أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - افراح لطفي عبد الله - فلسفة الممارسة















المزيد.....



فلسفة الممارسة


افراح لطفي عبد الله

الحوار المتمدن-العدد: 3147 - 2010 / 10 / 7 - 20:29
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    



قد ينم العنوان للوهلة الأولى عن تناقض ولكن تأنيا في فهم الاطروحة الحادية عشرة• التي تقول:
" لم يفعل الفلاسفة حتى اليوم سوى تفسير العالم بطرق مختلفة لكن الأمر الهام هو تحويله/تغييره" يزيل هذا التناقض فالاطروحة تشير إلى نقطتين أساسيتين :
الأولى, أنها تمثل شهادة اعتراف ضمني من ماركس بأنه فيلسوف ولكن ليس كالفلاسفة الذين جعلوا مهمة الفلسفة تفسير العالم فماركس ينقد الفلسفة حتى الآن ولا ينفيها فهو ينتقد تلك الفلسفة التأملية المثالية التي تمثل وجهة نظر الدولة البرجوازية والتي تتجرد عن الإنسان الحقيقي ولكنه –أي ماركس- ضمنا يرحب بفلسفة جديدة تهدف إلى تغيير العالم .. ولا شك إن هنالك من اعتقد أن ماركس باطروحته السابقة إنما أعلن نهاية الفلسفة ولكن هذا ينم عن حكم سريع لان "نقد الفلسفة التأملية في عمل ماركس هو ذاته فلسفة , فلسفة للحركة الثورية ,فلسفة تناضل ليس من اجل الانعتاق السياسي وحسب بل ومن اجل الأنعتاق البشري" هذا فضلا عن إن الشروط المشتركة لوجود المراتب والطبقات التي تتعاقب تاريخيا تجعلنا نتخيل فلسفيا تطور النوع أو الإنسان قد تطور في الأفراد .
الثانية, إن المهمة الحقيقية للفلسفة هي تغيير العالم وهنا إحالة إلى مفهوم الممارسة كون عملية تغيير العالم لا تتم من دون نشاط إنساني وعمل أي ممارسة, وهذا سنشهده في كل مؤلفات ماركس التي تنشئ لفلسفة بخلاف الفلسفات السابقة , فلسفة تبغي التركيز على الواقع الفعلي للإنسان والطبيعة وحقيقة التطور التاريخي منهما أي انها فلسفة تبغي الممارسة .
والممارسة praxis التي يعلنها ماركس في كتبه الأولى صراحة وفي كتبه اللاحقة ضمنا هي توازي العمل والنشاط والتطبيق المرتبطة جميعا بالإنسان الطرف الأول الذي بامتلاكه هذه القدرة أي الممارسة أنما سيسهل تحويل الطبيعة الطرف الثاني باتجاه إنتاج واقتصاد يمكنه من الحياة والعيش ولكن تصاحبه أزمات وصراعات واغترابات ناتجة عن نمو الإنتاج أي بفعل الاقتصاد لكن قدرته على الممارسة ستمكنه من إيجاد حل بالعمل الثوري, فالممارسة هي العصب الأساسي لفلسفة ماركس وان شئنا القول إنها المنطق المادي الذي يتغلغل في كل مفاصل الحياة وعبر تاريخها المادي كله• واثبات هذا سيكون من خلال عرض المعادلة التالية التي تمثل أهم نقاط فلسفة ماركس ومن ثم تفسيرها:

المعادلة,
الممارسة = (الإنسان + الطبيعة) = ( الإنسان  المجتمع )  المؤسسات
 
(العمل/الإنتاج) صراع الطبقات

اللامؤسسات واللاصراع

التفصيل,
قبل التفصيل بمعطيات المعادلة السابقة علينا ان نفهم بان موقف ماركس الفلسفي كان قد تشكل في فكر شخص اغتاض عن حق من الفلسفات السابقة وعلى وجه الخصوص المثالية اضافة الى المادية – هذا فضلا عن الاقتصاد والاشتراكيات الكلاسيكية - فجاءت فلسفته ملتهبة بكلمات النقد اللاذع والسخرية الهدامة ولهذا فإننا وعندما سنتعرف على تفصيلات المعادلة السابقة لابد من أننا سنمر بهذه النقود كونها تمثل جزءا مهما ساهم في إنضاج فلسفته ..فماركس الذي كان منتميا الى اليسار الهيجلي الذي قوض من سيطرة المطلق والدين كان قد انقلب كليا على هيجل منذ عام 1844 في كتابه المخطوطات الذي اعلن فيه عن دور فيورباخ المهم في قدح سذاجة الفكر الهيجلي ثم في اطروحاته عن فيورباخ عام 1845 مد ماركس لسان نقده إلى فيورباخ الذي لم يتفهم " أهمية النشاط الثوري , النشاط العملي – النقدي " ,ومثل كتاب "الايدولوجيا الألمانية" 1846 الموقف الصريح تجاه الممارسة من خلال نقد ماركس وانجلز المباشر للهيجليين الجدد وفيورباخ ومن خلال تبنيهما المادية التاريخية ولعل البيان الشيوعي عام 1848 كان الإعلان عن مبادئ وبرنامج عصبة الشيوعية الكامنة في تجسيد المادية التاريخية من خلال عرض كامل لتاريخ الاستغلال او العلاقة بين الظالم والمظلوم ,وإذا تجاوزنا النقودات للاقتصاديين والاشتراكيين سواء في بؤس الفلسفة او العائلة المقدسة فان ماركس قد اظهر في كتابه رأس المال ممارسة نظرية عالية الأهمية كما هو معروف لدى المهتمين وتوضيحات كل هذه الأمور وغيرها ستأتي في الموضوعات التالية:

الإنسان والطبيعة,
التاريخ لا يبدأ إلا بعد أن تنشا العلاقة بين الإنسان والطبيعة كما يرى ماركس وهي الخطوة الأولى نحو صياغة الممارسة.. لكن أي إنسان وأي طبيعة يريدهما ماركس؟ وما هي طبيعة العلاقة بينهما ؟ وهل هي علاقة ثابتة ام في حالة تطور؟ وكيف قدحت تلك الفكرة عند ماركس ؟؟
الإنسان : الإنسان الذي يريده ماركس هو الإنسان الذي انتجته الطبيعة والذي أصبح بفعل كونه في الطبيعة " مجموعة احتياجات تجد كفايتها في الطبيعة" فيعمل طول حياته وفق هذه النتيجة حيث تتحقق مسيرته المادية , وما يريده ماركس هو الإنسان الذي اصبح في ظل هذه المسيرة المادية التاريخية لاسيما بعد تطور الإنتاج أصبح يعاني الاستلاب ويبغي الحرية فالإنسان هو نشاط وحرية وما يريده ماركس هو الإنسان الذي لم يكن تحقيق حريته الا بالعمل وممارسة النشاط الثوري لان الإنسان حر وانه هو من يصنع حياته وليس الظروف..
وجل رأي ماركس هذا كان قد أعلنه وهو في سياق نقده لإنسان هيجل وفيورباخ , ان فيورباخ لم يعجبه إنسان هيجل الذي جعله ينصهر في الروح او العقل (الوجود الحقيقي الوحيد) لانه –أي فيورباخ- كان يبغي الإنسان الفعلي الواقعي الحسي المطلق وهو ما اعجب ماركس , لكن ماركس باكتشافه البعد المادي الأكثر عمقا ونضجا وهو الطابع الملموس اي التاريخي, الاجتماعي المتشكل من العمل كان قد وجه نقدا لاذعا لفيورباخ فهو اكتشف ان "الإنسان الفيورباخي متصورا خارج كل علاقة اجتماعية وتاريخية, معزولا في عالم لا ابعاد له,فهو ليس سوى التجريد البحت _ هذا فضلا عن ان فيورباخ لما ظن بانه قد نسف العلاقة بين الروح والمادة لدى هيجل من خلال "إدراك الإنسان الروابط الحميمة القائمة بينه كفرد وبين النوع الذي ينتمي اليه ما يجعل العلاقة بين النوع والكائن تغطي تلك العلاقة الهيجلية بين الروح والمادة" - يكون قد اوقع نفسه في فخ التأمل والتجريد قائلا – أي ماركس- "ان النوع الذي يفترض الانتماء اليه لا يجمع البشر الا عبر روابط طبيعية والنوع البشري الذي لا ينتج عن علاقات سياسية واجتماعية بين البشر ليس بدوره سوى ابداع من ابداعات التأمل فالإنسان يظل مجردا طالما انه لا يغوص في تيار التاريخ الذي يحدده بقدر ما يكون هذا التيار محددا من قبله" . فالمهم عند ماركس هو النظر الى الإنسان في ضوء التاريخ الفعلي الواقعي/المادي لأننا هنا سنجد التقييم الحقيقي للإنسان كانسان لاسيما وان الإنسان واعي وحر وانه يعي الخروقات التي تجتاح وجوده وتخترق حريته خلال التاريخ..
الكلام السابق يسحبنا الى سمتين اكتسبهما الإنسان خلال التطور المادي وأصبحتا طبيعيتين فيه بفعل عمله وهما الحرية و الاستلاب/الاغتراب الأولى هي سبيله لتحقيق وجوده وتخليصه من الاغتراب والثانية هي التي تسلبه حق الوجود بسرقة جهده لكن سمته الطبيعية الوعي هي من ينبه الى ضرورة التخلص من الاغتراب وهذا لن يكون الا بالممارسة الثورية وهنا تبدأ المرحلة الحقيقية الأخرى نحو رسم تاريخ الإنسان فهو هنا سيصنع مراحل تاريخه اللاحقة بعمله / ونشاطه بالممارسة الثورية ليتحرر من هذا الاستلاب ..ولاشك ان فكرة الاستلاب/الاغتراب عند هيجل وفيورباخ كانت المنطلق نحو نقد ماركس لها وتثبيت موقف تجاهها , فبنظر ماركس ان فيورباخ هو من انضج هذه الفكرة كونه ركز على مسالة النزول من عالم السماء /الروح عند هيجل نحو الأرض/الإنسان , والمسالة الأخرى هي انه لما حارب فيورباخ الاغتراب كان هيجل قد اثبته على اساس انه جزء مهم لتشكيل الروح المطلق بكل تجلياته سواء الدولة او غيرها فهو برأيه منطقا مقبولا وفقا للعقد التبادلي بين الانسان والملكية يقول هيجل " ان بمقدوري ان لا اتخلى فقط عما املك كما افعل مع شيء خارجي ولكني مجبر منطقيا ايضا على التخلي عنه كممتلك حتى تتحول ارادتي الى وجود موضوعي بالنسبة لي " هذا اذا تجاوزنا معنى الاستلاب الذي يمثله الوعي المريض لفنومنولوجيا الروح والذي يمثل ضياع الذات في الآخر والتنازل عن الوجود وتستمر المسيرة لحين تحقيق الروح لذاته , لقد هزء فيورباخ بكل طروحات هيجل وارد ان يعيد للعالم والإنسان اعتبارهما في الأرض فبدأ من الكينونة وليس من الفكرة ورأى ان الإنسان الملموس هو الذي يشكل الاتحاد الوحيد والحقيقي بين الفكر والكينونة من هنا يكون فيورباخ قد ناضل ضد الاغتراب الفلسفي وضد الاغتراب الديني ,لكن هل هذه نهاية موقف ماركس عن فيورباخ ؟ الجواب كلا لان فيورباخ بعد ان ذكر ماركس بفلسفة هيجل التي تدعو للسخرية كان قد طرح حلولا لا تعجب ماركس ايضا فمد لسان نقده ومن يوقفه ؟
حيث يقول ان نقد فيورباخ على تحطيم الكائن لمصلحة الفكر فيه تناقض واضح " فما فائدة الإعلان عن أسبقية الكينونة عن الفكر اذا ما ظل المرء متوقفا عند الإدراك المحسوس لإسناد تلك الفكرة .. وفصل الكينونة عن الفكر ليس أفضل من فصل الفكر عن الكينونة ففي الحالة الأولى نحرم الكينونة في كل دينامية اما في الحالة الثانية فإننا ننزع عن الفكر كل واقعية " وإذن إذا بحثنا عما هو حقيقي بين الفكر والكينونة فإننا نجده يقول ماركس في الوحدة الحقيقية بين الكينونة والفكر في النشاط الإنساني الملموس الذي يربط النظرية أي النقد بالممارسة أي الجهد الثوري , ومن جهة أخرى يرى ماركس ان نضال فيورباخ ضد الاغتراب الديني الذي ينسب الى الله ما هو من خصائص الجوهر الإنساني حيث يبعد الدين بهذا المعنى الإنسان عن ذاته فيحصل الاغتراب وعليه يجب ارجاع العالم الديني الى أساسه الدنيوي وهو كلام رأى فيه ماركس نقصا لان الديالكتيك الفيورباخي يبقى خارج التاريخ الحقيقي مرة اخرى وانه لكي نكون عمليين ينبغي " فهم هذا الأساس- أي الدنيوي- في تناقضه لكي نثوره عمليا بإزالة هذا التناقض . فما ان يتم على سبيل المثال اكتشاف ان العائلة الدنيوية هي سر العائلة المقدسة حتى يصبح من الضروري القيام بنقد نظري للعائلة الأولى وبالتالي تثويرها عمليا " فالدين بنظر ماركس نتاج اجتماعي• .. لان الكائن الديني ليس كما قال فيورباخ في الاطروحة السادسة ينصهر في الكائن الإنساني فهذا هو بعينه كما يرى ماركس تحديد لدور الإنسان وتاليها له بشكل ينم عن جهل بالعلاقات الاجتماعية وعتق البشرية من التطور التاريخي كونه سيجعل من الإنسان تجريدا ملازما للفرد المنعزل هذا فضلا عن انه لم يتجاوز مادية القرن الثامن عشر ما جعل اهتمامه يرتكز على الوعظ الغيري وعبادة البشر متناسيا الذهاب الى جمع العمل والفلسفة فعليا • .. فالإنسان الذي يريده ماركس وفقا لهذا النقد هو الإنسان الفعلي الذي عليه ان يتخلى عن الدين , عن الإله السماوي (هيجل) وبالتالي ان يتخلى عن ان يؤله نفسه (فيورباخ) , الإنسان الذي عليه ان يؤمن بحريته ونشاطه وعمله والذي يعي حقيقة العلاقة مع الطبيعة وتاريخها المادي والذي يطمح دوما الى الحرية وان يعي ان هذه الحرية ليست الانفلات بقدر ماهي تنسجم مع الضرورة والدراية بمعنى ان ما يقرره الفرد ينم عن قصده وهذا القصد مرتبط بحرية الإرادة ولكن الإنسان الذي ينشىء الظروف يكون احيانا وبفعل تطور الإنتاج رهنا بالظروف الحالية حيث تبدأ الظروف لعبتها في تشكيل الموقف الإنساني لكن هنا يجب التعويل على الوعي الثوري وتنميته لتغيير الظروف سيما اذا فهمنا ان "الفعل الثوري الواعي هو الوحدة العينية بين الضرورة والحرية " فللإنسان إذن القدرة على تثوير الواقع من هنا يمكننا القول انه هو الطرف الأول للمارسة .
ولكن ما هو الطرف الآخر؟ هذا ما سنتعرف عليه في النقطة التالية:

2- الطبيعة :
تقابل الطبيعة عند ماركس الواقع , العالم المادي, والطبيعة التي يقصدها ليست الطبيعة الجامدة الخالية من البشر بل الطبيعة بما فيها من كائنات عضوية اضافة الى غير العضوية وإنها عموما التي تقابل التجربة الإنسانية وانه لما فيها من طابع أنساني ستشهد طابعا ملموسا كونها " تؤلف من الوجهة العملية جزءا من الحياة الإنسانية والفاعلية الإنسانية ...- ولكونها أي الطبيعة طرف مهم في معادلة تحقيق الممارسة شبهها ماركس ب– جسد الإنسان غير العضوي سواء في القدر الذي هي فيه اولا وسيلة عيش مباشر اوهي فيه ثانيا مادة وموضوع وأداة فاعليته الحيوية... – ويقول ايضا- قولنا الإنسان يعيش من الطبيعة معناه ان الطبيعة هي جسده الذي معه يجب ان يقيم حركة تحول دائمة لكي لا يموت والقول ان حياة الإنسان الطبيعية والذهنية مرتبطة ارتباطا لا يقبل الانفصام مع الطبيعة لا يعني شيئا اخر سوى ان الطبيعة مرتبطة ارتباطا لا يقبل الانفصام مع نفسها لان الإنسان جزء من الطبيعة" يوضح هذا النص ارتباط حياة الإنسان بالطبيعة من ناحية ومن ناحية أخرى انه لكي يستمر الإنسان بالحياة عليه ان يوطد علاقته بالطبيعة بإقامته علاقة تحول دائمة معها وهكذا تكون الطبيعة المكان الملائم الذي تصح عليه الممارسة لاسيما وان الأخيرة هي العامل الحاسم لتحويل الطبيعة والتحويل هذا سيرسم للطبيعة تاريخها, ولطالما ان هذا التاريخ صاغته فعالية الإنسان ونشاطه اي ممارسته فانه سيوصف علاقة البشر بالطبيعة بالمادية التاريخية , وهي علاقة موجودة منذ بداية التاريخ أي منذ ان توجه الإنسان البدائي بأدواته البدائية نحو الطبيعة منذ ان كان العمل ليس نتاج عمل بقدر ما هو طبيعة لكن العلاقة توطدت أكثر مع نشاط أنساني فاعل اكثر ممارسة قادر على تحويل الطبيعة بسبب المشاكل والأزمات التي تجتاح هذه العلاقة وتحويل الطبيعة حيث ان المسيرة الإنتاجية ستصل حتما الى الانفصال بين الاثنين لاسيما مع النظام الرأسمالي حيث يبتعد المنتج عن الطبيعة وتظهر الدعوات المنادية بإرجاعهما..
يقول ماركس ان الإنسان "العامل لا يستطيع ان يخلق شيئا بدون الطبيعة ,بدون العالم الخارجي المحسوس – فالطبيعة مع العامل هي – المادة التي فيها يتحقق عمله واقعيا وفي قلبها يمارس وانطلاقا منها وبواسطتها هو ينتج ولكن كما ان الطبيعة تقدم للعمل وسائل العيش بمعنى ان العمل لا يستطيع ان يعيش بدون موضوعات يمارس عليها كذلك فهي تقدم ايضا من جهة اخرى وسائل العيش بالمعنى الضيق ..إذن كلما تملك العامل بعمله العالم الخارجي الطبيعة المحسوسة طرح عن نفسه وسائل العيش :الان ومن وجهة النظر المزدوجة هذه أولا:العالم الخارجي المحسوس يكف اكثر فأكثر عن كونه موضوعا هو ملك لعمله وسيلة عيش لعمله ,ثانيا انه يكف اكثر فأكثر عن كونه وسيلة عيش بالمعنى المباشر وسيلة لمعيشة العامل الطبيعية "
النتيجة ان المادية التاريخية يصنعها طرفان لا يمكن لأحدهما ان يوجد دون الآخر اقصد ( الإنسان + الطبيعة ) الأول هو القائم بالممارسة على الثاني الذي هو مكان تجسد الممارسة. وهذا لا يكون من دون ان يكون للطبيعة استعداد للتحول وان يكون للانسان هدف التحويل فالطبيعة أنتجت الإنسان لكي تتانسن والإنسان من خلال همه في ان يعيش يجد شفاؤه في الطبيعة التي تلبي له احتياجاته ..
الآن لو سألنا ان كان هنالك فرد واحد تجاه الطبيعة هل كان سيتشكل التاريخ المادي ؟ وهل كان للعمل معنى ؟ والتحويل الم تكن فائدته جزئية مرتبطة بالعمر القصير لهذا الفرد الواحد الذي بفنائه ينتفي التاريخ؟ والطبيعة هل ستتجاوب مع هذا الفرد الواحد؟ وهل هنالك معنى للطبيعة الاجتماعية ؟؟ طبعا كلا لان الطبيعة هي مجموعة الظروف الطبيعية والاجتماعية التي تنتج عن المسارات الطبيعية والاجتماعية وهذا يعني انه لابد من وجود المجتمع لتتحقق المعادلة بطرفيها والتي على اساسها ستكتمل بقية المعادلة السابقة وفقا للموضوعات اللاحقة.

الإنسان  المجتمع :
لا يعني المجتمع بنظر ماركس مجموع الأفراد بقدر ما يعني "مجموع العلاقات والشروط التي يوجد فيها هؤلاء الافراد" وهذا يعني مسالتين أساسيتين الأولى ان هنالك آخر علينا ان نقيم علاقة معه والثانية ان هذه العلاقات ستكون كفيلة بتحقيق شرط الحياة وهو تحويل الطبيعة.
لكن كيف نشا المجتمع ؟ أعطى ماركس أهمية قصوى للإنسان في صنع المجتمع لاسيما بعد تطور وعيه فالآخر قد نشا بفعل قصدية وعي الإنسان الذي يطمح الى ان يكون نوعا من جهة وينوي الابتعاد عن خصوصيته نحو الكلية من جهة أخرى ذلك ان الوعي الذي اكتمل باللغة التي تمثل الوعي الفعلي , العملي يظهر بان " الوعي من البداية نتاج اجتماعي وهو يبقى كذلك ما بقي البشر " وقد بدأ الآخر بالظهور أولا من خلال الأسرة المتكونة من الزوجة والأولاد والتي بدورها كونت مشاعر أسرية مختلفة من الحب والكره والغيرة وبوجود الأسر الأخرى نمت مشاعر مجتمعية : التنافس وتبادل المنفعة والتقايض والمساومات ..الخ .. ذلك بسبب نوع العلاقة مع هذا الآخر المنافس المرتبطة بالعمل ما جعل التاريخ يتخذ صورة اخرى فهي بعد ان كانت تتمثل بعلاقة الإنسان بالطبيعة تطورت نحو علاقة الإنسان مع الآخرين ونوع الإنسان تطور بفعل العلاقات المجتمعية أي العلاقات مع الآخرين والواسطة هي العمل ما يجعلنا امام تاريخ اتخذ وفقا للنتيجة الأخيرة صورة نمو القوى المنتجة التي شكلت بنظر ماركس وقائع التاريخ الحقيقية• حيث تاريخ البشرية قد عولج بعلاقته بتاريخ الصناعة والمبادلة وهنا تظهر معوقات الوجود الإنساني كوجود حر بفعل معوقات العمل كالملكية الخاصة والاستلاب ..الخ ولكن متى يرجع الإنسان رجوعا كاملا لذاته؟ يجيب ماركس مع الشيوعية.
الكلام السابق يظهر تلميحا الى دور الممارسة الأساسي في صنع المجتمع وتحولاته تاريخيا كيف لا وان ماركس نفسه قد اعترف في الاطروحة الثامنة بذلك قائلا " الحياة الاجتماعية في جوهرها عملية وان جميع الأسرار التي تنحرف بالنظرية في اتجاه الصوفية تجد حلها العقلاني في الممارسة الإنسانية وفي فهم هذه الممارسة" .هذا فضلا عن الاطروحة الثالثة التي اعتبرت المادية التي تجعل الناس نتاج الظروف والتربية هي ممارسة هدامة لان المذهب المادي الحقيقي بالنسبة له وان الممارسة البناءة هي التي ترى " ان الناس هم بالضبط الذين يبدلون الظروف "
يعلن المجتمع اذن عن الممارسة من خلال العمل فالمجتمع هو مجال تحقق العمل طالما ان الناس لا يستطيعون العيش من دون مأكل وملبس ومسكن ..الخ التي من اجلها عليهم ان يعملوا فالعمل هو اساس الحياة الاجتماعية, وانه بتطور الوعي الإنساني وتفاقم مشاعر الاستثمار يصبح العمل / الإنتاج محور مسيرة دراسة التاريخ بمشاكله وقيمه الاقتصادية الجديدة .. وتفصيلات هذا الموضوع تطرح لنا مفاهيم فرعية جديدة يمكن ترتيبها كالتالي:
يقترح ماركس عبارة أسلوب / نمط الإنتاج لوصف شكل اجتماعي محدد فالعمل الذي يريده لدراسة اقتصاد الإنتاج لا يعني بطبيعة منتوج العمل ولا المحتوى المادي له بقدر ما يتعلق بالشكل الاجتماعي المعين أي علاقات الإنتاج التي يتم العمل فيها فعليا وان أسلوب الإنتاج هذا يحدده طرفان أساسيان هما 1- قوى الإنتاج 2- علاقات الإنتاج.
- قوى الإنتاج تتمثل في وسائل الإنتاج التي صنعها المجتمع والتي تتشكل من أدوات الإنتاج والناس الذين أنتجوا الأدوات..
- علاقات الإنتاج وهي تمثل علاقات الناس فيما بينهم من اجل الإنتاج ونلحظ هنا ارتباطا لا يمكن فصله بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج لصنع الإنتاج ..
ان روابط العمل هذه كان قد دخلها الناس منذ المجتمع البدائي حيث النشاط البشري هو نشاط الأفراد من البشر واعين متفردين عن المجموع لكن في ظل شروط تاريخية معينة " فان نشاط الافراد تحول بالضرورة من علاقات شخصية الى علاقات طبقية تكون العلاقات الشخصية خاضعة لها , علاوة على ذلك فان هذا يجعل من العلاقات مستقلة عن الأفراد الفاعلين " .
وقد وجد ماركس ان هذه الحالات المستجدة تنشط مع تطور عنصرين آخرين لعبا دورا مهما في نشوء علاقات عمل متنوعة الأول هو تقسيم العمل حيث تنشا علاقات بين فئتين مختلفتين من البشر :مزارعين وحرفيين , حرفيين وتجار ..الخ وان هذه المراحل المختلفة لتطور تقسيم العمل تمثل بالضبط أشكالا مختلفة للملكية أي ان كل مرحلة جديدة لتقسيم العمل تحدد علاقات الافراد فيما بينهم بخصوص مادة العمل وأدواته ومنتجاته , اذن الثاني هو أشكال الملكية التي تحدد أوضاع الجماعات الاجتماعية المختلفة في الإنتاج هل هي مسيطرة أم خاضعة وأول اشكال الملكية هو ملكية القبيلة ثم الملكية المشاعة وملكية الدولة , الملكية الاقطاعية , ..الخ .
ويرجع ماركس هذين العنصرين إلى الأسرة نواة المجتمع الأولى فتقسيم العمل الطبيعي في "الأسرة وانفصال المجتمع إلى اسر مفردة ومتعارضة يتضمن بصورة متواقتة توزيع العمل ومنتجاته وهو توزيع غير متكافئ كميا وكيفيا على حد سواء وبالتالي فانه يتضمن الملكية التي تقوم نواتها , شكلها الأول في الأسرة حيث الزوجة والأولاد عبيد الرجل . إن هذه العبودية بالرغم من أنها بدائية وكامنة في الأسرة هي الملكية الأولى لكنها تقابل على أكمل وجه .. تعريف الاقتصاديين المحدثين الذين يسمونها القدرة على التصرف بقوة عمل الآخرين _ وقد جعل ماركس – تقسيم العمل والملكية الخاصة تعبيران متماثلان يعبر الأول فيما يتعلق بالنشاط عما يعبر الثاني عنه فيما يتعلق بنتاج هذا النشاط " وهذا يؤشر الى تسمية طبقة بعينها من خلال اسلوب إنتاجها. فالتفاعل بين القوى المنتجة وعلاقات الإنتاج دائم فكل منهما يحدد الآخر ما يولد احتياجات ووسائل لإرضائها فمثلا " مستوى معين من القوى المنتجة قد ولد العلاقة الاجتماعية للملكية الخاصة التي وفرت بذاتها الشروط من اجل تقدم جديد في وسائل الإنتاج" هذا الكلام يشير الى ان طبيعة الإنتاج وتقسيم العمل يؤدي الى نشؤ طبقة تتسم بسمات لا تميزها عن غيرها من الطبقات الاجتماعية فقط بل تتصارع معها..
ان التصارع الذي أشير اليه ينشط بسبب ان أسلوب الإنتاج يؤسس لبنية تحتية تظهر تناقض" بين المصلحة الفردية والمصلحة الجماعية ما يدفع المصلحة الجماعية لان تتخذ شكلا مستقلا على اعتبارها الدولة وهو شكل منفصل عن المصالح الفعلية للفرد والجماعة " وبه ستحدد وتعلن بنى فوقية متمثلة بمكونات اجتماعية للوعي متمثلة بمؤسسات إيديولوجية و أخلاقية سياسية كانت متمثلة بأجهزة القمع او المجتمع المدني وثقافية متمثلة بالفنون والثقافة والدين وغيرها مشكلة إيديولوجية تمثل التوجه الفكري للطبقة السائدة ولا شك ان الأمر مرهون بالطابع الاقتصادي فمن يحتكرون المناصب العليا هم محتكرو وسائل الإنتاج وملكيتها وانهم كمالكين يتناقلوا المناصب القيادية مستبعدين من هو غير مالك للإنتاج وهو امر يعلن عن استحداث الطبقات الاجتماعية التي تناهض الاستغلال وتطالب بالحرية والتخلص من الاستلاب عن طريق الثورة وهو شكل للمارسة تطبيقي يسير بالتاريخ سيرا اجتماعيا نحو طبقة يصبح فيها الجميع متساوين وقد توصل ماركس الى هذا نتيجة معاصرته لطبقتين متعاديتين ابتعلتا الطبقة الوسطى وهما: البرجوازية والعاملة .. وقد استنتج من هذه النتيجة أمران: الأول, هو ان هذا الصراع يتسم بشموله لكافة مراحل التاريخ والثاني, هو ان لهذا الصراع نهاية مع الشيوعية..
يقول " ان تاريخ أي مجتمع حتى الآن هو ليس سوى تاريخ صراعات طبقية حر وعبد, نبيل وعامي .. وبكلمة ظالمون ومظلومون خاضوا حربا متواصلة , حربا كانت تنتهي في كل مرة اما بتحول ثوري للمجتمع كله او بهلاك كلتا الطبقتين المتصارعتين " ورأى ان حل الأزمات التي تنتاب البرجوازية وصراعها مع الطبقات العاملة المستلب جهدها يجب ان يكون ثوري يعول على ثورة العمال , الثورة الشيوعية والتي معها تعمل الممارسة عملها الجاد بالتحويل الاجتماعي فهي ليست كما يقول ماركس "أوضاعا ينبغي إقامتها او مثلا اعلى ينبغي للواقع ان يتطابق معه –يقول- اننا ندعو الشيوعية الحركة الواقعية التي تلغي الأوضاع القائمة حاليا وان شروط هذه الحركة تنتج عن المقدمات الموجودة في الوقت الحاضر" في هذا النص يمكن استنتاج تلميحا الى ان الشيوعية ليست حتمية إلا اذا كانت هنالك اوضاعا تستدعيها ومقدمات تستوجبها ومن ناحية اخرى نلمح ان للشيوعية بعد عملي فهي حركة واقعية تتطلب ممارسة ثورية .
وقد اعتبر ماركس الثورة الشيوعية هي بمثابة القطيعة الأكثر جذرية مع علاقات الملكية المتوارثة والأفكار المتوارثة لان "الشيوعي بالنسبة للمادي العملي هو تثوير العالم القائم ومهاجمة الأوضاع القائمة كما يصادفها وتحولها عمليا " وهذا لا يتم إلا بخطوات تدريجية تبدأ من ترفيع البروليتارية في طبقة سائدة من خلال ثورة العمال حيث تبدأ البروليتاريا بانتزاع رأس المال تدريجيا من البرجوازية وتمركز أدوات الإنتاج كلها في أيدي الدولة أي البروليتارية المنظمة في طبقة وما ان تختفي الفوارق الطبقية في سياق التطور وما ان يتجمع الانتاج كله في أيدي الأفراد المتشاركين حتى تفقد السلطة العامة طابعها السياسي وتبدأ بإلغاء علاقات الإنتاج القديمة بالعنف عندئذ ستلغي أسباب وجود التناحر الطبقي وتلغي بالتالي الطبقات العامة , تلغي سيطرتها الخاصة كطبقة وعلى أنقاض المجتمع البرجوازي القديم بطبقاته وتناقضاته الطبقية يحل مجتمع جديد تكون فيه حرية التطور والتقدم لكل عضو شرطا لحرية التطور والتقدم لجميع الاعضاء وفي ظل هكذا مجتمع اذن تنتفي المؤسسات وينتفي الصراع فهو مجتمع اللامؤسسات واللاصراع .
مما سبق نجد انفسنا إزاء علاقات متنوعة مع الطبيعة تخللت تاريخ نمو الإنتاج وتطوره ويمكن حصرها بثلاثة أنواع الأولى , حيث "حياة ونشاط الإنسان تعتمدان على الطبيعة , لذا لا يمكن تمييزهما عن العمليات العضوية اذ يتكيف البشر مع الشروط والظروف ويخضعون معا الى الطبيعة , اما النوع الثاني , فان الأفراد الفاعلين يخضعون لمنتجات عملهم ونشاطهم الخاص المتوقف عليهم وبرغم تنامي سلطان الإنسان على الطبيعة الا ان الإنسان الفرد خاضع للسلطان المتنامي لمنتوجاته الخاصة . ويتصف النوع الثالث بالشيوعية أي تحول العمل الى .. نشاط حر غير خاضع للعلاقات الطبقية . وهذا يجعلنا نلحظ الطابع النسبي للتاريخ مقابل الإطلاق الهيجلي فهو نسبي بمعنى الطابع التاريخي العابر الذي تمثله المادية التاريخية وبمعنى الممارسة التي اجتاحت كل شيء ناهية كل ما هو مطلق وثابت ومقدس لأنها متعلقة بالإنسان وبالمجتمع اللذان لا تكون إرادتهما مطلقة كونها مرهونة بالظروف المتغيرة فهي غير ثابتة وغير مطلقة وحتى الإطلاق الذي يعزى لماركس القائم على إطلاق إحلال الشيوعية في النهاية نجده نسبي ايضا لان ماركس رهنه بمقدمات وشروط عديدة في حال عدم توافرها لا يمكن ان نصل اليه .
ولكن السؤال الآن ونحن نبحث في الممارسة وقد قصدنا منذ البدء انها العمل والنشاط الفعلي الواقعي التطبيقي الذي يبغي تحويل الطبيعة نقول في ظل هكذا واقع اين نضع النظري ؟ هل يوجد مجال للنظري ؟
ان مقدمة ماركس حول نشؤ الإنسان من الطبيعة تبرز لنا بداية الجواب فقوله ان" الفكر والوجود هما بالتأكيد متمايزان ولكنهما في الوقت نفسه يشكلان معا وحدة " يشير الى عدة أمور الأول إقراره بمفهوم الفكر والثاني ان الفكر نابع من الطبيعة لذا فهما في وحدة والثالث انه بفعل وسائل الإنتاج والملكية حدث انفصال بين الاثنين واخيرا ان هنالك حل لعودة وحدتهما معا هذا من جهة ومن جهة اخرى ان ماركس قد عاد الى التجريبية لا بمعناها المعروف عند التجريبيين بل التجربة بمعنى الممارسة التي تتحقق من شيء ,السؤال أي شيء هذا ؟ الجواب هو التحقق من الفكر فبدءا لما كف "التاريخ عن ان يكون مجموعة من الحقائق لا حياة فيها كما هو الحال عند التجريبيين فانه -أي التاريخ – قد اصبح يهتم بالبشر في عملية تطورهم الواقعية في شروط معينة وهو تطور مرئي تجريبي " فاذن نحن امام حيز تجريبي تظهر اهميته في الاختبار, ولما كان الاختبار عند ماركس ليس شيئا معولا عليه لان يحيلنا الى شيء عقلي ينبغي اختباره في حين اننا امام واقع فعلي هو يصنع الظروف واختباره يتم من تلقاء نفسه بصيرورته المادية التاريخية , فما يريده ماركس من التحقق والاختبار هو تحقق من الفكر الذي يشتق من الواقع حيث تجليه في الواقع هو عملية التحقق منه فالتحقق من الفكر يكون بالممارسة يقول في الاطروحة الثانية " ان مسالة ما اذا كان يمكن ان تنسب حقيقة موضوعية الى الفكر البشري ليست مسالة نظرية بل عملية . فالإنسان يجب ان يثبت في الممارسة حقيقة فكره يعني واقعية هذا الفكر وقوته في هذا العالم والعصر " اذن الممارسة هي الشأن الوحيد للتحقق من الفكر المشتق ايضا من الممارسة..
وبعيدا عن هذا قد نلحظ التدرج في خطوات ماركس نحو النظرية بسبب طبيعة الدراسة التي يريدها فعلى الرغم من انه قد استخدم مفهوم الممارسة علانية في اطروحاته حول فيورباخ كان قد مارسه ضمنا في الإيديولوجية الألمانية والمخطوطات والبيان الشيوعي كونه استخدم مفاهيم نضال الطبقات والانتاج بديلا عنه , لكن لما اقتضت حاجة بحثه الاقتصادي الى الاستعانة بالاقتصاد الكلاسيكي واستنتاج تداعياته من اجل اقامة المقارنات والدراسات التي تفصل بكل مفاصل الاقتصاد احتاج الى ممارسة تنظيرية وهذا ينطبق بشكل واضح على كتابه رأس المال الذي "لم يكن الا عمل فكري مشتق من الأحداث التاريخية الفعلية حيث يمكن ملاحظة بقاء العمل النظري في تماس مع حقائق الواقع التاريخي" وواضح هنا ان ماركس قد ذهب الى المجرد لضرورة اقتضتها طبيعة كتاباته عن الاقتصاد فهو رغم إعطائه الأولوية للمشخص على المجرد مقتديا بفيورباخ بخلاف هيجل الذي جعل الواقع تابع للروح او الفكر spirit لكنه –أي ماركس- اوضح انه بالإمكان استخدام المجرد احيانا لاسيما في الابحاث العلمية ورأس المال هو بحث علمي اقتضى تأليفه الانطلاق "من الكيانات المجردة التي انتجها الاقتصاد السياسي الكلاسيكي ومن التحديدات الاكثر بساطة كالسلطة او النقد بحيث يحلل الكتاب الأول المسار الرأسمالي للإنتاج في شكله الخالص ويمكن عرض مسار التداول في الكتاب الثاني ثم عرض علاقات الإنتاج الرأسمالية في الكتاب الثالث من فهم نمط الإنتاج الرأسمالي فيما بعد ككلية فكرية او مشخص فكري" . ولعل عبارة مشخص فكري تشير الى ان ماركس يؤمن بالمشخص وان استدعاء المجرد هو من اجل المشخص . واكثر من هذا استخدم ماركس مفهوم العمل الملموس الذي يقابل العمل المجرد في ابحاثه الاقتصادية الفكرية التي تستدعي التجريد فالعمل الملموس هو النافع"الذي يعني قيمة استعماليه خاصة وهو يفترض مادة وتقنية وادوات خاصة ..اما العمل المجرد فهو يوافق باعتباره اساس قيمة. ما هو مشترك بين كل الأنشطة المنتجة أي إنفاق قوة بشرية , ان كل عمل هو من جهة إنفاق بالمعنى الفسيولوجي لقوة بشرية وهو يكون بصفته عملا بشريا متساويا ,قيمة البضائع. ومن جهة اخرى فان كل عمل هو انفاق للقوة البشرية في هذا الشكل المنتج او ذاك المحدد بهدف خاص.وهو ينتج بصفته عملا ملموسا ونافعا , قيمة استعمالية او منافع " ..
مما سبق الا يبدو ان ماركس قد بث الحياة في الجانب النظري لانه وان كان يريد ان يبحث الانقسام الداخلي الحاصل داخل الإنسانية لكنه سواء عن قصد او عن غير قصد قد ادخل نوعا عقليا خفيا في برنامجه الفلسفي الفعلي ,في ممارسته الفلسفية في الصراع بين الطبقات بسبب انتاج الثروات وتداعياته" ...لان طبيعة الواقع الفعلي تقتضي العمل الفكري لتدوينه بالمقارنات والنقود للاقتصاديات والاشتراكيات والفلسفات الكلاسيكية .
وهناك من جهة اخرى صورة تجسد الفكر يطرحها ماركس كونها تشكل جزءا مهما في مسيرة المادية التاريخية لاسيما في مرحلة البرجوازية حيث تنشا صورة للفكر واضحة كون الفكر هنا يكون منفصلا عن الواقع وبه سيحقق ملامحه الخاصة ومعالمه الواضحة الا انه فكر فاسد لأنه مرتبط بالطبقة السائدة وان الطبقة السائدة لطالما كان هدفها فرض فكرها على الآخرين كطبقة مسيطرة يقول " ان افكار الطبقة السائدة هي في كل عصر الأفكار السائدة ايضا , يعني ان الطبقة التي هي القوة المادية السائدة في المجتمع هي في الوقت ذاته القوة الفكرية السائدة . ان الطبقة التي تتصرف بوسائط الإنتاج المادي تملك في الوقت ذاته الاشراف على وسائط الإنتاج الفكري بحيث ان افكار أولئك الذين يفتقرون الى وسائط الإنتاج الذهني تخضع من جراء ذلك لهذه الطبقة السائدة. وليست الأفكار السائدة شيئا آخر سوى التعبير المثالي عن العلاقات التي تجعل الطبقة سائدة وبكلام آخر هي افكار سيطرتها " .. وهو كلام يشير الى تقسيم للعمل جديد يضع الطبقة العاملة في اغتراب متعاظم مع الطبقة المسيطرة كونه سيقسم العمل : الى عمل فكري وعمل مادي بمعنى انه سيفرز نوعين من الأفراد داخل الطبقة الواحدة افراد" هم مفكرو الطبقة (إيديولوجيوها الفعالون القادرون على التصور الذين يجعلون من إعداد وهم الطبقة عن ذاتها المصدر الرئيسي لمعيشتهم), بينما موقف الآخرين حيال هذه الأفكار والأوهام موقف اشد انفعالية واعظم استقبالا لأنهم اعضاء هذه الطبقة النشيطون ووقتهم اقل اتساعا من اجل صنع الأوهام والأفكار عن انفسهم " اذن هنالك افراد يفكرون وآخرون لا يفكرون لان هنالك من يفكر عنهم ودورهم هو العمل فقط لزيادة رأسمال الطبقة المفكرة ولاشك ان العمل الذهني سيتطور باتجاه رأس المال ويتعارض مع العمال, لكن وبكون الانسان كما عرفناه واعي وحر فان استمرار هذه الحالة سيؤدي الى عداء وتعارض حالما يعي العمال ان هذه الأفكار السائدة هي ليست افكار الطبقة السائدة الأمر الذي تستتبعه خطوة منطقية في ظل فلسفة ماركس وهي نمو الأفكار والوعي الثوري وهو امر يفترض مسبقا ان هنالك طبقة ثورية آتية وفي ظل هذه الطبقة ينتفي تقسيم الأفراد على اساس فكري ومادي حيث سيكون المادي هو الفكري والفكري هو المادي حيث سيتحقق الاتحاد الوثيق بين الفكر والعمل لانه سوف لن يكون ضروري تمثيل مصلحة عامة وان السيادة الطبقية ستكف عن ان تكون شكل نظام اجتماعي سائد وهنا ستكتمل نظرية المادية التاريخية لتعبر عنها الحركة الفعلية التي تقوم بها طبقة العمال اي الشيوعية وهنا تتم الممارسة عن وعي فبعد ان كانت قوانين الممارسة الاجتماعية غريبة عنهم فأنهم في المرحلة الشيوعية يطبقوها عن وعي منهم ومن ثم يتحكمون بها بحرية فهي فعلهم الحر لا يفرضها عليهم التاريخ وهنا ستكون بدء لحظة صناعة البشر لتاريخهم بوعيهم التام فليس هنالك من يسرق جهدهم وليس من هو مستلب حقهم لانه ليس هنالك مجتمع مدني وليس هنالك طبقات اذن لا عداء ولا صراع ولا سلطة سياسية ولا قانونية وهذا الزوال سيجعل " الاقتصاد ممارسة اجتماعية توتاليتارية متضمنة كل أشكال النشاط الاجتماعي .فتشكل القوى المنتجة ووحدتها وتحويلها هي النتائج المباشرة لنشاط البشر " .
النتيجة, الممارسة هي اساس كل شيء في الحياة , فهي العمل والتطبيق, العمل متشكلا حسب العلاقة بين الإنسان والطبيعة /العالم حيث تتنوع حسب تنوع وسائل الإنتاج والملكيات , والتطبيق بان تكون المادية التاريخية على تماس مع الأحداث خلال مسيرة المجتمعات وطبقاتها ووفق شروط ومقدمات يصنعها الأفراد لتلاءم تحقيق نهاية المادية التاريخية , ويبدو من هذه الصورة للممارسة وكأنما العالم يسير وفق منطق هو منطق مادي حيث الممارسة تكمن في كل شيء في العالم المادي وكأنما هي قاعدة العالم الذي يشكله طرفاه الإنسان والطبيعة .
أخيرا, إن كلمة التطبيق يمكن استخدامها خارج مفهوم ماركس أي مع الماركسيين الذين حاولوا تطبيق برنامج ماركس ومبادئه ومنهجه الفلسفي او بالأحرى فلسفته المادية التاريخية..
لقد ولع الكثير من المفكرين بطروحات ماركس ونقطة جذبه المتمثلة بالفلسفة حول الواقع الفعلي الذي يشكل الإنسان نصفه الآخر ونقطة جذبه الأخرى المتمثلة بوعي مشاكل وجود الإنسان وأهمية تحرره أو بالأحرى إعادة اعتباره للممارسة فجاءت طروحاتهم مرددة لما أراده ماركس لكن بتحويرات استوجبتها الظروف المستجدة المعاصرة لهم ما اضطرهم الى ان يقوموا بتحويرات في نظرية ماركس واحيانا يخرجوها عن سياقها الأمر الذي دعا الآخرين الى العودة لنصوص ماركس وقراءتها كما هي بدل قراءة دراسات المفكرين لها ..
وفضلا عما لعبه تطبيق نظرية ماركس – ولسنا معنيين بفشلها او نجاحها هنا لأنها تتطلب بحثا منفردا- سواء في روسيا , الصين ,كوبا .. الخ .. فان مفهوم الممارسة قد لعب دورا كبيرا مع الماركسيين متفقين انه هو من يؤدي بالبروليتارية الى الغاية الموضوعية لتطور التاريخ المادي "فلوكاش جعل ممارسة البروليتاريا هي التي تقرر ضمن اعتبارات معينة تحويل الواقع وقد شدد على ذلك غرامشي ايضا لكن مع تركيزه على الوحدة بين الممارسة والفلسفة فكل ممارسة برأيه تحمل في داخلها فلسفة من حيث هي نظرة الى العالم تنطوي عليها القواعد التي تنتظم أشكال السلوك البشري غير ان نظرية لا تتحول الى واقع تاريخي ولا تكون قاعدة للسلوك الجماعي هي ليست صادقة في نهاية الأمر" ..





• - هي إحدى عشرة اطروحة أو فرض حول فيورباخ صاغها ماركس في بروكسل عام 1845 ونشرها انجلز عام 1898 في نهاية كتابه" لودفيغ فيورباخ ونهاية الفلسفة الكلاسيكية الألمانية" ووضعت أيضا ضمن ترجمة الإيديولوجية الألمانية العربية بالإضافة إلى دراسات ماركسية أخرى ككتاب لودفيغ فيورباخ لهنري افرون .
-ماركس ,كارل وفردريك انجلز الإيديولوجية الألمانية ت:د.فؤاد أيوب - دار دمشق للطباعة والنشر – دمشق1976 ص653
- زلني, يندريش منطق ماركس ترجمة:ثامر الصفار مركز الأبحاث والدراسات الاشتراكية-دمشق ط1 1990 ص224
- للمزيد الإيديولوجية الألمانية ص 74
• ان اختيار عبارة المنطق المادي هو بسبب ان الممارسة بفعل العلاقة بين الإنسان والطبيعة تشكل مقدمات لتأتي النتائج على أساسها مشكلة مرحلة اكثر تقدما لهذه العلاقة هذا من جهة ومن جهة أخرى إننا مع فلسفة ماركس يبدو وكأننا أمام عالم متشكل من الممارسة وكأن هنالك قاعدة مادية متشكل عليها العالم والدليل ان كل حادثة بالإمكان تفسيرها ماديا .. كما لو ان العالم المادي انتظم على ان تكون الممارسة جزءا منه طالما كان الإنسان على قيد الحياة .
- راجع ماركس , كارل مخطوطات – الاقتصاد السياسي والفلسفة - 1844 / ترجمة الياس مرقص /منشورات وزارة الثقافة – دمشق 1970 ص268-269
- افرون, هنري لودفيج فيورباخ ( الاطروحة الأولى لماركس عن فيورباخ) ت: ابراهيم العريس المؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت – ط1 1981 ص 121
- توشار تاريخ الفكر السياسي ص488
- افرون المصدر السابق ص 3
- المصدر السابق ص47
- سوسان , جيرار بن وجورج لابيكا معجم الماركسية النقدي دار الفارابي-بيروت ط1 2003 ص 101
- افرون لودفج فيورباخ ص46
- افرون لودفيج فيورباخ ص 123
• - راجع الاطروحتين السادسة والسابعة ضمن كتاب الإيديولوجية الألمانية وكتاب افرون عن فيورباخ مصدر سابق وايضا كتاب فردريك انجلز لودفيج فيورباخ ونهاية الفلسفة الألمانية الكلاسيكية ت: جورج استور من منشورات الفكر الجديد
• -توشار,جان واخرون تاريخ الفكر السياسي ت: د. علي مقلد الدار العالمية-بيروت 1987 ص463-464
- المعجم النقدي للماركسية ص 595
- ماركس مخطوطات ص 177-178
ماركس مخطوطات ص 173
-معجم الماركسية النقدي ص 190
- الايديولوجية الالمانية ص 39
- راجع الايديولوجية الالمانية ص 38
• -لم ينسى ماركس الأحداث الأخرى التي تشكل التاريخ كالثقافة وغيرها.
- للمزيد راجع مخطوطات ص213
-راجع الايديولوجيا الالمانية ص653 ولودفيج فيورباخ لانجلز ص 114
- ماركس ضمن كتاب انجلز لودفيج فيورباخ ص112
- زلني منطق ماركس ص235
راجع الايديولوجية الالمانية ص26
-الأيديولوجية الألمانية ص41
- توشار تاريخ الفكر السياسي ص 490
- الايديولوجية الالمانية ص 42
- ماركس, كارل البيان الشيوعي من موقع الحوار المتمدن ص2
- الايديولوجيا الالمانية ص 44
- الايديولوجية الالمانية ص 34
- انظر ماركس البيان الشيوعي ص 13
-زلني منطق ماركس ص236
- مخطوطات ص 216
الايديولوجية الالمانية ص 31
- الايديولوجية الالمانية ص 651
- للمزيد راجع زلني منطق ماركس ص 60

- سوسان معجم الماركسية النقدي ص1197

-معجم الماركسية النقدي ص948
-برييه, اميل اتجاهات في الفلسفة المعاصرة ت: محمود قاسم - دار الكشاف -مصر 1998 ص101
-الايديولوجية الالمانية ص56
- الايديولوجية الالمانية ص 56
- معجم الماركسية النقدي ص811
- راجع معجم الماركسية النقدي ص252



#افراح_لطفي_عبد_الله (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شذرات عن فلسفة الدكتور حسام محي الدين الالوسي


المزيد.....




- الحرس الثوري يُهدد بتغيير -العقيدة النووية- في هذه الحالة.. ...
- شاهد كيف تحولت رحلة فلسطينيين لشمال غزة إلى كابوس
- -سرايا القدس- تعلن سيطرتها على مسيرة إسرائيلية من نوع -DGI M ...
- تقرير للمخابرات العسكرية السوفيتية يكشف عن إحباط تمرد للقومي ...
- حرب غزة: لماذا لم يطرأ أي تحسن على الأوضاع الإنسانية للغزيين ...
- كيف تُقرأ زيارة رئيس الوزراء العراقي لواشنطن؟
- الكرملين: الدعم الأمريكي لكييف لن يغير من وضع الجيش الأوكران ...
- مسؤول إيراني: منشآتنا النووية محمية بالكامل ومستعدون لمواجهة ...
- بريطانيا توسع قائمة عقوباتها على إيران بإضافة 13 بندا جديدا ...
- بوغدانوف يؤكد لسفيرة إسرائيل ضرورة أن يتحلى الجميع بضبط النف ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - افراح لطفي عبد الله - فلسفة الممارسة