أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - لؤي حسين - سوريا - انتفاء الحاجة للاعتقال السياسي















المزيد.....

انتفاء الحاجة للاعتقال السياسي


لؤي حسين - سوريا

الحوار المتمدن-العدد: 958 - 2004 / 9 / 16 - 09:06
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


حتى لو أفرغت السلطة السورية كل سجونها من المعتقلين السياسيين أو معتقلي الرأي فهذا غير كاف، كما أنه ليس دليلا على توجه سياسي جديد أكثر عقلانية وإنسانية وديمقراطية.
هو غير كاف لأنه لا يشكل ضمانة واطمئنانا للذين أخلي سبيلهم مؤخرا أو غيرهم ممن سبقهم خلال السنين الماضية. فكل إجراء جديد للسلطة في هذا المجال لا يعتبر كافيا ما لم يكن تنفيذا لقانون يؤصله ويكرسه بشكل حقيقي. وبغير ذلك لن يعدو أن يكون تنويعا في الفعل لإشغال الوقت. فقرار العفو عن المعتقلين يتساوى بأحد الأوجه مع قرار اعتقالهم، فكلاهما مكرمة وهبة تقدمها السلطة للشعب وللوطن حسب منطقها. وكلاهما فعل يمكنها أن تقوم به أو تمتنع عنه بدون سبب وجيه أو ضرورة يمكن حسابها والتنبؤ بها.
فالعفو الأخير عن معتقلين سياسيين وإبقاء عدد قليل جدا منهم، قياسا لما كانوا عليه خلال الثمانينات والتسعينات، ليس كافيا إذا قسناه بما هو مطلوب الآن من السلطة، أو لما يؤمل منها على صعيد التغيير أو التطوير أو الإصلاح، أو أي مصطلح تعتمده. فأي إجراء للسلطة في هذا الميدان إن لم يشكل خطوة باتجاه استقلال القضاء وسيادته، بما في ذلك إلغاء كافة المحاكم الاستثنائية وإلغاء أي إمكانية للاعتقال ليس صادرا عن أجهزة السلطة القضائية المستقلة، أو لا يكون-الاجراء- باتجاه تأسيس لتداول السلطة، فهو إجراء لا يمكن وضعه في سلة بشائر الخير.
فكل إجراء تتخذه السلطة السياسية وتبقي لنفسها إمكانية العودة عنه على هواها ومتى شاءت لا يمكن أن يحتسب لها حتى مجرد نية في الإصلاح. فالإصلاح المطلوب من السلطة يتحدد أساسه أو مقياسه بتنازلها عن صلاحيات أو نفوذ لصالح الشعب أو ممثليه. وبعبارة أخرى فهو ليس تنازلا بقدر ما هو إعادة صلاحيات للدولة ومؤسساتها كانت قد استولت عليها السلطة وأجهزة تسلطها. فلكي يكون أي انجاز في هذا السياق صادقا وجادا فإنه يترتب على السلطة أن ترفقه أو ترافقه بإجراء يحميه من استباحة الأجهزة التسلطية.
صحيح أنه لا توجد إمكانية واقعية لآلية تمكّن السلطة من قوننة منع الاعتقال وتحريمه على نفسها بشكل لا يمكنها الرجوع إليه، بسبب عدم وجود جهة شرعية يمكن أن يوكل إليها مراقبة وحماية حقوق الناس، وبنفس الوقت يمكنها مساءلة السلطة السياسية ومنعها من خرق هذا القانون ومعاقبة أجهزتها وأفرادها الذين يقومون بهذا الخرق. لأنه لا يوجد، ضمن ما هو قائم، أية جهة أو مؤسسة منتخبة من قبل الشعب أو معينة من جهة منتخبة، فكل المؤسسات معينة من السلطة السياسية بشكل مباشر أو غير مباشر عن طريق انتخابات شكلية، وبالتالي فإن ولائها يكون لهذه السلطة مما يجعلها إحدى أجهزة تسلطها أكثر منها مؤسسة للدولة.
لكن وبالرغم من كل ذلك فبمقدور السلطة، وسيكون مقبول منها، أن توكل هذا الأمر للسلطة القضائية رغم عدم استقلاليتها. وسيكون هذا بمثابة كلمة شرف موثّقة إذا أخذنا بعين الاعتبار طبيعة النظام السياسي وقدرة السلطة السياسية ونفوذها. في هذه الحال يمكن اعتبار إجراءا كهذا على أنه خطوة، ولو ناقصة أو غير مضمونة، في طريق الإصلاح الذي نشترط أن يوصلنا إلى الشرعية الانتخابية واحترام تداول السلطة.
ويمكن أن يقال أيضا في هذا الصدد أنه ليس هناك سلطة أو جهة ما يمكن أن تتخلى عن بعض نفوذها برضاها دون ضغط يجبرها على ذلك أو قوة سياسية تفرضه عليها. أعتقد أن هذا القول الصحيح ليس القاعدة الوحيدة لكل زمان وحالة. فشؤون الحكم، وكذلك السياسة، ليست بهذه الميكانيكية البسيطة. إذ توجد دوما دوافع وغايات عديدة يمكنها أن تكون سببا لتغيير أداء أو نهج حكومة أو جهة سياسية ما. ومع ذلك لا يمكن أن نقيم الرهانات أو البرامج السياسية على هذه الإمكانية.
لكن لا أرى بين أطراف الممكن الظاهر الآن سوى إمكانية أن تقوم السلطة السورية بإصلاح نظامها السياسي استنادا لقناعة، يجب أن تكون تشكلت لديها، بأنها لن تبقى على حالها دون تغيير لزمن طويل. فأي إصلاح ستقبل به إن كان من الداخل أم من الخارج، وإن كان بفعلها الذاتي أم بمشاركة جهات سياسية أو اجتماعية أخرى، لن يعطي لكلمة الإصلاح معنى أو جدوى ما لم يتجه إلى تداول السلطة وعبر شرعية انتخابية. وبهذا تنتفي منذ الآن حاجتها للاعتقال السياسي، رغم أني لا أعتقد أنها كانت بحاجته يوما، خاصة بالشكل الذي مارسته فيه، لعدم وجود أية قوة سياسية أو مجموعة انقلابية كان بمقدورها الإطاحة بهذه السلطة. ورغم ما يمكن أن يرد به أهل السلطة على هذا بأنه لولا ذاك الاعتقال الدؤوب والشديد لوجِدت مجموعات قوية أو لقويت مجموعات موجودة ولتمكنت من الإطاحة بالسلطة. لكن هذا لا يبرر لها اعتماد الاعتقال التعسفي والعنيف كأسلوب وحيد تعاطت به مع كل مخالفيها أو خصومها.
هذه السلطة ليست من جاء بأسلوب الاعتقال كطريقة للتعامل مع المخالفين والخصوم السياسيين عندنا، فلقد مارسته الحكومات التي سبقتها، وغالبا ما تعرضت للاعتقال شخصيات وجهات سياسية كانت قد مارسته على غيرها. بل أن الاعتقال السياسي لم يكن دوما موجها لخصوم من خارج السلطة الحاكمة، فقد مورس على أطراف وأفراد من داخل السلطة ذاتها سابقا والآن. وهذا بالإجمال ليس غريبا بل أصيلا في ثقافتنا السياسية التي تعتمد نهج الاستئصال السياسي، وأحيانا الاجتماعي، وممارسة كل أشكال العنف السياسي. فجميع القوى السياسية التي كانت متوفرة طوال هذه الحقبة اعتبرت الحفاظ على السلطة، لو كانت بيدها، مبدءا ثوريا وفعلا وطنيا. وكل ما ينسب له صفة الثوري أو الوطني في بلادنا يأخذ طابعا قدسيا. فجميع تلك القوى والأحزاب ما كانت لتقبل، سابقا، من نماذج سلطات في بلدان أخرى كانت تقتدي بها أن تتنازل عن السلطة أمام أي قوة انقلابية أو انتخابية.
كان، ومازال، المفروض والمطلوب من السلطة، لكي تثبت جديتها ومصداقيتها بإنهاء أسلوب الاعتقال السياسي، أن تعترف بخطأ هذا النهج وتنهيه وتعتذر عن ممارسته بدل أن تشترط على المعتقلين لإطلاق سراحهم أن يعترفوا بأخطاء وجرائم ليست صحيحة وأن يعتذروا عنها. وآن لأهل السلطة أن يتخلوا عن المنطق التبريري بأنهم ليسوا من أعلن حالة الطوارئ وأن خصوم السلطة ليسوا أفضل منها لو كانوا مكانها، متذرعين بأقوال انفعالية لبعض المحايدين يصفون بها أطرافا أو أفرادا في المعارضة بأنهم ممكن أن يكونوا أقسى من أطراف في السلطة لو كانوا مكانهم. فهذه حجة لا يراد بها حق بغض النظر عن صحتها. وبمقابل ذلك لم نلحظ أن جهات المعارضة، ونخبها السياسية والثقافية، استطاعت أن تشكل نموذجا مختلفا يضع السلطة في منافسة أخرى معها، فإن تخلت-المعارضة- عن ما كان يؤخذ عليها سابقا إلا أنها لم تعترف بخطئها، وبقيت تعتمد نفس المنطق التبريري معتبرة أنه ليس في الإمكان أفضل مما كان ويكون الآن، بدل أن تعترف بالخطأ، إن وقع، وتعتذر عنه حتى في أبسط الأمور. فمنذ أيام، مثلا، وفي إطار رد بعض المثقفين والسياسيين على جهاد الزين حين أخذ عليهم سوء لغة خطابهم، لم يدافعوا عن لغتهم وكذلك لم يعترفوا بخطئهم، بل برروا ذلك بأنها نتاج لغة ورثوها عن سابقيهم وتربوا عليها فاعتادوها.
حجج السلطة وتبريراتها لاستمرارها في الاعتقال السياسي حتى هذه اللحظة، وما يلازمه من تعذيب وإساءة معاملة المعتقلين لا يمكن أن تقنع أحدا خاصة بادعائها نية الإصلاح. فحجة تخوفها، أو تخويفنا، من إمكانية انقلاب قوى أصولية أو غيرها عليها إن هي خفضت من حدة قمع معارضيها بالاعتقال، حجة سقطت منذ إعلان الجميع تخليهم عن العنف أو طريقة الانقلاب لاستلام السلطة. والأهم، فأنا أعتقد أن السوريين عموما لم تعد تبهرهم أو تجذبهم الطرق والأساليب الثورية والانقلابية وما عادوا مستعدين للالتفاف حول أصحابها، وإن كانوا مازالوا يعتقدون ويأملون بوجود مخلّص يعفيهم من الجهد والاجتهاد. وهذا ليس بتأثير طروحات جديدة في الخطاب السياسي السوري بل من تعرّفهم من خلال الفضائيات على سلمية الطريقة الانتخابية. وأعتقد أنهم سيستفيدون من التجربة العراقية الحالية وينفرون من العنف السياسي بعد أن عرفوا آثاره المدمرة، مع أنهم مازالوا يؤمنون ببعضه الموجه ضد الاحتلال.
استمرار السلطة بأسلوب الاعتقال السياسي مأخذ جدي عليها، وإنهاءه ضرورة ملحة ليس من الناحية الحقوقية فحسب باعتباره من أهم وأبشع انتهاكات حقوق الإنسان، وإن كان هذا يكفي الأمر وينهيه. فإنهاءه ضرورة من الناحية الأخلاقية والإنسانية والرقي الحضاري. فلن يشفع للسلطة ولن يحسن صورتها مهما فعلت على صعيد تطوير الاقتصاد وتحسين المعيشة وإيجاد دور أساسي لها في معادلة الشرق الأوسط إذا هي لم تنه هذه الممارسة المشينة وتحرّمها على نفسها نهائيا. ولن يكفيها لذلك، إضافة لما عرضته أعلاه، إلغاء قانون الطوارئ أو إصدار قانون الأحزاب، خاصة إذا استبدلت الأول بقوانين مدنية أسوء منه، كما هو متوقع أو متخوَّف منه، وجعلت من الثاني قانونا لمنع الأحزاب بدل أن يكون للسماح لها. فالسلطة بحاجة إن كانت صادقة بنية الإصلاح أن تنهي الاعتقال السياسي لأنه يشكل قفل بوابة الإصلاح وبكسره ستفتح المجال للمبادرات والآراء ليس من خارجها ومن قبل معارضيها فحسب بل من كوادر وجهات داخلها تمتنع عن المبادرة خشية الاعتقال هي أيضا. فعليها أن تقدم على هذه الخطوة فورا وبدون خوف، وخلاف ذلك لا يفسره إلا قلة درايتها بقادم الأمور.



#لؤي_حسين_-_سوريا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثقافة الاستبداد الوطني
- مثقفون-سياسيون سوريون
- كبيرة التعذيب
- الإرهاب يدخل إلى سوريا
- ردا على مقال السيد منذر خدام المنشور في موقع الحوار المتمدن ...


المزيد.....




- تربية أخطبوط أليف بمنزل عائلة تتحول إلى مفاجأة لم يتوقعها أح ...
- البيت الأبيض: إسرائيل أبلغتنا أنها لن تغزو رفح إلا بعد هذه ا ...
- فاغنر بعد 7 أشهر من مقتل بريغوجين.. 4 مجموعات تحت سيطرة الكر ...
- وزير الخارجية الفرنسي من بيروت: نرفض السيناريو الأسوأ في لبن ...
- شاهد: أشباح الفاشية تعود إلى إيطاليا.. مسيرة في الذكرى الـ 7 ...
- وفد سياحي سعودي وبحريني يصل في أول رحلة سياحية إلى مدينة سوت ...
- -حماس- تنفي ما ورد في تقارير إعلامية حول إمكانية خروج بعض قا ...
- نائب البرهان يبحث مع نائب وزير الخارجية الروسي تعزيز العلاقت ...
- حقائق عن الدماغ يعجز العلم عن تفسيرها
- كيف تتعامل مع كذب المراهقين؟ ومتى تلجأ لأخصائي نفسي؟


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - لؤي حسين - سوريا - انتفاء الحاجة للاعتقال السياسي