أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - محمد عادل زكى - جدلية الصراع الإجتماعى فى فنزويلا















المزيد.....



جدلية الصراع الإجتماعى فى فنزويلا


محمد عادل زكى

الحوار المتمدن-العدد: 3158 - 2010 / 10 / 18 - 17:19
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


جدلية الصراع الإجتماعى فى فنزويلا
أطروحة موجزة فى مبادىء الإقتصاد السياسى للتخلف
محمد عادل زكى(*)
كتب بشكل خاص للحوار المتمدن
________________________________________________________________________
تمهيد:
الإقتصاد السياسى للتخلف. عنوان فرعى يوحى، بل يشير، إلى أن هناك ثمة علم إجتماعى قائم ومكتمل الأركان والشروط، أى مُنجَز، له من الأدوات والأليات ما من شأنه فك شفرة ظاهرة ما مع تقديم التفسيرات المرضية لها بشكل علمى، فيمكن من ثم، كما وُجِدَ إقتصاد سياسى للتخلف، أن يوجد إقتصاد سياسى للتنمية، ومن ثم إقتصاد سياسى للتطور الإجتماعى، وإقتصاد سياسى للتضخم، وإقتصاد سياسى للأزمة النقدية العالمية، وإقتصاد سياسى للتبادل غير المتكافىء، وإقتصاد سياسى للنفط"كسلعة"، وإقتصاد سياسى لحقوق الإنسان... وهكذا، إذ توجد ظاهرة ما فى حاجة إلى تفسير علمى على الصعيد الإجتماعى فيأتى الإقتصاد السياسى بأدواته وألياته المنجَزة؛ كى يتدخل مقدما التفسير العلمى على الصعيد الإجتماعى، القابل بطبيعته للنقد والتقييم.
أضف إلى ذلك، من جهة أخرى، كونه، أى العنوان الفرعى، يتألف من مصطلحين: الإقتصاد السياسى والتخلف، وكل واحد منهما لا يقل عن الآخر فى حجم التشوش والفهم الإنطباعى والمرتبك، وعلى ما يبدو أن هذا هو حال كل ما يتعلق بالإقتصاد السياسى، فكلام العظيمة روزا لوكسمبورج، ينطلق معبرا فى منتهى الوضوح والإنسيابية عن أزمة الهوية التى يعانى منها الإقتصاد السياسى وبدلا من الحديث عن علم نمط الإنتاج الرأسمالى، صار الحديث، غير المفهوم، عن علم أنماط الإنتاج، وفى أحوال أخرى، وهو ما تتبناه مؤسسة التعليم الرسمية، يصار إلى الحديث عن الإقتصاد كعلم للظواهر الإقتصادية!! ولكن ما هى الظواهر الإقتصادية؟ النظرية الرسمية تقول للطلاب أن الظواهر الرسمية هى تلك الظواهر التى يدرسها الإقتصاد، تارة بحذف السياسى وتارة بكتابتها بلا فرق!! الأمر الذى لا بد وأن يقود إلى التشوش والتخبط والإبتذال هروبا من سؤأل أولى هو ما غرض علم الإقتصاد السياسى، فلقد كتبت روزا :
". . . الاقتصاد السياسي علم فريد ملفت للنظر، تبدأ الخلافات والصعوبات معه منذ الخطوة الأولى، أي منذ أن يطرح هذا السؤال البديهي: ما هو، بالضبط، غرض هذا العلم؟ إن العامل البسيط، الذي ليست لديه سوى فكرة مبهمة عن العلم الذي يلقنه الاقتصاد السياسي، يعزى عدم يقينه إلى النقص الحاصل في ثقافته الخاصة. غير أنه يشاطر، بمعنى من المعاني، سوء حظه كثيرا من العلماء والمثقفين الذين يكتبون مجلدات ضخمة، ويلقون في الجامعات عشرات المحاضرات أمام الشبان، حول الاقتصاد السياسي. إذ من واقع الأمر أن معظم أخصائيي الاقتصاد السياسي، ومهما بدا هذا أمرا غير قابل للتصديق، ليست لديهم سوى فكرة مشوشة للغاية عن الغرض الحقيقي للاقتصاد السياسي. وأحيانا يعطي، وبكل بساطة، للاقتصاد السياسي، التعريف التالي: إنه "علم العلاقات الاقتصادية بين البشر". والواقع أن أولئك الذين يستخدمون مثل هذه المعادلة، يعتقدون أنهم بهذا إنما يتفادون عقبات إدراج «الاقتصاد القومي» داخل الاقتصاد العالمي، وذلك عبر تعميم المشكلة بشكل مبهم، وعبر التحدث عن اقتصاد البشر. . . "
فالأمر إذا يتعـدى حدود عنـوان فرعى لأطروحـة ما إلى لزوم النقــد والتقييـم دون مسلمات . . . يتعدى حدود عنوان موضوع لأطروحة إلى وجوب البدء من ترسيم حدود العلم، وترسيم حدود الظاهرة، وذلك ليس من خلال التعريفات التى لا تقدم سوى الأفكارا الجامدة والعازلة، بل من خلال التحديدات التى تبسط رحابة فى الوعى وترشد إلى الفكرة الهيكلية. ولذلك يتعين من البداية أن أعلن ماذا أقصد أولا: بالإقتصاد السياسى، وماذا أقصد، ثانيا، بالتخلف، وماذا أقصد، ثالثا، بقولى: الإقتصاد السياسى للتخلف؛ وذلك حتى يمكننا التقدم خطوات أبعد فكريا فى سبيل رؤية الصورة الكبيرة من مسافة أبعد.
أولا: الإقتصاد السياسى
وأعنى به: ذلك العِلم الإجتماعى الذى ينشغل بدراسة النظرية الكمية والنظرية الموضوعية فى القيمة، والتناقُُضات الكامنة فيها، والتى تَتَطور على أساس منها، أى التناقُُُُضات، الظاهرةُُ الإجتماعية محل البحث، وهو بتلك المثابة لا وجود له، كعِلمٍٍ مُستَقل، قبل هيمنة رأس المال، على الصعيد الإجتماعى، كظاهرة تاريخية؛ نظرا لسيادة علاقات إنتاج شفافة لم تكن لتسمح بتبلور فائض فى القيمة، فى المرحلة السابقة على الرأسمالية. إذ أن مبادلة العمل بالمال إنما تُمثل أحد الشروط التاريخية للرأسمال، والتى تتطلب أمرين: مبادلة قوة العمل بالمال؛ وذلك لإعادة إنتاج المال نفسه وتحويله إلى قيم كمية يستهلكها المال، لا كقيم إستعمالية للإستمتاع بها، بل كقيم إستعمالية للمال نفسه. أما المتطلب الآخر فهو فصل العمل الحر عن الشروط العامة للإنتاج وتجدد الإنتاج، أي فصل المنتِج عن مواد العمل ووسائل العمل. وهذا يَعني، قبل كل شيء، ضرورة فََصل العامل عَن الأرض فى مرحلة أولى، كما يعني أيضا، فى مرحلة ثانية، إنحلال كل مِن الملكية الصغيرة الحرة للأرض والملكية المشاعية. فإذ أن ضمن إطار هذين الشكلين(الملكية الصغيرة، والمشاعية الحرة) وهو ما يَتَصادم مع الشروط الموضوعية للرأسمال، تكون العلاقة بين العامل و الشروط الموضوعية لعمله، علاقة ملكية "شفافة"، وعلى ذلك يتمتع العامل بوجود موضوعى مستقل عن عمله، ويرتبط الفرد بنفسه بصفتِه كمالك، أي كََسيّد لشروط تَجْديد الإنتاج، دون التعرف التاريخى على مبادلة العمل الحر بالمال، وأيا ما كان شكل الملكية(صغيرة أو مشاعية) دون إستئثار عن باقى أفراد الجماعة، لا يتصرف الأفراد الحالتين كََعمال أُُجراء، يخلقون قيماًً زائدة، بل كمالكين وكأعضاء فى جماعة. و لا يهدف عَملُُهم هذا إلى خلق أية قيمة على الرغم مِن أنهم قد ينجزون عملاًً فائضاًً لمبادلته بعمل آخر خارج ملكيتهم الصغيرة أو المشاعية، أي بمنتجات فائضة. إن هدف العمل هو صيانة المالك و عائلته بالإضافة إلى صيانة الهيئة المشاعية ككل. حتى تلك المرحلة التاريخية، وما بها مِن تفصيلات وإختلافات تخص عمل العبد، وعمل القن، لم يَكن مِن المتصور الحديث عن إقتصاد سياسى كََعِلم إجتماعى له مِن الأدوات والأليات ما مِن شأنها تقديم التفسير العلمى للظواهر السائدة حينئذ؛ إذ لم تكن مِن الغموض ما يستدعى ذلك. فليس هناك ربح يتكون فى حقل الإنتاج، وليس هناك إقتصاد مبادلة نقدية معممة، وليس هناك أرباح تَميل إلى الإنخفاض كلما زاد رأس المال المُُضَخ، وليس هناك جيش مِن الإحتياطى العاطل فى حقل الصناعة، وليس هناك مزاحمة بين العامل، المغترب بالأساس، وبين والألة، وليس هناك صراع جدلى بين العمل المأجور وبين الرأسمال، ولم يكن هناك رأس مال، بالأساس، وليس إبتداء مِن إعتباره مبلغا مِن النقود، وإنما كََعلاقة إجتماعية. . . . . إلى آخر تلك الظواهر الإجتماعية الناشئة المتكررة، حتى إستلزم الحال ظهور العِلم المفسر، والقوانين الحاكمة.
ثانيا: التخلف الإقتصادى
وأريد به: ظاهرة إجتماعية، معناها تَسرب القيمة الزائدة مِن الداخل إلى الخارج، و/أو مِن أسفل إلى أََعلى. أى مِن داخل بلدٍ ما إلى خارجها، و/أو من طبقةٍ أدنى إلى طبقةٍ أعلى فى بلدٍ محدد؛ وأظن أن الحد الأدنى المتيقن هو أن التخلف الداخلى النسبى لم يُطرق بعد، كما أنه لم يَزل مندمجاًً فى مباحث متعددة موزعة فيما بين العلوم الإجتماعية المختلفة، دون أن يَستقل كمبحث منهجى فى الإقتصاد السياسى كعِلم إجتماعى، وأفضل ما يتحقق بشأنه هو التعرف عليه فى حقل النمو غير المتوازن كأحد خصائص الرأسمالية.
ثالثا: الإقتصاد السياسى للتخلف الإقتصادى
وأقصد به: البَحث فى، وعن، القوانين الموضوعية الحََاكمة لظاهرة تَسرب، القيمة وشروطها الموضوعية، وذلك على إعتبار أننا أًًمام عِلمٍ تمَ إنجََازه كما ذكرت عاليه، له مِن الأدوات والأليات ما مِن شأنه فك شفرة الظاهرة مع تقديم مجموعة معرفية من الأفكار بشأنها، بشكل عِلمى، على الصعيد الإجتماعى.
جدلية الصراع فى فنزويلا:
الأن، وبعد مرور أكثر من " ثمان سنوات" على أحداث الإنقلاب الفاشل الذى حدث ضد الرئيس هوجو تشافيز، لم تزل بعض فصائل التيارات المهيمنة فى حقل اليسار، وطبعا منظرو الإمبريالية، لا تتمكن من تجاوز الرؤية إلى ما أبعد من مجرد إنقلاب فاشل على حكومة شرعية، ومن ثم فقدت المسألة الفنزويلية كل مضمونها، وبدون النظرة الجدلية، فقد راح البعض طارحا المسألة بشكل لا يختلف كثيرا عن آلاف الصراعات التى وقعت . . . من لا يملكون ضد من يملكون . . . الفقراء ضد الأغنياء . . . دون أى إلتفات، وبوضوح، لما يفعله قانون الحركة الحاكم للتطور الإجتماعى . . . الديالكتيك .
فى 12/4/2002، بدأت كثير من الأنظار، واليسارية على وجه الخصوص، تتجه نحو هذا البلد الواقع فى الشمال من قارة أمريكا الجنوبية... فنزويلا.
ففى هذا التاريخ أعلن تنحية رئيس الدولة المنتخب، هوجو تشافيز، وتولية بيدرو كارمونا، ولكن هذا الإعلان لم يسر لأكثر من يومين؛ ففى 14/4/2002 عاد هوجو تشافيز، إلى"ميرا فلوريس" القصر الجمهورى مرة أخرى رئيسا شرعيا لفنزويلا البوليفارية، وتم نفى كارمونا إلى كولومبيا. و"للمزيد من التفاعل" مع موضوع النص، يجدر بنا أن نتعرف على كارمونا: ولد بيدرو كارمونا فى فنزويلا عام 1942، ودرس الاقتصاد في بلاده ثم في بلجيكا. وقد تقلد العديد من الوظائف المهمة والحساسة ويمكن القول بأنه عمل أغلب حياته في القطاع الخاص كما مثل فنزويلا في بعض التظاهرات الاقتصادية المالية في الخارج. ومن أبرز الوظائف التى تقلدها كارمونا: رئاسة إتحاد غرف التجارة والزراعة والصناعة والخدمات المعروفة باسم "فيداكمراس" والتي تضم كبرى المؤسسات الاقتصادية الفنزويلية. وكذلك قام برئاسة الجمعية الفنزويلية للصناعة والبتروكيمياء من 1992 إلى 1995. ومن 1995 إلى 1997: أيضا شغل منصب رئيس الكونفدرالية الفنزويلية للمصنعين. كما عين مندوبا خاصا لفنزويلا لدى مقر الاتحاد الأوروبي ببروكسل، وكذلك مندوبا لدى جمعية أميركا اللاتينية للتجارية الحرة بمونتفيديو. ويعد كارمونا من أهم المناهضين لسياسات تشافيز خاصة في المجال الاقتصادي، ويعتبر التحالف الذى تم بينه كممثل ((لأرباب العمل)) وبين كارلوس أورتيجا، الزعيم ((العمالى)) ومن المفارقات التى أربكت المحللين وبخاصة فى حقل بعض فصائل التيارات المهيمنة فى حقل اليسار. إذ لم يوجد فى كراسات التعميم تحالف ما من هذا النوع أى بين ((العمال)) وبين ((أرباب العمل)) وفى التحليل النهائى فإن بحثنا إنما يهدف بالأساس إلى حل الإشكال المطروح، كما عين كارمونا رئيسا مؤقتا للحكومة الانتقالية بفنزويلا بعد الانقلاب في 11 أبريل/ 2002 على تشافيز، وقد عين مباشرة في إدارته بعض الوجوه الفنزويلية ذات التوجه اليميني المتطرف، إلا أنه تمت تنحيته بعد 48 ساعة من الحكم بعد مظاهرات شعبية وتدخل الجيش لصالح الرئيس المخلوع. وعلى الرغم من قصر مدة ولايته فقد ألغى هذا الرئيس المؤقت كارمونا 49 مرسوما صادرة عن الحكومة المخلوعة وتشمل قطاعات حساسة مثل الإصلاح الزراعي وإعادة هيكلة القطاع النفطي الذي أمم عام 1976. غادر بيدرو كارمونا، الذي اتُهِِِِِِمَ بالتمرد العسكري ومحاولة الإستيلاء على السلطة، القصر الرئاسي وعاد إلى منزله حيث فرضت عليه الإقامة الجبرية. وقد وافق الرئيس الفنزويلي تشافيز على رحيل قائد الانقلاب الفاشل بيدرو كارمونا إلى كولومبيا بعد أن وافقت بوجوتا على منحه حق اللجوء السياسي.
تتبدى أهمية المسألة الفنزويلية التى تطرح نفسها على الساحة فى الوقــت الراهن(2000- 2010، وتلك هى المساحة الزمنية التى تشغلها المسألة بالأساس) فى ثرائها الفكرى على صعيدي الفكر والواقع بوجه عام. كما تتجلى فى قدرتها على إثارة العديد من القضايا الفكرية الجوهرية فى معظمها، وإمكانيتها الإرشاد إلى خطوط منهجية عريضة نستطيع من خلال التسلح بها أن نفهم فهما ناقدا مجريات الأمور والأحداث الآنية على ظهر هذا الكوكب، وأن نعى وعيا متجاوزا، على وجه الخصوص، الكيفية التى تمت من خلالها العملية التاريخية التى كونت إقتصادا عالميا بمستويات مختلفة من التطور والتقدم والنمو. الكيفية التى أنشأت التخلف الإجتماعى والإقتصادى"كظاهرة تاريخية" فى الأجزاء المختلفة من الإقتصاد العالمى، والمسألة الفنزويلية وإضافة لثرائها الفكرى القادر على فتح ملفات عديدة مطوية كما قلنا، فهى كذلك تمثل أحد النماذج المدرسية المناسبة جدا لشرح أكاديمى مميز لإشكاليات التخلف الإجتماعى والإقتصادى والسياسى فى الأجزاء المتخلفة من الإقتصاد الرأسمالى الدولى، كظاهرة تاريخية،
ولقد ظهرت الملامح الأساسية للأطروحة الرئيسية الخاصة بالمسألة الفنزويلية فى البحث الذى شرفت حين نَشَرَته (فى عددين) مجلة "النهج" التى تَصدر عن مركز الإبحاث والدراسات الإشتراكية فى العالم العربى، فى دمشق، وذلك عام 2003، تحت عنوان "الإقتصاد السياسى للصراع الإجتماعى الراهن فى فنزويلا". وأضفت للعنوان الرئيسى عنوانا فرعيا:"نحو منهج مقترح للبحث" فى إشارة إلى تجاوز طموحات البحث حدود معالجة موضوع إلى تقديم منهج. منهج يطرح نفسه بإعتباره فرضية تُستخدَم أدواته الفكرية وألياته النظرية فى تشريح ظواهر مماثلة أو/و مشابهة تاريخيا أو/و جغرافيا، وذلك بالطبع بعد الوقوف على مدى صحته ذاتيا، وصحة فروضه، موضوعيا، من باب أولى بإختبار صحة تلك الفروض على أرض الواقع، وهو الأمر الذى سعيت من أجله ولم أزل أواصل سعيي. وبخاصة وأن أصبحت النظرية الكمية والموضوعية مهددة فى وجودها الإجتماعى بعد فقد الرؤية الجدلية على يد التيارات السائدة.
وفى عام 2008، أى بعد مرور خمس سنوات على نشر الدراسة الأولى بمجلة "النهج" تطورت الفكرة الرئيسية فى مجموعة من المقالات، حوالى خمسة، كان عنوانها"ضد السطحية فى المسألة الفنزويلية" بعد أن بلغت معالجات المسألة الفنزويلية، على مستوى فعل الكتابة والتحليل النظرى، حدود غير مقبولة على الإطلاق من الإبتذال والإختزال والسطحية، والإجهاض الفكرى. . . الأمر الذى قادنى إلى معاودة الكتابة فى المسألة الفنزويلية دفاعا عن القيمة والديالكتيك. فالأولى صارت مهددة فى وجودها الإجتماعى، والثانى بات غير مفهوم وغير مهم، بما يشكل مأساة فكرية حقيقية تعانى منها بعض فصائل التيارات المهيمنة فى حقل اليسار. . . بما يستوجب التصدى كيلا تطولنا تلك المأساة.
ولقد كان من المتفق عليه مع الدكتور محمد نور الدين، فى اللقاء الذى جمع بين سيادته وبينى فى القاهرة، أن تنشر تلك المقالات على هيئة حلقات مسلسلة فى جريدة "البديل" المصرية، ذات الإتجاهات اليسارية المناوئة للنظام المصرى، والتى تمكنت من تحقيق نجاحات ملحوظة منذ صدور أعدادها الأولى، إلا أن الظروف المادية العنيفة، إضافة إلى الصراعات الشخصية، التى مرت بها الجريدة حالت دون هذا النشر، بل وحالت دون صدور الجريدة ذاتها، فيما بعد، للأسف الشديد.
وقد حاولت من خلال هذا البحث، وهو ما طورته فى المقالات المذكورة وغير المنشورة، المضى خطوات أبعد من مجرد رصد الأحداث ومتابعة مجريات الأمور فى دولة ما بمعاينة الأحوال المرتبكة والإنقلاب على رئيسها، والوقوف موقف المشاهد المؤيد من خلال فعل الكتابة (مع مراعاة كل ذلك تماما وإحترامه منهجيا) حاولت أن أحلل وأشرح أهم الظواهر التى أثارتها المسألة الفنزويلية فى مجموعها حينئذ ولم تزل، ووجدت أن الظاهرة الرئيسية المتعين دراستها تكمن فى إنقلاب آخر، فهو ليس على رئيس الجمهورية هذه المرة، وإنما على المناهج الميكانيكية والرؤى الخطية التى أربكها ظهور تحالف لم تعهده فى كراسات التعميم ولم تألفه التيارات المهيمنة بوجه خاص، هذا التحالف كان بين ضدين من المعلوم عنهما بالضرورة انهما دائما كذلك ولا يعرف عنهما غير ذلك. قــــوة العمل ورأس المال !!
كما حاولت كذلك، وصولا لتحليل الظاهرة، تقديم خطا منهجيا لا يدعى العصمة بالتأكيد، يرتكز على خطوات فكرية معينة إفترضتُ إستطَاعتِها تكوين جسما نظريا يمكننا من رصد وتحليل وتشريح، أو على الأقل مدخلا لذلك، جميع الظواهر الإجتماعية المتسمة بالعنف والقسوة عادة والدموية غالبا (إنقلابات... إضرابات... مجاعات... حروب أهلية...) والتى تثور فى بلدان قارتى أفريقيا وأمريكا اللاتينية تحديدا، وقد كنت طموحا، آنذاك وازددت، إلى أقصى حد حينما إفترضت إمكانية التعميم مع التحفظ اليسير بشأن بعض البلدان ذات الخصوصية النسبية فى كل من القارتين.
تبلور الظاهرة
ففى يوم12/4/2002 بدأت الأنظار، واليسارية على وجه الخصوص، تتجه صوب فنزويلا. وسنخص بعض من فصائل اليسار تحديدا لكونها تمثل، فى هذه المسألة تحديدا، أعلى مراحل نضج التفكير الجمعى المبتذل، للأسف، وسيكون طرازه هو السائد... وكما سبق القول، ونكرر، بأن أهمية المسألة الفنزويلية إنما تنبع من ثرائها على صعيدي الفكر والواقع وقدرتها على إثارة العديد من القضايا الجوهرية فى معظمها، وإمكانيتها رسم خطوط منهجية عريضة نستطيع من خلال التسلح بها أن نفهم فهما ناقد مجريات الأمور والأحداث الآنية فى العالم الرأسمالى المعاصر، وعلى وجه الخصوص الكيفية التى تمت من خلالها العملية التاريخية التى كونت إقتصادا عالميا بمستويات مختلفة من التطور والتقدم والنمو. الكيفية التى أنشأت التخلف الإجتماعى والإقتصادى "كظاهرة تاريخية" فى بعض أجزاء الإقتصاد العالمى.
فى هذا التاريخ، أى فى يوم12/4/2002 أُُعلن تنحية رئيس الدولة المنتخب هوجو تشافيز، وتولية بدرو كارمونا، بيد أن هذا الإعلان لم يستمر لأكثر من يومين؛ إذ عاد تشافيز إلى"ميرا فلوريس" القصر الجمهورى مرة أخرى فى 14/2/2002 رئيسا شرعيا لفنزويلا البوليفارية، وتم نفى كارمونا إلى كولومبيا.
ومنذ اللحظة الأولى للأحداث وحتى كتابة تلك السطور، والتى قبلها، لم تزل بعض الفصائل فى حقل اليسار( ومنظرو الإمبريالية من باب أولى) وبعد كل تلك السنوات، لا ترى فى المسألة الفنزويلية التى طرحت نفسها فعليا فى12/4/2002 بإعلان تنحية هوجو تشافيز وتولية كارمونا(جنرال النفط) وإنتهت واقعيا فى 24/3/2003 بعودة تشافيز رئيسا لفنزويلا والأطاحة بالمعارضة العميلة للإمبريالية الدولية ذات المخالب الحديدية!! وعلى طريقة النصوص إذا تكررت تقررت واذا إنتشرت تأكدت، فلم تزل تلك التيارات لا ترى المسألة إلا أدائيا ولا تتمكن من مغادرة النظرة الخطية التى يمثل الصراع الإجتماعى الراهن، بكافة مظاهره، فى فنزويلا، بمقتضاها مجرد حالة إصطدم من خلالها فكر ثورى راديكالى مع فكر إنتهازى رجعى، أو لحظة تاريخية تصادمت فيها السلطة المعززة بإرادة جماهير تسكن مدن الصفيح مع معارضة إنتهازية ومتواطئة، وتعتبر من ثم المسألة برمتها مثالا ممتازا جدا(وتعليمى مناسب، شبيه بالدرس ما بين المغرب وبين العشاء) للتدليل على القوة الكامنة فى الشعوب، وقدرة الجماهير على تقرير مصيرها، وإمكانية قيامها بإعادة توزيع ثرواتها، وإستطاعتها إختيار من يمثلها ويعبر عن مصالحها. . . هنا يتوقف اليسار. إذ تمثل نقطة البدء غير الصحيحة نقطة النهاية.
إرتباك أيدلوجي
لقد توقف فكر التيار المهيمن فى هذا الحقل عند تلك الإستنتاجات السهلة والمضمونة والجاهزة والتى أفرغت المسألة من مضمونها المتعين فحصه، وحولتها إلى ظاهرة دعائية كالذى حدث، على سبيل المثال، عقب إعلان سحب السفير الفنزويلى من تل أبيب فى يوم3/8/2009وصار الصراع الراهن فى فنزويلا، بعد تصفيته، لا يختلف اللهـم إلا جغـرافيا وتاريخيا عن آلاف الصراعات التى ناضل من خلالها المظلـوم فى وجـه الظالم. . . من لا يملك قبل من يملك (هاكم كراسات التعميم والموجزات الأولية بكامل جمالها !!)
إن التيارات المهيمنة حال سعيها لفهم الظاهرة (هناك، وهنا أدهى وأمر) لم تؤمن بأهمية الوعى الأولى والرئيسى بطبيعة التكون التاريخى الخاص بطبقة البروليتاريا النفطية فى فنزويلا، تلك الطبيعة الخاصة التى مكنتها من ناصية التفاوض على الصعيد العالمى، وأهلتها للتحالف مع رأس المال، وإنما إبتداء من سيطرته عليها ، وسعيها ،بالتوازى، للحفاظ على المكاسب الإجتماعية التى حققتها على الصعيد الإجتماعى.
كما لم تتمكن تلك التيارات وهى تلوك المسألة الفنزويلية من إجراء التمييز فى حقل الإقتصاد الريعى المنجمى وهو حال فنزويلا، بين الدولة صاحبة الدخل وبين الشركة الرأسمالية المستثمرة(أجنبية كانت أو وطنية) إذ أن ناتج البير أو المنجم يجرى تصديره ومن هنا تتحدد شروط ضخ الإستثمارات فيه (بمراعاة كلفـة الإستبدال المنجمى) تلك الشـروط تتيح فى نفس الوقت تحقيق ربح للرأسمال المستثمر، وريع، بالتناقض على المستوى الدولى بين الدولة المالكة ورأسمال الإحتكارات التى تهيمن على ظاهرة الأثمان الدولية.
فرضيات تحليل الظاهرة
إن تلكََ القدرة الَمَحدودة للتيارات المهيمنة لم تفوت عليها فقط فرصة رؤية الدائرة الفِكرية الأولى(وهى تَحوى ما هو لازم مِن الأفكار، ولكن غََير كافٍ) والتى تُحيط بالظاهرة محل المشاهدة والملاحظة؛ بل ومنعتها مِن بلوغ الدائرة الثانية (الأكبَر والأرحَب) والتى تَحتوى على مَجموعة مِن الفرضيات المنهجية، والتى يُمكَن مِن خلال تحقيقها العلو بالظاهرة أكثَر وفحصها بمزيدٍ مِن الوضوح بعيداًً عن كل ما هو سرابى مضلل. وتَتَبدى تلك الفرضيات فيما سنورده أدناه، بيد أنه يَجب أن نُشير هنا إلى أنَ الفرضيات التى نَقول بها أدناه، حاوية لترتيب منهجى معين يبدأ مِن حيث الهيكل وصولا إلى الأداء الحالى، أى مِن المدخل الهيكلى إلى المدخل الأدائى. أدائى ويهتم بالتعرف على مجمل الأحوال والأوضاع الآنية جغرافيا وسياسيا وإجتماعيا وإقتصاديا، وهيكلى ينشغل بالمعاينة التاريخية للكيفية التى تكونت معها (إقتصاديا) بلدان القارة، اللاتينية، على هذا النحو من التخلف، بوجه عام، وفنزويلا على وجه الخصوص، بحثاًً فى أسباب التخلف، وليس فى أثاره، والفرضيات هى:
(1) الصدور عن الرؤية الهيكلية، وصولا إلى الوضع الراهن، بتكوين الوعى بأهمية البحث فى ظاهرة العدوانية المباشرة لرأس المال الأوربى الإستعمارى، مع أهمية خاصة بفنزويلا، على مجتمعات الإقتصاد المعاشى (بكل خصوصيته، وبكل حضارته الإنسانية المدهشة: الأزتك، الأنكا)فى أمريكا اللاتينية، وفنزويلا جزء لا يتجزء من أجزائه غير المتجانسة، وبحصول الصراع الجدلى بين أسلوب الإنتاج الرأسمالى، الناشىء آنذاك بمنتهى القوة والعنفوان، ومجابهة المنتج الوطنى فى المستعمرة، والذى كان فى الأصل مالكا لشروط تجديد إنتاجه، تبدأ العمليـة التاريخية الدامجة المتزامنة مع ضخ المزيد من قـوة العمل(المستوردة، والمقتنصة) من خـلال تجارة، غير إنسانية لا رحمة فيها ، سيطر عليها أنذاك التاج الأسبانى والتاج البرتغالى، وتبعهم فى ذلك فيما بعد باقى القوى الإستعمارية الأوربية. فلا بد من البحث فى دور الغزو الإستعمارى الأوروبى (الأسبانى والبرتغالى تحديدا) فى دمج الإقتصاديات المستعمرة( أمريكا اللاتينية بصفة خاصة) ذات الإكتفاء الذاتى، أى الإنتاج خارج فكرة التداول المعمم، فى إقتصادياتها المستعمرة كأحد الأجزاء التابعة . والإمبراطورية الهولندية، فلقد ظل الأسبان، عقب استقرارهم فى جزر الهند الغربية، يرسلون البعوث الإستعمارية لكشف شواطىء أمريكا الوسطى، حينما سمعوا عن بلاد فى الغرب، يكثر فيها الذهب، والفضة بكميات لا تحصى؛ فعهدوا إلى حملة صغيرة بقيادة"كورتز" فتح هذه البلاد، المكسيك حاليا، والتى كانت موطن قبائل ذات كنوز وحضارة وفنون وديانات. . . إنها حضارة الأزتك، التى ابيدت ومسحت من على خريطة العالم. ومن هنا فقد سمع الأسبان عن "بيرو" موطن قبائل الأنكا، وهى ذات كنوز وحضارة لا تقل فى روعتها عن الأزتك، فأعدوا حملة بقيادة" بيزارو" للإستيلاء عليها، وتحكى المراجع المختلفة فى هذا الشأن؛ أن أهل تلك البلاد اهل سلم وهدوء، يملكون من الذهب مالم يخطر على بال أوربى؛ حتى أن ملك الإنكا لما أسر، إفتدى نفسه بملء الحجرة التى كان فيها ذهبا، فإخذه بيزارو، وغدر بخصمه زعيم الإنكا، وذلك عام 1533، وبذلك تم له ما أراد وفقدت بيرو إستقلالها، ودخلت ضمن أملاك أسبانيا، ولم يمض وقت طويل حتى أصبحت معظم بلاد أمريكا اللاتينية فى قبضتهم.
(2) فرض الزراعة الأحادية على أغنى أراضى قارة أمريكا اللاتينية وأخصبها وأوفرها إنتاجا: البرازيل، باربادوس، جـزرسوتابنتو، ترينـتداد وتوباجو، كوبا، بورتوريكو، الدومينيكان، هاييتى، الامر الذى كون، كنموذج تاريخى، بلدانا كالأكوادور يتوقف مصير سكانها على تقلبات الأثمان العالمية للبن أوالكاكاو، أوالموز!! هنا يجب الوعى بالكيفية التى تمت من خلالها عملية تعميق هذا الشكل من الزراعة من خلال هيكلة إقتصاديات بلدان القارة على نحو يخدم، بإخلاص، إقتصاديات الأجزاء(الإستعمارية) بجعل بلدان القارة موردا دائما للمواد الأولية، الحال الذى أفضى، بعد إستنزاف التربة، إلى إستيراد الطعام، وبعد أن أقسمت الأرض أن لا تنتج سوى المحصول الواحد: سكر، كاكاو، مطاط، بن، قطن. وهو الأمر الذى تزامن مع نشوء المزرعة الإستعمارية، وتبلور الطبقات الإجتماعية المكونة تاريخيا فى ركاب رأس المال الأجنبى، الأسبانى والبرتغالى والإنجليزى والهولندى والفرنسى، ثم الأمريكى كأمتداد للهيمنة والسيطرة، ومن هنا نشأت أرستقراطية السكر، وأوليجارشية الكاكاو، وبخاصة فى كاراكاس الفنزويلية مع نهاية القرن السادس عشر، كما ظهرأثرياء الغابة (المطاط) وأباطرة البن. تنهض هذه الطبقات، فى حركتها الإجتماعية المتعادية والمتناقضة، فى تدعيم بنية الخضوع والهيمنة، وتكريس عوامل التخلف التاريخى لدول القارة، إذ لا توجه، ولا يمكن أن توجه، تلك الأرباح إلى الحقول الإستثمارية الوطنية، بل يعاد ضخها فى نفس العروق...إلى الخارج !!
(3) دور متطلبات "العملية التاريخية الدامجة" فى قلب الميزان الديموجرافى فى معظم أجزاء القارة وهو الأمر الذى يتعين معه الوعى بأمرين: أولا: طبيعة نمط الإنتاج الذى إستخدمته الإقتصاديات المستعمِرة فى سبيل إنهاك الإقتصاديات المستعمَرة وتصفيتها ماديا، وسلبها لشروط تجديد إنتاجها، ونمط الإنتاج هذا، ثانيا، والذى إستخدمته القوى الإستعمارية إنما يحتاج (لدورانه حول السخرة والعبودية) إلى قوة عمل وفيرة، أكثر من وسائل الإنتاج (مواد العمل وأدوات العمل) ولذا سيكون من الضرورى أن تقوم قوى الإستعمار الأوروبى بضخ نحو 8 مليون إنسان (عبد) إفريقى إلى مناطق البرازيل وغرب الإنديز وجيانا فى الفترة من 1550 وحتى 1850 بعد أن قضى الإستعمار على السكان الأصليين!! تركز هذا الضخ فى معظم جزر الكاريبى ومناطق زراعة القصب ومناجم الذهب ومزارع البن. الأمر الذى أفضى إلى تكون طبقة (الكريوليس) والتى ستنهض بدور هام فى سبيل ترسيخ الهيمنة الإستعمارية حتى بعد تحولها شطرالقارة الإفريقية إبتداء من النصف الثانى من القرن الثامن عشر، فلقد كرس الإستقلال فى بداية القرن التاسع عشر تحويل السلطة إلى أيدى الملاك العقاريين والبورجوازية الكمبرادورية، عقب ذلك استمر التحويل وتدعيمه على أمتداد القرن إزاء تكثف التبادلات مع المتروبول الجديد، بريطانيا العظمى.
يجب هنا الوعى الشديد بالكيفية التاريخية التى من خلالها تبلور التاريخ النقدى "للهيمنة" الأمريكية فى القرن التاسع عشر، بعد سلسلة متصلة من العلاقات الجدلية بين القوى الأوربية المتصارعة(هولندا، إنجلترا، فرنسا، روسيا، النمسا، المانيا، إيطاليا، بروسيا، الدولة العثمانية) وإنتهاء بالحرب العالمية الأولى التى خرج منها الإقتصاد الأوروبى حطاما، بينما خرجت الولايات المتحدة الأمريكية كأغنى وأقوى دولة رأسمالية فى العالم يزيد مجموع أرصدتها الذهبية عن مجموع الأرصدة الذهبية التى تملكها روسيا وفرنسا والمانيا وبريطانيا وكأن الحرب لم تفعل شيئا سوى نقل ثروات أمريكا الجنوبية من أوروبا إلى الولايات المتحدة الأمريكية. يتعين هنا الوعى بالظروف التاريخية التى سادت فى القرن التاسع عشر، والتى تمكن الذهب من خلالها من إرساء الأثمان المعبر عنها بعملات وطنية مختلفة نظير سلع تم إنتاجها فى أماكن متفرقة من العالم وفى ظل ظروف إنتاجية مختلفة. ولم يكن من الممكن للذهب أن يؤدى هذه الوظيفة إلا إبتداء من تداوله كنقود فى داخل الإقتصاد الرأسمالى القومى الأكثر تطورا والذى كان فى سبيله للسيطرة على الجزء الأكبر من المعاملات الدولية: الإقتصاد البريطانى. وتمكن قاعدة الذهب الدولية بدورها رأس المال البريطانى من تأكيد هيمنته فى داخل الإقتصاد العالمى، وهى هيمنة استمدها من تفوق الإنتاجية النسبية للعمل عمقا ومدى، وبفضل هذه الهيمنة يصبح الإسترلينى ، العملة الوطنية البريطانية، سيد العملات دوليا، ويمكن أن يحل محل الذهب لعملات بلدان أخرى تخضع لهيمنة رأس المال البريطانى. وهكذا تحل هيمنة رأس مال إحدى البلدان على الصعيد الدولى محل سلطة الدولة على الصعيد القومى، وتمكن هذه الهيمنة عملة راس المال المهيمن من أن تلعب فى المعاملات الدولية دور النقود الدولية، سواء أكانت هذه العملة تستند إلى الذهب أو لا تستند، وإن كان من الضرورى أن تبدأ فترة سيطرتها التاريخية، بحكم تاريخية النقود، بالإستناد إلى الذهب. ويكون من الطبيعى عند إنتقال الهيمنة من رأس مال قومى إلى رأس مال قومى آخر أن ترث عملة المهيمن الجديد وظيفة النقود الدولية حالة بذلك محل عملة رأس المال الذى فقد هيمنته على الإقتصاد الرأسمالى الدولى. ذلك هو ما حدث فى فترة الحربين العالميتين عندما فقد رأس المال البريطانى هيمنته على الإقتصاد الدولى(تاركا الإقتصاد الدولى كى يقسم عدة كتل نقدية) فقد ظهر رأس المال الامريكى كى يفرض هيمنته ، ولكى تأتى الحرب العالمية الثانية لتؤكد الهيمنة الجديدة التى تفرض كل تبعاتها فى الفترة التالية للحرب. يجب هنا الوعى الملازم بأن الولايات المتحدة الأمريكية ذات تاريخ حافل بالأحداث المثيرة، والدموية غالبا، المتعلقة بأمريكا اللاتينية(غزو نيكاراجوا1823- ثم بيرو 1825- إحتلال تكساس المكسيكية 1846، وكى تضم نهائيا فى أعقاب 1948- تدمير ميناء جاجراى تاون فى نيكاراجوا 1854- غزو كولومبيا 1873- التدخل فى هاييتى 1888- ثم فى تشيلى- ثم فى نيكاراجوا 1894- الحرب الأمريكية الأسبانية المفتعلة طبقا لأرجح الأقوال 1898- التدخل فى كولومبيا 1901و1902- الإستيلاء على ست مدن فى هندوراس 1907- دخول المارينز هاييتى وقيامهم بالسطو على البنك المركزى سدادا لأحد الديون، ثم إحتلالها من 1915 وحتى 1934- قصف المكسيك 1916- غزو خليج الخنازير 1961- الحصار الجوى على كوبا- غزو الدومينيكان 1965- نشر الأسطول على سواحل الدومينيكان 1978- غزو جرينادا 1983- التدخل فى تشيلى 1988- غزو بنما وإختطاف رئيسها 1989- أضف إلى ذلك تورطها المفضوح فى العديد من الإنقلابات الداخلية فى بعض الدول حينما وضعوا شامورو على العرش فى نيكاراجوا، والإطاحة ببارستد فى هاييتى، فضلا عن إدارة مذبحة ريو سمبول على الحدود السلفادورية الهندوراسية 1980)
هنا نجد أنفسنا مرغمين منهجيا، وأخلاقيا، على مراجعة النظرية السائدة على الصعيد السياسى والتى تقول بان الديمقراطية الأمريكية هى أفضل الديمقراطيات فى العالم المعاصر، وأصبحت القضية محصورة فى حتمية نقل النموذج، فالتحليل العلمى الصحيح والواقع الحقيقى وليس المزيف، يثبتان خلاف ذلك تماماًً؛ فإبتداء من الوعى بالخلفية التاريخية، تاريخ أمريكا المعاصر، وطبيعة الثورة الأمريكية والتى ثمّنها كثيرا، وفقا لتعبير الدكتور/ سمير أمين، ثوار 1789، وأنها لم تكن سوى ثورة سياسية محدودة الأهمية من الناحية الإجتماعية، فعندما تمرد المستوطنون الأمريكيون ضد الملكية الإنجليزية، لم يكونوا يرغبون فى تحول العلاقات الإقتصادية والإجتماعية، ولكن فقط كانوا يرفضون إقتسام الأرباح؛ فقد كانوا يريدون السلطة لأنفسهم. ليس لغرض القيام بأشياء مختلفة لما كانوا يقومون به إبان الفترة الإستعمارية؛ بل من أجل الإستمرار فيما كانوا يعملون، ولكن بحزم أكثر وربح أكبر، فقد كان هدفهم فى المقام الأول إتمام التوسع نحو الغرب الذى كان يعنى من بين ما يعنيه إبادة الهنود. ولم يكن موضوع العبيد محط تساؤل؛ فكل زعماء الثورة الأمريكية تقريبا كانوا ملاك عبيد، ولقد تطلب الأمر قرنا إضافيا ليتحقق أمر إلغاء العبيد، وقرنا آخر حتى يتمكن السود الأمريكيون من الحصول على حد أدنى من الإعتراف ببعض الحقوق المدنية، دون أن تتزعزع العنصرية العميقة للثقافة المهيمنة. إبتداء من هذا الوعى، المتناغم مع الوعى بالكيفية التى هيمن من خلالها رأس المال الأمريكى على الصعيد العالمى، يمكن البدء فى فهم كيف يحتقر المجتمع الأمريكى، المساواة، فاللامساواة ليس مسموحاًً بها فحسب، بل تعتبر رمزاًً لـ"النجاح" الذى تَعد به الحرية. ومع الوقت الطويل نسبيا أخذت الديمقراطيـــة "تُُسوَق" على نحو يفرض الأفكار المهيمنــة التى هى فى واقعها أفكار الطبقــــة" الإمبريالية" المهيمنة. للمزيد من التفاصيل فى هذا الشأن، شأن الديمقراطية الأمريكية ومقارنتها بما عليه الحال فى أوروبا، والذى يميل تطورها إلى تقريب المجتمع والثقافة إلى مجتمع وثقافة الولايات المتحدة التى أصبحت نموذجا وموضوعا للتقدير الكاسح وغير النقدى، بعد الغزو العارم على الصعيد الثقافى والسياسى والإقتصادى والإجتماعى للمجتمعات الأوروبيــة( أنظر: الدكتور/ سمير أمين، نقد الديمقراطية الأمريكية، مجلـــــة " إضافات" العدد(9) الصادرة عن الجمعية العربية لعلم الإجتماع، لبنان 2010)
(4) فى النقطة الفكرية السابقة والخاصة بمتطلبات "العملية التاريخية الدامجة" يتعين الوعى بمجموعة من الأحداث الهامة، ففى الفترة ما بين سنة 1688 وسنة 1815 إشتبكت فرنسا وإنجلترا فى سبعة حروب، كان من أهم أسبابها على الإطلاق، التنافس فى المستعمرات، وفرض السيادة والهيمنة على البحار، وكانت كلما نشبت حرب بين دولتين فى أوربا، إمتد لهيبها إلى ما وراء البحار، واشتعلت نيران الحرب كذلك فى المستعمرات. ومن جهة أخرى، ففى أوائل القرن السادس عشر، ورث عرش الإمبراطورية الهولندية ، الإمبراطور شارل الخامس، وفى عهده نظمت الإدارة وتحسنت الأحوال الداخلية، كما أن إتسعت الحركة التجارية، إلا أنه لما ظهرت حركة الإصلاح الدينى، فقد اعتنق كثير من سكان الشمال مذهب كلفن الأمر الذى أدى إلى معاملة قاسية من شارل واحرق عددا كبيرا منهم، ولما خلفه إبنه فيليب الثانى، واصل سياسة الإضطهاد بعنف، مما أدى إلى إندلاع الثورات ضد الحكم الأسبانى، واستمر النضال بين الفريقين طوال النصف الثانى من القرن السادس عشر وأوائل القرن السابع عشر؛ حتى إنتهى الأمر بإستقلال هولندا. وما كادت هولندا تستقل حتى صارت من أقوى دول أوربا فى البحر، وأوسعها تجارة، ولا سيما فى الشرق. ساعدها فى ذلك إزدياد قوتها البحرية خلال حرب الإستقلال، وسطوها على السفن الأسبانية، وكذلك الإستيلاء على بعض المستعمرات الأسبانية التى وصلت لها من البرتغال بعد إخضاعها وضمها إليها سنة 1580. هذا إلى جانب ضعف قوة البرتغال بعد فقدانها لإستقلالها، وكذلك إضمحلال قوة أسبانيا البحرية، بعد إنهزام اسطولها الكبير المعروف بـ " الأرمادا" الذى لا يقهر أمام الأسطول الإنجليزى سنة 1588، مما شجع السفن الهولندية على معارضة تجارة أسبانيا فى البحار، بل وإنتصار أسطولها على الأسطول الأسبانى عند جبل طارق سنة 1607

(5) كما يتعين التقدم، لفهم تسرب القيمة، ومن ثم التبادل غير المتكافىء، خطوة إلى الأمام، تاريخيا ومن ثم منهجيا، بالبحث الواعى فى دور الشركات الأجنبيـة العملاقـة ورؤوس أموالها القومية فى تعميق الدور الذى تلعبه أجـزاء القارة المختلفـة كمورد رئيسى للمـواد الأولية، دون أى مشاركـة من هذه الأجزاء فى عملية التجارة فى أى مرحلة من مراحلها، مع الحفاظ دائما على إثارة القلق فى أسواق تلك المنتجات، حفاظا على عدم إنخفاض ثمنه العالمى وإمكانيـة التلاعب به. هذا وتعتبر شركات النفط العالمية الكبرى من أقدم الشركات المتعددة الجنسية، وقد شهدت السوق العالمى للنفط مراحل مختلفة لسيطرة عدد محدود من شركات النفط العملاقة على جانب كبير من تلك الأسواق؛ ففى خلال الفترة من 1928 وحتى 1938، تم توقيع عدة إتفاقيات بين ثلاث شركات كبرى تهدف إلى تقسيم العالم بين كارتل: ستاندارد أويل أوف نيوجيرسى (إكسون موبيل حاليا) وشل وبريتش بتروليوم(الإنجلو/إيرانيان) ثم إنضم إلى هذا الكارتل: ستاندارد أوف نيويورك وستاندارد أوف كاليفورنيا وجولف وتكساكو، وأضيف إليهم منذ أواخر الخمسينات الشركة الفرنسية للنفط. ولقد كان هذا الكارتل حتى عام 1949، يسيطر على 97% من إنتاج النفط فى النصف الشرقى للكرة الأرضية، وعلى نحو 80% من إنتاج أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبى،
(6) يتعين الإستمرار فى البحث وصولا للكيفية التى من خلالها يظهر الإقتصاد الفنزويلى، كإقتصاد متخلف، مركب من قطاعات منعزلة أو شبه منعزلة، لا تقيم فيما بينها إلا مبادلات هامشية، بينما يتم الجزء المهم والجوهرى من مبادلاتها (وبخاصة النفط) مع الخارج، وبينما يعكس قطاع الزراعة (الذى يقع تحت وطأة إعادة الهيكلة العالمية) مظاهر الإندماج كافة فى السوق الدولية، بمعنى الإنتاج إبتداء من السوق وتبعا لقوانين السوق، أى الإندماج فى منظومة الفائض والهدر الإجتماعى، وإنما إبتداء من سيادة قوى إنتاجية متخلفة (تركز ملكية، تخلف أساليب الإستغلال: كما يحدث على سبيل المثال فى القطاع الزراعى، الإحتفاظ ببعض مظاهر الإقتصاد المعاشى،الإنفصال التاريخى للريف عن المدينة) وعلاقات إنتاج شفافة (أقرب إلى القنانة أو العبودية) لم يسمحا بعد، أى قوى الإنتاج وعلاقاته، بتطورات جدلية ملحوظة على صعيد رد الفعل الإجتماعى، فإن القطاع الصناعى يتكون، إضافة إلى الشركة الأم، من منشأت عملاقة (أجنبية أو فروعا من وحدات محلية) تقع مراكزها المحركة خارج الإقتصاد الفنزويلى، وعلى حين تقوم تلك الوحدات الضخمة بإستخراج الثروة المنجمية (فحم،حديد،نفط) فإنها تستخرجها لا لكى تغذى بها صناعات محلية وليدة، بل إنها تصدرها لتستخدم فى تغذية مجموعات صناعية معقدة فى المراكز المتقدمة. وبخاصة بداخل الإقتصاد الأمريكى الوريث التاريخى للهيمنة الإستعمارية الأوربية، ولنطالع التقرير الصادر عام 1980(ولم يزل يحتفظ بأهميته)عن الكونجرس الأمريكى، إذ جاء فيه:
"... يجب على الولايات المتحدة بالإتفاق مع حلفاءها دفع وتدعيم البرامج الخاصة بالإسراع فى إستكشاف النفط وتنميته خارج منطقة الشرق الأوسط...فإن المكسيك"وفنزويلا"هما أكثر الدول التى يمكن ان (تنتج للولايات المتحدة وحلفاءها)فرصا كبيرة لتقليل إعتمادها على نفط الشرق الأوسط، لذا يجب أن تظهر الولايات المتحدة إستعدادها لتنمية مصادر الطاقة بالمكسيك...ومن ناحية أخرى، يجب على الولايات المتحدة، إعطاء أولوية قصوى لتنمية الثروة الضخمة"لفنزويلا"وذلك بمنح المساعدة المالية والتعاون الفنى من خلال هيئة تأمين الطاقة،كما يجب إمداد"فنزويلا"بما تحتاجه من القروض اللازمة لتنمية مواردها الضخمة من الوقود ومن خلال عقد إتفاقيات ثنائية أو متعددة الجوانب."
(7) تبرز طبقة البروليتاريا، النفطية، الفنزويلية، كطبقة أفقدها الزيت وعيها الطبقى، ذات طبيعة تاريخية خاصة، تمكنها من ناصية شروط التفاوض على الصعيد العالمى، لا سيما المنظمات الدولية(التى يستعين بها رأس المال إستقداما أو إستبعادا ) تلك الطبيعة الخاصة بهذه الطبقة والتى تكونت بفعل حركة رؤوس الأموال النفطية فى أوائل القرن العشرين بداخل فنزويلا، أهلتها للتحالف مع رأس المال، وإنما إبتداء من سعيها نحو الحفاظ على المكاسب التى حققتها على الصعيد الإجتماعى، إذ ولدت كطبقة محدودة نسبيا وظهرت شرائحها العليا ذات إمتياز نسبى كذلك، على حين كانت الأزمة الزراعية تبدو عبر الإفقار المتواصل للفلاحين وتعميق الإنفصال التاريخى للريف عن المدينة. ويرتبط بالفكرة السابقة إرتباطا وثيقا لا يقبل الفصل، الوعى بما لحق تكوين البروليتاريا، لا سيما الصناعية، من تغيرات هامة منذ العقود الأخيرة من القرن التاسع عشر، وترتبط تلك التغيرات بالطفرات العلمية المعاصرة التى قادت إلى إزدياد الوزن النوعى للفئة البروليتارية التى تعمل فى حقل الصناعات التحويلية، كما جرى إنتقال قسم كبير منهم إلى تلك الصناعات التى تلعب دورا حاسما فى تطوير القوى الإنتاجية الحالية فى الأجزاء المتقدمة من الإقتصاد الرأسمالى الدولى المعاصر على حساب الإبقاء على الوضع الراهن أو تحريكه جزئيا (وإبتداء من مصلحة رأس المال) فى الأجزاء المتخلفة؛ فالتيار الرئيسى لحركة إنتقال القوى العاملة يتجه ناحية قطاعات الصناعات الذرية والألكترونية والبتروكيميائية، وتتميز هذه القطاعات بدرجة عالية من الإحتكار على صعيد كل من رأس المال والربح .
(8) وأخيرا وليس آخرا، فإن من أبجديات درس فنزويلا، الوعى بكونها دولة نفطية، وبالتبع ريعية، وتبرز ها هنا فرضية هامة، تمس وبشكل مباشر الإقتصاديات العربية النفطية؛ ولذا تعين الإنتباه لما تثيره هذه الفرضيــــة من أفكار تخص دول الخليج العربى على وجه الخصوص( الذى لم يُسمح تاريخيا بعد بتحويل الفوائض النفطية إلى رأس مال) فحيث أن تحكم طبقة إجتماعية خاصة فى عملية النفاذ إلى المورد فى الإقتصاديات الريعية المنجمية والوعى بما يثيره ذلك من صراعات جدلية بين باقى طبقات المجتمع، هو من أبجديات فهم الطبيعة الخاصة بتلك الإقتصاديات، فإن فنزويلا لا تمثل أدنى إستثناء. إذ تحكم كبار الملاك العقاريون، وعائلاتهم من بعدهم، والبرجوازية الكمبرادورية، منذ البدء فى عملية النفاذ تلك، كطبقات كونت تاريخيا. كونت كطبقات مهيمنة، ثم ونامية فى ركاب رأس المال الأجنبى المسيطر. بل أنه وبعد التأميم، فإنه يجدر بنا أن نتسأل من هو مالك الدولة؟ فتأميم الموارد الأساسية لا يضمن فى حد ذاته إعادة توزيع الدخل لصالح الأغلبية، كذلك لا يهدد بالضرورة لا سلطة ولا إمتيازات الأقلية المسيطرة، ولقد كتب إدواردو جاليانو، فى كتابه الرائع" الشرايين المفتوحة لأمريكا اللاتينية" والذى أهدى تشافيز نسخة منه إلى أوباما، كتب جاليانو:
"...وفى فنزويلا، يواصل إقتصاد التبديد عمله. وفى مركزه تتلألأ، بضوء غاز النيون، طبقة إجتماعية مبذرة ومالكة للملايين...لقد إزدادت الواردات بنسبة 25% لتمول المواد الترفيهية التى تتدفق على السوق الفنزويلية. إنها صنمية السلعة بإعتبارها رمزا للسلطة، الوجود الإنسانى وقد قلص إلى علاقات منافسة وإستهلاك: فى وسط بحر من التخلف تمارس الأقلية المحظوظة نمط حياة وموضات أغنى أعضاء المجتمعات الأكثر إزدهارا فى العلم ".
لا يمكن فى تقديرى الحديث عن فنزويلا، بل عن أى دولة، على الصعيد الإجتماعى والإقتصادى والسياسى، دون الإحاطة الواعية والناقدة بما هو مدون عاليه من فرضيات منهجية قابلة فى جوهرها للتشكيل والتشكل تبعا لمقتضى فهم وإستيعاب وتحليل الظاهرة محل المشاهدة والملاحظة، الأمر الذى يمكننا من فهم طبيعة الصراع الجدلى بين الربح،الذى تحصله بتروليوس دى فنزويلا، شركة النفط الوطنية الفنزويلية، وبين الريع، الذى تجنيه الحكومة الفنزويلية، ولا سيما فى اللحظة التاريخية التى يتعادى رأس المال فيها مع السلطة المسلحة كقوة مضادة، وهو أمر لديهم جلى، خفى لدينا.
أقول إن ما يَحدث فى فنزويلا هو فى حقيقته صِراع بين ما قد أسميتها فى حينها ((بالبتروليتاريا)) وبين السلطة. بين قوةِ العمل المتحالفة مع رأس المال والمتناقضة معه فى نفس الوقت وبين النظام المعَبِر عن الجماهير ومصالحها، هى أيضا متناقضة وإن جمعتها مصلحة أنية واحدة. وبعبارة أكثر دقة وتحديداًً فإن الصراع الراهن إنما يَتبدى فى مظهَرين: أولهما: صراع جَدلى ما بين (الربح) وبين (الريع) من جهة، وثانيهما: صراع جَدلى بين ((البتروليتاريا)) وبين (السُلطة) من الجهة الثانية، والمظهر الثانى هو التعبير الجََدلى عن المظهر الإقتصادى الأول.
ولأن التيارات المهيمنة(ومِن باب أولى تيارات التَنظير الإمبريالى) مُنشَغلة بحيازة الإستنتاجات المضمونة والسهلة، كما ذكرنا أعلاه، فلم تُبصر، ومن أََبصَر أََصابهُ الإرتباك، مدى أهمية ما ثيره المسألة مِن إمكانية فََتح العديد مِن الملفات المطوية ومدى قدرتها على إعادة طََرح اليسار نفسه، إن أراد، بذهنية تَتَجاوز الرؤية الميكانيكية (التى إرتد لها كثيرون) إلى رحابة الفََهم الجََدلى للظواهر الإجتماعية...الرَحَابة التى تُتيح فََهم أوضَح وأعمَق وغََير مُلتَبس لإمكانية " تحالف الأضداد". إذ أفرز الصراع التاريخى الجََدلى الطويل بين قوة العمل وبين رأس المال، وهو صراع جَدلى لا خطى، فى ظروف تاريخية وجغرافية معينة، تحالفاًً بين قوة العمل وبين رأس المال فى مواجهة السلطة، إذا هناك ظاهرة ( الصراع الجدلى بين قوة العمل وبين رأس المال) تلك الظاهـرة تفرز ظاهرة ((البتروليتـاريا)) فى مواجهـة ظاهرة ثالثـــة( السلطة) فيتطور الصراع الإجتماعى من صراع بين قوة العمل وبين رأس المال، تطورا جَدلياًً كى ينتقل الصراع إلى مرحلةٍ أخرى تظهر فيه السلطة كأحد الأطراف المتَنَاقضة مع المفرز الديالكتيكى المتمثل فى ((البتروليتـاريا))
هذا تحديداًً ما لا تقوله كراسات التعميم، ومِن ثم لا مفر مِن لى عنق الظاهرة لحشرها حشراًً فى الأدراج المعدة سلفاًً. إن عدم الوعى بجدلية الصراع الإجتماعى على هذا النحو والتعاشى عنه، لا يفقد اليسار فقط فرصة مدهشة لإعادة تقديم نفسه، بل يفقد نفسه حينما يفقد أهم ما يميزه . الجدل. وطريقة إنتاج الفكرة.


الإسكندرية فى 19/10/2010


-----------------------------------------------------
(*)محام مصرى، وباحث فى الإقتصاد السياسى.



#محمد_عادل_زكى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- بعد جملة -بلّغ حتى محمد بن سلمان- المزعومة.. القبض على يمني ...
- تقارير عبرية ترجح أن تكر سبحة الاستقالات بالجيش الإسرائيلي
- عراقي يبدأ معركة قانونية ضد شركة -بريتيش بتروليوم- بسبب وفاة ...
- خليفة باثيلي..مهمة ثقيلة لإنهاء الوضع الراهن الخطير في ليبيا ...
- كيف تؤثر الحروب على نمو الأطفال
- الدفاع الروسية تعلن إسقاط 4 صواريخ أوكرانية فوق مقاطعة بيلغو ...
- مراسلتنا: مقتل شخص بغارة إسرائيلية استهدفت سيارة في منطقة ال ...
- تحالف Victorie يفيد بأنه تم استجواب ممثليه بعد عودتهم من موس ...
- مادورو: قرار الكونغرس الأمريكي بتقديم مساعدات عسكرية لأوكران ...
- تفاصيل مبادرة بالجنوب السوري لتطبيق القرار رقم 2254


المزيد.....

- الديمقراطية الغربية من الداخل / دلير زنكنة
- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار * / رشيد غويلب
- سلافوي جيجيك، مهرج بلاط الرأسمالية / دلير زنكنة
- أبناء -ناصر- يلقنون البروفيسور الصهيوني درسا في جامعة ادنبره / سمير الأمير
- فريدريك إنجلس والعلوم الحديثة / دلير زنكنة


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - محمد عادل زكى - جدلية الصراع الإجتماعى فى فنزويلا