أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - جواد بشارة - حقوق الانسان بين مفهومها النظري وتطبيقاتها العملية - القفز علي النسبية الثقافية يعوق حوار الحضارات















المزيد.....

حقوق الانسان بين مفهومها النظري وتطبيقاتها العملية - القفز علي النسبية الثقافية يعوق حوار الحضارات


جواد بشارة
كاتب ومحلل سياسي وباحث علمي في مجال الكوسمولوجيا وناقد سينمائي وإعلامي

(Bashara Jawad)


الحوار المتمدن-العدد: 204 - 2002 / 7 / 29 - 02:36
المحور: حقوق الانسان
    


 

 

قبل عشر سنوات خرج صاموئيل هنتنغتون بمقولة (صدام الحضارات) والتي قال فيها إن ما ستتمخض عنه نهاية الحرب الباردة هو ظهور خطوط تماس ومواجهة جديدة لن تكون عسكرية بقدر ما ستكون ثقافية ــ حضارية سينتج عنها (تصادم بين الحضارات)، وقد قسّم هنتنغتون محاور الصراع المقبلة إلي خمسة أو ستة مناطق أو كتل جيو ــ استراتيجية كبري تتعايش في ما بينها أحياناً لكنها لا تلتقي لأنها لات متلك قيماً مشتركة في ما بينها. ويتمخض عن وجهة النظر هذه نتيجتان: فمن جهة أدت النتيجة الأولي إلي حدوث هجمات الحادي من أيلول (سبتمبر) الانتحارية والرد الأمريكي سيكون لا محالة بمثابة بداية للصراع المسلح بين (الغرب)، وطليعته أمريكا، وبين (الإسلام)، وأحد رموزه أفغانستان في الوقت الحاضر، ومن جهة أخري فإن مفهوم (حقوق الإنسان) الذي يضفي عليه الغربيون طابعاً شمولياً وعالمياً لن يكون في نظر الكتل الأخري ــ وخاصة التكتل الإسلامي ــ سوي تعبير عن الثقافة الغربية، ولا يمكن تطبيقه علي من لا يتبني نصوصه.

إن الذي يرفض هنتنغتون رؤيته هو إمكانية وجود حضارة عالمية شاملة ذات قيم كونية شاملة لاتتعارض مع القيم الحضارية الأخري التي تتبناها وتمارسها الأديان والشعوب المختلفة كما قال ذلك الحاصل علي جائزة نوبل للآداب نيبول في مقاله (الحضارة الكونية) وهو هندي الأصل ونشأ وترعرع في ترينداد وكتب في مقاله المذكور إن القيم الغربية ليس فقط تهم جميع الثقافات فحسب، بل إنه يدين بشهرته ونجاحه لكونه تخطي كافة الحواجز المزعومة التي وضعها أمثال هنتغنتون بين الحضارات.

وبعبارة أوسع وأوضح فإن الشمولية أو العالمية ممكنة لأن المحرك الأساسي للتاريخ الإنساني ولتطور العالم ليس التعدد الثقافي بل السعي نحو التقدم والعصرنة والتحديث الذي يتجسد في الديمقراطيات الليبرالية واقتصاد السوق. فالصراع الحالي لا يمثل (تصادماً) بين الحضارات بالمعني الذي أريد له أن يُشاع وينتشر أي بخصوص تقسيم العالم إلي مناطق وكتل ثقافية متباينة تحظي بالأهمية نفسها تقريبا، أنه في حقيقة الأمر ليس أكثر من معركة تلفظ أنفاسها الأخيرة للحراس القدامي للهيكل الحضاري المتقادم والذين يشعرون بتهديد الحداثة والعصرنة لهم ولمكاسبهم ويخشون من الأبعاد الأخلاقية لمبادئ حقوق الإنسان التي تحظي بقبول كافة شعوب الأرض.

ومن الناحية العملية فإن جميع الحقوق الموجودة والمكتسبة عبر التاريخ تستند إلي إحدي السلطات الثلاث المتمثلة بـ: (الله، والإنسان، والطبيعة). فمنذ بداية عصر الأنوار، كانت فكرة (أن المصدر الأساسي والرئيسي للحقوق والقوانين والتشريعات هو الله وأديانه السماوية ورجال الدين)، فكرة مرفوضة في الغرب.الخطاب الثاني حول الحكومة والحكم لجون لوك بدأ بهجوم مطول ضد شرعية الحكم السماوي أو الحكم الإلهي الذي دافع عنه روبير فيلمر، بعبارة أخري فإن الطابع العلماني للمفهوم الغربي للحقوق هو الأساس في التقليد الليبرالي.

واليوم يبدو هذا الخلاف هو الخط الفاصل بين الإسلام والغرب فهناك الكثير من المسلمين يرفضون فكرة الدولة العلمانية المنفصلة عن الدين ولكن قبل الإنسياق وراء أطروحة (الصدام الحتمي بين الحضارات) علينا أن نفهم لماذا تطورت الليبرالية العلمانية المعاصرة أولاً في الغرب. فليس مصادفة إنتشار الأفكار الليبرالية في القرن السادس عشر والقرن السابع عشر في فترة كان المسيحيون يخوضون صراعاً دامياً بينهم في أوروبا مما عكس عجزهم علي الحكم بالاستناد إلي وفاق ديني بينهم فتحرك مفكرون مثل هوبز ولوك ومونتسكيو إزاء البشاعات والفظائع والوحشية المرتكبة مثل حرب الثلاثين عاماً لإدانتها وقالوا انه من أجل ضمان السلام المدني لابد من فصل الدين عن السياسة.

يواجه الإسلام في الوقت الحاضر تحدياً وخياراً مشابهاً كما يعتقد بعض المثقفين الغربيين. فالجهود المبذولة من قبل بعض الحكومات والحركات والأحزاب والجماعات الإسلامية للجمع بين الدين والسياسة وممارسة هذه الأخيرة باسم الإسلام تثير الإنقسام بين المسلمين كما سبق أن أحدثت الإنقسامات بين المسيحيين في أوروبا في القرون المنصرمة. فرجال السياسة اليوم في الغرب محقون وهم حاذقون بتأكيدهم أن الصراع الحالي ليس مع الإسلام، الذي يعتبرونه الدين المتباين الأشكال والولاءات والتيارات والطوائف إلي حد التنافر، والذي لايعترف بأي سلطة دنيوية قائمة تحتكر لنفسها حق تفسير الشريعة السماوية وتفسيرالقرآن وقوانينه وتعاليمه. فالتعصب والتشدد والأصولية ليست سوي إحدي الخيارات الممكنة لدي المسلمين بمختلف أجناسهم وأعراقهم وأصولهم لأن الإسلام واجه دائماً وسيواجه باستمرار تحدي العلمانية وضرورة التسامح مع باقي الأديان وتقبلها والاعتراف بها وهذا ما يُشاهد اليوم من خلال النزعة الإصلاحية الأولية المتأججة في الدولة الثيوقراطية القائمة في إيران اليوم علي حد تعبير فرنسيس فوكوياما.

المصدر الثاني للحقوق ــ حسب وجهة النظر الوضعية القائلة بأن الحقوق المعترف بها دستورياً قابلة للتطبيق عملياً ــ لا يضمن حدوث تطور ليبرالي لأنه يقودنا باتجاه النسبية الثقافية. وإذا كانت الحقوق التي يُطالب بها في الغرب ناجمة عن الأزمة السياسية التي عصفت بالمسيحية في أوروبا بعد حركة الإصلاح فكيف يمكننا أن نمنع مجتمعات أخري من الرجوع إلي تقاليدها الخاصة لإنكار هذه الحقوق أو الحكم علي عدم أهليتها وعدم مواءمتها؟ والحكومة الصينية من المعتادين علي مثل هذه الحجج والتبريرات والذرائع. المصدر الثالث للحقوق هو الطبيعة، فمبرر الحقوق الطبيعية الذي احتل مقدمة المشهد الفكري في القرن الثامن عشر في أمريكا، مازال يغلف الخطاب الخلقي والأخلاقي الغربي إلي يوم الناس هذا. فعندما يقول الغربيون إن الجنس أو العرق أو الثروة أو الجنس ليست صفات أساسية وهذا ينطوي علي مبدأ الإنتماء البشري الذي يحق بموجبه لكل شخص أن تكون له حماية تجاه الانتهاكات والتجاوزات التي يمكن أن يرتكبها ضده جماعات أو دول. وهذا المفهوم يتعارض مع خاصية إعطاء موقع دوني لبعض الأقوام أو الأشخاص كالنساء علي سبيل المثال وهذا ما يحصل في بعض الثقافات كالثقافة الشرقية. إن انتشار الديمقراطية خارج أوروبا في السنوات العشر الأخيرة من القرن العشرين يشير بما لا يقبل الشك إلي أن الأوروبيين ليسوا وحدهم من يتقاسمون ويعتنقون هذا المفهوم.

وإذا كانت حقوق الإنسان كونية وشمولية أو عالمية فهل يحق للغربيين المطالبة بتطبيقها في كل مكان وكل زمان ؟وفي كتاب الأخلاق قال أرسطو إن القوانين والحقوق الطبيعية موجودة فعلاً لكن تطبيقها هو الذي يتطلب بعض المرونة والحذر.وهذه النظرة مازالت صالحة إلي يومنا هذا. ينبغي إذن التمييز بين المفهوم النظري للعالمية أو الشمولية في حقوق الإنسان، وتطبيقاته العملية لأن فهمه وإدراكه يختلف حسب الثقافات.

في كثير من المجتمعات التقليدية التي تكون فيها الخيارات الحياتية والفرص محدودة فإن وجهة النظر الغربية والفردية للحقوق غير مرغوب فيها لأن المفهوم الغربي مرتبط بالحداثة الغربية وعدم الاعتراف بهذه الحقيقة يعني كما لو إننا نضع العربة قبل الحصان. فالالتزام بالبعد العالمي لحقوق الإنسان يندرج في سياق معقد لحضارة ذات طابع عالمي تتضمن عوامل أخري نعثر عليها في المجتمعات المتطورة والحديثة والتي لا يمكن الفصل بينها كالعدالة الاقتصادية والديمقراطية السياسية. إن هذا الفهم الشائع في الغرب وخاصة بين مثقفيه ليس متجانساً فقد تغيرت الكثير من مسلماته الراسخة خاصة ممن يساهمون في التنظير له في وسائل الإعلام.

 

جريدة (الزمان) العدد 1271 التاريخ 2002 - 7 - 27

 

 

 

 



#جواد_بشارة (هاشتاغ)       Bashara_Jawad#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





-  البيت الأبيض: بايدن يدعم حرية التعبير في الجامعات الأميركية ...
- احتجاجات أمام مقر إقامة نتنياهو.. وبن غفير يهرب من سخط المطا ...
- الخارجية الروسية: واشنطن ترفض منح تأشيرات دخول لمقر الأمم ال ...
- إسرائيل.. الأسرى وفشل القضاء على حماس
- الحكم على مغني إيراني بالإعدام على خلفية احتجاجات مهسا
- -نقاش سري في تل أبيب-.. تخوف إسرائيلي من صدور أوامر اعتقال ب ...
- العفو الدولية: إسرائيل ترتكب جرائم حرب في غزة بذخائر أمريكية ...
- إسرائيل: قرار إلمانيا باستئناف تمويل أونروا مؤسف ومخيب للآما ...
- انتشال 14 جثة لمهاجرين غرقى جنوب تونس
- خفر السواحل التونسي ينتشل 19 جثة تعود لمهاجرين حاولوا العبور ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - جواد بشارة - حقوق الانسان بين مفهومها النظري وتطبيقاتها العملية - القفز علي النسبية الثقافية يعوق حوار الحضارات