أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - شيرين الضاني - الأمن القومي ومشروعيته في الإسلام















المزيد.....



الأمن القومي ومشروعيته في الإسلام


شيرين الضاني

الحوار المتمدن-العدد: 3160 - 2010 / 10 / 20 - 11:57
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    



 تعريف الأمن لغةً:
للأمن تعاريف عِدَّة في لغة العرب، فمن ذلك:
قول ابن فارس: "الهمزة والميم والنون أصلان متقاربان: أحدهما الأمانة التي هي ضد الخيانة، ومعناها سكون القلب، والآخر التصديق..
قال الخليل: الأَمَنَةُ من الأمن. والأمان: إعطاء الأَمَنَة، والأمانة ضد الخيانة.
يقال: أمِنْتُ الرَّجُل أَمْناً وَأَمنةً وَأَماناً، وآمنني يُؤْمنني إيماناً.
والعرب تقول: رجلٌ أُمَّانٌ، إذا كان أميناً. قال الأعشى: ولقد شهدتُ التَّاجِرَ الأُمَّانَ مَوْرُوداً شرابُهُ". (معجم مقاييس اللغة، لابن فارس 1/133).
وقال الجوهري: "الأمان والأمانة بمعنىً. وقد أمنتُ فأنا آمن، وآمَنْتُ غيري من الأمن والأمان. وأصل آمن: أَأْمَنَ بهمزتين، لُيِّنَت الثانية. والأمن: ضد الخوف" (الصِّحاح، لإسماعيل بن حماد الجوهري 5/2071).
وقال الفيروز آبادي: "الأمْنُ والآمِن: كصاحب، ضِدّ الخوف، أَمِنَ كفرح أمناً وأماناً بفتحهما وأمناً وأَمَنَةً محرَّكتين، وإِمناً بالكسر، فهو أَمِنٌ وأمينٌ كفرح وأمير، ورجلٌ أُمَنَةٌ كهمزة ويُحَرَّك يأمنه كُلّ أحد في كُلِّ شيء" (القاموس المحيط، للفيروز آبادي 4/197).
وقال الزمخشري: "فلان أَمَنَةٌ أي يأمَنُ كُلَّ أحد ويثق به، ويأمنه الناس ولا يخافون غائلته" (أساس البلاغة، لجار الله الزمخشري ص 10).
ومِمَّا ذكره ابن منظور: "الأمان والأمانة بمعنى، وقد أَمِنْتُ فأنا أمِن، وآمنت غيري من الأمن والأمان. والأمن ضد الخوف، والأمانة ضد الخيانة..
والمأمن: موضع الأمن، والآَمِنُ: المستجير ليأمن على نفسه" (لسان العرب المحيط، لابن منظور 1/107).
ومن خلال ما تقدَّم من كلام وأقوال أهل اللغة وأرباب البيان يتَّضِح أنَّ للأمن في لغة العرب إطلاقات عِدَّة، فهو يعني: "الطمأنينة وعدم الخوف، والثِّقة وعدم الخيانة".


 تعريف الأمن اصطلاحاً:
للأمن تعريفات عِدَّة في اصطلاح العلماء والكتاب، وذلك لتنوع النظرة واختلاف التصور، وتباين المشارب، وإن اتَّفقت على بعض وظائفه وأهدافه.
وعلى الرغم من الأهمية القصوى لمفهوم "الأمن" وشيوع استخدامه، فإنه مفهوم حديث في العلوم السياسية، وقد أدى ذلك إلى اتسامه بالغموض مما أثار عدة مشاكل، فلا يُعَدُّ اصطلاح "الأمن" هو أفضل المصطلحات للتعبير عن الأمن الوطني للدولة المعاصرة من ناحية، كما لم يتبلور المفهوم لكي يصبح حقلاً علميًّا داخل علم السياسة –منفصلاً عن علوم الإستراتيجية- تطبق عليه قواعد تأسيس النظرية، بدءاً من وضع الفروض وتحديد مناهج البحث الملائمة، واختيار أدوات التحقق العلمي، وقواعد الإثبات والنفي وإمكانية الوصول إلى نظرية عامة، وبالتالي الوصول إلى قانون يحكم ظاهرة "الأمن الوطني".
ويعود استخدام مصطلح "الأمن" إلى نهاية الحرب العالمية الثانية؛ حيث ظهر تيار من الأدبيات يبحث في كيفية تحقيق الأمن وتلافي الحرب، وكان من نتائجه بروز نظريات الردع والتوازن، ثم أنشئ مجلس الأمن القومي الأمريكي عام 1974م، ومنذ ذلك التاريخ انتشر استخدام مفهوم "الأمن" بمستوياته المختلفة طبقًا لطبيعة الظروف المحلية والإقليمية والدولية.
مفهوم الأمن:
على الرغم من حداثة الدراسات في موضوع "الأمن" فإن مفاهيم "الأمن" قد أصبحت محددة وواضحة في فكر وعقل القيادات السياسية والفكرية في الكثير من الدول.. وقد برزت كتابات متعددة في هذا المجال، وشاعت مفاهيم بعينها في إطاره لعل أبرزها "الأمن القومي الأمريكي" و"الأمن الأوروبي" و"الأمن الإسرائيلي" و"الأمن القومي السوفييتي" قبل تفككه.
وفي مجال التوصل إلى مفهوم متفق عليه "للأمن"، فإنه يجدر بنا التعرف على ذلك المدلول في إطار المدارس الفكرية المعاصرة:
"فالأمن" من وجهة نظر دائرة المعارف البريطانية يعني "حماية الأمة من خطر القهر على يد قوة أجنبية"
** ومن وجهة نظر هنري كسينجر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق يعني أي تصرفات يسعى المجتمع عن طريقها إلى حفظ حقه في البقاء.
ولعل من أبرز ما كتب عن "الأمن" هو ما أوضحه "روبرت مكنمارا" وزير الدفاع الأمريكي الأسبق وأحد مفكري الإستراتيجية البارزين في كتابه "جوهر الأمن".. حيث قال: "إن الأمن يعني التطور والتنمية، سواء منها الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية في ظل حماية مضمونة". واستطرد قائلاً: "إن الأمن الحقيقي للدولة ينبع من معرفتها العميقة للمصادر التي تهدد مختلف قدراتها ومواجهتها؛ لإعطاء الفرصة لتنمية تلك القدرات تنمية حقيقية في كافة المجالات سواء في الحاضر أو المستقبل" (حسين، زكريا، د.ت).
وقد عرَّفته موسوعة السياسة بأنَّه: "تأمين سلامة الدولة ضد أخطار خارجية وداخلية قد تؤدي بها إلى الوقوع تحت سيطرة أجنبيَّة نتيجة ضغوط خارجية أو انهيار داخلي" (الكيالي، وآخرون، د.ت، 1/331)
وعرَّفه اللواء عدلي حسن سعيد بأنَّه: "تأمين الدولة من الداخل ودفع التهديد الخارجي عنها بما يكفل لشعبها حياة مستقرة توفر له استغلال أقصى طاقاته للنهوض والتقدم والازدهار" (سعيد، د.ت، ص11).
ويعرِّفه الدكتور علي الدين هلال بأنَّه: "تأمين كيان الدولة والمجتمع ضد الأخطار التي تتهدَّدهما داخلياً وخارجياً، وتأمين مصالحهما وتهيئة الظروف المناسبة اقتصادياً واجتماعياً لتحقيق الأهداف والغايات التي تعبر عن الرضاء العام في المجتمع" (هلال، د.ت، ص 12).
وقيل أيضاً بأنَّ الأمن هو: "الجهد اليومي المنظم الذي يصدر عن الدولة لتنمية ودعم أنشطتها الرئيسية، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ودفع أي تهديد أو تعويق أو إضرار بتلك الأنشطة" (نافع، د.ت، ص 65).
كما يذكر الدكتور ممدوح شوقي أنَّه: "قد جرى العمل على أنَّ المقصود بالأمن في مفهومه الواسع هو تحقيق الأمن على المستويين الداخلي والخارجي.( شوقي، د.ت، ص 34)
وأخيراً يذكر الدكتور عبد الله القبَّاع أنَّ الأمن لأي دولة يتكون من ثلاث مستويات: داخلية، وإقليمية، وخارجية" (القبَّاع، د.ت، ص 354).
ولعل أدق مفهوم "للأمن" هو ما ورد في القرآن الكريم في قوله - سبحانه وتعالى -: "فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُم مِنْ جُوعٍ وآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ"( قريش: 3 - 4). ومن هنا نؤكد أن الأمن هو ضد الخوف، والخوف بالمفهوم الحديث يعني التهديد الشامل، سواء منه الاقتصادي أو الاجتماعي أو السياسي، الداخلي منه والخارجي. (القبَّاع، د.ت، ص 354).
وفي إطار هذه الحقيقة يكون المفهوم الشامل "للأمن" هو "القدرة التي تتمكن بها الدولة من تأمين انطلاق مصادر قوتها الداخلية والخارجية، الاقتصادية والعسكرية، في شتَّي المجالات في مواجهة المصادر التي تتهدَّدُها في الداخل والخارج، في السلم وفي الحرب، مع استمرار الانطلاق المؤمَّن لتلك القوى في الحاضر والمستقبل تخطيطاً للأهداف المخططة".
ومن خلال التعريفات السابقة نلاحظ أنَّها تركز على - أمن الدولة - أو ما يعرف بالأمن الوطني National Security . بينما نلحظ المفهوم الشامل للأمن في الإسلام يتناول أمن الفرد دنيوياً وأخروياً، وأمن الدولة داخلياً وخارجياً، بل ويتعدَّى ذلك إلى أمن العالم والكون بعضه إلى بعض.
فالإنسان - في نظر الإسلام - هو جوهر العملية الأمنية، وهو محور الأمن الداخلي والخارجي، لأنَّه مناط التكليف في هذه الحياة الدنيا دون غيره من سائر المخلوقات.
وهنا يمكن لنا أن نعطي تعريفاً للأمن في مفهوم الإسلام فنقول بأنَّه يعني: السلامة الحِسيَّة والمعنوية، والطمأنينة الداخلية والخارجية، وكفالة الحياة السعيدة للفرد والمجتمع والدولة.
فهذا التعريف كما هو ملاحظ يركز على الفرد لأنَّه اللبنة الأساسية والخليَّة الأولى، والذي يتكون منه المجتمع ومن ثَمَّ الدولة بمفهومها الواسع. (حسين، زكريا، د.ت).
ويتناول هذا التعريف عِدَّة أمور هامَّة هي:
أولاً: سلامة الفرد والمجتمع والدولة حِسِّياً ومعنوياً.
ثانياً: الطمأنينة وعدم الخوف أو الفزع والهلع.
ثالثاً: أنَّ التعريف يتناول الأمن الداخلي للفرد والمجتمع والدولة، وكذا الأمن الخارجي.
رابعاً: أنَّ الأمن يكفل الحياة السعيدة للفرد والمجتمع المسلم في هذه الحياة الدنيا، لأنَّه يوفِّر البيئة الصالحة والظروف الملائمة لعبادة الله تعالى وتوحيده، والإيمان به، والتعاون الفاعل المثمر البناء في مختلف المجالات والميادين.
خامساً: أنَّ المسلم حينما يأمن في هذه الحياة الدنيا ويقوم بعبادة ربه ويوحده، فإنَّه ولا شك سيفوز بمرضاته ودار كرامته في الحياة الآخرة، وذلك تحقيقاً لوعده تعالى بالأمن الآخروي حينما قال: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} (الأنعام: 82).
وقوله سبحانه {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}. (يونس: 9 – 10).
سادساً: أنَّ التعريف يتناول ويشمل عِدَّة أنواع للأمن كالأمن العقدي، والدعوي، والفكري، والعقلي، والعلمي، والاقتصادي، والبيئي، والزراعي، والعسكري، والسياسي، وغيرها. (انظر أكثر عن أنواع الأمن في كتاب: الأمن الذي نعيشه، لحسن عبد الحي قزاز 2/475 – 520 – 595 – 625 – 665 – 675 – 701 – 759 – 774- 862 – 892.).
 الأمن القومي:
على ضوء المفهوم الشامل للأمن، فإنه يعني تهيئة الظروف المناسبة والمناخ المناسب للانطلاق بالإستراتيجية المخططة للتنمية الشاملة، بهدف تأمين الدولة من الداخل والخارج، بما يدفع التهديدات باختلاف أبعادها، بالقدر الذي يكفل لشعبها حياة مستقرة توفر له أقصى طاقة للنهوض والتقدم.
 من هنا فإن شمولية الأمن تعني أن له أبعادًا متعددة..
أولها: البُعْد السياسي.. ويتمثل في الحفاظ على الكيان السياسي للدولة.
ثانيًا: البُعْد الاقتصادي.. الذي يرمي إلى توفير المناخ المناسب للوفاء باحتياجات الشعب وتوفير سبل التقدم والرفاهية له.
ثالثًا: البُعد الاجتماعي.. الذي يرمي إلى توفير الأمن للمواطنين بالقدر الذي يزيد من تنمية الشعور بالانتماء والولاء.
رابعًا: البُعْد المعنوي أو الأيديولوجي.. الذي يؤمِّن الفكر والمعتقدات ويحافظ على العادات والتقاليد والقيم.
خامسًا: البُعْد البيئي.. الذي يوفِّر التأمين ضد أخطار البيئة خاصة التخلص من النفايات ومسببات التلوث حفاظاً على الأمن. (حسين، زكريا، د.ت)

 الركائز الأساسية للأمن القومي:
يتم صياغة الأمن على ضوء أربع ركائز أساسية:
أولاً: إدراك التهديدات سواء الخارجية منها أو الداخلية.
ثانيًا: رسم إستراتيجية لتنمية قوى الدولة والحاجة إلى الانطلاق المؤمَّن لها.
ثالثًا: توفير القدرة على مواجهة التهديدات الخارجية والداخلية ببناء القوة المسلحة وقوة الشرطة القادرة على التصدي والمواجهة لهذه التهديدات.
رابعًا: إعداد سيناريوهات واتخاذ إجراءات لمواجهة التهديدات التي تتناسب معها.. وتتصاعد تدريجيًّا مع تصاعد التهديد سواء خارجيًّا أو داخليًّا.
 مستويات الأمن القومي:
وللأمن أربعة مستويات:
أولاً: أمن الفرد ضد أية أخطار تهدد حياته أو ممتلكاته أو أسرته.
ثانيًا: أمن الوطن ضد أية أخطار خارجية أو داخلية للدولة وهو ما يُعبَّر عنه "بالأمن الوطني".
ثالثًا: الأمن القُطري أو الجماعي، ويعني اتفاق عدة دول في إطار إقليم واحد على التخطيط لمواجهة التهديدات التي تواجهها داخليًّا وخارجيًّا، وهو ما يعبر عنه "بالأمن القومي".
رابعًا: الأمن الدولي.. وهو الذي تتولاه المنظمات الدولية سواء منها الجمعية العامة للأمم المتحدة أو مجلس الأمن الدولي و دورهما في الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين.
 مشروعية الأمن وأهميته في الإسلام:
دين الإسلام هو دين الفطرة السوية، والمتأمل في الشريعة الإسلامية وما دعت إليه، يجد أنَّها تلبي احتياجات الفطرة البشرية وتنميها، وترعاها وتوجهها لكل ما فيه خيرها وسعادتها.
قال تعالى: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} (الروم: 30).
ولا شكَّ أنَّ من دواعي الفطرة الإنسانية ومتطلباتها الاجتماع، وتقارب الناس بعضهم مع بعض في مجتمعاتٍ وتكويناتٍ بشرية عديدة.
ولا ريب أنَّ هذه المجتمعات وتلك التكوينات لا يمكن لها أن تنتظم وتستقر دون أمن يخيم عليها، ودون أمان يظللها ويلقي بجناحه عليها.
ومن هنا جاءت النصوص وتضافرت في التأكيد على مشروعية الأمن وأهميته في الإسلام.
ومن الملاحظ أنَّ تلك النصوص الكريمة قد أوضحت مفاهيم أوسع للأمن، وأكَّدت أهدافاً حقيقية كبرى له، سواء في هذه الحياة الدنيا أو في الحياة الآخرة.
فمن نصوص القرآن الكريم: يقول الله تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدىً لِلْعَالَمِينَ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً} (آل عمران: 97).
وقال تعالى:{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ} (العنكبوت: 67).
وقال تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} (سورة البقرة، آية 126).
وقال تعالى موضِّحاً أنَّ الأمن الحقيقي للذين آمنوا به واعتقدوا بوحدانيته وقيوميته على خلقه، ولم يشركوا به شيئاً، وكان ذلك على لسان إبراهيم عليه السلام حينما حَاجَّه قومه. يقول تعالى موضِّحاً ذلك: {وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ * وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} (الأنعام: 80 - 81 – 82)
كما يؤكِّد المولى جلَّ وعلا هذه الحقيقة وهذا الوعد الإلهي الكريم للذين آمنوا به ووحَّدوه ولم يشركوا به، أن يمكِّنَ لهم في الأرض، وأن يبسط لهم الأمن ويُذْهِب عنهم الخوف والروع.
يقول تعالى في ذلك: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُون} (النور: 55).
كما يرشد الله تبارك وتعالى عباده المؤمنين في موضع آخر من كتابه الكريم أنَّ الأمن والطمأنينة نعمة عظيمة من نعمه سبحانه على خلقه، يجب على عباده أن يشكروه عليها، وأن يبتغوا السُّبُل في المحافظة على دوامها واستمرارها، وأن يحذروا الكفر والشرك بالله تعالى والتنكُّر لشرعه، لأنَّ ذلك إيذانٌ بوقوع العذاب وانتزاع الأمن وذهاب الطمأنينة وشيوع الخوف بدلاً منهما والعياذ بالله. يقول الله تعالى موضِّحاً ذلك: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} (النحل: 112).
والمتأمِّلُ في كتاب الله تعالى يجد أنَّ هنالك عوامل كثيرة قد كفلت الأمن في المجتمع المسلم، وآذنت بتحققه إذا ما التزم الناس بها، كدفع ما يؤذي المجتمع من الأقوال والأفعال، وردع المجرمين، ومنع المعصية والمنكر من التفشي بين الناس، وحثِّ أفراد المجتمع على التحلِّي بالأخلاق الإيمانية الكريمة، ومعرفة أقدار الناس، وإنزالهم مواضعهم اللائقة بهم، وعدم امتهانهم أو التعدِّي عليهم.
كذلك رتَّب الإسلام قاعدة هامَّة بين الحاكم والمحكوم، أو الراعي والرعيَّة، تقوم على تنظيم الحقوق والواجبات بين الطرفين، أساسها الإيمان، وقوامها الثقة، ولحمة سداها الشعور بالمسؤولية المشتركة، المؤدية لخير المجتمع وأمنه واستقراره.
وإنَّ الناظر في أحوال الجاهلية، وما كانت عليه من تفرُّق وعدم اجتماع على كلمةٍ واحدة، أو ما حدث في المجتمعات عبر التاريخ، أو ما يحدث في بعض المجتمعات اليوم من زعزعة في الأمن وعدم طمأنينة واستقرار، إنَّما مرده إلى عدم الأخذ بلوازم الأمن وأسباب تحقيقه، وهنالك العديد من السنن والتوجيهات والاحتياطات النبوية الكريمة لجناب الأمن في حياة الفرد والمجتمع المسلم حتى يعيش الناس في وفاق وأمان واطمئنان.
ومن أجل ذلك فقد دعا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى كُلِّ عملٍ يبعث الأمن والاطمئنان في نفوس المسلمين، ونهى عن كُلِّ فعلٍ يبث الخوف والرعب في جماعة المسلمين، حتى ولو كان أقل الخوف وأهونه، باعتبار الأمن نعمة من أجَلِّ النعم على الإنسان (التركي، د.ت، ص 24)؛ فعن عبد الرحمن بن أبي ليلى رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"لا يحل لمسلمٍ أن يروع مسلماً" (سنن أبي داود، 5/274). وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يشير أحدكم على أخيه بالسلاح، فإنَّه لا يدري أحدكم لعلَّ الشيطان ينزغ في يديه فيقع في حفرة من النار" (صحيح البخاري، 4/315). وعن عبد الله بن السائب بن يزيد، عن أبيه، عن جده أنَّه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يأخذن أحدكم متاع أخيه لاعباً ولا جاداً" (سنن أبي داود 5/273).
فكل تلك الأمور التي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنها أمور تنقض الأمن وتوقظ العداوة وتثير الشحناء بين الناس، حريٌّ بكل مسلمٍ أن يتجنبها ويبتعد عنها.
وهكذا دعوة الإسلام الحنيفية السمحة، ما من أمرٍ فيه خير إلاَّ ودلَّت الناس عليه، وما من أمرٍ فيه شر أو بوادر شر، أو من شأنه إثارة الشر وتبديل الأمن إلاَّ وحذَّرت الناس منه ونهتهم عنه.
والمتأمل بعد ذلك في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وما قام به من أعمالٍ جليلة وتصرُّفات حكيمة ومسالك قيِّمة عظيمة، يدرك على الفور مدى ما كان يتمتَّع به المجتمع المسلم - آنذاك - من أمنٍ واطمئنان وسكينةٍ ووقار، لم تتوفر في أي مجتمعٍ آخر.
يقول الله تعالى ممتناً على هذه الأُمَّة الإسلامية بإخراجها من ظلمات الشرك والخوف إلى نور الإيمان والتوحيد والأمان: {الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} (إبراهيم: 1).
وقال تعالى أيضاً عن حال نبيه صلى الله عليه وسلم: {يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (المائدة: 16).
كما يُذَكِّرُ المولى جلَّ وعلا الأُمَّة كيف كانت قبل مبعث الرسول المصطفى والنبي المجتبى محمَّد صلى الله عليه وسلم في عداوات وإحن وحروب وخوف وعدم اطمئنان في كُلِّ شيء، وما هي عليه بعد مبعثه ودعوته صلى الله عليه وسلم من ألفة وأخوة ومحبة، وما يجب عليهم من الاعتصام والتمسك بحبل الله المتين.
يقول تعالى موضِّحاً ذلك: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (آل عمران: 103).
يقول الإمام ابن جرير الطبري - رحمه الله تعالى - في المقصود بالآية الكريمة ما ملخَّصه: "تمسَّكوا أيها المؤمنون بدين الله الذي أمركم به، وعهده الذي عهده إليكم في كتابه الكريم من الألفة والاجتماع على كلمة الحق والتسليم لأمر الله تعالى، ولا تتفرَّقوا عن دين الله تعالى ولا تعادوا عليه وكونوا عليه إخواناً. واذكروا أيها المؤمنون نعمة الله عليكم التي أنعم بها عليكم حيث كنتم أعداءً في شرككم، يقتل بعضكم بعضاً عصبية في غير طاعة الله ولا طاعة رسوله، فألَّف الله بالإسلام بين قلوبكم، فجعل بعضكم لبعضٍ إخواناً بعد إذ كنتم أعداءً، تتواصلون بألفة الإسلام واجتماع كلمتكم عليه.
فهنا يذكرهم جلَّ ثناؤه إذ وعظهم عظيم ما كانوا عليه في جاهليتهم من البلاء والشقاء بمعاداة بعضهم بعضاً، وقتل بعضهم بعضاً، وخوف بعضهم من بعض، وما صاروا إليه بالإسلام وإتباع الرسول صلى الله عليه وسلم والإيمان به وبما جاء به من الائتلاف والاجتماع، وأمن بعضهم من بعض، ومصير بعضهم لبعض إخواناً" (انظر: تفسير الطبري 3/378 - 381 ملخصاً).
(حسين، زكريا، د.ت)
 دعائم الأمن والسلام في الإسلام
ما أحوجنا اليوم إلى الحديث عن الجهاد الإسلامي قبل التحدث عن مبادئ السلام في الإسلام، ذلك لأن الأمة الإسلامية والشعوب العربية تمر اليوم في مرحلة تاريخية من أدق المراحل في التاريخ ألا وهي مرحلة الصراع الفاصل مع الدول الكبيرة، وهي مرحلة تتطلب دراسة استقصائية واسعة النطاق تحدد مصير الأمة وتثبت كيانها وتؤكد حقيقة وجودها وذاتها في المجالات الدولية وتؤمن بأهمية التراث الروحي والدين الذي صقل الأمة العربية في الماضي وما زال هو العرق النابض والقلب المتدفق بالحياة في صميم أمتنا ومستهدف آمالنا وأفكارنا. ولكن قبل الدعوة إلى الجهاد يجدر بنا أن نزيل ما علق في أذهان بعض الناس من أن معنى الجهاد هو العدوان أو القضاء على أتباع الديانات الأخرى. فإن النظرة العجلى سرعان ما تتبدد أمام الحقائق وفي مخابر الدرس والتمحيص.
لقد شغف الإسلام بإقامة السلام بين العالم باعتباره أساس تقدم الشعوب والأمم وموئل المدنية والحضارة فلا يتم العمران والازدهار ولا تنبعث النهضة إلا في ظل السلام وتوافر الاطمئنان والأمان، وعندئذ يظهر الخير والإنتاج وتعم السعادة والرفاهة. ولن تهدأ الدنيا من المنازعات أو يسكن مرجل الغليان فيها إلا باعتناق نظرية السلام، تلك النظرية الشاملة الجذرية التي ترتكز على دعائم ثلاثة، وهي: السلام النفسي أو الروحي والسلام الاجتماعي والسلام العالمي.
أما السلام النفسي أو الروحي فلا يتحقق إلا بالإيمان، والإيمان هو إذعان النفس لليقين بالفرق بين الخير والشر والفضيلة والرذيلة والحق والباطل والعدل والظلم، وبأن على الوجود مسيطراً يرضى بالخير ولا يرضى بالشر، وهو الإله القادر الفرد الصم الحي القيوم خالق الكون وبارئ النسم ومالك يوم الدين في المعاد. بهذا الإيمان تقوى العزيمة وترتفع الهمة وتسمو النفس البشرية وتنعم بالأمن والطمأنينة وتتخلص من قيود الأهواء الجامحة والمطامع المسيطرة وآفات التردد والحيرة والارتباك وبواعث القلق والاضطراب، لاسيما عند نزول الشدائد وظلمات الأحداث، سواء في ذلك الأفراد أم الجماعات. ونظراً لأهمية السلام الروحي لسائر البشر كان أهم ما يحرص عليه المسلم هو عافية النفس وعافية الضمير ونقاء القلب وصفاء السريرة، وهو الدعاء الذي علمه الرسول عليه السلام لعائشة إذا رأت ليلة القدر «اللهم إني أسألك العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة». (الزحيلي، 1963، ص46-56)
وإذا توافر السلام الروحي بإشراق الإيمان في ربوع النفس اطمأن الإنسان واتجه إلى معالم الخير والحق والإنتاج. والنفس المطمئنة هي طريق النجاة بي يدي الخالق، قال سبحانه: (يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي) (الفجر: 27-30). ولما كانت الذات الإلهية القدسية هي مصدر الإلهام الروحي ومبعث الرحمة والعفو الغفران كان ذكر لفظ الجلالة «الله» باعثاً على الاطمئنان باعتباره شعار المسلم الأسمى (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (الرعد:28)، بل إن من أسماء الله الحسنى (السَّلامُ الْمُؤْمِنُ) (الحشر: من الآية23)، فالله هو السلام وإليه السلام ومنه السلام، فحيّنا ربنا بالسلام، وتلك التحية هي في ذلك اللقاء الرائع في الدار الآخرة بين المؤمنين وخالقهم حيث يبدؤهم بتحية السلام (تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً) (الأحزاب:44). والملائكة أيضاً تستقبل وفود المؤمنين بهذا النشيد (سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ)(الزمر: من الآية 73). وبهذا يظهر أن السلام هو شعار المسلم وحقيقته وغايته وتشريعه، ومن هنا طالبَ الإسلام بإفشاء السلام على من عرفنا ومن لم نعرف. وكأن السلام هو الآية التي ترددها الألسنة على أوتار القلوب ونغماتها في كل مناسبة. ولذا قال تعالى: (فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً )(النور: من الآية 61).
أما السلام الاجتماعي فهو محك الإيمان وأثر العقيدة الصحيحة وهو الحقل الإنمائي العام الذي يتميز فيه المؤمن الصالح من غير الصالح. وفي سبيل تحقيق السلم والأمن في المجتمع هدم الإسلام برج العصبية القبلية والعنصرية والجنسية وندد بالاعتزاز بالآباء والأجداد وأقام الرابطة الإسلامية على أساس من الفضيلة والتقوى والمثل العليا، وحرم التخاصم والتنازع والشحناء بين الجماعة الإسلامية، قال تعالى: (وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (لأنفال: من الآية 46). كما أن الإسلام حرم أيضاً كل ما يكون ذريعة إلى التنازع أو يؤدي إلى الخصام وذلك مثل الغيبة والنميمة والتجسس والتلصص والهمز واللمز والمبايعات الربوية والقمار والاعتداء على الأموال والأنساب والأعراض والقذف والسباب والشتم. (الزحيلي، 1963، ص46-56)
وهكذا يقيم الإسلام الرابطة بين أبناء المجتمع حماية لمبدأ السلام على أساس المحبة والألفة والتعاون والتضامن والإيثار ونبذ الخصومات والإخاء الدائم (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) (الحجرات: من الآية10) بهذا كله يتحقق السلام الاجتماعي والأمن والسكينة وتتوطد دعائم المجتمع على وجه لا تصدعه الأحداث ولا تنال من هيبته الخطوب.
أما السلام العالمي الدولي فهو المنهج الأسمى والمقصد الأعلى الذي ينشده الإسلام في دنيا الوجود، ويظهر هذا من تطور تاريخ الدعوة الإسلامية وفي مراحلها المختلفة وتشريعها الخالد. فقد ظل الرسول عليه السلام وصحابته من بعده نحو أربعة عشر عاماً يتحمّلون مختلف ألوان العذاب والإيذاء والاضطهاد دون أن يؤذن لرسول الله بردّ العدوان، وإنما نجد العكس في التشريع، فالله يخاطب نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى: (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) (فصلت:34)، (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) (لأعراف:199). وكان الرسول صلوات الله عليه إذا بعث بعثاً يقول: «تألّفوا الناس وتأنّوا بهم ولا تُغيروا عليهم حتى تدعوهم، فما على الأرض من أهل بيت من مدر ولا وبر إلا أن تأتوني بهم مسلمين أحبّ إلي من أن تأتوني بأبنائهم ونسائهم وتقتلوا رجالهم». وكان يقول عليه السلام:«يا أيها الناس لا تتمنوا لقاء العدو وسلوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف». (الزحيلي، 1963، ص46-56)
وإنه مما رأيت بعد البحث والدرس ومقابلة الأدلة والجمع بينها أن القاعدة الأصيلة في علاقتنا بالشعوب غير الإسلامية هي السلم حتى يكون اعتداء أو حرب، ولا يصح أن نفهم أن الجهاد مبدأ هجومي عدواني، وإنما هو على العكس مبدأ وقائي إما لرد العدوان أو لمنع الفتنة في الدين، أو لنصرة المظلوم والمستضعفين في الأرض، أو للدفاع عن النفس. وليس الباعث على القتال هو الكفر أو المخالفة في العقيدة وإنما هو الاعتداء، ولا يجوز قتال غير المقاتلة، والحرب ضرورة فقط والضرورة تقدّر بقدرها، والرحمة والإنسانية وحماية المدنية هو رائد المسلمين في حروبهم، والحرية الدينية مكفولة في الإسلام (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ )(البقرة: من الآية256). وهل يعقل أن يعمل السيف في موقع الحجة والبرهان؟
والإسلام يحرض على تدعيم العلاقات السلمية بين الأمم لتسهيل تبادل المنافع الاقتصادية وتحقيق المقاصد الاجتماعية وعقد أواصر المودة والتعاون وانتفاع كل أمة بما لدى الأمم الأخرى من ثقافة وعلم وخبرة في سبيل خير الإنسانية ودفعها نحو التقدم والازدهار والسلام.
وفي القرآن الكريم آيات كثيرة تدعو إلى مبدأ السلام وتؤثره على الحرب مثل قوله تعالى: (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ)(لأنفال: من الآية61)، ومثل: (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) (النساء: من الآية94)، (فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً) (النساء: من الآية90). وهذه الآيات لا تعارض الآيات الأخرى الداعية إلى الجهاد مثل: (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ) (الحج: من الآية78) ومثل: (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) (التوبة: من الآية5) (قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ .... حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ)(التوبة: من الآية29) فمثل هذه الآيات تفهم على أساس سبب النزول، فهي إما لرد العدوان أو لنقض العهد أو لتعليم فنون القتال أو لتقرير نهاية الحرب والوصول إلى السلم بعقد المعاهدات. وكذلك أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم تفهم على هذا النحو.
مما سبق يتأكد أن السلام العالمي المنشود اليوم لن يتحقق إلا إذا زال الاستعمار الأثيم من الوجود وترفعت القادة عن دواعي الهوى والطمع وحب الذات وأعيدت الأراضي المسلوبة لأصحابها وارتفعت راية الحق والعدل والمساواة، وصدق الله العظيم حيث يقول: (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ. أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ. الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ. الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) (الحج: 38-41)
(الزحيلي، 1963، ص46-56).



#شيرين_الضاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295


المزيد.....




- بوركينا فاسو: تعليق البث الإذاعي لبي.بي.سي بعد تناولها تقرير ...
- الجيش الأمريكي يعلن تدمير سفينة مسيرة وطائرة دون طيار للحوثي ...
- السعودية.. فتاة تدعي تعرضها للتهديد والضرب من شقيقها والأمن ...
- التضخم في تركيا: -نحن عالقون بين سداد بطاقة الائتمان والاستد ...
- -السلام بين غزة وإسرائيل لن يتحقق إلا بتقديم مصلحة الشعوب عل ...
- البرتغاليون يحتفلون بالذكرى الـ50 لثورة القرنفل
- بالفيديو.. مروحية إسرائيلية تزيل حطام صاروخ إيراني في النقب ...
- هل توجه رئيس المخابرات المصرية إلى إسرائيل؟
- تقرير يكشف عن إجراء أنقذ مصر من أزمة كبرى
- إسبانيا.. ضبط أكبر شحنة مخدرات منذ 2015 قادمة من المغرب (فيد ...


المزيد.....

- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي
- عالم داعش خفايا واسرار / ياسر جاسم قاسم


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - شيرين الضاني - الأمن القومي ومشروعيته في الإسلام