أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - بوابة التمدن - رضوان السيد - تجديد التفكير بالدولة العربية















المزيد.....

تجديد التفكير بالدولة العربية


رضوان السيد

الحوار المتمدن-العدد: 3123 - 2010 / 9 / 12 - 12:16
المحور: بوابة التمدن
    



كيفما تطلع المرء في مشرق العالم العربي ومغربه، يجد الاضطرابَ سيّد الموقف. ولا حاجة لتفكيرٍ كثيرٍ بالمقصود من ذلك. فالمشهد فاقعٌ بالصومال واليمن والسودان والعراق. وفي الأُسبوع الماضي، ذكرْتُ في هذا المكان أنّ ذلك يعود في مجمله إلى أمرين: التدخُّل الخارجي، وسوء الإدارة السياسية بالداخل. ولا شكَّ أنّ بين العاملين نَسَباً وصِهْراً إذا صحَّ التعبير. فالتدخل الأميركي هو الذي صنع السلطة الحالية بالعراق، والتي ما استطاعت التبيُّؤَ بعد رغم تَوالي الانتخابات "الحرَّة والشفافة". والتدخُّل الخارجي هو الذي قضى على الديمقراطية الناشئة بالصومال خلال الحرب الباردة، كما أنه هو الذي "حفظ" الانقسامَ الذي تلا انهيارَ السلطة العسكرية هناك، حتّى إذا عمّت الشرور الجميع، ما عاد من الممكن تكوينُ أيّ سلطة. واستظلّت السلطة الانقلابية اليمنيةُ بصراعات وترتيبات الحرب الباردة في أواخر السبعينيات من القرن الماضي، حتّى إذا انتهت تلك الصراعات بانهيار الاتحاد السوفييتي، كانت تلك السلطة قد كوَّنتْ نخبتَها التي تعتمد على الانقسامات القَبَلية والجهوية في استمرار وجودها. ومشكلتها الآن أنه ما عاد هناك طرفٌ راضياً بحصّته في القسْمة الضيزى القائمة منذ أواسط التسعينيات. ووحده السودان كانت المشكلةُ فيه بعد عودة الديمقراطية إليه عام 1985، أنّ أَيديولوجييه من المدنيين والعسكريين، ما كانوا راضين عن إدارة الأحزاب التقليدية للنزاعات في الداخل الشمالي، وبين الشمال والجنوب بالتفاوُض والمُحاسنة والسياسة. وقد اعتقدوا أنّ بإمكانهم الحسْمَ بالقوة مع الجنوب، كما في الشمال. وكانت النتيجةُ تحطُّم البلاد على صخرة الاستعصاء الجنوبي، والتشرذُم الشمالي، وتدخُّلات القوى المجاورة والبعيدة!

إنّ الواقعَ الآن هو السؤال عن الدولة وجوداً ومصالح وآليات في هذه المنطقة من العالَم. إذ من السهل البحث عن أسبابٍ للاضطراب والانهيار بعد حدوثهما، والإجابةُ بالحديث عن التدخُّلات الخارجية، وسوء الإدارة، إن تكن مُسْكتةً فليست مُقْنعةً بأيِّ حال. ومن جهةٍ أُخرى لا نريد الوقوع للمرة العاشرة أو ما يزيد في مقولة: الاستثناء العربي أو الإسلامي. وبمقتضى هذه المقولة فإنّ العرب (والمسلمين) لديهم مشكلةٌ جوهريةٌ مع الديمقراطية وحكم القانون. إنما الواقع أيضاً أنّ التجربة السياسية العربية (قبل الإسلامية)، وفي النصف الثاني من القرن العشرين، ما لقيت نجاحاً بارزاً، ولجهتين: لجهة تجربة الدولة "الطبيعية" أي تلك التي تحفظ الأمن الداخلي، وتمنع الاضطراب وحسب، ولجهة تجربة الدولة الحديثة، دولة حكم القانون والتنمية وصنع المستقبل الأفضل، بما يصون المصالح الوطنية والقومية، ويُحَسِّن حياة الناس الذين يعيشون تحت سلطتها.

لقد قرآْنا جميعاً في الشهور الماضية نقاشاتٍ في وسائل الإعلام الغربية عن مشكلات السلطة المستعصية في أفغانستان، وكان هناك مَنْ قارن بينها وبين مشكلات السلطة الفرنسية في القرن الخامس عشر(!). وخلاصة النقاش (الذي اعتبرتُهُ مصطَنَعاً) أنّ هناك نوعين من المجتمعات: المجتمعات الاندماجية، والتي تأتي الدولةُ فيها نتيجةَ توافقاتٍ وإجماعاتٍ تصنعُها نُخَبٌ ذات وعيٍ وطني وقومي، فيكون المجتمعُ الموحَّد بقواه الناهضة هو الذي ينشئُ السلطة ويُطوِّرُها بحسب احتياجاته... والمجتمعات الانقسامية، والتي تتكوَّنُ من إثنياتٍ ودياناتٍ وثقافاتٍ مختلفة، فتكونُ السلطةُ السياسيةُ هي التي تؤمِّنُ الحدَّ الأدنى أو القاسم المشترك بين مكوِّنات المجتمع المنقسم. وهكذا- وإذا سلَّمْنا بهذه القسْمة- فإنّ الدولة في المجتمعات الاندماجية تكون حصيلة الاندفاع باتجاه النهوض والتقدم، بينما تُصبح الدولةُ في المجتمعات الانقسامية ضرورةً لإيقاف النزاعات، وتطوير القواسم والمصالح المشتركة؛ فإذا نجحت في مرحلتها الأولى (فرض الاستقرار)، كانت تطوراتها اللاحقة مُشابهةً لتطور مسألة الدولة في مجتمعات الاندماج، وإن لم تنجح، فالذي يحصُلُ إمّا الفوضى المطلقة، وهو ما لا تسمحُ به البيئات الإقليمية والدولية في الأمد الطويل، أو الانقسام إلى دويلاتٍ بسلطاتٍ متجاورةٍ ومتنازعة، أو وقف النزاعات بتدخل خارجي، مع استمرار عدم القدرة على إقامة الدولة القوية والمستقلّة. وقد كان علماء السياسة إلى وقتٍ قريبٍ يتخذون من منطقة البلقان في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، نموذجاً للمجتمعات الانقسامية، والتي اعتمد الاستقرارُ فيها على تدخلات الإمبراطوريات الكبرى للاستيلاء وفرض الاستقرار فيها: الإمبراطورية النمساوية والإمبراطورية العثمانية والإمبراطورية الروسية. وما استقرت تلك النواحي بعد انهيار الإمبراطوريات إلاّ في الحرب الباردة التي تحولت تلك الدول خلالها إلى مناطق نفوذ للولايات المتحدة أو للاتحاد السوفييتي!

ما هو الوضْع في مجتمعات العالَم العربي ودُوَله اليوم؟ هناك مَنْ ذهب في الخمسينيات والستينيات إبّان المدّ القومي إلى أنّ العربَ هم الأكثر توحُّداً دينياً وإثنياً وثقافياً ولغوياً في المشرق كُلِّه. لكنّ انحسار المدّ القومي، وظهور الانقسامات من كلّ نوع في دول الأطراف على الأقلّ، دفع باتجاه العودة لمقولة المجتمعات الانقسامية، وبغضّ النظر عن صحة هذه المقولة أو تلك؛ فإنّ الدولة (ذات السلطة الشاملة وغير المنقوصة على مجتمعٍ أو شعب) غائبةٌ أو موقوفةٌ، وليس في البلدان العربية الأربعة السالفة الذكر وحسْب؛ بل وفي بلدان مثل لبنان وموريتانيا. أمّا في البلاد العربية الأُخرى، فنلاحظ أنّ الموجودَ في بعضها هو "الدولة الطبيعية" التي تقوم بالوظائف الأولية للسلطة، دونما قدرةٍ على التجاوُز باتجاه شروط ومواصفات الدولة الحديثة. وإذا أَمكن لنا أن نعتبر المجتمع اللبنانيَّ أو الموريتاني مجتمعاً انقسامياً، فليس الأمر كذلك في عددٍ من الكيانات ذات السلطة الطبيعية الآن. بل إنّ هناك من يقول إنّ السلطات القائمة في لبنان وموريتانيا على سبيل المثال، لا يرجعُ ضعفُها إلى أنّ مجتمعاتها انقسامية؛ بل لأنّ تلك السلطات بطرائق تكوينها، هي التي تحولُ دون تنامي الاندماج باتجاه مرحلةٍ أُخرى أكثر حداثةً وانطلاقاً. وشواهدُ هؤلاء على ذلك أنّ الإدارات السياسية في لبنان وموريتانيا والسودان والعراق، كانت في الأعمّ الأغلب خلال خمسينيات وستينيات القرن الماضي، أفضل منها الآن بكثير. وما كان هناك انقسامٌ اجتماعيٌّ يحول دون قوتها أو أعمالها الاندماجية والتنموية.

وعلى أيّ حال: إنّ الذي يحصل منذ ثلاثة عقود خلت، أنّ المجتمعات العربية تبدو أكثر قابليةً للتطور والتقدم من بعض إداراتها السياسية. وهذا الأمر يعني أنّ المشكلة ليست في طبيعة أو طبائع المجتمعات، بل في طرائق تكوين السلطة أو السلطات فيها. أو بالأحرى القول: إنّ المشكلة هي في طبيعة العلاقة بين المجتمعات وسلطاتها، حيث يبدو هنالك انفصالٌ يستغني خلاله كُلٌّ منهما عن الآخَر بالتدريج، ثم ينشب النزاعُ بين تلك السلطات، وبعض الفئات الاجتماعية المتضررة نتيجة عدم القدرة على تكوين سلطتها الخاصة بها!

ما تزال الدولة في سائر أنحاء العالَم ضرورةً قوميةً وسياسيةً وسياديةً وتنموية. وهي في بلدان العالم العربي ضرورةٌ وجوديةٌ في صيغتَيها الطبيعية والحديثة. ولذا، ورغم كلّ شيء، هناك ضرورةٌ تفرضُ نفسَها على النُخَب: التفكير في الدولة وجوداً وتطوراً، باعتبارها شرط وجودٍ، وشرط عيشٍ إنساني، ومشاركة في هذا العالَم.



#رضوان_السيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المثقفون العرب والخيار الإسلامي
- هل بدأ الخروج من مأزق التطرف؟


المزيد.....




- فيديو رائع يرصد ثوران بركان أمام الشفق القطبي في آيسلندا
- ما هو ترتيب الدول العربية الأكثر والأقل أمانًا للنساء؟
- بالأسماء.. 13 أميرا عن مناطق السعودية يلتقون محمد بن سلمان
- طائرة إماراتية تتعرض لحادث في مطار موسكو (صور)
- وكالة: صور تكشف بناء مهبط طائرات في سقطرى اليمنية وبجانبه عب ...
- لحظة فقدان التحكم بسفينة شحن واصطدامها بالجسر الذي انهار في ...
- لليوم الرابع على التوالي..مظاهرة حاشدة بالقرب من السفارة الإ ...
- تونس ـ -حملة قمع لتفكيك القوى المضادة- تمهيدا للانتخابات
- موسكو: نشاط -الناتو- في شرق أوروبا موجه نحو الصدام مع روسيا ...
- معارض تركي يهدد الحكومة بفضيحة إن استمرت في التجارة مع إسرائ ...


المزيد.....

- خط زوال / رمضان بوشارب
- عينُ الاختلاف - نصوص شعرية / محمد الهلالي
- مذكرات فاروق الشرع - الرواية المفقودة / فاروق الشرع
- صحيفة الحب وجود والوجود معرفة , العدد 9 / ريبر هبون
- صحيفة الحب وجود والوجود معرفة ,, العدد 8 / ريبر هبون
- صحيفة الحب وجود والوجود معرفة العدد 7 / ريبر هبون
- صحيفة الحب وجود والوجود معرفة الالكترونية , العدد 6 / ريبر هبون
- صحيفة الحب وجود والوجود معرفة , العدد 5 / ريبر هبون
- صحيفة الحب وجود والوجود معرفة العدد 4 / ريبر هبون
- صحيفة الحب وجود والوجود معرفة , العدد 2 / ريبر هبون


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - بوابة التمدن - رضوان السيد - تجديد التفكير بالدولة العربية