أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - صفاء بطاينة - الملك هو الملك















المزيد.....

الملك هو الملك


صفاء بطاينة

الحوار المتمدن-العدد: 3251 - 2011 / 1 / 19 - 13:48
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    



"الملك هو الملك"* اسم مسرحية لسعدالله ونوس, يحاول فيها ان يقدم تحليلا لبنية السلطة في المجتمعات الطبقية من خلال لعبة مسرحية (مسرحية داخل مسرحية) يقوم بها مجموعة من المتضررين من النظام الاجتماعي الطبقي.
الممثلون في المسرحية يمثلون اعضاء في تنظيم سري للطبقة المضطهدة, يقررون كجزء من نضالهم تمثيل مسرحية أخرى مستلهمة من احد قصص ألف ليلة وليلة التي تروي ان هارون الرشيد ضجر فقرر ان يحقق حلم احد الرجال الحالمين بالملك لمدة يوم واحد يتبادلان فيه الأدوار. هذه الفكرة تكررت في عدد من القصص والمسرحيات, ودائما كان الرجل يفشل في الحكم, ويعود إلى بيته في نهاية اليوم, ويعود الرشيد إلى عرشه. مضمون القصة يحمل تكريسا للنظام القائم لا تشكيكا في شرعيته فلا يصلح للمُلك الا المَلك. سعدالله ونوس اختار نهاية أخرى, فأبو عزة, الرجل المغفل الحالم بالملك يصبح ملكا فعلا ويظل متشبثا بالسلطة ويستولى على العرش.

أبو عزة كان تاجرا تآمر عليه شهبندر التجار والشيخ طه الإمام وافشلا تجارته, فيصاب بالجنون حتى يتخيل نفسه ملكا وحلمه الدائم ان ينتقم من خصميه الشهبندر والشيخ. يلتقي به الملك في إحدى جولاته التنكرية فيقرر ان يلعب ويتسلى, غير آبه بنصيحة الوزير الذي يرى ان علامة النهاية " ان ينسى الملك شرطه ويعامل بالاستخفاف ثوبه وتاجه", فيعطي الملك سريره ورداءه لأبي عزة وهو نائم, الذي يصحوا وقد وجد نفسه ملكا في مخدع الملك. يصدق أبو عزة انه الملك, ويتمكن من إدارة الحكم بصورة تذهل الملك السابق والوزير.

المدهش في اللعبة انه لا احد في القصر تبين ان ملامح الملك قد تغيرت, لا الخدم ولا القادة ولا حتى الملكة. بل ان زوجته أم عزة وابنته لا يعرفانه عندما تأتيان إلى القصر للشكوى. فالملك ليس له وجه ولا سحنة كما يقول الوزير, بل هو التاج والرداء والصولجان. هذا ما تريد ان تقوله المسرحية: اعطني رداء وصولجانا أعطيك ملكا. لكن كبرياء الملوك تنسيهم تلك الحقيقة الجوهرية.


حين يصبح أبو عزة ملكا لا يعود يعبأ بالانتقام من الشهبندر والشيخ, انهما أركان دولته وملكه كما يقول, لقد نسي العداوة حفاظا على عرشه. انه يأخذ مكانه في النظام كممثل للطبقة المسيطرة, ويتنكر لحلمة السابق بالعدالة عندما كان فقيرا. بل انه يحكم على نفسه ( أبو عزة) بالتجريس عندما تعرض عليه قضيته وينحاز للشهبندر والشيخ. "إذا كان الذي يخطب للملك, ويصلي له فاسد الأخلاق والذمة, فهذا يعني ان الملك قد يكن باطلا لا يستحق عرشا أو بيعة" يقول الملك أبو عزة.

الدولة في دوامة من الاضطرابات والمؤامرات والفتن في فترة تشتد فيها التناقضات الطبقية لدرجة يستحيل إصلاحها, ومن الحتمي والطبيعي ان يزداد الإرهاب - إرهاب السلطة وان تتوسع في استخدام القمع. الملك السابق كان غافلا عن هذه الاضطرابات, كان مطمئنا على عرشه فالعرش عنده له مقاس واحد هو مقاسه كملك هو مقاسه كرجل. بل لقد كان يظن ان هذه البلاد لا تستحقه. أما أبو عزة فقد أدرك ان ظروف الدولة تستدعي مزيدا من القمع والحزم للحفاظ على العرش. لقد أصبح الملك ملكا أكثر كما يقول الشهبندر. الظروف هي التي تصنع السياسة وليس شخص الملك. ولو بقي الملك السابق ملكا وعرف بالاضطرابات أو لو عاد إلى العرش فسيلجأ حتما إلى مزيد من الإرهاب لحماية العرش واستمرار النظام.

عدا عن قصة أبو غزة التي تقوم على التنكر المتبادل بينه وبين الملك. فسعد الله ونوس الذي يرى أن التنكر هو سمة النظام الطبقي يبرز هذا التنكر في مسرحيته من خلال ثلاثة مستويات نحياها شخصيات المسرحية:

1- تنكر الناس في النظام الاجتماعي بين أسياد وخدم, حكام ومحكومين. النظام الطبقي هو نظام تنكري يتنكر فيه البعض ليحكم ويسود, ويفرض على البعض الآخر ليخدم ويضطهد, وممثلو المسرحية هم من الطبقة المضطَهدة.
2- التنكر في النضال السري لتقويض النظام الاجتماعي الطبقي غير الشرعي.
3- تنكر الممثلين في أدوارهم في المسرحية اللعبة, حيث ان مسرحية أبو عزة هي مسرحية تثقيفية داخل المسرحية, يقوم بها أعضاء التنظيم السري بهدف التوعية وكشف نظام التنكر, إذ لا يتحقق النضال بدون عملية التوعية.


تكشف المسرحية عن بنية السلطة في المجتمعات الطبقية, فالملك ليس شخصا بل مجموعة من الرموز: العرش, التقاليد, الحاشية, التاج والصولجان... والمجتمعات الطبقية هي نتاج سلسلة من عمليات التنكر, والملك أو الحاكم هو أقصى حالات التنكر ومحصلتها. انه الرمز التجريدي للنظام التنكري. وهذا التجريد يستمد فاعليته من القوى التي يمثلها, قوى الطبقة المسيطرة, ومن أدوات السلطة. هذه الطبقة هي الحاكم الحقيقي وليس الملك سوى تجريد رمزي تتكثف فيه قوى النظام وأدواته. لذلك فونوس يرى في توضيحه للمسرحية انه في الأنظمة الطبقية لا يمكن إدانة الحاشية وتبرئة الملك كما جرت العادة في الدول العربية حيث يختصر خطأ الحاكم في غفلته عن هذه الحاشية فقط. فالحاشية هي الملك الحقيقي. ولذلك أيضا لا يمكن أيضا تغيير النظام بمجرد استبدال ملك أو حاكم بآخر كما كانت تفعل الانقلابات في البلاد العربية, والبديل الجوهري هو تقويض النظام الطبقي, نظام التنكر والمُلكية بالتهام رمزه أي الملك, أي ان يصبح كل شخص في المجتمع شريكا في الملك في مجتمع بلا طبقات وبلا تنكر.


"في قديم .. قديم الزمان. كانت هناك جماعة من البشر تعيش حياة بسيطة متناسقة كنشيد أو أغنية. أفرادها متساوون تساوي الأحرار لا العبيد. يعملون في أرضهم المشتركة كاليد الواحدة. ويتقاسمون الخير كأفراد العائلة. يأكلون من مرق واحد, ولا يرتدون من الكساء ما يزيد عن الحاجة أو الضرورة. في قديم.. قديم الزمان, كانت وجوه البشر صافية, وعيونهم شفافة. الباطن لديهم هو الظاهر لا التواء ولا بغضاء ولا حسد, والحياة بسيطة متناغمة تجري كالجدول العذب أو كالأغنية.. وذات يوم .. وصار اليوم تاريخا وبدءا. دب النشاز في حياة تلك الجماعة المتظافرة. انشق عنها واحد من أفرادها. كان أقوى.. كان أدهى, لا يهم, لكنه مزق أملاك الجماعة واستأثر بالحصة الكبرى. انفصل عن الآخرين, وتميز, ارتدى كساء زاهيا. بدل هيئته ووجهه, وتنكر. يومها ظهر المالك, وكانت أولى حالات التنكر. ثم تزين المالك أكثر وأكثر بالأبهة والثروة.. تحول المالك ملكا, وهو أقصى حالات التنكر. ومن الملك تسلسلت عمليات معقدة من التنكر المتتابع. تفككت الحياة البسيطة الشفافة, وتمزقت وحدة الجماعة في صور تنكرية متصارعة. هناك الأمراء والعسكر. الأجراء والعبيد. المتسولون والمعدمون.. فئات كثيرة, كل منها يعيش متنكرا في ثوب ودور. بعضها يتنكر ليحكم ويسود. وبعضها فرض عليه التنكر ليخدم ويضطهد. وفوق الجميع يتربع الملك سليل أول المتنكرين, وأحرص الجميع على زيه التنكري.. واستمرت الحال إلى يومنا هذا, لكنها لن تستمر للأبد.

تروي كتب التاريخ عن جماعة ضاق سوادها بالظلم والمجاعة والشقاء. فاشتعل غضبها, وذبحت ملكها, ثم أكلته. في البداية شعروا بالمغص.. وبعضهم تقيأ. ولكن بعد فترة صحت جسومهم, تساوى الناس, وراقت الحياة. ولم يبق هناك تنكر ولا متنكرون.."



* لقراءة المسرحية كاملة:

http://www.almaten.info/ebooks/arabic-lecture/wannos.pdf



#صفاء_بطاينة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -النبوة- عند الفلاسفة المسلمين
- فكرة الله في التاريخ الاسلامي كانعكاس للواقع الاجتماعي


المزيد.....




- سلمان رشدي لـCNN: المهاجم لم يقرأ -آيات شيطانية-.. وكان كافي ...
- مصر: قتل واعتداء جنسي على رضيعة سودانية -جريمة عابرة للجنسي ...
- بهذه السيارة الكهربائية تريد فولكس فاغن كسب الشباب الصيني!
- النرويج بصدد الاعتراف بدولة فلسطين
- نجمة داوود الحمراء تجدد نداءها للتبرع بالدم
- الخارجية الروسية تنفي نيتها وقف إصدار الوثائق للروس في الخار ...
- ماكرون: قواعد اللعبة تغيرت وأوروبا قد تموت
- بالفيديو.. غارة إسرائيلية تستهدف منزلا في بلدة عيتا الشعب جن ...
- روسيا تختبر غواصة صاروخية جديدة
- أطعمة تضر المفاصل


المزيد.....

- الديمقراطية الغربية من الداخل / دلير زنكنة
- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار * / رشيد غويلب
- سلافوي جيجيك، مهرج بلاط الرأسمالية / دلير زنكنة
- أبناء -ناصر- يلقنون البروفيسور الصهيوني درسا في جامعة ادنبره / سمير الأمير
- فريدريك إنجلس والعلوم الحديثة / دلير زنكنة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - صفاء بطاينة - الملك هو الملك