أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - رندا قسيس - أين موقع الثقافة العربية من العلمانية؟















المزيد.....

أين موقع الثقافة العربية من العلمانية؟


رندا قسيس

الحوار المتمدن-العدد: 3192 - 2010 / 11 / 21 - 13:06
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


تطل علينا من حين إلى آخر اقتراحات تؤكد حتمية وجود النظام العلماني في المجتمعات العربية، لتخرج أصواتاً أكثر صراخاً و أكثر تعداداً من قبل الجهات الدينية المخالفة للأولى ترافقها صيحات استنكار من أفراد هذه الشعوب محتجين على المؤامرة العظمى التي تخاط منذ قرون على مجتمعاتهم.

نلاحظ، و بشكل واضح، تأجج حالة التعظيم عند أفراد هذه الكتل من خلال مفرداتها المتكررة و المتجلية بإعتقادات وهمية مركزة على مؤامرة بقاع الأرض ضد بلدانهم، و كيف لا، و هم أبناء السماء التي اصطفتهم من دون غيرهم. تشبه هذه الحالة حالة المريض المقهور من محيطه، فنراه و تحت كم من الضغظ يلجأ إلى تعويض ما ينقصه من خلال هلوسات مزمنة.
تعكس هذه الحالة واقع عدم اكتفاء الفرد على جميع الأصعدة و انسحاقه الشديد تجاه كتلته الجماعية المتقمصة بالسلطة، رجال الدين و العائلة...فنراه يردد و بشكل آلي جميع المفردات التي غرستها جماعته في أعماقه.
لهذا أجد أن علينا الكف عن محاولة تكرار مفردة العلمانية، فهي تثير حالة ذعر و خوف عند أفراد هذه الكتل، كما أعتقد بضرورة مراجعة التاريخ قليلاً علنا نستطيع استخراج بعض النتائج المفيدة من تجارب السابقين، للكف عن هدر طاقة في التكرار و الحفاظ عليها في ايجاد حلول لواقع مأساوي يعيشه الفرد و من ثم الجماعة عن طريق تجنب بعض الكلمات المرتبطة بمشاعر مقيتة، فكتلنا تحتاج إلى علاجات نفسية مطولة، كي تهدم جدرانها النفسية و تتخلى عن تشنجها الثابت من أجل اكتساب مرونة في التفكير.

دعونا ننظر تاريخياً إلى حركة التغيير في جميع الكتل على مر العصور، نجد أن القوانين الجديدة في أي مجتمع ترتكز على ماض و ثقافة كتلته، حتى أننا نجد في أكثر القوانين الثورية عنصراً محافظاً داعماً لعامل الربط بينه و بين أفراده.
على الباحثين و الساهرين على مجتمعاتهم لتحسين أوضاعها أن يدرسوا و بشكل دقيق وعي مجتمعاتهم ليكون لهم القدرة على دغدغة مشاعر أفرادها، كي يتمكنوا من القفز بهم إلى مستقبل موعود، و ربما قبل المطالبة بنظام أو قانون، عليهم إيجاد مفاهيم جديدة يمكن تداولها بين أفراد المجتمع، كي تتمكن هذه المجتمعات، يوماً ما، من التحول إلى نظام و قانون يجمعان جميع أفرادها تحت غطاء واحد.

أعود إلى رفض هذه المجتمعات لمفردة "علمانية"، من وجهة نظر خاصة، أجد أن المشكلة تكمن في مفهوم الكلمة، فقبل أن نتناولها بشكل مسطح، علينا أن نعلم أن معنى العلمانية ليس مفهوماً ثابتاً، بل يتلخص جوهره بذاك المتغير المتماشي مع تطور الحياة، كما أن تشنج بعضنا في ايجاد معنى و صيغة واحدة ثابتة لهذه الكلمة تضعنا أمام اشكالية أخرى و هي استبدادية "الأنا" المعرفية، فقبل المطالبة بتطبيق أي نظام مؤسساتي، على جميع أفراد هذه الكتل تعلم السباحة في معاني الكلمات و التجول الحر في فضاءاتها.

قبل أن أقوم بجولة سريعة لتاريخ العلمانية، اسمحوا لي بسؤال بسيط عن مغزى ايجاد صيغة جماعية لا حراك فيها؟ فإن فعلنا، ألا يعني ذلك أننا أمام استنساخ التشريعات الدينية الثابتة بقوانين مدنية مشابهة لها؟
فهل توقفت العلمانية في فرنسا، على سبيل المثال، عند مبادئها الأولى التي تشكلت أثناء الثورة الفرنسية؟
من الملاحظ تماماً أن هذه المبادئ قد تغيرت بشكل تدريجي منذ القرن الثامن عشر حتى بداية القرن العشرين، فقد بدأت بمبادئ أولية تتجلى بمساواة حقوق الأفراد، لتكتسح شيئاً فشيئاً كيان الدولة، و التي نتج عنها بعد ذلك في بداية القرن العشرين قانون انفصال الكنيسة عن السلطة، مع العلم أن علمانية 1905 في فرنسا تختلف بعض الشيئ عن مفهوم علمانيتها في وقتنا الحالي و التي تفصح عن نفسها بشكل قوي في رفض المجتمع الفرنسي لكل الرموز الدينية، و لا يقتصر هذا الشيئ على الرموز الاسلامية بل يعمم على جميع الديانات، كما علينا أن نعلم ان العلمانية لن تتوقف عن التحول بل ستبقى ذاك المتغير المؤسس على معيار حرية الفكر و التعبير. مازال للعلمانية طريقاً طويلاً لتحقيق حريات أكثر للأفراد، و مساعدتهم على التحرر من جميع العبوديات، فالعبودية لا تقتصر على الدين و الإله، بل تمتد إلى عبوديات متعددة، كعبودية الاستهلاك و العمل القائم على روتينية محددة و مجردة من أي عمل فكري، فهي المؤجج ل "الأنا" الصغير القابع تحت سلطة العبودية.

لن نختلف كثيراً على أية كلمة أو غطاء يمكنه أن يساعد في عملية التغيير ليصب في خانة مصلحة الفرد، لإنشاء توازن مابينه و بين مصلحة كتلته، لهذا علينا بالبحث المتواصل عن مفهوم جديد يصب في هذا الغرض، لنتجاوز عبودية المفردات و الكلمات، علينا الإبداع لملامسة الشعور الإنتمائي الديني لأفراد الكتلة و البحث عن طريقة في احداث بعض التغيير في المشاعر نفسها و بأساليب مختلفة من دون رميهم في أحضان عدو الحياة.

لا يمكننا أخذ محصول ثقافات مختلفة عنا في تاريخها و ظروفها ان كانت دينية، سياسية أو اقتصادية...، و تطبيقها بشكل آلي في مجتمعات تختلف بطانتها عن تلك. ما يمكننا فعله هو دراسة و تحليل هذه الحركات للتوصل إلى الجوهر الأساسي في عملية التغيير، و من هنا ينطلق الخيال بعيداً ليصبح قادراً على الإبداع.
أعتقد ان الوقت الحالي في مجتمعاتنا بما فيه من تفكك مذهبي يشكل أرضية مناسبة لعملية التغيير التي لا تأتي من فكرة التوحيد، و لا تأتي من اتفاق الطوائف فيما بينها، بل هي ناتج عن الاختلافات و التخبطات بين الطوائف و المذاهب و الرؤى، هذا العامل المحفز على انشاء مفاهيم و تشريعات حيادية تضمن حرية أفرادها.

الاسلام ليس حلاً و لم تكن المسيحية حلاً و لا توجد حلول في أية قوانين ثابتة، بل جاءت الحلول العلمانية من خلافات الكنيسة فيما بينها و رغبة استقلال بعضها عن السلطة البابوية لمصلحة ملك أو امبراطور، ناهيك عن عوامل اجتماعية و سياسية و أخرى... اجتمعت كلها لتكون السبب الرئيسي في عملية التغيير.
لا ننسى ان ماوصلت اليه أوربا اليوم قد دفعت ثمنه من أجساد أفرادها، فكما قال اختصاصي الأنتربولوجيا فريدزر بعد دراسته لحركة الشعوب الوحشية "ان قوة أية كتلة تتلخص في امكانية أفرادها بتضحية الحاضر لمستقبل كفيل أن يحقق لها اكتفاءاتها، و هذا ينطبق أيضاً على الفرد".

لم أكتب هذا المقال لإيماني الشديد في تضحية الفرد لكتلته، ربما لأني خارجة عن موضوع الإنتماءات الانسانية بكل معاييرها الحالية كالقوميات، الأوطان و النوع الإنساني...، فإنتمائي إلى الحياة و إلى ما تجسده في كل كائن حي، لكنني أعلم ان ازدهار كتلة جماعية معينة تتلخص في هذا السياق.

أخيراً، لا أستطيع إلا القول ان بداية أي تغيير تبدأ أولاً بالتحرر من كلمات و مفردات، و الكف عن تقليد التاريخ، فالظروف المحيطة التي ساعدت دولاً أخرى في تخطي ماضيها الاستبدادي لتلحق بعجلة التطور و الحياة، لا تتوافق تاريخياً و لا جغرافياً مع دول أخرى. ربما آن الآوان في تحريك تفاعلاتنا النفسية من خلال إبداع كلمات و صيغ جديدة تتناسب مع البطانة التاريخية و الدينية لهذه المجتمعات، و من يعجز عن الإبداع و التفكير للحاق بقطار الحياة، فلن يصيبه إلا الزوال و الاختفاء.

تعلمنا و من خلال مراجعة التاريخ و الدراسات الأنتربولوجية، أن الحياة أساسها التطور فهي من تنتقي عناصرها الملائمة لها و المتماشية مع كل متغيراتها.
و ربما من الأفضل لهذه الشعوب أن تدرك أن مصيرها الزوال في حال اصرارها على التشبث في ثوابتها التي لا تتلائم مع النظام الطبيعي، و بعد هذا كله لا يسعني إلا أن أطرح سؤالأً أخيراً عن جوهر الفكرة الرئيسية المتحكمة في مصائر هذه الشعوب المتلخصة بالتشنج المزمن لها، فهل هو نتيجة لبحثها اللاواعي في الخلود بجوار إلهها؟ وكيف لا، فهي التي ترعرت و نشأت على حب العبودية و الموت في آن واحد.
ربما آن الآوان، كي نبدأ بإعادة جديدة لمفاهيم عالمية، و طرح انتماءات جديدة للأفراد خالية من الأوطان و الأعراق، كي ندعم الأفراد الراغبة في الانتحار لتحقيق حلمهم الفانتازي و مساعدتهم في الرحيل إلى جوار إلههم، فلهم الحق في الاختيار ما بين الموت و الحياة، فلكم الهكم الميت و لنا حياتنا المتغيرة.



#رندا_قسيس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حق الاختلاف في منهجية التفكير
- نحو يوم وطني لفض غشاء البكارة!
- العصاب لدى رجال الدين
- الدين: المسبب الأول للعجز الادراكي
- ذروة النشوة و انسجام الذات
- الدين و علاقته بالتعنيف اللفظي
- الدين...اسقاطات الغرائز الطفولية-2
- الدين...و اسقاطات الغرائز الطفولية-1
- احياء الاله من الصراعات الداخلية
- عداء -الانا- للحرية
- الجماع و لحظة العودة الى الرحم
- عدوانية الصور الابراهيمية
- متلازمة الجنس و الموت
- لا حرية لسارقي الحريات
- انتعاشات باريسية حرة-2
- انتعاشات باريسية حرة-1
- ابناء الخطيئة
- الفكر، الدين خطان منفصلان
- هذيان الرسل
- الدين، وجه آخر للخرافة


المزيد.....




- الأرجنتين تطالب الإنتربول بتوقيف وزير إيراني بتهمة ضلوعه بتف ...
- الأرجنتين تطلب توقيف وزير الداخلية الإيراني بتهمة ضلوعه بتفج ...
- هل أصبحت أميركا أكثر علمانية؟
- اتفرج الآن على حزورة مع الأمورة…استقبل تردد قناة طيور الجنة ...
- خلال اتصال مع نائبة بايدن.. الرئيس الإسرائيلي يشدد على معارض ...
- تونس.. وزير الشؤون الدينية يقرر إطلاق اسم -غزة- على جامع بكل ...
- “toyor al janah” استقبل الآن التردد الجديد لقناة طيور الجنة ...
- فريق سيف الإسلام القذافي السياسي: نستغرب صمت السفارات الغربي ...
- المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف مواقع العدو وتحقق إصابات ...
- “العيال الفرحة مش سايعاهم” .. تردد قناة طيور الجنة الجديد بج ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - رندا قسيس - أين موقع الثقافة العربية من العلمانية؟