها التي رافقت الحاكم المهزوم في جولته الأخيرة .

اكتشف المواطن ابو الغزالة بعد وفاته ان يوم القيامة لا وجود له بالشكل الجماعي المشاع ، أي ان الله لا يحاسب كل البشر في يوم واحد ، ان القيامة شعور فردي يحسه من تأتيه المنية سواءا بأمر الحاكم او بأمر غيره ، وان الحساب يتم بعد الوفاة بفترة لا تزيد على ايام معدودة لا تتجاوز اصابع اليد الواحدة ، إذ لا تأخير في المعاملة ولا روتين ولا( تعال باجر ) ...

وقف ابو الغزالة امام ربه وقد غطى عورته بقطعة قماش أبيض .. بقي الرب محدقا لوقت ليس بالقصير في جهاز حاسوب ضخم اكبر من حجم عشر شاشات سينما الخيام أو سميرا ميس ، هذا الحاسوب الذي لم يبد امام الرب سوى لعبة صغيرة يمسها بين الحين والاخر باطراف اصابعه ، ولك ايها القارئ ان تتصور الحجم الهائل للرب ، وقد وقف من خلفه ناكر ونكير وعدد هائل من الملائكة . . استغرب ابو الغزالة من اللغات التي يخاطب بها الرب ملائكته ، إذ انهم يعرفون كل لغات الارض وليس لغة قريش فقط ٠
رفع الرب رأسه محدقا ب( ابو الغزالة) وراح يهمهم بلهجة يفهمها كل الأجيال التي تعاقبت على العيش وسط حوض وادي الرافدين : خوش مواطن ، آدمي ، يصلي ويصوم ، ما يدفع الزكاة ، مو مشكلة ما عنده لا ثروة ولا مال ، بس مرات يدفع ( التفت الى أحد الملائكة ووشوشا بكلمات غير مفهومة ) ها ، يدفع خمس ، ميخالف ، ما راح للحج ، ما عنده أمكانية . همهم الرب مع احد الملائكة مرة اخرى وبعد فترة صمت جاء صوته مدويا : سارق !
هز رأسه ابو الغزالة نفيا فانتفض الرب : تكذبني ؟
هز رأسه نفيا مرة أخرى .
صرخ الرب : عيونك تشهد عليك
قدم ابو الغزالة شروحا : عيناي كاذبتان يريدان الانتقام مني ،أنني خلال حياتي اتعبتهما بالقراءة التي كنت أحبها
استفسرالرب : هل كانت كتبي ؟
رد ابو الغزالة : انت تعرف الغيب وما في الصدور يا الهي ! لذا اعتقد انك تعرف ماكنت اقرأ ، وهمهم مع نفسه : عمره ملايين السنين ولم يؤلف سوى ثلاثة كتب !!
حسم الرب الامر : ممنوعات ؟!
همهم ابو الغزالة : مثل تهمة الحكومة حين اعتقلوني ..عجايب !
دار الرب رأسه الضخم لملائكته ثم قال له : طيب ، هذه يدك اليمنى تشهد عليك حين سرقت الغزالة .. ماذا تقول ؟
تحركت يده اليمنى وهي تقوم بإشارة توحي بالموافقة لما قاله الرب .
أجاب ابو الغزالة : يا سيدي
نهره احد الملائكة
فقال ابو الغزالة :يا العزيز
نهره ملاك آخر
فانتبه ابو الغزالة لغلطته وكمل : يا الهي ، أنا اعرف سبب شكواها ، لقد كنت اعمل حدادا وقد اتعبتها كثيرا من شدة الطرق على المعادن .
فقال الرب ساخرا : كنت تصنع سيوفا وخناجرا وتثير الفتنة بين شعوب وقبائل خلقتهم ليتزاوجوا وليتحابوا وانت تريدهم ان يتحاربوا حتى اتمشي بضاعتك وانك ..
أراد ابو الغزالة ان يأخذ الحديث فنهره الناكر من خلف الرب الذي هز رأسه لكي يترك ابو غزالة مدافعا عن نفسه : لا ورأسك يا الهي ( وقال لنفسه مو انت تعرف الغيب بعد لويش اشكك بي ) لم اصنع سوى مناجلا ومحاريثا ومطارق وكل ما يحتاجه الناس الفقراء مثلي لإنجاز أعمالهم ولأني ...
قاطعه الرب : زين زين ، افتهمت ، انت تنكر بانك سرقت الغزالة ، انتظر لحظة . . .
عمل الرب حركات نصف دائرية بيده وكأنه يكتب او يرسم صورة ما ، حركات اثارت زوبعة من الغبار والبرق والريح اغمض ابو الغزالة عينيه لشدتها وما أن فتح عينيه حتى رأى غزالته ، نفس العينان الواسعتان ، بهت لحظة وأراد ان يحضنها ويقبلها الا ان نكير نهاه .
فقال الرب : ها هي غزالتك تشهد عليك
فاجاب : بل هي غزالتك يا رب الارباب فانت الذي خلقتها وانت الذي سويتها من تراب فخذها وخلصني دخيلك
قال له الرب : لا لا ، عليك ان تعيدها الى مكانها
فقال ابو الغزالة : يا الهي ، أنا توفيت قبل ايام ، ويعرفوني كل أهل المدينة ، وإن عدت الى حديقة الحيوانات ورآني شخص ما فانه سيصاب بالجنون او بالسكتة القلبية وسأكون سببا في ايذاء الآخرين وانت حاشى ان تقبل هذا !! .
أومأ الرب برأسه موافقا كما يبدو الا إنه قال
: الى جهنم وبأس المصير ! !
فارتعد ابو الغزالة من سماعه كلمة جهنم وقال متوسلاً : يا إلهي ، لم اطلب منك شيئاً طيلة حياتي سوى الرحمة والغفران رغم اني لم اقترف ذنبا ابدا ، وبما أنك رب العالمين ومسيّر الكواكب والنجوم وخالق الارض والسماء بسبعة ايام وانت المسؤول الأول عن كل ما هب ودب ، لذا أقترح بل أتوسل إليك أن تأخذ الغزالة وبلمحة بصر تضعها في حديقة الحيوانات في بغداد وانا بانتظار حكمك وأمرك وانا عبد مطيع لك ، انا خادمك يا إلهي الذي لا إله ، لا قبله ، ولا بعده .
اقتنع الرب بتوسلات ابو الغزالة الصادقة ورفض ان تنزل معه حمايته من الملائكة لسهولة المهمة وسرعتها الّا انه حدث ما لم يكن في الحسبان ، إذ ان سور الحديقة وبوابتها الرئيسة كانت مفخخة باطنان من المواد المتفجرة وما ان مر الرب من البوابة
حتى هز المدينة انفجارا أشبه بالزلزال ، تكومت البنايات بعضها على بعض واغرق أحد الرافدين نصف المدينة وماتت الغزالة واستشهد الرب على البوابة وحزن اهل البلد حزنا كبيرا وظلوا لزمن طويل يتسائلون :
منْ سنعبد بعد ربنا الواحد الأحد ؟
منْ ذا الذي سيحاسب القتلة في الآخرة بعد ان فشلنا من محاكمتهم في الدنيا ؟
ومنْ سيستطيع ان ينتقم من أولئلك العسس والمخبرين والمنافقين وكتّاب التقارير ؟
منْ الذي يستطيع ان ينتقم لأبنائنا الذين سقطوا بالمفخخات وكواتم الصوت والاغتيالات ؟
منْ ؟



#طه_رشيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قتلى


المزيد.....




- أحمد عز ومحمد إمام.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وأفضل الأعم ...
- تيلور سويفت تفاجئ الجمهور بألبومها الجديد
- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - طه رشيد - الله والغزالة