أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - نصير عوّاد - ع بين العوجة وطويرج راق















المزيد.....

ع بين العوجة وطويرج راق


نصير عوّاد

الحوار المتمدن-العدد: 3209 - 2010 / 12 / 8 - 12:10
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


عندما اشتدت وتيرة الحرب الطائفية بالعراق كنت أول مرة أرى فيها شخصا يُجلد في وسط الشارع بسبب شربه العلني للخمر، فقبل هذا المشهد المهين كنت أقرأ عن ذلك في كتب التاريخ أو أسمع عنه في خطب أئمة المساجد. ولطيبة قلبي صدقت أن الرجل جُلِدَ وسط المارة وضحكات الأطفال بسبب الخمر ولكن سرعان ما تبين أن السبب الحقيقي هو شرائه الخمر من مجموعة أخرى لا تأتمر بأوامر المليشيات الدينية الممسكة بمقاليد الحياة اليومية في شوارع المدينة المتربة، بما فيها تجارة الخمور والمخدرات. فهذه المليشيات التي أغلقت النوادي الرسمية والأمكنة السياحية الأنيقة أطلقت العنان للمراهقين والعاطلين للاتجار بالممنوعات بأساليب سرية غير محترمة وغير منظمة أدت إلى كثرة وتنوّع المشروبات الروحية وإلى فوضى وزيادة في عدد المرضى، تحوّلت فيها البيوت الآمنة إلى مخازن ومختبرات للتقطير والتعبئة، بعد أن كانت هذه المهنة محصورة بيد الدولة وتوزع بواسطة عمال ووكلاء ومخازن.
تذكرت هذه الحادثة العابرة وأنا أرى وأسمع المسؤولين العراقيين الجدد، الوجه السياسي للمليشيات المسلحة، وهم يناورون ويحتمون بالقيم الدينية والأخلاقية للتغطية على حقيقة قمع الحريات المدنية والتي تجلت في عملية إغلاق النادي الاجتماعي التابع لإتحاد الأدباء، بعد أن صنفوه في خانة الملاهي والمواخير. محافظ بغداد يلقي بمسؤولية إغلاقه على أجهزة تنفيذية في وزارتي الدفاع والداخلية ويجنّد "الزيدي" للتصريح والتهديد، والأجهزة التنفيذية بدورها تلقي باللوم على غياب القوانين مما دفعهم إلى اعتماد القوانين القرقوشية القديمة سيئة الصيت عندما لبست فيها الدولة ثوب القرية، تحوّل فيها صدام حسين إلى مشرّع للقوانين وخاله"خير الله طلفاح" إلى مفتي في أمور الدين. فهل قدر العراق وهو بلد الحضارات أن يتنقّل بين ثقافة العوجة وبين ثقافة طويريج؟ وهل على العراقيين الانتظار نصف قرن آخر لتجريب ثقافة قرية أخرى؟ أم علينا الخروج إلى الشوارع؟. ولكن قبل أن نتظاهر ونعتصم ونرفع الشعارات ضد رئاسة محافظة بغداد علينا أن نبحث عن الدوافع الحقيقية التي وقفت خلف هجوم المتأسلمين على الحريات المدنية، فقد يكونون على حق وأن الثقافة العراقية هي سبب الصراع الطائفي بالعراق وأن ورموز هذه الثقافة عملاء للأمريكيين وطامعين في كعكة السلطة أو لهم خبرة في سرقة المال العام وتطاردهم لجنة النزاهة لصاحبها صباح الساعدي. وقد يكون أحدا من الشعراء قد فجر نفسه في حسينية بعد أن فشل في أكمال قصيدته النونية أو أن روائيا قتل طفلا في كنيسة لعدم تمكنه من طبع روايته الأولى أو أن كاتب قصة أثرى بين ليلة وضحاها واشترى بيتا بنصف مليار دينار!! فليس من المعقول والمقنع أن "ربعية عرق زحلاوي" تقف خلف ذلك وتتصدر العناوين والأزمات وكأن البلد بخير وقد حلت جميع مشاكله. وإذا لم نصل إلى قرينة جرمية تدين الثقافة والمثقف يتوجب علينا البحث عن الأسماء والتصريحات والتهديدات التي أطلقها المسؤولون في محافظة بغداد إنْ كانوا مدفوعين إلى ذلك وإنْ كانت تصريحاتهم بالونات اختبار سياسية أو مقدمة لأزمة تطبخ تفاصيلها على نار هادئة من قبل أحزاب ومنضمات ومؤسسات عابرة للحدود لتنفيذ مشروع أخصاء البلد سياسيا وثقافيا قد تغلق فيه جامعات ومؤسسات ثقافية. أما إذا كان الأمر جزء من شطارة الهروب إلى الأمام للتمويه على فساد مالي أو فشل في توفير الخدمات والماء والكهرباء فهذا أمر مقدور على فهمه والبحث لأصحابه عن عذر.
يبدو أن عراق اليوم، رغم معاناته الطاحنة، ليس بحاجة إلى الفسحة والأعمار والترفيه والثقافة بقدر ما هو بحاجة إلى أسلحة كاتمة للصوت وأثواب سود ومواهب في الكذب وجرأة على قتل النفس لا يوجد أكثر مِن القرويين مَن هو قادر على أجادتها والإبداع فيها، فهل هي مصادفة أن يكون رئيس وزرائنا من طويريج وسفيرنا بهولندا من طويريج و.....لا نريد أن نكرر الحكاية ونتذكر أن"علي كيمياوي" لوحده كان يقود ست وزارات ودعونا نعود إلى أصل الموضوع، فمحافظ بغداد الحالي "صلاح عبد الرزاق" أو كما كنا نسميه بهولندا "أبو جعفر" والذي قدم نفسه يومها على أنه (شاعر وباحث في قضايا الإسلام المعاصر) مع إننا لم نرَ أو نقرأ له شيئا باستثناء جريدة فقيرة أسمها"النخيل" كان يحملها معه في زياراته. ومحافظ بغداد الذي ترجع أصوله لمدينة الناصرية الطيبة لم يعلن يوما في هولندا عن احتجاجه على الخمر عندما كان يحضر في المناسبات الوطنية ويلتقي بمعارفه من الطوائف والأحزاب الأخرى، وكان منفتحا ومتسامحا ومبتسما للكؤوس التي ترفع بوجهه ولضحكات النساء التي تصادفه، فما الذي جرى للرجل حتى ينقلب على نفسه وذاكرته ويبادر إلى تهديد وقمع شريحة اجتماعية مقصيّة ومنعزلة عن وليمة الطوائف ولا تملك من أيامها غير الإبداع والحب والجمال. في نهاية القرن الماضي عندما كنا في المعارضة، يساريين وقوميين ومتدينين، كنا نتبادل وجهات النظر حول عقم وفشل أية مواجهة بين الدولة والمثقف، بين الحزب والمثقف، لأنها مواجهة غير مشرفة ولا يحكمها منطق القوة والضعف وسيكون الخاسر فيها بالنهاية الدولة والحزب، لسبب بسيط هو أن أغلب مشاريع هذه الشريحة الملتهية بهمومها وأوراقها هي مشاريع فردية، شخصية لا تعتمد في وجودها وعطائها على رئيس أو دولة أو حزب. يومها كان المتدينون لا يختلفون معنا على ذلك وكان "صلاح عبد الرزاق، المحافظ" أكثر يسارية من اليسارين في دعم حرية المواطن والمثقف، فماذا جرى للضحية كي تمارس ممارسات جلادها هل هو ضعف الذاكرة؟ أم هو الكرسي اللعين؟ أم هي الذات الإنسانية المليئة بالضعف والتناقضات؟. أخر مرة رأيت فيها "أبو جعفر" قبل يتسلم منصب المحافظ كانت في احد الاجتماعات السرية التي كان ينظمها الأمريكان قبل سقوط الصنم، لتلقين النخب العراقية دروسا في كيفية إسقاط الأنظمة الديكتاتورية البالغة القسوة (وسبق أن كتبت عن ذلك مقال بعنوان "نعم تآمرنا على وطن") وكان يومها "أبو جعفر" يتنقل بين الطاولات العامرة بالخمور واللحوم ويوزع الابتسامات والتحيات بربطة عنق مغبرة، ولم يبدِ اعتراضه أو امتعاضه من وجود النساء المتحررات، وكان أكثرنا هزاً للرأس والابتسام ولا يتوقف عن طرح الأسئلة على أولياء النعمة والاستفسار عن دقائق الأمور بلغة انكَليزية رثة كان يكملها بمفردات عربية وهولندية من دون أن يدرك أن الأمريكيين لا يسمعون ما يقول، ويريدونه أن يسمع ما يقولون فقط.
إن اختصار اتحاد الأدباء، كمؤسسة نقابية تعنى بشؤون المثقفين، بموقف أو بشخص أو ببناية أو بقنينة خمر هي لعبة أمست مكشوفة في الصراع الدائر بالعراق بعد أن أصيب الشارع العراقي بالخيبة وهو ينتظر البديل الوطني والديمقراطي أربعة عقود ثم انتهى إلى وليمة للعمائم واللحى والمحابس. ولذلك فأن تظاهر العراقيين وشرائحهم المثقفة في شارع المتنبي ببغداد وفي المدن الأخرى ضد قرار إغلاق المنتدى الاجتماعي التابع للاتحاد، ودعوة الجالية العراقية بالمنافي للتحرك ودعم أهلهم وزملائهم ببغداد يأتي نتيجة تراكم قوانين القمع والإغلاق والحصار التي تمارسها الحكومة الحالية في كثير من مجالات الحياة والأنشطة والفعاليات كما حدث بالبصرة وبابل وبغداد، ويأتي نتيجة مخاوف الشارع العراقي من تزايد الهجوم على الحريات العامة وحقوق النساء والحياة المدنية تحت عباءة الدين والأخلاق.



#نصير_عوّاد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295


المزيد.....




- ترامب: جامعة كولومبيا ارتكبت -خطأ فادحا- بإلغاء حضور الفصول ...
- عقوبات أميركية جديدة على إيران تستهدف منفذي هجمات سيبرانية
- واشنطن تدعو بغداد لحماية القوات الأميركية بعد هجومين جديدين ...
- رئيس الوزراء الفلسطيني يعلن حزمة إصلاحات جديدة
- الاحتلال يقتحم مناطق بالضفة ويشتبك مع فلسطينيين بالخليل
- تصاعد الاحتجاجات بجامعات أميركية للمطالبة بوقف العدوان على غ ...
- كوريا الشمالية: المساعدات الأمريكية لأوكرانيا لن توقف تقدم ا ...
- بيونغ يانغ: ساحة المعركة في أوكرانيا أضحت مقبرة لأسلحة الولا ...
- جنود الجيش الأوكراني يفككون مدافع -إم -777- الأمريكية
- العلماء الروس يحولون النفايات إلى أسمنت رخيص التكلفة


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - نصير عوّاد - ع بين العوجة وطويرج راق