مرض الذهان العضوي والاكتئاب

صاحب الربيعي

الحوار المتمدن-العدد: 3226 - 2010 / 12 / 25 - 15:07
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    

إن الخلل العقلي مرده أمراض وراثية أو فسولوجية تصيب الجهاز العصبي، وقد تتكشف أعراض المرض على نحو مبكر من حياة الفرد أو في محطات عمرية متقدمة وتكون على نحو ظاهر أو خفي تبعاً لشدتها وتضرر أحد أجهزة الجهاز العصبي فيؤثر سلباً في عمل أجهزة الجسد على نحو كلي أو جزئي ويختل السلوك العام.
يكتسب الفرد عضويته في المجتمع أتوماتيكياً بعدّه مستجيباً لقيم عقلانية المجتمع، لكن حين يتعارض سلوكه على نحو كلي معها تُسقط عضويته لعدم صلاحيته العيش بين أقرانه البشر بوصفه مختلاً عقلياً. إن معايير التقييم السلوكي السابقة بعدّ الفرد سوياً أو غير سوي لا يقرها علم النفس، ويرفض عدّ جميع البشر المكتسبين لعضوية المجتمع أسوياء على نحو مطلق. ويجد أن معظم البشر يعانون أمراضاً وراثية ونفسية تختلف بنسبها من شخص إلى آخر وتؤثر سلباً في سلوكهم العام، وبغض النظر عن تعارضه على نحو ظاهري مع السلوك العام أو على نحو خفي.
يصدر المجتمع أحكامه على السلوكيات الظاهرية للبشر بعدّهم أسوياء أو غير أسوياء تبعاً لتوافقها مع سلوكه العام أو تعارضها، ولا يهتم بسلوكياتهم الخفية التي قد تكون أكثر خطورة ومتقاطعة كلياً مع السلوك العام ويعدّها من اختصاص علم الاجتماع والنفس والقانون الجنائي... وغيرها.
يُعرف المختل عقلياً : " أنه يعاني خللاً عقلياً ولا يدرك إلى حد ما طبيعة العمل الذي يقوم به وإن ادركه عجز عن تصحيح خطئه ".
إن وجود خلل دماغي بسبب مرض وراثي أو اصابات عارضة تخرب جزءاً من خلايا الدماغ أو الشبكة العصبية، يعطل أحد أجهزة الجسد ويحدث اضطراباً في سلوك الفرد العام. وتعدّ معظم أمراض الجهاز العصبي أمراضاً وراثية على نحو عام تُفعلها المشكلات الصعبة التي تواجه الفرد في الحياة العامة والتي تفوق قدرته على ادراكها أو تخطي عقباتها. ومع الزمن تترك أثرها السلبي في الجهاز العصبي بعدّها نتاجاً لإفرازات العالم المعاصر ومن أهمها الضغوط النفسية، والاكتئاب، والقلق، والاضطراب، وارتفاع ضغط الدم، والسكر، واضطراب نبضات القلب... وغيرها، ما يدل على نحو عام أن الأمراض النفسية ذو جذر وراثي وعوامل المحيط المكانية والزمانية معاصر.
ترتبط الأمراض الوراثية التي تصيب الجهاز العصبي على نحو عام بأخطاء في الخريطة الجينية وليس متاحاً طبياً في الحاضر اجراء تصحيح الخريطة الجينية لانقاذ الفرد وأجياله القادمة من أمراض الجهاز العصبي ومنها الذهان العضوي.
يُعرف الذهان العضوي : " أنه مرض دماغي أو اصابة مخية أو اصابة جسمية نتيجة حادث معين يسبب خللاً مخياً رئيساً يعرقل عمل خلايا المخ، ويسبب الخلل الثانوي الأمراض والاضطرابات الجهازية الأخرى لخلايا المخ ".
على خلافه فإن الأمراض الاجتماعية المعاصرة معظم مؤثراتها السلبية تشكل ضغطاً نفسياً على الفرد خلال حياته اليومية فتضعف قدرته مع الزمن على مواجهة صعوبات الحياة ومشكلاتها المستعصية التي حولت حياة معظم البشر من حياة بسيطة إلى حياة معقدة يفرضها الواقع الفرد الزمني والمكاني فإن كان مكاناً ذي طبيعة اجتماعية بسيطة كانت حياة الفرد غير معقدة وإن كان زمنياً أصبح عاملاً متحكماً على نحو كلي في حياة الفرد فينصاع إلى أحكامه الصارمة.
على خلافه في المجتمعات المعاصرة المنصاعة كلياً إلى آليات المكان المعاصر وأحكام زمنه الصارم يكون الفرد بمثابة آلة تشتغل أتوماتيكياً بأوامر صارمة تفرضها الاليات غير المرئية للمجتمعات المعاصرة فيفقد حريته كذات إنسانية ترفض الانصياع على نحو كلي لأحكام المحيط. لأنها ذاتاً فطرية بعدّها أحد مكونات الطبيعة وليست جزءاً من آلياتها المعاصرة فتهرب بنفسها إلى عالم فطريتها الأولى مستجيبةً إلى العزلة عن العالم المعاصر. وتشعر بوحدتها واكتئابها وقلقها وعدم رغبتها العيش في عالم ينزع إنسانيتها ليحولها إلى مجرد آلة من آليات العالم المعاصر المعقدة وأحكامه الصارمة.
يُعرف الاكتئاب : " أنه حالة انفعالية يصاحبها أعراض سلبية كثيرة منها عدم الشعور بالكفاية، ونقص الاهتمام بالأشياء المحيطة، والشعور بالتفاهة وعدم الأهمية، والحط من قدر الذات وقيمتها، والنظرة السوداوية إلى الحياة والمستقبل، وتزاحم الأفكار السلبية حول الموت والانتحار ".
تعدّ الأمراض الوراثية للجهاز العصبي أمراضاً شائعة منذ الأزل لكن الأمراض النفسية المجتمعية تعدّ سمة العالم المعاصر، فعلى الرغم من توافر العلاجات الطبية والنفسية ووسائل الراحة والإستجمام على نحو أكبر من ذي قبل فإن أعداد المصابين بالأمراض النفسية في العالم يتضاعف، وزادت معدلات الانتحار وارتكاب الجرائم البشعة، وأعمال العنف، والحروب... وغيرها. وكلما سعى الفرد إلى مغادرة العالم المعاصر المعقد إلى عالم الطبيعة البسيطة استقر نفسياً على نحو أكبر وأستعاد حياته الفطرية.
الموقع الشخصي للكاتب : http://www.watersexpert.se/

#صاحب_الربيعي (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل