ألفساد ألأداري ..... أفيون ألعراق

كمال سيد قادر

الحوار المتمدن-العدد: 956 - 2004 / 9 / 14 - 09:59
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    

يقص علينا ألتأريخ بأن أنكلترا كانت قد تحولت فى ثلاثينات ألقرن ألتاسع عشر الى أكبر منظمة لتجارة ألمخدرات فى ألتأريخ ليس لها شبيه لحد ألآن و لم أقل هنا تهريب ألمخدرات لأن ألتجارة هذه كانت تمارسها ألدولة علنيا. شركة ألهند ألشرقية ألأنكليزية كانت تزرع ألأفيون فى ألهند و تشحنها الى ألكانتون ألصينى لترويجها بين ألسكان و كانت تحصل بألمقابل على ألشاي و بضائع صينية أخرى. هذه ألحقبة من ألتأريخ ألصينى ليس لها مثيل فى تأريخ هذا ألبلد من ألأنحطاط ألأخلاقي و ألفساد و ألتفكك ألأجتماعي. و عندما عين حاكم جديد للكانتون بأسم لين تشو شى حاول هذا ألحاكم ألنظيف أليد ألتخلص من هذا ألوباء و منع ألأنكليز من تجارة ألأفيون و كان جواب ألأنكليز شن حرب عليه أطاحت به.
لعل هذا ألأسلوب من تخدير ألشعوب لأجل نهب لقمة عيشهم لم يعد ضروريا أليوم أذ ظهرت أساليب جديدة أكثر فعالية لسرقة ثروات ألشعوب و تحويلها الى من يعتبرون أنفسهم من ألعرق ألمفضل و نبيهم هو داروين ألذى درسهم بأن ألبقاء هو للأقوى. ألأفيون ألجديد هو ألفساد ألمعروف عامة بألفساد ألأداري. فبدل ترويج ألأفيون يتم تعين نخبة لممارسة ألسلطة و هى بدورها تعرف جيدا دورها و هو بألدرجة ألأولى سرقة أموال ألشعب لصالح أسيادها و ثم نشر ألمرض و ألفقر و ألأنحطاط ألأخلاقي فى هذه ألبلدان لعرقلة مسار تطورها و ألأستمرار على أستعبادها.
ألفساد ألأداري حسب تقرير ألبنك ألدولي هو بألفعل السبب ألرئيسي للفقر فى دول ألعالم ألثالث و هذا ما يؤيده أيضا تقرير منظمة ألشفافية ألدولية ألتى أعدت قائمة بأسم 133 دولة صنفت حسب درجة ألفساد فيها حيث تظهر هذه ألقائمة بأن ألدول ألأقل فسادا هى فى نفس ألوقت من أغنى دول ألعالم كفنلندا و ألدانمارك و نيوزلندا و غيرها، و أفقر ألدول هى ألدول ألتى فيها أعلى درجة من ألفساد ألأدارى كنيجيريا و كينيا و أأندونيسيا مثلا. ليس فقر هذه ألدول هو سبب أنتشار ألفساد فيها بل بألعكس ألفساد هو مصدر فقرها و ألا لنأخذ دولة كنيجيريا و هى عضوة فى منظمة ألأوبك و تصدر سنويا ما يقارب 600 مليون برميل من ألنفط أى ما يعادل صادرات ألكويت تقريبا بألأضافة الى كونها دولة زراعية، أو أندونيسيا ألتى هي أيضا عضوة ألأوبيك و تنتج سنويا أكثر من 500 مليون برميل سنويا بألأضافة ألى 84 مليارد مكعب من ألغاز ألطبيعى و هى أيضا دولة زراعية. ألفساد ألأدارى هو مرضهم أذ هو كسرطان فى جسم ألمجتمع يشل طاقاته و يدمر ألثقة بين ألمواطن و أجهزة ألدولة، يشجع نشر ألجرائم لأنه يجعل ألكثير يعتقدون بأن كسب ألمال بأية طريقة كانت لها شرعيتها لأن مسؤولى ألدولة أنفسهم يمارسون ألسرقة بدل أحترام سيادة ألقانون، فهو يعيق تقديم ألخدمات ألأساسية للمواطنين لأن ألأموال ألمخصصة لهذا ألغرض تتسرب تدريجيا فى جيوب مسؤولى ألدولة ألفاسدين الى أن لا يصل الى خدمة ألمواطن ألا ألقليل، فهو أيضا يعيق ألنمو ألأقتصادى لأن ألمستثمر ألمحلي و ألدولي ليس مستعدا للأستثمار فى دولة ينتشر فيها ألفساد و حتى المساعدات ألدولية لدولة ما تتوقف حسب ألتعليمات ألجديدة لمنظمة ألتعاون ألأقتصادى و ألتنمية فى أوربا و للبنك ألدولى على مساعى ألدول ألمعنية لمحاربة ألفساد أجهزتها.
ألعراق لم يظهر اسمه على قائمة منظمة ألشفافية ألدولية لآنه غير ممكن أصلا قياس ألفساد فيه و لكننى متأكد و حسب ألتقارير ألصحفية ألتى تأتى من ألعراق و ألتجارب الشخصية للمواطن ألعراقى فأن ألعراق ألآن من دول ألعالم أكثر فسادا على ألأطلاق.
وضع أسس هذا ألفساد ألنظام ألبعثى ألمهزوم حيث كان أفراد عائلة ألدكتاتور كعدى و قصى و أمثالهم يمارسون ألفساد بكل أنوعه و يشجعون أعوانهم على ممارسته. و بعد تحرير ألعراق كان أحد آمالنا بأن نتخلص من ألفساد فى هذا ألبلد و نحصل على نصيبنا من ما يعود الينا فى ألأصل من ألثروات ألهائلة و لكننا فوجئنا بزيادته و أشتداد حدته و توسيع دائرته. ألفساد فى ألعراق ألجديد وضع له هذه ألمرة أسس قانونية حيث منع ألعراقيون من ألتصرف بأموالهم حسب قرار مجلس ألأمن رقم 1483 و ألذى تم بوجبه تأسيس صندوق تنمية ألعراق و ألذى يستحق أن نسميه صندوق سرقة ألعراق لأن من مجموع ما يقارب من 20 مليارد دولار ألتى تم تحويلها الى هذا ألصندوق لن تبقى منها سوى حوالى 900 مليون دولار عند أستلام ألحكومة ألعراقية ألمؤقتة للحكم فى يونيو ألماضى ولا أحد يعرف الى أين ذهبت هذه ألأموال و كل ما هو ألمعلوم بأن مدير ألمستعمرة ألسابق باول بريمر كان يقوم بصرف هذه ألأموال حسب هواه أو بألأحرى حسب هوا من رباه و عينه على أمثال هينرى كيسنجر و غيره من أصحاب مدارس ألحقد و ألكراهية و ألعنصرية. يقولون بأن مليارات خصصت لمشاريع خدمية و لكن لا أثر لها. فألى أين ذهبت ألملايين ألمخصصة لقطاع ألكهرباء و ألماء و مدن كاملة تعيش فى ظلام سبه دائم و ألمياه ألشرب ألملوثة تحصد روح أطفال ألناس؟ و من حصل على تعويضات من أموال خصصت لتعويض ضحايا جرائم صدام حسين أحد الركاب ألسابقين للقطار ألأمريكي الى ألحكم؟ و أين فرص ألعمل ألتى وعدوا بتوفيرها فهى حسب ألتقارير ألمستقلة لا تتجاوز 15000 فرصه بينما فقد مآت ألألوف عملهم؟ هل يستحق دولة غنية كألعراق أن يعانى أطفاله من سوء ألتغذية ألذى يتحدث عنه تقرير ألأمم ألمتحدة و هل مستنقعات مياه ألمجارى هى ألمكان ألملائم لعيش ألأنسان ألعراقى؟ أليس ألفقر و ألبطالة و نقص ألخدمات ألأساسية هى ألسبب ألرئيسى وراء ظاهرة أنتشار ألأرهاب و ألجرائم و ألأنفلات ألأمنى فى ألعراق؟ ألمسؤلين ألعراقيين ألسابقين و ألحاليين تقع على عاتقهم ألمسؤلية عن ألفساد ألمنتشر فى ألعراق و سرقة ألمستعمر بريمر لمليارات ألدولارات من ألأموال ألعراقية. و لماذا تسكت أكثرية ألصحف ألعراقية عن ظاهره ألفساد ألمنتشرة فى ألعراق و صرف مبالغ طائلة من ألأموال ألعراقية لتجنيد و تمويل ألمرتزقة ألأجانب و تجنيد ألمرتزقة هو محرم دوليا. و لماذا لا تجرى بحوث مستقلة عن ألأسباب ألرئيسية لظاهرة ألأرهاب فى ألعراق؟ و لماذا لم تصرف أمريكا غير ما يقارب 600 مليون دولار من مجموع 4. 18 مليار دولار خصصه ألكونغرس ألأمريكي لأعادة أعمار ألعراق؟ لمامذا لا تقول لنا ألحكومة ألحقيقة بأن ألسبب ألرئيسى وراء عدم أستعداد ألدول ألمانحة فى تحويل ما يقارب من 39 مليار دولار لأعادة أعمار ألعراق هو ألفساد ألمنتشر فى ألعراق أذ لا ترغب أية دولة فى هدر أموال دافعي ضرائبها؟

تجربتنا فى كوردوستان يجب ان تكون درسا لآخواننا فى ألوسط و ألجنوب بأن ألفساد ألأدارى أذا لم يتم أحتوائه منذ ألبدايه سيستحيل محاربته بعدئذ لأنه يصبح نفسه مؤسسة و هو يحكم لذا لم يعود هناك وجود لمن يستطيع محاربته. فى كوردوستان وصل بنا ألمطاف الى حد ألغاء حق ألملكية ألفردية و أحتكار هذا ألحق من قبل ألعائلتين ألحاكمتين فقط فى أمارة طالبانى عاصمتها ألسليمانية و أمارة بارزاني عاصمتها أربيل حيث أصبح كل ما نحصل عليه نحن ألشعب من رواتب أو أراض سكنية يعتبر صدقة من هذا ألرئيس أو ذاك او أبنائهم و أبناء أخوانهم و أخواتهم و حتى زوجاتهم. فأنجاز مشروع ما او توفير سيارة أسعاف و حتى سيارة لجمع ألقمامة يعلن عنه كأنه هبة من ألسيد ألقائد كما كان يقوم به معلم كل دكاتورى ألعراق ألدكتاتور ألمهزوم ألجبان صدام حسين. ألفساد ألأدارى يخلق جو من ألفساد سوف يشمل كافة مجالات ألحياة لأنه هو نفسه عمل لا أخلاقي لذا سيكون تدمير ألأخلاق بصورة عامة من نتائجه و هذا ما يريدوه كل من يريد أستعباد شعب ما. ففى كوردوستاننا ألحبيب تطور ألفساد ألأدارى و ألمالى ليشمل أباحة أعراض ألناس أيضا و لعل من درس مفيد للآخرين بأن نذكر هنا بعض ألأمثلة ألموثقة عن ألحالة ألتى وصلنا أليها نحن فى كوردوستان لتتعلمون منه. هناك عائلة شيماء، ألعائلة ألكوردية ألفيلية ألتى عادت من أيران الى كوردوستان بعد أنهيار ألنظام ألبعثى ألفاشى و سكنت فى مدينه دربنديخان ألتابعة لأدرة ألسليمانية و هى عائلة فقيرة يعيلها ولدها ألقاصر يسهر على ألبنات ألبالغات فى ألعائلة و لكن ألفقر يحاصرهم لهذا يبحثون عمن يساعدهم و هنا يأتى ألمسؤولين ألحكوميين و ألحزبيين فى دربنديخان ليعرضوا عليهن ألمال مقابل أجسادهن ألبريئة ألجائعة و لكن ألشجاعة لا تخون هذه ألعائلة ألشريفة و ألبنات ينشرن عذابهن فى جريدة كردبة محلية و ماذا تعتقد ما حدث لهذه ألعائلة و للصحفى؟ لقد أظطرت ألعائلة ألكوردية الى ترك كوردوستان و ألهروب الى بغداد و حتى فى بغداد تم أختطاف شيماء لأجبارها على ألنهى عن تصريحاتها و زج بألصحفى فى سجن أمن ألسيمانية.
و هناك ألنموذج ألكوردي لعدي صدام حسين ألمتمثل فى شخصية نهاد ألبارزاني شقيق ألقائد ألأوحد و ألمعلم أاكبير و ألأب ألوفى ألسيد مسعود ألبارزاني رئيس ألحزب ألديمقراطي ألكوردوستاني حفظه ألله كما يحب أن يلقب به. و ألسيد نهاد هذا يغتصب من يشاء من ألنساء و لا يهمه كم من ألنساء تم قتلهن لحد ألآن على أيدى أوليائهن بسبب ما يعتبرونه غسلا للعار . و لا يتجرأ أحد ألنطق بكلمة حول هذه الجرائم خوفا من ألعواقب ألوخيمة و أذا أعتقد شخص ما بأن مناصبه ألحزبية و ألحكوبيه سيحميه من هذه ألعواقب سيلقن درس ألحياة. هذا ألدرس تلقاه عضو ألمكتب ألسياسي للحزب ألديمقراطي ألكوردوستاني ألسيد على عبدألله و ألذى هو أيضا أقدم عضو فى ألحزب أمذكور حيث أعترض على مضايقات نهاد ألبارزانى لأحدى قريباته و كان نصيبه ألضرب ألمبرح على يد نهاد ألبارزاني لازم ألفراش على أثره و هو لحد ألآن أختار ألسجن ألطوعى فى داره خجلا من هذه ألأهانة. و ألسيد نهاد ألبارزاني مستمر فى شذوذه لآنه يعلم جيدا ان من جاء بعائلته الى ألسلطة سيحميه أيضا و يعرف ما ألمطلوب منه.
ألم نقل لكم بأن كوردوستان ستكون نموذج للعراق ألجديد

#كمال_سيد_قادر (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات