أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد ابراهيم السعد - قراءة في قصص ( على نار هادئة ) لغادة اليوسف















المزيد.....

قراءة في قصص ( على نار هادئة ) لغادة اليوسف


أحمد ابراهيم السعد

الحوار المتمدن-العدد: 3243 - 2011 / 1 / 11 - 14:22
المحور: الادب والفن
    


قراءة في قصص ( على نار هادئة ) لغادة اليوسف
هرمونية المضمون والهامش قصة ( ليلة الكرز المر ) أنموذجاً



من بين معطيات فنية وجمالية وتقنية تكتنز بها المجموع القصصية ( على نار هادئة ) للقاصة السورية غادة اليوسف الصادرة عن دارالينابيع ثمة معطى أجده غاية في الأهمية لأنه العنصر الأهم في مشروع التأسيس الثقافي ، وهذا المعطى هو ( سحر بقاء النص في الذاكرة ) فمن النادر اليوم احتفاظ الذاكرة القرائية بنص قصصي يكتسب فرادته من خلال بساطة موضوعه الأنساني مع حضور قيمة اشتغالاته التجريبية وتعدد مستويات السرد داخل النص . ففي قصة (ليلة الكرز المر) وهي القصة التي أفتتحت الكاتبة بها مجموعتها القصصية بقصدية تنم عن ذكاء صياد يريد أغراء طريدته ( القارئ) تدخلنا الكاتبة في بدية القصة بسرد متسارع يصور لنا أنطلاق سيارة الشرطة كقذيفة شقت جمهرة الحشد الذي صفق لبطلة القصة ( راشدة بنت عقل صالح) حين قدمت مداخلتها على هامش محاضرة ألقتها الوزيرة عن ( العنف ضد الطفل والمرأة ) يعتبر هذا الحدث هو الثيمة الأساس التي شكلت بنية النص .حيث الطفل والمرأة هما المثال الذي أستعانت به غادة اليوسف لتبرهن سلطة القهر والتناقض في الخطاب السياسي والواقع الأنساني اليومي المعاش بصمت خائف مشبع بالألم . تدور أحداث القصة داخل غرفة التحقيق عندما تتعرض البطلة راشدة لأستجواب أستفزازي من ضابط التحقيق . ومن خلال السؤال والجواب تتكشف مدلولات النص ومفاهيمه بلغة من شأنها عقد الثقة بالمتلقي وهو يتخيل امرأة قادها القدر الضاغط لأن تكون في غرفة أستجواب ، وهذه المكان ( غرفة التحقيق ) لم يكن بجديد في القص العربي والعالمي ألمستثمرلهذا المكان تحديداً لميزته الحوارية ( س ج ) السلسة في بناء النص . لكن خصوصية قصة ( ليلة الكرز المر ) تكمن في الأنتصار الضمني للسجين على السجان ، الأشتغال على البوح المرتبك بصدقه أزاء السماع المنضبط بكذبه . الجمهور صفق لها على مداخلتها الصريحة والشجاعة بوجه الوزيرة لأنهم أحبوا سماع الشجاعة وتجنبوا تجريبها .. ضابط التحقيق المتصيد لكلام راشدة ، والباحث عن ثغرة لأيقاعها في التهلكة يتراخى في طرح الأسئلة الأستفزازية، ويتحول بايحاءات السرد الى شخص نصف سلبي مهمته الأصغاء، امرأة تشكو وكأنها تعترف . السؤال ذو الهدف البوليسي تقابله أجابة ذات محتوى أنساني ينم عن قلق وحيرة وعدم تأكد من ذاتها هل أرتكبت فعل التعدي أم أنها لم تفعل .
-أنت متهمة بالتعدي على الوزيرة ..!
- لا.. لا يا سيدي ..أبدا ..أنا لست .. أنا ( ص19 )
وبتقنية سردية تنم عن قدرة الكاتبة الأبدعية وحرفنتها في بناء النص وبث مدلولاته في سياق سردي متعدد المستويات تجعل المتلقي في موقع التفكير والأحتكام بين قيامها بضرب الوزيرة أو عدم قيامها.
- سيدي أنا لم أضربها .. وكيف لي أن أفعل...؟ !
اسألي نفسك ؟ من اذن؟! ... أأنا الذي حشرت يدي داخل نافذة سيارتها..(ص20 ) وفيما تسترجع البطلة ما حصل تتمتم بعبارة مبتورة : كل الحق على ..
- هاه ؟ كل الحق على من ؟ وبصوت لا يكاد يسمع أجابت : على الكرز(ص20 ) تشكل هذه الأجابة مفارقة موضوعية وفنية زادة من سماكة الفكرة وتغريب شكلها الأنساني ، حيث حتملت الأجابة المغايرة السؤال المعرفي المستشيط لفهم العلاقة بين منطقية الفعل المبهم ( العتداء على الوزيرة ) وبين الكرز . من هنا يتفتق فعل القص وهو يعمل على فعل الحياة حين تقسو على ناسها بفعل أسياد الحياة فتصيرهم كائنات فنتازية يفعلون أستجابة لنداء خفي فينتجون ردود أفعال جنونية لا يستوعبها العقل البوليسي .( وما دخل الكرز ؟؟ أهذا هو الأسم الحركي لأصحابك ) وتستمر راشدة في الحديث عن زوجها المريض ، وتكرار الطلب في أيجاد حقيبتها التي تحتوي على مبلغ أقترضته من صديقتها لشراء وصفة الدواء لزوجها ، غير مهتمة لواقع حالها المخيف داخل غرفة التحقيق . وبسرد مشوق ولغة لا ترتفع عن مستوى شخصية البطلة الأجتماعية والثقافية ترجئ الإجابة عن حكاية الكرز المشتهى من قبل طفلها ، وأنما تقوم بتعليل وتصحيح مفهوم الكرز ليتخذ له معنى تأويلي خارج سياق المادي المعلوم .. الكرز بوصفه علامة نقدية تفضح التباين الطبقي ( لا .. أقصد الكرز .. الكرز الذي يأكله الأغنياء في مثل هذه الأيام ..)ص22 . وبأنشغال بنيوي تعود البطلة لتسرد السبب الذي جاء بها الى الندوة المنعقدة في أحد الفنادق الفخمة وبحضور محافظ المدينة الذي أمتدح ثقافة الوزيرة ، واهتمامها بالقضايا الانسانية والتربوية ، وتلبية منها لطلب مديرة المدرسة لحضور الندوة كفرض برتكولي منافق كانت مداخلتها ، وهي القشة التي قصمت ظهر البعير ( كيف نطلب أنسانا معافى في شرط مجتمعي غير معافى ؟! ) و اثناء ذلك حدثت نفسها ( يبدو أن كلامي كان من وحي ليلة الكرز ) ص32 . وبطغيان صوت البطلة وهي تسبر غور فهم سببية الكرز تعمد الكاتبة الى اسكات صوت المحقق المشاكس ، بغية تأسيس بنية أصغاء شفاهية تجسر العلاقة بين الروي البطلة راشدة + الثنائي المروي له المحقق والمتلقي في دائرة أحتكام نصية يعالج فيها الراوي العليم مفاصل تبريرية في سياق سرد متعالي الصعود ينقلنا من ذاكرة قاعة الندوة وغرفة التحقيق الى حيث الزوج والزوجة العائدين من عيادة الطبيب بجيوب فارغة وقلبين محزونين ، يجران طفلهما في شوارع المدينة وأسواقها العامرة بما تشتهي النفس ، فيشاكس لون الكرز الشهي بحمرته القرمزية ذائقة الطفل المتجردة عن ثقافة الحياة القاسية على فقرائها فيصيح بطلبه الطبيعي في ظرف غير طبيعي ( بدي طلز .. اشطلي لنا طلز .. بيي .. بديٌ طلز..)ص30 وبيأس تجاوز وعي طفل في طلب الكرز من أب نفذ صبره وماله يجدد الطفل طلبه البديل بسيارة تحاكي بحمرتها لون الكرز( طيب .. بيٌي الله يخليك .. اشطلي لي هاي .. بثْ هاي..)ص31 وبالقدر الذي أستطاع حس الكاتبة الأبداعي توظيف اللغة العامية على لسان طفل لخلق أستجابة أنسانية وأجتراح صورة سيسيولوجية واقعية الصورة والصوت، فقد تمكنت بوعي الكتابة وأنثيالاتها تكوين علاقات دلالية معرفية بين الطفل الذي شغله سحر اللون بعيداً عن المضمون ، والمحقق أحادي الغاية البوليسية غيرمنشغل بالمعطى الأنساني .. والمحافظ الذي يمدح الوزيرة بعمى السلطة .. والجمهور الذي يصفق بعمى الخنوع والأستسلام . فيما تداخل المضمون والهامش عند البطلة راشدة بنت صالح بوصفهما نتاج جدلية عاشت تناقضاتها بروح الزوجة والأم والمواطنة ، فتدفعها موجة الجماهير الخارجين من القاعة على أثر وزيرة حقوق الأنسان التي ركبت سيارتها مغادرة المكان لتضع الصدفة راشدة أمام نافذة سيارة الوزير ومن غير أن تتحكم بأرادتها الفاعلة ( بيي بدي كرز.. تكون صوته داخل راحتي المضمومة .. تدافع الحشد .. جرفني فحيحه .. حاولت - تفادي السقوط – التمسك بالشيء الوحيد الممكن في الفراغ المتاح .. حيث أنقذفت يدي عنوة داخل النافذة متشبثة بحرير القميص المطبوع بحمرة الكرز )ص37 . ولم تنتهي القصة عند هذا الكشف الصادم والأكثرمن رائع بل تواصل الكاتبة المبدعة غادة اليوسف بأصالة موهبتا وحبكة بناءها طلسمة العلاقة بين قميصها المسرود والذي دأبت على جمعه بقبضتها مخافة أفتضاح صدرها أما نظرات المحقق وبين أكتشافها بأن الوزيرة كانت بلا نهدين ( كانت الحمالة فارغة .. ياسيدي ... لم يكن للوزيرة نهدين ....) ص38 وبهذه النهاية التي تحمل بين جنباتها التصديق والتكذيب تجترح الكاتبة أسكاتنا أسوة بالمحقق لتعلن عن أكتشافها الفنطازي الذي يقوض الثيمة المركزية للنص عبرصورة مجازية ( لم يكن للوزيرة نهدين ) وعدم وضع علامة تعجب وراء هذه العبارة يأتي عن قصدية الكاتبة بأن أكتشاف البطلة ما هو ألا صورة ذهنية أكثر منها مشاهدة عيانية لأنها نتاج جدلية حياة معنية بالهامش أكثر من المضمون . ونافلة القول أن القاصة غادة اليوسف قد أبدعت في جميع نصوص مجموعتها القصصية ( على نار هادئة) لما لهذه النصوص ثورة سردية نقدية أن صح الوصف على واقع سياسي وأجتماعي وديني وثقافي ساهم في جلد الذات الأنسانية التي تصبو بخطى عرجاء الى واقع ينتشلها من كوميدي سوداء هو بطلها الأوحد ومتفرجها الوحيد ، حيث الصراع بين المادي القوي بغياب فضيلته أنسانية ، والمثالي الضعيف بحضورقيمه الأخلاقية . صراع دراماتكي نجحت اليوسف في تخيله معرفياً وسرده قصصياً بلغة يحضر الشعر فيها تارة ويغيب ليعلوالحكي متساوقاً مع شخصياتها الساردة . ومن جملة هذه القصص المبدعة تميزت قصة ( ليلة الكرز المر ) بأبداعها حسب ما أعتقد لأنها من النصوص التي تفيض بحمولات دلالية وبناء محكم ، وتشخيصات أنسانية نستشعر وجودها في الواقع العربي عموماً ، ومن الرائع أن نراها وهي تترجم لنا صورة عبر الكتابة المخيالية ، فتنهض بتأسيس حضورها في الذاكرة القرائية كثقافة معرفة مشربة بوجع آدمي ، وهذا غاية ما يسعى اليه الأدب الفاعل المنضبط .



#أحمد_ابراهيم_السعد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بقعة دم ( قصة قصيرة )
- مسرحية ( أبو الزميّر) للكاتب جمان حلاّوي.. كوميديا رمادية


المزيد.....




- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد ابراهيم السعد - قراءة في قصص ( على نار هادئة ) لغادة اليوسف