أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله المدني - كارثة الفيضانات تعزز نفوذ العسكر في باكستان















المزيد.....

كارثة الفيضانات تعزز نفوذ العسكر في باكستان


عبدالله المدني

الحوار المتمدن-العدد: 3136 - 2010 / 9 / 26 - 10:14
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كارثة الفيضانات المأساوية الأخيرة التي، ضربت الباكستان وتسببت في مقتل المئات، ومحو عشرات القرى من الوجود، وتشريد وتهجير الملايين، على نحو ما فصّلناه في مقال سابق، بينت للعالم العديد من الأمور السالبة التي لا تليق بدولة مضى على قيامها ككيان مستقل أكثر من 63 عاما.
أول هذه الأمور هو فشل الحكومات الباكستانية المتعاقبة في إقامة بنية تحتية قادرة على حماية مواطنيها من الكوارث الطبيعية المتكررة أو-على الأقل- التعاطي مع تداعيات تلك الكوارث بكفاءة عالية. وثانيها هو ضعف ثقة العالم الخارجي في القيادة الباكستانية لجهة النزاهة والشفافية والعدالة، مما جعله - بناء على قصص سابقة من قصص الفساد المزكمة للأنوف- مترددا في إغداق المساعدات على إسلام آباد بالقدر الكافي. غير أن الأهم من كل هذا هو أن الفيضانات تسببت في إرتفاع أسهم المؤسسة العسكرية على حساب المؤسسة المدنية.
وبكلام آخر، أبرزت الفيضانات قائد الجيش الجنرال "أشفق برويز كياني" كشخصية وحيدة موثوق بها وكرجل يعي مسئولياته إزاء شعبه. فهذا وحده ملك قلوب الجرحى والجوعى والمنكوبين والمشردين حينما اخذ زمام المبادرة وأستقل مروحية عسكرية ليطير بها فوق المناطق المنكوبة مواسيا مواطنيه ومعاينا حجم الخسائر والأضرارالتي لحقت بهم، الأمر الذي عزّز صورته وصورة مؤسسته العسكرية على حساب صورة الرئيس المدني "آصف علي زرداري" الذي كان في ذلك التوقيت يمتطي طائرة هليوكوبتر أيضا، لكن من أجل الإنتقال إلى قصره الفخم في فرنسا. وهو الحدث الذي أثار موجة من السخط الشعبي ضده، كونه فضل التجوال في أوروبا على العودة سريعا إلى بلاده لمشاركة مواطنيه أحزانهم. ولعل ما أثار المزيد من السخط ضده وجعله مادة للسخرية في الصحافة المحلية، بل هدفا لزوج من الأحذية الطائرة في مدينة برمنغهام (المعقل الأكبر للمهاجرين الباكستانيين في بريطانيا)، هو التبرير الذي جاء من مصادر حزبه الحاكم (حزب الشعب الباكستاني پي پي پي) والذي قيل فيه أن قطع الرئيس لجولته الرسمية والعودة إلى باكستان لن يغير شيئا من حجم المأساة وتداعياتها، وأن بقاءه في الخارج أجدى لجهة حث أصدقاء باكستان على تقديم المساعدات الإغاثية.
وهكذا تسببت الكارثة الطبيعية في عودة الوهج إلى المؤسسة العسكرية التي كانت إلى وقت قريب مادة لهجمات شرسة، بل التي إضطر قائدها السابق الجنرال برويز مشرف للتخلي عن السلطة في عام 2007 تحت وقع مطالبات شعبية بعودة العسكر إلى ثكناتهم وإعادة السلطة للأحزاب المدنية، ناهيك عن الإنتقادات اللاذعة التي تعرض لها هؤلاء بسبب ما قيل عن تواطئهم مع القوات الغربية العاملة في أفغانستان لإستخدام العنف المفرط ضد المناطق القبلية من تلك التي تحتضن المتمردين البلوش والإرهابيين من أنصار تنظيم القاعدة وحركة طالبان.
ورغم أن الجنرال "كياني" ورفاقه لم يصدر منهم ما يدلل على سعادتهم بهذا التطور، إلا أن الأمر لا يحتاج إلى ذكاء للقول أن منسوبي المؤسسة العسكرية يشعرون بسعادة مكبوتة لأنهم إستطاعوا مرة أخرى الإيحاء للجماهير بأنهم الأقدر والأسرع على التعاطي مع الشأن الداخلي، خصوصا وأن أصواتا إرتفعت من وسط ركام الفيضانات تدعو الجيش إلى إستلام زمام الأمور في البلاد بدلا من الحكومة المدنية المنتخبة ديمقراطيا، لكن المنشغلة بمصالحها الخاصة.
وفي رأي بعض مراقبي الشئون الباكستانية أن عودة العسكر إلى السلطة، سواء عن طريق إنقلاب عسكري جديد، أو عن طريق قرار من المحكمة الدستورية بهدف محاصرة موجة متوقعة من أعمال الفوضى والعنف أو بهدف "صيانة المصلحة الوطنية العليا"، ليست سوى مسألة وقت. وفي هذه الحالة سوف يتولى الجنرال "كياني" – بطبيعة الحال – مقاليد السلطة كسادس زعيم عسكري يحكم البلاد منذ إنفصالها عن الهند، من بعد إسكندر ميرزا، ومحمد أيوب خان، ومحمد يحيى خان" وضياء الحق، وبرويز مشرف، بالترتيب. وسوف تكون علاقته بالحليف الإمريكي وسياساته الداخلية والخارجية قريبة من تلك التي إنتهجها الجنرال "مشرف" الذي فضـّل كياني على آخرين أقدم في التراتبية العسكرية ليحل محله، يوم أن إضطر للتخلي عن قيادة الجيش، وخلع ملابسه العسكرية. لكن الإختلاف الوحيد ربما ينحصر في عدم تصريح "كياني" علنا بما يتمناه لبلده لجهة النظام الأمثل القادر على الحد من المشاكل والخضات والإنقسامات التي تعيشها باكستان، أي على العكس من "مشرف" الذي إمتلك جرأة التصريح بأنه يطمح إلى إقامة نظام علماني في باكستان يحرسه الجيش، بحيث يكون مشابها للنظام العلماني في تركيا التي عاش فيها الرجل وتشرب من قيمها في سنوات صباه، أي يوم كان برفقة والده الذي كان يعمل وقتذاك ملحقا عسكريا في سفارة بلاده في أنقرة.
قليلة هي المعلومات المتداولة عمن يمكن أن يحكم باكستان عاجلا أم آجلا. فـ "كياني" الذي يبلغ من العمر الآن 58 عاما، ويقود واحدا من أكبر جيوش العالم الإسلامي من حيث عدد العناصر، والجاهزية القتالية، والأسلحة غير التقليدية، تسلق السلالم سريعا، فمن ضابط من ضباط الصف الثاني في قيادة الأركان إلى رئيس لجهاز الإستخبارات العسكرية النافذ (آي إس آي) إلى قائد عام للقوات المسلحة بأفرعها الثلاثة.
ويصف الجنرال "طلال مسعود"، الذي خدم في الجيش الباكستاني على مدى أربعة عقود متواصلة وصار اليوم واحدا من كبار المحللين العسكريين في بلاده، زميله السابق "كياني" بأنه أفضل رئيس أركان مرّ على باكستان خلال السنوات الثلاث والستين من تاريخها، بل يصفه أيضا بأنه من القادة ذوي الشخصية القوية والذكاء الحاد والمقدرة الفذة على سبر أغوار المعضلات ودراسة المشكلات الداخلية والعالمية بعمق ووضع الحلول المناسبة لها بطريقة تميزه عن كل أسلافه، "مما سيجعله نجما مضيئا في تاريخ باكستان لو دانت له السلطة".
والحقيقة أن شهادة الجنرال مسعود عن رفيقه لا غبار عليها، لأن الجميع مـُجمع على أن "كياني" المولود في "غوجار خان" ( مكان قريب من مقر القيادة العليا للجيش في إسلام آباد، ومعروف عنه أنه المصدر الرئيسي لتزويد الجيش بالمجندين الجدد من الشباب أو "جوان")، يحظى بسمعة طيبة وإحترام كبير كجندي أثبت دوما أنه خـُلق لخدمة وطنه وشعبه، وكضابط أثبت ألمعيته في كل الدورات العسكرية التي تلقاها في أرقى المعاهد العسكرية الأمريكية التي وصفته في تقاريرها بأنه كان طالبا نجيبا، ومستمعا ومحاورا بارعا في القضايا العسكرية والسياسية والإستراتيجية. هذا فضلا عما هو معروف عنه من إنجازات منذ تسلمه قيادة المؤسسة العسكرية في نوفمبر 2007 ، حيث عمل منذ ذلك التاريخ على إعادة تأهيل العناصر العسكرية، وتحديث هياكل الجيش، وإعادة الإنضباط والمناقبية إلى القوات المسلحة، وتطهير جهازالمخابرات من المتعاطفين مع الجماعات المتطرفة، وذلك من أجل مواجهة الأعباء والمسئوليات الجديدة التي فرضتها حركات التمرد والميليشيات الإرهابية وأحداث العنف الطائفية بكفاءة. وربما كانت تلك الإنجازات هي التي شفعت له لدى رئيس الوزراء الحالي "سيد يوسف رضا جيلاني"، مما جعل الأخير يمدد فترة خدمته بصفة إستثنائية حتى عام 2013.
جملة القول أن باكستان المأزومة منذ أن وُلدتْ في عملية قيصرية في عام 1947 قد تكون قريبا على موعد مع مشهد مشابه لما حدث في عام 1990 حينما إنقلب الجنرال "برويز مشرف" على رؤسائه المدنيين بحجة وضع حد لفسادهم وتجاهلهم للمصلحة الوطنية العليا.
ولا حاجة لنا في هذا المقام إلى تكرار ما نشرته ولا زالت تنشره الصحافة الباكستانية من تقارير عن فساد السلطة الحالية التي يقودها الرئيس "آصف علي زرداري" وهي شخصية معروف عنها تورطه في مثل هذه القضايا منذ أن كان وزيرا في حكومة زوجته الراحلة المرحومة "بي نظير بوتو"، بل الشخصية التي قد تصطدم قريبا بالسلطة القضائية على خلفية محاولة الأخيرة تحريك دعاوي قضائية ضده بالفساد والإبتزاز والإحتيال خلال العقدين الماضيين
كما أنه لا حاجة لنا للقول بأن المجتمع الدولي، وشقيقات باكستان في منظمة المؤتمر الإسلامي، وحليفاتها التقليديات مثل الصين والولايات المتحدة التي سارعت إلى مد يد العون والغوث لها في كارثتها الأخيرة إستجابة لنداء الأمين العام للأمم المتحدة " بان كي مون"، ما كانت لتتردد أو تبخل على هذه البلاد بشيء لولا خشيتها من أن ينتهي بعض مساعدتها في مصارف أجنبية (مثلما حدث في مناسبات سابقة)، وخوفها من عدم توزيع المساعدات بشفافية وعدالة. والجزئية الأخيرة إعترف بها مندوب باكستان الدائم لدى هيئة الأمم المتحدة حسين عبدالله هارون في مقابلة متلفزة له مع قناة ألـ "بي بي سي" البريطانية (برنامج هارد توك)، وإنْ عـَمد إلى تبرير ما قام به الساسة والأحزاب من محاولات لمنح الأولوية في توجيه المساعدات إلى معاقلهم الإنتخابية أو أقاليمهم الإقطاعية أو طبقا للمذاهب والقوميات والقبائل التي ينتمون إليها، بصعوبة توزيع المساعدات بعدالة وشفافية كنتيجة للتدمير الذي أحدثته الفيضانات لشبكات الطرق والمواصلات. أما الأمر الأكثر مدعاة للإشمئزاز في هذا السياق فقد كان إجماع السلطات المسئولة على حرمان المنكوبين من الأقلية الأحمدية من أي نوع من أنواع المساعدات الغذائية او الطبية او الإيوائية بحجة أنهم من الكفرة الخارجين على تعاليم الإسلام.



#عبدالله_المدني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إقتصاد باكستان الكسيح بعد كارثة الفيضانات
- أعين الجماعات الإرهابية مصوّبة على قرقيزستان
- صناعة المركبات كوسيلة للإدعاء بالتفوق الصناعي
- كيف ترى الصين نفسها؟
- في اليابان أيضا .. -ما بيصائب للحكم إلا صائب-
- تحديات جمة تنتظر زعيم الفلبين الجديد
- صعود آسيا و حراك القوى الإعلامية (2 من 2)
- صعود آسيا وحراك القوى الإعلامية (1 من 2)
- آخر معقلين للماويين في آسيا
- حكاية ذوي القمصان الحمراء في تايلاند
- عند البعض نفايات، وعند البعض الآخر مناجم للذهب
- الحيرة ما بين النظامين الرئاسي والبرلماني: باكستان مثالا
- دييغو غارسيا .. صاحبة الدور المحوري في حرب الخليج القادمة
- الصين كعقبة وحيدة أمام عقوبات أممية على طهران
- حول عملي الروائي الأول
- - ذو المتين- صار في خبر كان
- دماء في پونا الهندية
- باكستان تكذب رواية طهران عن إعتقال زعيم متمردي بلوشستان
- إستمرار الفساد في أندونيسيا يقوض شعبية يودويونو
- تايوان كنموذج للدولة العلمانية متعددة الأديان


المزيد.....




- فيديو صادم التقط في شوارع نيويورك.. شاهد تعرض نساء للكم والص ...
- حرب غزة: أكثر من 34 ألف قتيل فلسطيني و77 ألف جريح ومسؤول في ...
- سموتريتش يرد على المقترح المصري: استسلام كامل لإسرائيل
- مُحاكمة -مليئة بالتساؤلات-، وخيارات متاحة بشأن حصانة ترامب ف ...
- والدا رهينة إسرائيلي-أمريكي يناشدان للتوصل لصفقة إطلاق سراح ...
- بكين تستدعي السفيرة الألمانية لديها بسبب اتهامات للصين بالتج ...
- صور: -غريندايزر- يلتقي بعشاقه في باريس
- خوفا من -السلوك الإدماني-.. تيك توك تعلق ميزة المكافآت في تط ...
- لبيد: إسرائيل ليس لديها ما يكفي من الجنود وعلى نتنياهو الاست ...
- اختبار صعب للإعلام.. محاكمات ستنطلق ضد إسرائيل في كل مكان با ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله المدني - كارثة الفيضانات تعزز نفوذ العسكر في باكستان