أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - معين شلبيّة - لقاء صحفي مع الشّاعر الفلسطيني معين شلبيّة.















المزيد.....



لقاء صحفي مع الشّاعر الفلسطيني معين شلبيّة.


معين شلبيّة

الحوار المتمدن-العدد: 3123 - 2010 / 9 / 12 - 07:30
المحور: مقابلات و حوارات
    


لقاء صحفي
مع الشّاعر الفلسطيني معين شـــــــلبيّة

حاوره: أيهم أبو غوش / أمجد التميمي - القدس.

اللقاء الكامل:


-هل لك أن تحدثنا كيف تأتيك حالة الكتابة الشّعرية؟

حالة التّأهب للكتابة تأتي بعد إصغائي لهواجس ذاتيّة تتمشّى داخل روحي، عقلي وجسدي، وهي عبارة عن شطحة قصيرة تحمل معنىً وشكلاً وإيقاعاً. هذه الشّطحة تناديني كي أمتثل لبوحها فتجعلني أتشظّى انخطافاً لها وأسمّيها "اللحظة الشّعريّة" التي ربما تحقق الحالة الأسمى / ولادة قصيدة.
القصيدة تمر بشفافية عالية من الاحتدام الإبداعي بين جميع العناصر المكوّنة لبنائها، الموهبة، الوحي، الإلهام، المعرفة، الحلم، اللغة، البلاغة، الفكر، الفلسفة، التاريخ، الجغرافية، الرؤية، الإحساس، الجمال، الإيقاع، الرؤيا ،الحدس ،الموسيقى، الصّور والحواس الّلا متناهية..

-في قصيدة لك بعنوان "محنة الألوان" تقول: هناك.. خلف البحار العتيقة ،لا نوى قرمزيّ يربض خلف الزحام، لا نوارس تودع عشّ الندى، ولا هواء يحرك فيَّ الصدى، لي خلف البحار بحار... ما هي البحار التي تراها خلف البحار؟ وما الذي يعنيه البحر لك؟

لي خلف البحار ذوات مشتّتة في الغياب؛ البحر مكمن الأسرار ومأمن المواضع وملهم المنتظرين.. تطلّ علية نوافذ التّساؤل والتردد والحنين، تحاوره بصمت أو بصخب دهشة الأساطير، تناديه شتّى أشكال التعبير الإنساني المنبعثة من وصايا الألم والمعاناة ومن ثنايا الحلم والأشواق. البحر كان دائماً صديقي، بالغيب الذي يحمله، بأمواجه الهادئة والصّاخبة بمدنه ونسائه برمله وفنادقه ووجوه نزلائه.
إن الارتقاء إلى ما يحمل البحر من رمزية عالية يحقق برأيي انزياحاً صوب التفكيكيّة لاستكشاف علاقات دلالية غير مرئية نحو تكثيف التّأويل الشِّعري وما يحققه من تناغم وتمازج كبيرين إلى حد تصبح الطبيعة والذات كل منهما يعبِّر عن الأخر.
من ناحية أخرى وفي مرجعيّتنا الفلسطينية نحن نعرف أن البحر يلعب دوراً ميثولوجيّاً هاماً ومثيراً في حركات المعاني وفي نبش عمقنا الحضاري والثقافي وإعادة تبطينه بحريّاً من جديد. نحن شعب البحر بامتياز منذ آلاف السنين؛ يحكى أننا جئنا من جزر بحر إيجة... وفي الوقت نفسه لكل واحد منّا بحره الذاتيّ الخارج عن السائد بمعناه الكوني، خاصة الشّاعر الذي يسكنه إله البحر كما سكنه شيطان الصحراء.

-أنت ابن قرية المغار الجليلية التي تطل على بحيرة طبرية وتحيطها غابة من أشجار الزيتون الخضراء، عشت طفولة معذبة شأن أطفال فلسطين بعد نكبة شعبنا، كيف أثرت البيئة التي عشت فيها على ميلاد شاعر؟

البيئة بمخلفاتها وتحوّلاتها العديدة وبعد نكبة شعبنا، كان لها أثراً واضحاً وكبيراً عليّ خاصّة في تركيبة البنية الشّعرية. الطفولة المعذبة، حالة الفقد، الفقر والتشرد الاجتماعي، حالة فقدان الوعي المستقبلي، حالة القطيعة والقطيعة الثقافية خاصة بيننا وبين عالمنا العربي، الحرمان القاسي، الوحشة الخلاّقة، رفض الضياع مقابل التشبث بالأرض والبقاء عليها أثّرَ بشكل واضح ومباشر على رسم آفاق حياتية لحياة تخرج من رماد العنقاء. وعلى الرغم من هذه البيئة الصعبة وهذه التجربة ومخلفاتها كان حبي للغتي العربية وقراءة الشّعر وهاجس الموهبة يتحرك دائماً نحو البحث عن الأفضل من خلال جو استثنائي يثير روح التَّميُّز والعمل للحصول على مصادر ونماذج من كتب ومجلات من العالم العربي هذا العالم الذي أصبح جدار القطيعة القسريّة بيننا وبينه كبيراً. لا أنسى أيضاً الفعاليات الاجتماعية والنشاط السياسي والجو الثقافي والذائقة الجمالية التي سادت في ذلك الحين مع مجموعة من الأصدقاء على سبيل المثال لا الحصر الشّاعر نعيم عرايدي، الشّاعر سليمان دغش، المحامي فريد غانم، المهندس المرحوم زين الدين أبو غوش ،المحامي هايل غانم والشّاعر المرحوم هايل عساقلة. في القرية كانت روحي تَشْرَق بحلمها الكبير حلم الإنسان العربي الفلسطيني الذي يتطلع نحو مستقبل من الحرية والديمقراطية. عملتُ بكد وجهد على تحقيق التطلعات الوطنية لشعبنا من خلال المواقع الوطنية العديدة؛ وأعتبر أن حياتي ليست سوى وميض في خوالد المكان والزمان، ولكنها دائمة الصراخ، دائمة السفر، دائمة التخيّل.
في هذه الحالة الإنسانية وعلى هذه الأرض وفي هذا المشهد الثقافي ولد الشّاعر معين شلبية من رحم المعاناة حاملاً جواز سفر في عالم الفن والجمال، أحك الفضاء الواسع المسكون بالإبداع والظمأ، أعانق رجالاً في الشمس، باحثاً عن أوراق الزيتون في هذا الزمن الخريفي، راسماً جدارية الحياة والموت، حاملاً سؤال الحرية والحقيقة في عالم مختل، مدهش وغريب.


-في قصيدة لك بعنوان "هجرة اللازورد" تقول: وتعلوني طقوس الريح فيَّ /كي تفسر تفاصيل القصيدة/ لغيمة نازفة/قالت: يا راحلاً كأقحوان صبح ندي/ دع القلوب في مطارحها /ليس فيك سوى الحزن /ورائحة القهوة العربية والبئر العارفة ..بكل تأكيد أنت ابن جيل أنتجته النكبة والحزن في قصائدك قد يكون له تبريره.. ولكن لماذا يسكن الحزن بشكل دائم ومتواصل قصائدك، ألا تحب الفرح والتنويع في القصيدة لا أن يلبس الحزن شعرك؟

الحزن كتاب جمالي الخاص، فالكتابة، سِفر تكويني الخاص، تسوية أخلاقية بين تجربتي الإنسانية وبين هاجس البحث عن سؤال الحرية، الحقيقة والعدالة في جو استثنائي شخصي وذاتي يبدأ من الصرخة الأولى ويمتد نحو التصاعد الغامض المتوتر والقلق الذي لا يتوقف على حال من أجل بناء تجانس كينوني بين الجماعي والفردي، بين الأنا والآخر، بين العشق والمرأة، بين الأرض والوطن.
وفي خضم هذه الأشياء كتبت عن حالات فرح وعن الحب كتجربة حقيقية، كتبت عن الفتاة التي عشقتها وعن المرأة التي أحببت. لكن يبقى سؤال الكتابة مبحراً في الأزرق كما يبدو، معاناة لا شفاء منها، دهشة مشبعة بالوعي والهوس، تحك المخيلة، تداعب اللاوعي كي تصل إلى الرغبة التي لا أحب الوصول إليها في هذا العالم الغائب، الضيق والسحيق.

-تقول "هل يغريك الموت/ متوّجاً كنفحة طيب / لا وسماً بهيا بعدك /هبطت من ورق الغمام /لترسم المعنى /وتبعث من ضباب يديك /رسالة أخرى / ودمعاً أبيّاً/ ها أنت تؤثث عهد الغيب/ وترحل في شهوتك الأبدية/ ها أنت تحدق ثانية فيَّ/ وتحلِّق فوق رياح النور /ها أنت تنضِّب صفوتك الوحشية /وتشحن بالخيط الليلك /علَّ الليلك يعبر طقس الموت/بدون خلاص/ هل يسعفك الموت؟ "...ما الذي يعنيه الموت لك؟

الموت.. الحياة والعشق. تناولي للموت كثيمة فلسفيّة في الكتابة يؤكد شكلانيّة الغياب من ناحية ويرتق شفافيّة الحضور من ناحية أخرى. أنا أبحث عن الحياة في الموت المستمر الذي تعيشه الخليقة كطقس من طقوس المشهد الغنائي الملحمي التراثي؛ أبحث عن الحلم الأول، عن الألم الأول مشعلاً الحرائق في كل مكان، محترفاً الحزن والانتظار، تائهاً في سبر غور حالة القدرة على معرفة نفسي وموسيقى الكون.
أبحث عن الوعي الأول المثير، المغامر العنيد والمشتعل بنار العشق، طارحاً السؤال الثقيل: سؤال الحياة والموت.
في تلك الحالة الاستثنائية، الإنسانية الشاملة في جوهرها المتألق، المتوتر، الحائر والمأزوم، كنت أسأل لأعود مع أقرب عاصفة كي أخترق جدار الذاكرة، وكلما داهمتني هذه الحالة كنت أستعيد توازني في عالم لا يرحم. كنت أسترخي في غيبوبة الوجع، هناك، على شاطئ البحر، أتألم زرقته وأتمنى الخلاص حتى تفيض الروح دهشة، تمرداً ورؤىً.
هذا الرحيل المستمر، تعبيري عن التجربة الحياتية على حقيقتها؛ يتداخل صراخي في غمار الأحزان، تتشابك الصور المضطربة، يتسع الهامش.. وتمضي غيمة.
وهكذا استمر هذا الحضور اللامتناهي حتى يومنا هذا.

-في قصيدة "الموجة عودة "تقول: ولماذا أسامح يا أصحاب / هل أحد منكم يحمل أمتعة الصبح مكاني /هل من يقرأ في حزني النكبة /ويشارك في موت الليل مقاساة العتمة /ويمزق شريانا في أحشاء زماني /كانت في قلبي تتفتح زهرة /كانت في روحي زنبقة مرة/مرّ العمر ويا ليته... ما مرّ.... ألا تعتقد وأنت مواطن في دولة إسرائيل عليك أن تسامح ما جرى في الماضي لتؤسس لعلاقة طبيعية بين دولة ومواطنيها؟ وكيف ترى العلاقة بين المثقفين الفلسطينيين في الداخل وبين المؤسسة الإسرائيلية؟

القضية ليست قضية مسامحة ونسيان، الأقلية العربية الفلسطينية في الداخل تسكن على أرضها التي تحبها، عليها ولدوا ومن ثمارها أكلوا وفيها تراثهم وذكرياتهم، أرض آبائنا وأجدادنا ومن الطبيعي بمكان أن نحبها مثل كل البشر الذين يحبون أوطانهم خاصة ولها من التميّز ما يغطي مساحات شاسعة من عقول المتخلفين الذين لم يفهموا بعد عمق مأساة هذه الأقلية صاحبة الحق والمرجعية. الأقلية الفلسطينية تعيش ظروف مركبة ، شائكة ومتداخلة مع الدولة. نحن على صلة بالمجتمع الإسرائيلي ويثير اهتمامي بعض الشّعراء والكتّاب الإسرائيليين.

-تقول:واصل شهوتك المائية /واصل أحلام الزوجة /فغدا ستعانق تلك الموجة /الموجة عودة /الموجة عودة /الموجة عودة.. هل برأيك العودة اليوم باتت حلما صعب المنال في ظل واقع الحال السياسي؟

حق العودة حق مقدس لن يتنازل عنه فلسطيني واحد، هذا الموضوع هو أحد الثوابت الفلسطينية المطروحة على مدار الساعة في المباحثات المباشرة والغير مباشرة.. ويبقى السؤال معلّقاً ينتظر إجابة التسويات المطروحة. وكشاعر أقول .. كل منا يحمل في داخله منفاه، لقد تعددت الأماكن والمنفى واحد، أنا مزيج من المواطن والمنفي واللاجئ.

-يقول أحد النقاد في تعقيبه على ديوانك"هجرة الأشواق العارية" : خرج الشاعر في هذا الديوان عن الكلاسيكية الخليلية، وعن بحور العروض إلى الشعر النثري المحدث، فجاءت بعض القصائد مبهمة ذات طابع رمزي، فيها الكثير من الغموض الذي قد لا يفهمه القارئ العادي لأول وهلة. إن "الصورة الشعرية" الحسية والذهنية، هي البؤرة الجمالية لنصِّك الشعري، وهي أكثر سـمات شاعريتك..لماذا تلجأ إلى التلميح أكثر من التصريح في شعرك؟ وكيف تبني البؤر الجمالية لشعرك؟

قضية التصريح والتلميح ليست هي القضية بشكلها المطروح. الكتابة تحتاج إلى تأمُّل في الظاهرة الجمالية وإلى لغة شاعريَّة تعبيرية تحقق التّذوّق الجمالي والشّعرية في القصيدة كما أنّها تحتاج إلى مساحة كبيرة من الحريّة وتفجير الطّاقة. فالقصيدة ليست نصّاً تقريريَّاً أو مقالاً صحفيّاً. إن الكتابة الشِّعرية تحتاج إلى الخيال والتَّخيُّل، إلى الرمزيَّة والترميز، إلى نسيج طبقي يحمل المعنى من ناحية ويكون مؤثَّثاً بالسِّمات الدلالية الناتجة عن عملية الخلق والإبداع. إن القصيدة الحديثة هي بحد ذاتها رؤيا ووعي وكما قيل في هذا الموقف: إن الشِّعر العربي الحديث بين القابل والرافض للأشكال الحداثيّة الجديدة، في مقامنا لا يسعنا إلا أن نؤكد أن الشِّعر الحداثي كما يمكن أن نسميه، خطا خطوات ثابتة من أجل إقحام الذات الشّاعرة والإطارات الخارجية لتشكيل النص الغائب الحاضر، الغائب على القارئ العادي، والحاضر عند المحترف للقراءات الشّعرية والدراسات النقدية.
فإذا كانت اللغة الشّعرية كذلك، وإذا كانت الدلالات غائبة/ حاضرة حسب نوعية المتلقي، فإن الغموض يبقى أمراً طيّباً وليس نقصاً في الشّعر. يقول أدونيس:" أن الغموض في الشّعر ليس بذاته نقصاً، وأن الوضوح ليس بذاته كمالاً، على العكس دليل غنى وعمق.. ولو كان الغموض نقصاً لسقط من شعر الإنسانية أعظم ما أنتجه.

-قام ملتقى المثقفين المقدسي في العام 2008، بتكريم عدد من الشعراء الكبار وكنت أنت بالإضافة إلى الشاعرين سميح القاسم وسليمان دغش من بينهم..كيف تلقيت هذا التكريم؟ وهل ترى أن الشاعر خصوصاً والأديب عموماً في بلادنا يحظى بالتكريم الذي يستحقه؟

أرجو أن أشكر مرة أخرى ملتقى المثقفين المقدسي وخاصة الدكتور طلال أبو عفيفة على هذا التكريم الذي تزامن مع الذكرى السنوية الستين لرحيل الشّاعر الفلسطيني الكبير الشّهيد عبد الرحيم محمود. وكما قال شاعرنا الكبير محمود درويش:
(إن تكريم مبدعينا على أرض وطنهم، هو تعبير عن عودة المعنى إلى النص وعن عودة النص إلى السياق). حقاً إن إيماضة كهذه تليق بكل المكرمين.

-ماهو تقييمك للعلاقة بين الأدباء الفلسطينيين في الداخل ونظرائهم في الضفة الغربية وقطاع غزة؟ وكيف يمكن تطوير هذه العلاقة؟

الشّعر الفلسطيني المقاوم لعب دوراً أساسيّاً في بناء العلاقة بين شطري الوطن في الحفاظ على العلاقة الوثيقة للشعب الواحد والعمل على اجتياز كل جدران التغييب والفصل. لقد انتصرت روح اللقاء واستطاع الشّعراء والكتاب اجتثاث القطيعة ومد جسور التعاون بالمشاركة بفعاليات ومهرجانات ثقافية عديدة في الضفة الغربية وغزة أحدها كان تحت رعاية الرئيس الراحل ياسر عرفات وأمسيات في بيت الشّعر في رام الله وفي مدينة طولكرم وضواحيها مع الصديق الشّاعر عبد الناصر صالح وذلك من أجل حماية موروثنا وثقافتنا وتراثنا الفلسطيني ماضياً وحاضراً ومستقبلاً. ومن الجدير بالذكر التعاون المشترك مع الشّاعر سليمان دغش وهو أحد الشّعراء الفلسطينيين في الداخل الذي يحظى بمستوى رفيع في الوسط الأدبي.

-في بداية كل موهبة يكون هناك القدوة، أو مرحلة التقليد، فمن استهواك من الشعراء وشعرت برغبة في الكتابة بنفس أسلوبه؟

لا أذكر متى بدأتُ محاولة كتابة الشّعر، لكني بدأت بنشر محاولاتي وكانت على الأغلب قصائد حب أو غضب عندما كنت في المدرسة الثانويّة وذلك بتشجيع من أخي الأكبر عدنان شلبيّة، تجربتي الشّعرية حقل من الروائح خضعت لمؤثرات عديدة ومتنوعة بل ومتناقضة. كان عندي أكثر من شاعر تعلّمت عليه، كان حبي للقراءة يجعلني ألتهم كل ما تقع عليه عيناي. كانت الكتب المشتهاة غير متوفرة، كنا في حالة حصار ثقافي حقيقي. قرأت قسماً كبيراً من الشّعر الجاهلي حتى الشّعر العربي الحديث. كنت أصغي دائماً لأصوات تتحرك أمامي، كان أُمرؤ القيس، طرف بن العبد، أبو تمّام، المتنبي ، ابن زيدون يتمشّون داخل روحي، بعدها قرأت للكثير من الشّعراء العرب والأجانب وخاصة: هوميروس، نزار قباني، شكسبير، السّياب، إيلوار، مظفّر النوّاب، رامبو، سميح القاسم، لوركا، صلاح عبد الصّبور، إليوت، أدونيس، فدوى طوقان، ماياكوفسكي، البياتي، ريلكه، جبران خليل جبران، موليير، أحمد شوقي، أراغون، نازك الملائكة، دانتي، طاغور، توفيق زياد، وانغ ويه، يانيس ريتسوس، الماغوط، أراغون، هيغو، بودلير، مالارميه وأبي الروحي الشّاعر الكبير محمود درويش الذي كان حاضراً بشغف العاشق في بدايتي الشّعرية وحتى يومنا هذا.

-ألا تعتقد بأننا كفلسطينيين ما زلنا نفتقد لمشروع ثقافي واضح المعالم في مواجهة حرب التهويد؟

لا وجود لكتابة حرّة داخل حصار.. باعتقادي، المشروع السياسي في الضفة والقطاع هيمن على المشروع الثقافي لظروف فلسطينية خاصة، نحن بحاجة اليوم إلى مشروع ثقافي جديد مستقل يبشّر بمستقبل أفضل لبناء صرح مرجعي مكوّن من كافة أطياف المشهد الثقافي، صرح تنويري عصري من شأنه خلق الأسس والثوابت الحضارية والثقافية بكافة أشكالها حتى تكون قادرة وفاعلة في مجتمعنا ولمصلحتنا من ناحية ومن ناحية ثانية حتى تكون قادرة على دفع خطر هيمنة الآخر علينا.

-هناك من يقول بأننا كفلسطينيين أبدعنا شعراً أكثر مما أنتجنا قصة ورواية مؤثرة وفاعلة..هل تتوافق مع هذا الرأي؟

هذا الرأي غير دقيق. الحالة الفلسطينية حالة تزخر بشتى الأنواع الأدبية، وقد أبدع من أبدع وتراجع من تراجع. هذا الرأي عن الشّعر العربي لا يمت بصلة للزمن الحاضر فالقول المأثور " الشّعر ديوان العرب " جملية مجانيّة تحمل فكرة التمجيد لفن الشّعر في العصر الجاهلي،كررها الكثير من النقاد القدماء وأكدوا سلطتها حين قالوا: كان الشّعر في الجاهلية ديوان علمهم، ومنتهى حكمهم، به يأخذون، وإليه يصيرون. الشعر ديوان العرب، به حفظت الأنساب، وعرفت المآثر، وتعلمت اللغة.
إن مكانة الشّعر العربي قد ارتفعت في العصر الحديث ولا أحد يستطيع الطعن في دور الشّعر الفلسطيني الذي ساهم بشكل أساسي في هذا التطور والتَّميُّز خاصة الشّاعر محمود درويش الذي أحال هذه الحالة إلى حالة عالمية، إنسانية. لن ننسى الكتّاب الكبار أمثال غسان كنفاني، إميل حبيبي، جبرا إبراهيم جبرا، سحر خليفة، زكي درويش، يحيى يخلف وغيرهم.

-هل تعتقد بان الصحافة الإلكترونية في ظل التطورات التكنولوجية من الممكن أن تشكل بديلاً عن المطبوع؟

نحن نعيش اليوم عصر العولمة، وبسبب هذه الحالة أصبح العالم قرية صغيرة بين أيدينا، وأصبح قسم من الكتابة والقراءة والصحافة يتم عبر الإلكترونيات. هناك من يدعي بأن هذه الحالة هي المستقبل الواعد في عصر تكنولوجيا المعلومات التي اجتاحت الإنسان وفرضت عليه نوعًا جديدًا من السلوكيات، هذه السلوكيات انعكست بشكل كبير على الحياة بكامل معانيها وتجانست مع المتغيرات الكونية. أنا شخصيّاً وإلى جانب الإنترنيت ما زلت أقرأ الجريدة المطبوعة وأكتب بالحبر الغارق.

-من تعتقد الأكثر تأثيراً في الشّعر العربي عموماً والشعر الفلسطيني خصوصاً؟

الشّعر العربي هو نتاج شعراء كبار منذ آلاف السنين. هنالك أسماء لا يستطيع الإنسان العربي وغير العربي أن يهمشها أو يتناساها، هذه الأسماء قد وضعت موروثاً حضارياً وثقافيّاً للأمة العربية. في الحالة الفلسطينية الشّاملة هناك تجاوز عن المألوف.. بمعنى الخروج من إطار جغرافي ضيّق إلى إطار كوني واسع يحمل الرسالة الشّعرية المفتوحة على آفاق رحبة.. كما أسلفت مراراً، أعتقد جازماً أن الشّاعر محمود درويش كان وما يزال الأكثر تأثيراً في الشّعر العربي الحديث عامة والفلسطيني خاصّة، كما أنّ شعر محمود درويش ببصمته المتميزة يجعله من أهم شعراء العالم في هذا الزمان.

-هل تعتقد أن شعر المقاومة والأدب المقاوم بشكل عام آخذ بالانحسار في عصر هيمنة القطب الواحد؟

لا أعتقد ذلك. إن مفهوم شعر المقاومة والأدب المقاوم تغيّرت أشكاله ليس بسبب هيمنة القطب الواحد وإنما بسبب تطوره الفني والجمالي. أذكر هنا ما قاله الشّاعر محمود درويش:
سأعترف أمام القضاة المتجهمين بأنني تخليت عن كتابة الشّعر السياسي المباشر محدود الدلالات، من دون أن أتخلى عن مفهوم المقاومة الجمالية بالمعنى الواسع للكلمة.. لا لأن الظروف تغيّرت، ولأننا انتقلنا (من المقاومة إلى المساومة)، كما يزعم فقهاء الحماسة، بل لأن على الأسلوبيّة الشّعرية أن تتغير باستمرار، وعلى الشّاعر ألا يتوقف عن تطوير أدواته الشّعرية، وعن توسيع أفقه الإنساني، وأن لا يكرر ما قاله مئات المرات .. لئلا تصاب اللغة الشّعرية بالإرهاق والشّيخوخة والنمطية، وتقع في الشَرَك المنصوب لها: أن تتحجر في القول الواحد المعاد المكرر. فهل هذا يعني التخلي عن روح المقاومة في الشّعر؟.ويدافع محمود درويش عن حق الشّاعر الفلسطيني أن يجلس على تلّة ويتأمل الغروب، وأن يصغي إلى نداء الجسد أو الناي البعيد، إلا إذا ماتت روحه وروح المكان في روحه، وانقطع حبل السُّرة بينه وبين فطرته الإنسانيّة. والفلسطيني، في نظره ليس مهنة أو شعاراً.. إنه، في المقام الأول، كائن بشري، يحب الحياة وينخطف بزهرة اللوز، ويشعر بالقشعريرة من مطر الخريف الأول، ويمارس الحب تلبية لشهوة الطبيعة، لا لنداء آخر.. وينجب الأطفال للمحافظة على النوع ومواصلة الحياة لا لطلب الموت، إلا إذا أصبح الموت فيما بعد أفضل من الحياة!. وهذا يعني أن الاحتلال الطويل لم ينجح في محو طبيعتنا الإنسانية، ولم يفلح في إخضاع لغتنا وعواطفنا إلى ما يريد لها من الجفاف أمام الحاجز.
الشّاعر محمود درويش يشدد على أن استيعاب الشّعر لقوة الحياة البديهية فينا هو فعل مقاومة، فلماذا نتهم الشّعر بالردة إذا تطلع إلى ما فينا من جماليات حسيّة وحرية وخيال وقاوم البشاعة بالجمال؟ إن الجمال حرية والحرية جمال، وهكذا يكون الشّعر المدافع عن الحياة شكلاً من أشكال المقاومة النوعية.

-ما هو الفرق بين أبناء جيلك من الشّعراء وبين الشّعراء الشّباب؟

لا أستطيع تحديد الفوارق في حاضر الشّعراء الآن، لأن القضية ليست قضية أجيال وإنّما الإجابة على السؤال التاريخي: ما هو الشِّعر؟
الموهبة أصل. وكتابة الشّعر تحتاج إلى موهبة وثقافة وإحساس جمالي عميق بالأشياء، لأن الشِّعر أرقى أشكال التعبير الإنساني، فهو خلاصة الخلاصة وهو صاحب الوحي والبيان والمعاني والبديع، لذلك الشّاعر الحقيقي لا ينتمي إلى زمن محدد وإنّما يبقى محلّقاً في فضاءات الشّاعرية. لكن المؤسف في حياتنا الثقافية الثقوب التي تعتري معرفتنا حول الشّعر وماهيّته منذ القدم وفي ظل الموروث الإنساني حتى الثورة المعلوماتية وتحديات العولمة بكافة أشكالها العصرية وزمكانتها. معظم ما تعثّرت به في السّنوات الأخيرة من منشورات لشعراء شباب هي تجارب غير ناضجة، هناك فوضى عارمة. نحن شعب لا يقرأ وخطر "الانقراض" حالة ممكنة نتيجة لتحولات الزمان والمكان. أذكر ما قاله الناقد كمال أبو ديب: الأجيال العربية غير قادرة على استيعاب المعرفة، لأننا مجتمع "سلطوي" نمارس الوصاية باسم التراث، هذا سبب والسّبب الآخر هو الكتابة باسم الحداثة وما بعد الحداثة، وهل وصلنا كعرب إلى الحداثة؟.
معظم كتابة اليوم وهي كما أسمّيها "الكتابة الشائعة" أو "عمليّة استشعاريّة" أو "القصائد الشّائعة"، لا تقدم المستوى المطلوب من الناحية الرّوحية، الفكريّة والفنيّة، فهي مجرّد تكرار هش لمضامين معروفة تهلك المتلقي، أو إعادة صياغة صور واهنة تفرض بشكل لا منطقي أو كتابة لا تنتمي إلى أسلوب معين، كتابة لا بنية لها ولا معنى ولا شكل وهي ربع موهبة إن صحّ التعبير. هناك فلتان شعري وتسيّب كتابي ومجّانية نشر وعدم رقابة أدبيّة أدّت إلى تلويث الذّائقة العامة. على ما يبدو أن الشّعر مهم، ويبدو أن "الضّيوف" يعرفون أهميّة الشّعر ومكانة الشّاعر، لذلك، ربما يكون حافز الكتابة لديهم هو الدّافع لدخول "حوض النخبويّة" التي تمتاز بها هذه النخبة من الشّعراء والكتاب والأدباء والمفكرين ولكن للأسف على طريقة السّيلان الشّعري الغير مبرّر.
المطلوب هو التمييز بين الشّعر واللا شعر.

-ما رأيك بالحداثة الشّعرية؟ وإلى أي مدى نستطيع التفاعل مع ثقافتنا العربيّة في ظل العولمة؟

أعتقد أن "الحداثة" مشروع لم يكتمل بعد، وحالتنا العربية في ظل " العولمة " مهمّشة. نحن توّاقون للتجاور مع الآخر لكن نمطية الاستهلاك تهلكنا وحالة العجز المهيمنة على العالم العربي تحول دون تقدمه. إن حالة التّشظي أصبحت سمة من سمات يومياتنا بامتياز.
الحداثة الشّعرية عند العرب اتخذت صورة العصرية والاتجاه التجديدي في الأدب وارتباط مفهوم الحداثة في أذهان المثقفين بحركة ما يسمى بالشّعر الحر وقصيدة النثر إضافة إلى ولادة الممكن من ظواهر التمرد على السائد والثورة على ما هو شائع والرفض لأشكال مألوفة وتجريب محو الفوارق بين الأجناس الأدبية المختلفة وتبني بعض الاتجاهات الأدبية الغربية كالرمزية والتعبيرية.
قسم من العالم اليوم يعيش "ما بعد الحداثة"، ويمكن أن تكون هذه التسمية الجديدة لبنية حياتية كاملة تعنى بالتاريخ، الاجتماع، الثقافة، السياسة ،الاقتصاد، العلوم ونظام المعرفة وكيفية ممارسته في الحقول المختلفة خدمة لهدف ما.

-ما الذي يضحكك وما الذي يبكيك كشاعر؟

كان بودي أن أضحك لكني بكيت!!!. في ظل مناخ الاضطهاد السّائد في هذا العالم وتحت ستار محاربة الإرهاب، تُرتكب جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانيّة والتّفرقة العنصريّة والأفعال المحظورة كالإبادة الجماعية ومصادرة الأرض والإنسان وارتكاب المجازر والاغتصاب والإبعاد. خوفي وحزني وبكائي، أن تصبح القضيّة الفلسطينيّة أيضاً من بين القضايا "الخاسرة" كما حدث في التاريخ الغابر وفي التاريخ الحديث وتدخل هذه القضيّة ضمن الملفات السّرية رغم كل التضحيات التي قدمها هذا الشّعب الضّحيّة.

-ما الذي يستهويك للقراءة، وما هي آلية اختياراتك للقراءة؟

القراءة فضيلة. أحبّ كتب الشّعر، وتستهويني كتب النّثر عموماً وخاصة الروايات. قرأت الكتّاب الكبار نجيب محفوظ، الطيب صالح، يوسف إدريس، إحسان عبد القدوس، الطاهر وطار، علاء الأسواني، واسيني الأعرج، توفيق الحكيم، كما وأحترم جداً ما قدمته لنا الروائية الكبيرة أحلام مستغانمي، وغيرهم الكثير من الكتاب العرب والأجانب. لدي حنين دائم نحو الشّعرية والشّاعرية في النّثر.

-ما هي ابرز العقبات التي تعترض المثقف الفلسطيني داخل الخط الأخضر؟

أحاول قهر الاغتراب الشخصي. المعاناة واحدة، والحزن واحد والإحباط واحد والبحث عن الذات حالة المثقف الهش المحاصر بكل شروط الصراع الناتج عن الخوف من ضياع الهوية. نحن ندافع عن حقنا في الحياة، الحياة الكريمة التي تتوفر فيها الحرية، العدل والمساواة، وندافع عن حقنا في أن نحلم بالسلام والتحرر لشعبنا. نحن نتطلع دائماً نحو الحوار الحضاري والبحث عن الحرية، نحن طلاب سلام وحرية وتقدم وإبداع وفرح لشعبنا في الداخل والخارج ولأمتنا ولجميع شعوب الأرض.

-تكريم المؤسسة الرسمية الإسرائيلية للأديب العربي، كيف تقيمه؟
إن تكريم الأديب العربي الفلسطيني في الداخل يتم عن طريق لجنة مؤلفة من أدباء عرب وقضاة عرب ولا يوجد تدخل خارجي في الموضوع.

-أي دواوينك تجد فيها نفسك أكثر؟ ولماذا؟

دهشتي تزيد كلما تصفّحت أعمالي الأخيرة. علاقتي بالشّعر الحديث تجعلني أنظر نحو المستقبل، ولذلك تجتاحني دائماً حالة من القلق والتّأزم، من الحيرة والارتباك عندما يشدّني هاجس ما نحو جمالية الممكن وخاصة الكتابة عبر النوعية والانخطاف نحو اللغة الصوفية..

-هل أنت راض عما وصلت إليه من إبداع؟ ما الذي تطمح إليه؟

لن أبلغ منطقة الرضا وأطمح دائماً أن أعبّر عن حنيني لها.. بالكتابة! لست راضياً تماماً عن تجربتي الشّعرية لأني لست متفرغاً للكتابة بالمعنى التقليدي للكلمة وذلك بسبب ظروف عملي والضغوط الحياتية التي لا ترحم والقليل من الوقت المتبقي للقراءة أو الكتابة. هذه الحالة تجعل هاجس التجدد لدي في عنفوانه نحو روح التّمرد والتّشظي والتّوق الدائم للأفضل.

-إسرائيل راهنت دائما على مقولة" الكبار يموتون والصغار ينسون"..ما هو تعليقك؟

هذه مقولة سقطت منذ وقت بعيد على قارعة الطريق عند منعطف هشاشة الفكر وحلّت مكانها مقولة: الكبار يموتون والصغار يواصلون. الزمن تغيّر والشعوب لن ترضى بالاضطهاد. حركات التحرر الوطني لها حق النضال من أجل الحرية والاستقلال. وكما ذكرت سابقاً نحن طلاب سلام وحرية وتقدم وإبداع وفرح لشعبنا في الداخل والخارج ولأمتنا ولجميع شعوب الأرض.

-هناك جدل قديم جديد حول أيهما أفضل قصيدة النثر أم الشعر العمودي..ما هو رأيك في ذلك؟

قصيدة النثر لها عالمها والشِّعر الحر له عالمه والشِّعر العمودي له عالمه.. المهم في نهاية الأمر هو جوهر القصيدة، قدرتها على استفزازي وشطح خيالها المتمثل ببلاغتها، بمضمونها وشكلها، بتفجير لغتها وإيقاعها العظيم وحركات الموسيقى فيها والأدوات الجمالية والفنيّة التي تنهض بها من معان وصور واستعارات ومجاز ومحسِّنات. لا يستطيع أحد أن يرسم حالة الغد.. أو أن يحتكرها.
قصيدة النثر خيار من خيارات الشّعر العربي ومن الإنجازات المهمة التي خلّفها المشهد الشّعري العربي الحديث وهي جزء من بهجة الخلق، والخلافات حول الموضوع يثير اشمئزازي. المشكلة ليست بالجنس الشّعري وإنّما بالشّعر نفسه وبالموهبة والخبرة.
أنا أميل إلى الشّعر الحر كما أميل إلى قصيدة النثر بمكوّناتها الإيقاعية والوجدانيّة.

-ما هو جديدك؟ هل لك أن تطلعنا على خططك المستقبلية؟

جديدي كتاب شعر بعنوان " قصائد عالقة " وهو تحت الطبع وبحلة جديدة قريبة للكتابة "الكونكريتية". وقد عُرِّفت القصيدة الكونكريتية بأنها "هي قصيدة المكان وتبئير الفضاء الطباعي وتجسيم جسد القصيدة الشّعرية وإشباعها بالحبر الناطق فوق رقعة السواد، كما أنها قصيدة تخاطب العين والبصر، وتحاور الحواس الإدراكية المجسدة، ومن أهم وظائفها الجمالية الوظيفة الأيقونية ذات الأبعاد السيميائية لكونها تركز على العلامات غير اللفظية والمؤشرات الأيقونية الدالة.وبالتالي، فهي قصيدة حسية ملموسة تتعامل مع الخط والجرافيك والوحدات الخطية والتبئير الطباعي، كما ترتكز على التشكيل والتلوين وتوظيف الأشكال البصرية والتلاعب الساخر والمفارق بالعلامات الترقيمية التي ترد في أشكال طباعية سيميائية دالة. وعليه، فالقصيدة الكونكريتية تتجاوز القصيدة الشفوية وتنزاح عنها تشكيلاً وتبئيراً وتفضيةً وتدلالاً. ومن هنا، يتقابل في هذه القصيدة عالمان: العالم اللغوي ذو الطابع الإنشادي والإيقاعي ، والعالم الكاليغرافي المشكل بالحروف المخطوطة والأشكال البصرية المتنوعة ضمن ألوان مختلفة تتجاوز ثنائية البياض والسواد. وعليه، فالقصيدة الكونكريتية غنية بعلاماتها اللغوية والتشكيلية والعلامات غير اللفظية المتعددة الأبعاد والدلالات". أحمل حساسيّة عالية للألوان، لذلك ستحظى جدليّة اللون بطالع تبريد ملفات القصائد السّاخنة التي يحملها الديوان أو بإشعال صفيحها حتى الأزل.

-كيف تقيم الحركة النقدية فلسطينياً وعربياً؟

الحركة النقديّة العربية حركة زاخرة بأصول النقد العصري. هناك إسهامات وتجليات لدى بعض النقاد العرب الذين استطاعوا استيعاب وامتلاك التراث والفكر النقدي أمثال د. كمال أبو ديب، د. جابر عصفور، د. صلاح فاضل، د. محمد الأسعد، د. إحسان عبّاس وغيرهم، ولا أريد الإطالة هنا في هذا الموضوع فالأسماء معروفة والكتب موجودة، فقط علينا إتاحة الفرصة لأنفسنا كمتلقين قراءة ما نحتاج إليه، وما نحتاج إليه كثير. أما بخصوص الحركة النقدية الفلسطينية المعاصرة فهي ليست ضعيفة جداً ولكنها تشكو قليلاً من العجز في ظل الظروف الثقافية / السّياسية الصعبة.

-ما هي أهم المهرجانات الأخيرة التي شاركت فيها؟

شاركت في عدد كبير من الفعاليات الثقافية العربية والعالمية التي أغنت تجربتي، كما وشاركت في عدد كبير من المهرجانات الشّعرية المحلية منها العربية والعالمية مما جعل التفاعل والحوار بيني وبين الشّعراء من أهم أهداف اللقاء الثقافي والهم الإنساني المشترك. هذه المهرجانات شارك فيها عدد من الشّعراء البارزين وأهمها: مهرجان القدس عاصمة الثّقافة العربيّة – الدوحة / قطر، مهرجان أيام وليال من الأدب، نبتون / منغاليا - رومانيا، مهرجان تيرانوفا - روما، مهرجان نيسان الدولي للشّعر- المغار، مهرجان معرض القاهرة للكتاب - مصر، مهرجان جرش- الأردن، مهرجان ملتقى فلسطين الشّعري- رام الله، مهرجان الشّعر العالمي- تركيا، مهرجان القدس عاصمة الثقافة العربية - فلسطين، مهرجان الشّعر العالمي كورتا دي آرغيش – بوخارست، أمسيات ستروغا الشّعريّة / مهرجان الشّعر العالمي- مقدونيا، ومهرجان الدوحة الثقافي- قطر ملتقى الحضارات.

-أنت من المؤسّسين لجمعية "نيسان" لتطوير الثقافة والفنون وسكرتيرها في قرية المغار الجليليّة ومعد في مهرجان الشّعر العالمي الذي يعتبر أحد فعاليات الجمعيّة. ما هو دور هذه الجمعية في الحركة الثقافية؟

تعود فكرة تأسيس هذه الجمعية للشّاعر الصّديق نعيم عرايدي. قمنا بتأسيس الجمعية مع عدد من الأصدقاء المهتمين بالثقافة. تأسست الجمعية عام 1999 لتنمية وتطوير مشاريع ثقافية وفنية. أقامت الجمعية مهرجان نيسان الدولي للشعراء عام 2000 لأول مرة في قرية المغار الجليلية والذي بدأ كلقاء بين شعراء ومفكرين؛ هذا اللقاء أصبح مهرجاناً سنوياً دوليّاً كبيراً يحضره شعراء من جميع أنحاء العالم. هذا المهرجان هو بمثابة لقاء ثقافي يلتقي من خلاله المفكرون والشعراء والأدباء والرسامون، يتبادلون الآراء ويقرؤون الشّعر باللغات المتعددة.كما وتقوم الجمعية بعدة نشاطات أدبية، فكرية وورشات عمل إبداعية.

-هل لك من رسالة أو قصيدة لقراء "القدس الثقافي"؟

نعم، وبكل سرور. الشّعر حوزة الوعي الجمالي، الشّعر لغة داخل اللغة، لذلك الحديث عن الشّعر يطول.. والشّعر عمق روحاني وجسدي، الشعر بعد ثقافي وحضاري تختلط فيه الأبعاد الزمانية والمكانية، تختلط فيه الدلالة بين الانشغالين الحسّي والوجداني من ناحية ومن ناحية أخرى تجربة إنسانية وحياة شاملة ونشوة روحية عالية المنسوب.

رؤيا..

تَصوَّرتُ يا صديقَتي
أَنَّ قراءةَ الشِّعرِ
قَد تكونُ دهشةً أَو نزوةً أَو همسَ نَار
وَتصوَّرتُ يا جميلَتي
أَنَّ كتابةَ الشِّعرِ
قَد تكونُ فكرةً أَو شطحةً أَو عُنفوان
وَتصوَّرتُ يا حبيبتي
أَنَّ الأُنوثةَ
قَد تكونُ خِفَّةً في الكشفِ أَو رِعشةَ انبهَار
وَتصوَّرتُ يا أَميرَتي
أَنَّ وصلَكِ الوحشيَّ
قَد يكونُ نزعةً أَو جُرعةً أَو كَهرمان
وَتصوَّرتُ أَنَّ الحزنَ غاليتي
وَطَنٌ ككلِّ المرايا وكلِّ البِحار
وَتصوَّرتُ يا قاتلتي، أَنَّ الموتَ ملتحفٌ
بِكلِّ أَسبابِ البلوغِ؛ وقدْ يُكْمِلُ النُّقصان
وَتصوَّرتُ أَنَّ العشقَ مُلهمَتي، لغةٌ
تَأْتي دُفْقَةً واحدةً دونَ انتظار
وَتصوَّرتُ أَنَّ الحلمَ سيِّدتي
هجسٌ غابرٌ لاْ يكفُّ عنِ الدَّوران
وَأَنَّ الرُّوحَ وأَنَّ الجسدَ فاتنتي
نَايٌ على شَغَفِ النَّهار
وَلكنِّي ما تصوَّرتُ يوماً
أَنَّ رحيلَكِ السَّرمديَّ
سَيُلغي المكانَ ويُنهي الزَّمان
وَأَنَّ صُعودي نحو هاويتي
سَيَحظى بهِ الحبُّ
وَلو كانَ انتحَار!.


أرجو أن أشكركم جميعاً وأتمنى أن أكون عند حسن ظنّكم وأن لا أكون قد أثقلت عليكم. وأهجس: إلى كل حزين قضى عمره بين مشاعر الحب وجماليات القهر ورضوض الألم حتى ضاع بين الحضور وبين الغياب، إلى كل من اعتذر ذات يوم عن بقائه على قيد الموت وتقاسمت جسده مطارات العالم، فنادق المدن، زحمة الوجوه وشوارع الغربة... أرفع لهم وجع الحياة.

تحيّة لكم وإلى اللقاء.


السّيرة الذّاتيّة للشّاعر الفلسطيني معين شــــــلبيّة:

•ولدت في قرية المغار الجليلية التي تطل على بحيرة طبرية وتحيطها غابة من أشجار الزيتون الخضراء. عشت طفولة معذبة شأن أطفال فلسطين بعد نكبة شعبنا؛ تأثرت بحالات المعاناة التي عشناها حتى رافقتني إلى يومنا هذا، وكانت كافية لأن تجعلني أسيرها ومحكوما بها إلى الأبد.
•أنهيت دراستي الابتدائية في قريتي المغار والثانوية في قرية الرامة .
•خلال دراستي الثانوية أصابتني أعراض الشّعر الحقيقية وبدأت أتعرف على الثقافات وأطلع على نتاجها الأدبي؛ ثم بدأت بنشر قصائدي في المنشورات الوطنية، الصحف الفلسطينية والعربية.
•التحقت بقسم إدارة الأعمال والإدارة العامة في جامعة حيفا؛ بدأت مرحلة جديدة من الحياة حيث مارست النشاط السياسي، الثقافي، الاجتماعي، والنقابي إلى يومنا هذا.
•أعمل موظّفاً كبيراً في البنك العربي.
•شاركت في عدد من المهرجانات الثقافية، المحلية والدولية وأهمها: مهرجان تيرانوفا- روما/ إيطاليا، مهرجان نيسان الدولي للشعر- المغار الجليلية، معرض القاهرة للكتاب- مصر، مهرجان جرش- الأردن، ملتقى فلسطين الشعري – رام الله، مهرجان الشّعر العالمي- إستانبول /تركيا، مهرجان القدس عاصمة الثقافة العربية - القدس، مهرجان الشّعر العالمي -كورتا دي آرغيش – رومانيا، مهرجان الشّعر العالمي / أمسيات ستروغا الشّعريّة - مقدونيا، أيام وليال من الأدب / مؤتمر ومهرجان شعر – بوخارست / منغاليا / نبتون – رومانيا، ومهرجان الدوحة الثقافي- قطر ملتقى الحضارات.
•نلت تكريماً من وزارة الثقافة الفلسطينية (تقديراً لجهوده المباركة في إثراء الثقافة الوطنية ووفاءه لقضية شعبه ولمبادئ العدل والحرية - المصدر)، وحزت على شهادات تقدير عديدة.
•حصلت على "درع الشّاعر الشّهيد عبد الرحيم محمود" بعد أن كُرِّمت من قبل ملتقى المثقفين المقدسي، وذلك برعاية الرئيس الفلسطيني السيد محمود عباس.
•عضو في اتحاد الكتاب العرب وحركة شعراء العالم.
•أحد مؤسسي جمعية "نيسان" للثقافة والفنون وسكرتيرها، التي تعمل كل سنة على إعداد وإخراج المهرجان العالمي للشّعر، والذي يشارك فيه شعراء من البلاد والخارج.
•حاصل على جائزة الإبداع الأدبي والثّقافي للعام 2009.
•تُرجمت قصائدي إلى عدة لغات منها: الإيطالية، العبرية، الفرنسية، الإنجليزية، التركية، الرومانية، المقدونية، الإسبانية والبولندية.
•تناولت نتاجي الأدبي عدة دراسات نقدية داخل البلاد وخارجها.
•دخلت أعمالي الشعرية في انطولوجيات الشّعر والأدب داخل البلاد وخارجها.
•عملتُ بكد وجهد على تحقيق التطلعات الوطنية لشعبنا من خلال المواقع الوطنية العديدة؛ وأعتبر أن حياتي ليست سوى وميض في خوالد المكان والزمان، ولكنها دائمة الصراخ، دائمة السفر، دائمة التخيّل.



الأعمال الشّعرية:

1. الموجة عودة دار الأسوار للثقافة الفلسطينية – عكا 1989
2. بين فراشتين المؤسسة العربية الحديثة – القدس 1999
3. ذاكرة الحواس المؤسّسة العربية الحديثة – القدس 2001
4. طقوس التّوحد دار الأسوار للثقافة الفلسطينية – عكا 2004
5. هجرة الأشواق العارية دار الأسوار للثقافة الفلسطينية – عكا 2008
6. قصائد عالقة تحت الطبع 2010

الأعمال النّثرية:

1. تأمّلات النّهضة للنشر والتوزيع – النّاصرة 1992
2. مساء ضيّق أبو رحمون للطباعة والنشر – عكا 1995
3. شطحات منشورات البطوف – حيفا 1998



#معين_شلبيّة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- وزير الداخلية الفرنسي يزور المغرب لـ-تعميق التعاون- الأمني ب ...
- قطعها بالمنشار قبل دفنها.. تفاصيل جديدة تُكشف عن رجل قتل زوج ...
- فك شفرة بُن إثيوبي يمني يمهد الطريق لمذاق قهوة جديد
- الشرطة الهولندية: عصابات تفجير ماكينات الصرف انتقلت لألمانيا ...
- بعد موجة الانقلابات.. بقاء -إيكواس- مرهون بإصلاحات هيكلية
- هل يحمل فيتامين (د) سر إبطاء شيخوخة الإنسان حقا؟
- وسائل إعلام أوكرانية: انفجارات في مدينتي أوديسا وتشيرنومورسك ...
- الاحتلال يتحدث عن معارك وجه لوجه وسط غزة ويوسع ممر -نتساريم- ...
- كاتب أميركي: القصة الخفية لعدم شن إسرائيل هجوما كبيرا على إي ...
- روسيا تصد أكبر هجوم بالمسيّرات الأوكرانية منذ اندلاع الحرب


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - معين شلبيّة - لقاء صحفي مع الشّاعر الفلسطيني معين شلبيّة.