أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد باسل الطائي - حيرة الإنسان بين العلم والإيمان















المزيد.....

حيرة الإنسان بين العلم والإيمان


محمد باسل الطائي

الحوار المتمدن-العدد: 3165 - 2010 / 10 / 25 - 01:28
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


حفزني لكتابة هذه المقالة تساؤل أحد المعلقين في حيرة صادقة عن كيفية تمكني من التوفيق بين علمي التخصصي في نشأة الكون وإيماني في الوقت نفسه بوجود إله وتصديقي بالنبوة والرسالة والقرآن.
أقول: في عصرنا هذا وبعد انفتاح الإنسان على العلوم وانفتاح العلوم للإنسان وما أنجزه العقل البشري الحر على صعيد اكتشاف العالم صار حرياً بنا أن نفهم هذا العالم بكل محتواه فما لم يرتق العلم بعقولنا وبآفاقنا فنحن مغبونون. ومن استوى يوماه فهو مغبون. اليوم أمامنا نصوص الدين وأمامنا كشوف العقل وحقائق العالم. وهذه الحقائق، بل تلك الآلية العلمية المترسخة التي نكتشف بها العالم صارت تؤكد لنا أن هذا العالم بما فيه نحن لا يمكن أن يوجد عبثاً. لكننا أزاء اكتشاف الغرض والغاية من وجود العالم دخلنا في عصر الحيرة. كيف؟
في عصر ما قبل العلم الحديث كان اكتشاف العالم يقوم على وصفه والاستدلال عبر آلية السبب والنتيجة إلى كشف الأسباب. وكانت هذه الآلية تعمل على الصعيد النظري غالبا من خلال ملاحظة الظاهرة وتحليلها وفق معارفنا السابقة. وحيثما لا نتمكن من اكتشاف السبب عملياً نتأول الظاهرة ونحيلها إلى تصورات إعتقادية لا علاقة لها بالحقيقة أحياناً. وهكذا نشأت الميتافيزيقيا اليونانية التي تزعمها أفلاطون وأرسطو. فوجدت تفسيرات لا سبيل إلى التحقق منها. والتفسيرات الميتافيزيقية اليونانية مرتبطة دون شك بالمعتقدات السابقة لها، فهي لم تأت من فراغ، بل جذورها في حضارات الشعوب وأهمها حضارة وادي الرافدين ووادي النيل. فهاتان الحضارتان وفرت تصورات عن السماء والأرض والحياة بعد الموت وتكونت فيها جملة من التصورات والمفاهيم التي تأثر بها اليونان دون شك. لكن اليونان ربما كانوا أكثر ميلاً إلى تفسير العالم العلوي (السماء، الغيب) قياساً على العالم السفلي، عالم ما تحت كرة القمر (أي الأرض وغلافها الجوي). وهكذا كان مسار الاستدلال عندهم يتحرك من الأرض إلى السماء. فجاءت أكثراستنباطاتهم عقلية مقاربة للمنطق المتداول وبالتالي أكثر قبولاً بين الناس. وهذا ما يفسر قوة المنطق الأرسطي وآلية الاستنباط العقلي لحكماء اليونان. على أن هذه المنهجية أي الانطلاق من الأرض لتفسير السماء أدى إلى ظهور النموذج العضواني لتفسير العالم. فبعد أن قرر العقل أن المشاهدات اليومية والفصلية ومراقبة حركات أجرام السماء تشير إلى أن الأرض هي مركز الكون صار من الواجب تفسير حركات السماء نفسها وفهم أسبابها وموجباتها. وهنا قاد العقل اولئك الحكماء إلى القول بأن للأجرام السماوية نفوساً كنفوسنا وإرادات ذاتية كإراداتنا. وربما كانت هذه الصورة قد تأثرت على نحو قوي بالإعتقادات التي انتشرت في بابل من قبل ولاحقا في شمال سورية (منطقة حران) إذ كان يعبدون الأجرام السماوية ويتصورون لها نفوس وإرادات (أنظر: المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام للدكتور جواد علي). وبقايا هذه العبادات نجده اليوم في معتقدات الصابئة الحرانيين. من جانب آخر ولغرض تفسير علو السماء وخلودها الظاهري قرر أرسطو أن الأجرام السماوية لابد وأن تكون مؤلفة من مادة تختلف عن مادة الأرض ومكوناتها فإفترض أنها مؤلفة من (الأثير)، وهو عنصر مغاير لكل ما يمكن أن نجده على الأرض وفي جوها، وهي العناصر الأساسية الأربعة عندهم (النار والتراب والهواء والماء). ولكي يُبرر أولئك الحكماء الخلود الظاهري للعالم فيما فوق كرة القمر قالوا بأن ذلك العالم لا يخضع للكون والفساد. وهذا منطلق قولهم بقدم العالم. وهذا ما كان قد أسس لقول الحكيم اليوناني جالينوس في أن الشمس لا تفسد، أي لا تتغير، فلا تنقص ولن تزول وهي خالدة عندهم. لكن أبو حامد الغزالي ناقش عقلياً موضوعة جالينوس هذه في كتابه (تهافت الفلاسفة) وتوصل إلى أنها لا تتأسس عقليا على شئ منطقي ولا على حقائق رصدية بل هي مصادرة. وحاول الغزالي تفنيد الظن بأن الشمس لا تفسد وتتناقص بحجة مقبولة وهي أنها جرم عظيم فلو نقص منها جبل أو جبلان كما يقول الغزالي لم يكن ذلك محسوساً للأنظار. (أنظر البحث كاملا في موقعي http://www.cosmokalam.com ) وعلى الرغم من ذلك فإن الوليد بن رشد دافع عن رأي جالينوس هذا في كتابه (تهافت التهافت). من جانب آخر اعتقد أرسطو أن كرة العالم ثابتة في حجمها لا تتغير. على حين أن الغزالي ناقش هذه المسألة أيضا وبين عدم وجود ما يمنع من أن يكون الكون أكبر مما هو عليه أو أصغر، مما يسمح بتوسع الكون وإنكماشه على حين دافع إبن رشد عن عقيدة أرسطو هذه محاولاً تسفيه ما ذهب اليه الغزالي. وهذا ربما يكشف للناس اليوم أي عقلية متقدمة كان أبو حامد الغزالي المفترى عليه.
لقد أدت المنهجية التي اعتمدها أبرز حكماء اليونان وعلى رأسهم أرسطوطاليس إلى القول بقدم العالم ومركزية الأرض وتحكُّم أجرام السماء بكل ما على الأرض من إنسان وحيوان ونبات ومعادن. فقد كان هؤلاء يؤمنون بجملة من عقائد تنجيمية نعلم اليوم أنه لا أساس لها من الصحة. فأجرام السماء عندهم هي أرباب، هي آلهة تتحكم في العالم وصيرورته ومصيره. وعلى الرغم من وجود مثل هذه الآلهة قريبا منا بحسب وصفهم، إلا أنها كائنات مفارقة لنا تماماً في التكوين والفعل.
ما ينبغي تسجيله هنا أن بعض المفكرين المعاصرين قد أعلوا شأن حكماء اليونان وقدموهم إلى القراء على أنهم رواد العقل والتفكير العلمي الحر وغير ذلك من اليافطات الفارغة من محتواها، في الوقت الذي لم يكن أولئك الحكماء إلا حلقة من حلقات التطور المعرفي الإنساني مثلهم مثل من سبقوهم ومثل من جاؤا من بعدهم. ولكل أمة نصيب في حضارة العالم وتقدمه. لكن شأن اليونان رفعه الأوربيون المعاصرون بكتاباتهم عنهم على حين أُخمد ذكر من قبلهم من الحضارات العظيمة البابلية والمصرية. وإنما كان فضلهم دون شك في اشتقاق أساليب التنظير العقلي حسب. أما مضمونهم فليس بذي قيمة اليوم فقد تجاوزهم الزمن وتجاوزتهم المعرفة منذ قرون كثيرة.
على أننا نجد أن المسلمين تفوقوا على اليونان في تعاملهم مع العالم. إذ أنهم استفادوا من منهجية النظر التحليلي وصاروا إلى قدر من التمكين في النظر التركيبي. وعلى الرغم من احتواء المصدر العقائدي الأول للمسلمين على جملة كبيرة من المسلمات العقائدية بصدد الخالق وصفاته، فإنهم وفيما عدا ذلك كانوا أحرارا في معالجة المسائل الأخرى. يشهد على ذلك إسهامات أوائل المعتزلة وبعض الأشاعرة الأوائل وعطائهم المميز في فهم العالم الطبيعي على نحو مخالف للفهم اليوناني، لولا أن فقهائهم المتأخرين اتخذوا طريقة أدت إلى الحجر على الفكر وتوجيهه إلى مسالك مقننة جامدة وصار ذلك جزءً من الدين حتى أن بعض تفاسير القرآن (وخاصة تلك التي تعتمد المأثور) صارت نصوصا مقدسة.
اليوم وبعد أن تجاوز الزمن حكماء اليونان وحكماء المسلمين، وفي عصرنا هذا الذي تم فيه تثبيت آلية البحث والاكتشاف العلمي الصحيح وصارت نظريات العلم تسير وفق قواعد رصينة تجعلها قابلة للفحص والتدقيق والتصحيح المستمر، ثبتت أمامنا جملة من الحقائق التي يقرها العلم أوجزها بما يلي:

1. إن هذا العالم لا يمكن أن يكون قد وجد عبثاً أو أنه لا معنى له ولا غاية. إذ لايمكن أن يوجد شئ من دون سبب ولا غاية.
2. أن المجهول الذي لا نعرفه عن هذا العالم هو أكثر من المعلوم الذي نعرفه. دليلنا إلى ذلك جملة الأسئلة الكبرى التي لازالت معلقة.
3. أن العلم الحديث هو الأسلوب الصحيح لإكتشاف العالم برهنت على ذلك جملة التطبيقات الهائلة التي شهدها القرن العشرين ويشهدها حاضرنا.
4. أن العلم الحديث هو في تطور تراكمي مستمر يؤدي إلى تدقيق نظرتنا للعالم وفهمنا له. وهذا ما يثبته تاريخ العلم. بالتالي ليس العلم قطعياً في أي كشف من كشوفاته.
5. أن العلم الحديث يمكن أن يكشف عن ظواهر لم نكن نعرفها من قبل، ويكشف عن مفاهيم وتصورات وعوالم لم نكن لنقبل بها من قبل.

أين الحيرة إذن؟ إنها في المفارقة الكبرى بين فهمنا الديني التقليدي للعالم وفهمنا العلمي له. ذلك أننا في هذا العصر قطعنا أشواطا واسعة على صعيد استيعاب موجودات العالم وآليات عمله. وهذا الذي جعل النصوص الدينية، عند تفسيرها بالمعنى الحرفي المباشر، تبدو سطحية أمام هذه المعارف وتقع في تناقض معها. وهذا هو مبعث الحيرة. هل النص المقدس يعبر عن حقيقة أم فيه مجاز؟ هل أن النص الديني المقدس هو كلام الله أم كلام البشر؟ هل الله يتكلم العربية أو الآرامية أو العبرية؟ هل دلالة المفردات التي يتعامل معها النص المقدس هي نفس الدلالة التي نفهمها أم أن الدلالة على وقت التنزيل تختلف عن الدلالة التي نألفها الآن؟
الحق أن عصرنا هذا، وكما هو واضح من خلال استعراض شريط الزمن الماضي من عمر الحضارة الإنسانية، يؤكد أننا مرحلتنا المعرفية هذه هي مرحلة انتقالية بين التسليم والعقل. فإن العلم الحديث دخل بيوتنا وجيوبنا بل وأحلامنا. وظاهره يشير إلى أن مفاهيم الدين التقليدية لا تتوافق مع معطيات العلم. فما معنى أن يوجد خالق للسماوات والأرض والإنسان في الوقت الذي نجد فيه أن جملة قوانين الطبيعة هي من قام بهذا الدور؟ وما معنى أن يكون الإله محتجباً غائبا؟ لماذا لا تكون جملة قوانين الكون كله هي الإله المهيمن على الكون؟ ما ذلك التصور الشخصاني المحدود الذي يقدمه الدين للإله؟ لماذا يحرص الإله على أن يُصْلي من خلقهم (من المنكرين) في نار جهنم خالدين فيها؟؟ هل يمكن أن يكون الإله شديد العقاب إلى هذا الحد الذي نجده في النصوص المقدسة؟ هل حقا يحتاج هذا الإنسان الضعيف كل هذا الوعيد؟ وهل حقا توجد تلك الجهنم أو توجد تلك الجنة التي وعد بها المتقون؟؟ أين هي هل هي جزء من الكون أم هي خارجه؟؟ أم أن الأمر كله وعد ووعيد؟
مثلنا في هذه الحيرة كمثل المبصر في قبو مظلم. يسمع أصواتاً من هنا وهناك ويعلم أنه في مكان ما لكنه لا يعلم أين هو ولماذا هو في هذا المكان ثم لا يعرف مصيره. فلا يعلم إن كانت هنالك حياة بعد الموت أم إنها حياتنا الدنيا نموت وما نحن بمبعوثين. لعل أي إنسان يمكن أن يتساءل مثل هذ الأسئلة المشروعة وهي من حقه. ولعل أي إنسان يشك وجود حياة بعد الاموت خاصة وإننا لحد الآن لم نعثر على ميت واحد من مليارات البشر الذين عاشوا على الأرض وماتوا عاد إلى الحياة وحدثنا بما وجد. لكن الإنسان إذ يفكر يعلم أنه موجود. وإذ يكتشف شيئا يعلم أنه موجود. وإذ يتحقق من كشفه يعلم أنه على الطريق الصح. ثم يعود اللغز يستفسر عن حاله. لِمَ أنا موجود؟؟ ومن أنا؟؟ يحتار هذا الإنسان بين الوصف الديني لإله رحيم ثم يرى أناساً يموتون ألماً بأمراض خلقها ذلك الإله. ويُقتلون معذبين بسلطات وقوى منحها ذلك الإله الذي يتوعد الظالمين بنار جهنم.
في عصرنا هذا أقول إن هذه غيبيات صار استيعابها وقبولها على ظاهرها هكذا أصعب كثيرا من أستيعابها وقبولها في عصور سبقت. والسبب أننا اليوم في عصر العقل والعلم. لكن هل من المنطقي إنكار كل ما هو غيبي؟ أليست كشوفات العلم في القرن العشرين بالأخص نظرية النسبية لأينشتاين وفيزياء الكم قد كشفت لنا مفاهيم وقوانين وعوالم جديدة لم نكن نعرف عنها شيئا من قبل؟ ألم تكشف لنا نظرية النسبية عن تداخل الزمان والمكان. ألم تكشف عن تكافؤ الطاقة والكتلة؟ ماذا كان الناس قبل مئة سنة سيقولون لمن يدعي أن الإمكان تحويل مدينة صفيرة بسكانها وبناياتها وماشيتها في لمحة بصر إلى حفرة مسعورة باستعمال وقود خاص (وهو البلوتونيوم) مشحون في علبة بحجم جرة الغاز؟؟ أليس من المتوقع أن يُكذَّب مثل هذا الخبر؟؟ ولو أن شخصا إدعى قبل مئة سنة فقط أنه ذهب إلى مسكن صديق له فأخرج صديقه صندوقا صغيرا فيه مرآة (شاشة) تظهر عليها صورة أخيه الذي يعيش في الولايات المتحدة مثلا. فما كان الناس ليقولوا عن مثل هذه الادعاءات؟؟ تهيؤات، أوهام، سحر، شعوذة، خزعبلات... هل توجد أوصاف أخرى؟ وهكذا صرنا اليوم في عصر النسبية وميكانيك الكم نعتقد بوجود عوالم شبه مكانية فضلاً عن عالمنا شبه الزماني. تلك العوالم التي ليس فيها زمان بل خلود دائم والتحولات الزمانية فيها غير موجودة بل هي تحولات مكانية حسب. ثم صرنا نتقبل وجود عدد لانهائي من عوالم أخرى ممائلة لعالمنا ولكنها تختلف عنه في قيم الثوابت الكونية. أليست هذه هي نظرية العوالم المتعددة Multiverse Theory؟ ثم ألم نكتشف من خلال ميكانيك الكم أن الألكترون مثلاً (وكل جسم من الناحية النظرية) يمكن أن يوجد في آن واحد متوزعا على جميع أرجاء الكون إنما بإحتماليات مختلفة أعلاها في الموقع الذي نرصد فيه الجسم (أنظر مثلاً كتاب ستيفن هوكنج: الكون في قشرة جوز، مترجم في كتب موسوعة عالم المعرفة الكويتية). ثم أليس أن ميكانيك الكم قد نفى الحتمية التقليدية وعوض عنها بمبدأ اللاحتم الكوانتي؟ (أنظر مقالاتي بهذا الصدد على الحوار المتمدن). ثم أليس حقاً أن القانون الطبيعي بحاجة إلى مشغل. أليست بنية ميكانيك الكم المؤسسة لبنية القانون الطبيعي هي بنية المؤثرات Operators التي تحتاج إلى تشغيل. إذن ماذا تبقى لنا من العقل التقليدي بل وحتى الحداثوي؟؟ ماذا يتبقى لنا من اليقين الذي نتمكن به أن ننفي الغيب بعد أن اختلط الغيب بالشهود؟ المسألة ليست مسألة علمانية ومادية وادعاء بالإحتكام للعلم والعقل وتبجح بإنكار الغيب. فالغيب قد صار جزءً من المشهود العقلي. نعم إنه ليس الغيب الديني لكنه الغيب الحسي. وأزاء ما تأكد علميا من أننا لا نعلم كثيرا عن عالمنا الذي نعيشه صرنا متأكدين وربما للمرة الأولى في تاريخ المعرفة من أن الممكن حقا هو إثبات صفة لا نفيها. فالمطلوب إثبات الإشياء والخصائص لا نفيها. لأن ما تنفيه اليوم ربما تكتشف أنه قد أُثبت غداً.
نحن اليوم بعلومنا وكشوفنا وآليات البحث العلمي التي نمتلكها صرنا فوق التاريخ. فما تقول لي مثلاً عن باحث يستطيع تقدير نسبة الأشعة الكونية التي كانت تضرب جو الأرض قبل 60 ألف سنة بدقة عالية جداً من خلال قياسه لدرجة البلمرة في بول الجرذان التي كانت تعيش في ذلك العصر؟ نعم لقد أرخ بول الجرذان لظاهرة كونية. فلا تحقرن من الأمر شيئاً. هكذا نصبح بالعلم فوق التاريخ فنصول ونجول أعواماً بملايين بل مليارات السنين. نحن اليوم نقيس الخلفية الكونية المايكروية بدقة درجة حرارية واحدة بالمئة ألف. هذه الخلفية التي انطلقت إشعاعاتها قبل 13 مليار و400 ألف سنة. أي بعد خلق الكون بحدود 300 ألف سنة فقط. وأنا من الباحثين الذين يضعون النماذج الكونية النظرية لتفسير مثل هذه الأرصاد بحكم اختصاصي الأكاديمي. وليس هذا فخراً فما أنا إلا واحد من مئات الباحثين العاملين حول العالم في هذا المجال. (أنظر ملخص أبحاثي في موقعي http://www.cosmokalam.com/scientific/summary.pdf).
إذن علينا أن تواضع ونصير فوق تناقضات الإيمان والإلحاد، إذ ليس من الحكمة أن تنفي وجوداً لعدم الايجاد حتى لو كان فرضياً، لكن من الأسهل أن تثبت وجوداً.
قلت لقد أصبحنا فوق التاريخ إذ أصبحنا قادرين على إعادة كتابة التاريخ. لكننا لابد أن نكون أكثر تواضعاً ونصبح فوق مُناقضات الإيمان والإلحاد لأن ما نتعامل به اليوم في مفردات العلم هو خليط من الغيب والشهادة. لقد أوصلنا عقلنا العلمي إلى عتبة جديدة من أساليب التفكير غادرنا معها كل تلك الطرق التقليدية لإثبات وجود الله ولنفي وجود إله. لكنني من كل هذا أجد أن حكمة العلم تشير علي بوجود ضرورة وغاية لهذا الكون. وبالتالي بضرورة وجود قوة وإرادة خلقت هذا العالم. ضرورة وجود إله. لكن هل هي قوة وإرادة شخصانية؟ ليس بالضرورة فإن أفقي المعرفي يدلني على ما هو أوسع وما هو أبعد... وهكذا أجد الموازنة بين ما هو في علمي وما هو في ايماني، فلا أجد تناقضاً لأن إيماني قائم على العقل في كل ما يمكنني فهمه منه. وقائم على التسليم في كل ما لا أفهمه منه. تواضعي يدفعني إلى عدم نفي وجود إله وعلمي يؤكد لي أن هذا العالم الدقيق وهذا البناء الرائع لايمكن أن يوجد عبثاً ولايمكن أن يتخلق مثمراً وهو القائم على هامش الإحتمال والتجويز ما لم تكن هنالك قوة حاكمة وراء وجوده. بالتالي لابد لي من إحترام الإيمان وإلا أكون كم لا يحترم عقله.



#محمد_باسل_الطائي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حول المحتوى العلمي للقرآن
- هل يتعارض القرآن مع النشأة التطورية للإنسان؟
- آفاقنا في النهضة والمساهمة الحضارية: عودة الى العقل
- المأزق الإبستمولوجي للمعرفة العلمية المعاصرة
- الحتمية الكلاسيكية واللاحتم الكوانتي
- ستيفن هوكنج وخلق العالم؟
- من الضروري مراجعة كتب الحديث التي لا تتوافق مع صريح القرآن و ...


المزيد.....




- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...
- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد باسل الطائي - حيرة الإنسان بين العلم والإيمان