أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - إبراهيم ابراش - الفلسطينيون بين معاناة المهجر ومعاناة المحشر















المزيد.....

الفلسطينيون بين معاناة المهجر ومعاناة المحشر


إبراهيم ابراش

الحوار المتمدن-العدد: 3184 - 2010 / 11 / 13 - 10:01
المحور: القضية الفلسطينية
    


ما بين معاناة المهجر ومعاناة المحشر تشكلت الشخصية والهوية الفلسطينية النضالية والمستقلة حتى أصبح الفلسطيني والمعاناة توأمين،إلا أن ما لم يكن واردا أن نصل لمرحلة يصبح فيها الفلسطيني يعاني على يد الفلسطيني قبل أن نصل لمرحلة الاستقلال والدولة.هذه المعاناة لا تندرج في إطار المعاناة الخلاقة الناتجة عن صراع الفلسطيني مع العدو ،معاناة واضطهاد الفلسطيني على يد الفلسطيني تسيء للشخصية والهوية الفلسطينية وتسيء لعدالتها وتوصيفاتها الأولى كحركة تحرر ،معاناة الفلسطيني على يد الفلسطيني باتت تنتج أعداء داخليين يحلون محل العدو الخارجي .
بسبب طول عهد الفلسطينيين مع الاحتلال والغربة باتت المعاناة من الاحتلال الصهيوني ومن الظلم والاضطهاد والإهانة من طرف الأنظمة التي يقيمون فيها، وما أبدعه الفلسطينيون من وسائل لمواجهتها ،باتت جزءا من الهوية والشخصية الفلسطينية .صقلت المعاناة بكل أشكالها الشخصية الفلسطينية حيث تُذكر الفلسطيني دوما بأنه فلسطيني بدون وطن وإنه إما شخص غير مرغوب به وضيف ثقيل أو أداة إنتاج ومصدر استثمار للبلد المضيف،وكل شعارات القومية والاشتراكية والإسلام لم تشفع له ولم تمنحه الحق بالعيش متساويا مع أبناء البلد الذي يقيم فيه ويرفع أي من هذه الشعارات،كانت المعاناة تدفع الفلسطينيين لمزيد من التآلف والتوحد وتعزز لديهم الانتماء لفلسطين والشوق للعيش فيها حتى وهي تحت الاحتلال.
لكل فلسطيني في الشتات تجربة مع المعاناة ،فإما أنه دخل معتقلا أو استدعاه الأمن للتحقيق أو مُنع من الدخول إلى بلد ما أو تم حجزه لساعات أو لأيام في المطارات وعلى الحدود البرية أو شعر بالتمييز بحرمان أبنائه من الدراسة أو العلاج في البلد الذي يقيم فيه وأحيانا يتم طرد الأبناء وفصلهم عن أسرهم عندما يبلغوا سن الرشد،وبالنسبة لفلسطينيي المحشر الصامدون على أرض فلسطين فمعاناتهم أشد ولكنها أكثر تأكيدا على الانتماء للوطن والتمسك بالحق، فأن يتعرض الفلسطيني للقتل أو الأسر أو هدم منزله أو مصادرة أرضه أو لإهانة الاعتقال والتحقيق والحواجز... فهذا أمر طبيعي وجزء من ديالكتيك الصراع مع العدو والفلسطيني مستعد لدفع هذا الثمن لأن هذا السلوك الصهيوني يؤكد بأن الفلسطيني يسير على الطريق الصحيح .
كنا وما زلنا مستعدين لدفع فاتورة الانتماء للوطن ،مستعدين لتحمل معاناة الغربة وتشتت العائلة ، مستعدين لتحمل معاناة الإهانة على المعابر والحدود ، مستعدين لتحمل معاناة الاحتلال والحصار بكل أشكالها،ولكن ما لم يكن يخطر على بال أن يصبح الفلسطيني يعاني على يد الفلسطيني .إنها لمصيبة كبرى أن تتشكل أجهزة أمن ومعتقلات فلسطينية داخل فلسطين المحتلة ،أجهزة أمن ليست مهمتها حفظ أمن الوطن والمواطنين في مواجهة العدو الصهيوني بل أجهزة مهمتها مراقبة ومطاردة المواطنين الفلسطينيين والتضييق على حرياتهم بما يخدم استقرار حكومة خاضعة للاحتلال وموجودة بمشيئته وعاجزة ليس فقط عن تحرير الوطن بل عاجزة حتى عن وقف عمليات الإذلال اليومي الذي تتعرض له من دولة الاحتلال ،فلا هي قادرة عن وقف الاستيطان وعمليات القتل والاعتقال في الضفة ،ولا هي قادرة على رفع الحصار وفرض السيادة والاستمرار في تهج المقاومة في قطاع غزة ،حكومتان بات شغلهما الشاغل كيفية إخفاء فشلهما في إنجاز المشروع الوطني وفشلهما في خياريهما – التسوية والمقاومة- من خلال التضييق على معارضيهم ومنتقديهم والبحث عن أعداء (وطنيين ) لتحميلهم مسؤولية فشلهم وعجزهم ،أجهزة وحكومات لا تعتقل وتطارد المجرمين والقتلة فقط ولا المسلحين والحزبيين المعارضين فقط بل كل صاحب رأي حر يفكر بعقلانية وبحسابات الوطن لا بحسابات الحزب والوظيفة والأجندة الخارجية .
هذه المعاناة الجديدة للمواطنين الفلسطينيين تُنتج مفاعيل متعارضة كليا لمفاعيل المعاناة من القوى الخارجية والمعادية،فإذا كانت ممارسات الأعداء تولِد معاناة تعزز الهوية والانتماء وتزيد من إحساس الفلسطيني بثقته بنفسه وبالعزة والكرامة ،فإن المعاناة المتولدة عن ظلم واضطهاد أجهزة الأمن الفلسطينية المحكومة بعقد نقص متولدة من قمع الاحتلال لها ،هذه المعاناة تشكل إهانة للفلسطيني وجرحا لكرامته وعلى المستوى العام تسيء للهوية والشخصية الوطنية وتزيد من تمزق الشعب الفلسطيني واستبعاد فرص المصالحة والوحدة الوطنية.
يبدو أن الأجهزة الأمنية الفلسطينية ليس فقط فاشلة وعاجزة بالمفهوم الوطني ولكنها لا تخلو من جهل سياسي، الأنظمة السياسية الديمقراطية تحتاج للمعارضة وقد قال سياسي أوروبي ( لو لم تكن معارضة لخلقناها) وهذا إيمان بأهمية المعارضة وحرية الرأي وحاجة الأنظمة لان ترى الصورة الأخرى من ممارساتها وهي صورة لن تراها من خلال الكتبة المأجورين والمنافقين أو من خلال إعلامها وأتباعها ،بل ستراها من خلال كتابات المفكرين والمثقفين الذين ينظروا إلى المشهد السياسي بكليته ،وأن تزعم السلطة ،أية سلطة، بأنها ديمقراطية وجاءت عن طريق صناديق الانتخابات فإن فلسفة الديمقراطية تقوم على حق الأغلبية بالحكم وحق المعارضة بان تمارس حقها بانتقاد ممارسات الحكومة القائمة والتعبير عن نهج وتصور بديل ،من حق المعارضة والمستقلين امتلاك الحرية في توصيل تصوراتهم للجمهور بكل الوسائل الشرعية والسلمية كما هو منصوص عليه في الدساتير.
يوم الأربعاء 10/11 توصلت باستدعاء من الأمن الداخلي لحكومة حماس في غزة يطلب فيها حضوري لمقرهم في مجمع أبو خضرة في الساعة العاشرة صباح الخميس،ولأنني لست من الباحثين عن البطولات ولا من أصحاب التضخيم والإشهار والتشهير فقد انصعت للطلب وذهبت في الموعد المحدد ،وبعد أن تركوني انتظر لساعة على البوابة مع الحراس أدخلوني لأحد المسئولين ولطوال ساعة ونيف ونحن نتحدث عن السياسة ووضحت له موقفي وتصوراتي ،وفي نهاية الحديث الذي تخلله فنجان قهوة وشيئا من الصراحة طلب مني مسئول الأمن التعهد بعدم انتقاد حركة حماس وحكومتها وعدم التشهير بهما لا كتابة ولا عبر وسائل الإعلام فرفضت ذلك كما رفضت التوقيع على تعهد مكتوب بهذا الشأن موضحا له أنني كاتب حر مهمتي الكتابة منذ ثلاثين عاما ،نعم أنا معارض لحركة حماس ونهجها ولكنني لست عدوا لحركة حماس أو لحكومتها ، أنتقد الخطأ أيما كان مصدره سواء من حكومة غزة أو حكومة الضفة ،من فتح أو من حماس ،وأدافع عن الإيجابيات أيما كان مصدرها ،وإن لم أكتب أنا ككاتب فلسطيني عن المشهد السياسي بكل تفاصيله وأوثقه فمن سيكتب عن الحالة الفلسطينية؟وهل نترك للصحف والمحطات الإسرائيلية لتكتب وتحلل الوضع الفلسطيني ؟أم نترك الكُتاب والصحفيين العرب والأجانب ليكتبوا عن قضيتنا ؟ وعندما أصررت على رفض التوقيع تركوني جالسا في غرفة ذكرتني بمثيل لها في مراكز اعتقال أجهزة الأمن العربية ،وبقيت حتى الساعة الرابعة مساء حيث أعادوا لي هاتفي الخلوي مع استدعاء جديد بالعودة لهم يوم الأحد.
إن هكذا ممارسات تدفعني وتدفع كثيرين غيري للكتابة بمزيد من الإصرار عن الوضع الداخلي بدلا من التفرغ للكتابة عن الاحتلال وممارساته .هذه الممارسات – وليست هذه تجربتي الأولى مع الأمن الداخلي لحماس -لا تفيد حركة حماس وحكومتها،ومع افتراض أن حركة حماس تتعرض للتشهير ومحاولات لمحاصرتها أو للقضاء عليها فإن مواجهة هذا المخطط لا يكون بكسب مزيد من الأعداء والتضييق على الحريات بل بمصالحة وطنية شعبية ولو على مستوى القطاع بحيث تتصالح الحركة مع الشعب ،مع معارضيها قبل مؤيديها ،من سيحمي حماس من العدوان والتآمر عليها كما تقول ليس السلاح وقمع الحريات ولا ارتباطاتها الخارجية بل الشعب ،حب الشعب وثقته،إن من لا يستطيع التصالح مع الشعب في القطاع الذي يمثل سكانه سُبع الشعب الفلسطيني لا يمكنه أن يتصالح مع كل الشعب، فبالأحرى أن يدعي أهليته لقيادة الشعب،وإذا كانت حكومة غزة حكومة منتخبة ديمقراطيا فإن من شروط واستحقاقات الديمقراطية حرية الرأي والتعبير ،من حق حكومة غزة كحكومة أمر واقع أن تعتقل وتحاسب من يخرج عن القانون الفلسطيني أو يسئ للمصلحة الوطنية ولكن ليس من حقها أن تُوقف وتَعتقل وتُهين من يخالفها الرأي، لم نسمع عن حكومة سواء ديمقراطية أو غير ديمقراطية تطلب من المعارضين والكتاب والمثقفين التوقيع على تعهد بعدم انتقاد الحكومة والحزب الحاكم.
لو كانت الحالة الفلسطينية صحية وسليمة لكان من الممكن الكف عن الحديث في السياسة أو اقتصرت كتاباتنا عن الإنجازات المُبهِرة لحكومتي الصفة وغزة،ولكن في ظل أوضاع هي الأسوأ في تاريخ قضيتنا وفي ظل حالة الانهيار والتيه السياسي يصبح من حق كل صاحب قلم وطني حر أن يكتب ويحلل ويبحث عن مخارج للأزمة في إطار المصالحة والوحدة الوطنية وتجاوز أخطاء وسلبيات الماضي وتدشين عهد جديد من العمل السياسي.
‏13‏ تشرين الثاني‏ 2010
[email protected]
www.palnation.org



#إبراهيم_ابراش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في ذكراهم نستحضر نهجهم
- المطلقات السياسية كعائق أمام الديمقراطية والوحدة الوطنية
- بلفور ليس الوحيد الذي وعد وإسرائيل لم تقم بسبب وعده فقط
- الحلقة المفقودة في المشهد السياسي الفلسطيني
- لا يتشكل الواقع كما نريد بل بما نفعل
- رابطة دول الجوار أو نهاية المشروع القومي الوحدوي العربي
- انتقال مركز القرار الفلسطيني من الكبار إلى الصغار
- نعم للمفاوضات ... ولكن
- ما وراء قمع معارضي العودة للمفاوضات في الضفة الفلسطينية
- العودة للمفاوضات:صدقت المعارضة ولم يخطئ الرئيس
- المقاومة:قصور في التنظير وانحراف في الممارسة
- المفاوضات ولعنة الراتب
- بين مثالية الفكر واستحقاقات الواقع
- الفعل المقاوم بين شرعية المبدا وغياب الإستراتيجية -أسر شاليط ...
- الفضائيات: من ناقلة للخبر إلى صانعة للحدث
- حصار غزة :هذا المصطلح المراوغ
- مشروع سلام فلسطيني ضرورة وطنية اليوم
- رفع الحصار أم إعادة رسم الخريطة الجغرافية والسياسية لفلسطين ...
- حتى لا يكون ثمن رفع الحصار أسوء من الحصار
- السياسة التركية :ايديولوجيا صدامية أم براغماتية مستحدثة


المزيد.....




- -الشيوخ- الأمريكي يوافق على حزمة مساعدات لأوكرانيا وإسرائيل ...
- مصرية الأصل وأصغر نائبة لرئيس البنك الدولي.. من هي نعمت شفيق ...
- الأسد لا يفقد الأمل في التقارب مع الغرب
- لماذا يقامر الأميركيون بكل ما لديهم في اللعبة الجيوسياسية في ...
- وسائل الإعلام: الصين تحقق تقدما كبيرا في تطوير محركات الليزر ...
- هل يساعد تقييد السعرات الحرارية على العيش عمرا مديدا؟
- Xiaomi تعلن عن تلفاز ذكي بمواصفات مميزة
- ألعاب أميركية صينية حول أوكرانيا
- الشيوخ الأميركي يقر حزمة مساعدات لإسرائيل وأوكرانيا وتايوان ...
- واشنطن تدعو بغداد لحماية القوات الأميركية بعد هجومين جديدين ...


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - إبراهيم ابراش - الفلسطينيون بين معاناة المهجر ومعاناة المحشر