أحمد كامل مثنى
الحوار المتمدن-العدد: 3119 - 2010 / 9 / 8 - 13:10
المحور:
الادب والفن
مهرجان كركوك المسرحي ... مرئي أم مسموع
المسرح هو فعل مخيلة وتخيل وهو فعل بحث عن معرفة وفعل تعرف لما حولنـــا وهو فعــــل أدراك
للجمال وأيضاً هو فعل تواصل مع الذات وتواصل مع الآخر.
فالمسرح فعل جماعي تجمع فيه كل الفنون من تشكيلي وموسيقى وأدب حتى تـكون مايعـــــرف بفــن
المسرح ، ولذلك كان لابد أن تكون المساحة التي يتحرك فيها المسرح كبيرة كي يــؤدي دوره الفكري
والثقافي والجمالي , ولتسليط الضوء على هذه المساحة المهمة بادر قسم النشاط الرياضي والمدرسـي
في وزارة التربية بأقامة مهرجان المسرح التربوي الخاص بالمشرفين والمعلمين وهي مبادرة أيجابية
رغم تأخرها ,فالمسرح التربوي هو البنية التحتية المهمة للمسرح الواعي والجاد وأهمـيته تـــكمن في بث الوعي والجمال للطالب والمعلم المتلقي فهـــو غــرس مهـــم جداً في أرض بكر يحيــطها الجفاف والتصحر الفكري الزاحف وبقوة ومن كل مكان بأتجاة كل ما هو واعي وجميل .
في مسرح مابعد الحداثة . أصبحت الساحة للمشاهد القارئ فهو الذي يقرر وهو الذي يملي الفراغــات
ولازلنا مصرين ومتمسكين بالأساليب القديمة التي فيها الـــمؤلف هو الذي يملي علينا وكـــذلك النص يوجهنا الى مايريد والقارئ لاحول ولاقوة .
في هذا المهرجان كان ( للأذن ) الفيصل في نجاح وفشــل العمل المســـرحي ( كلمات تثير الحمـــاس وكلمات تبكي وتضحك ) والعين معطلة لاتتحسس الجمال ولاتبحث عن المعرفة .
الآن ومستقبلاً أصبحت العين هي صاحبة المعرفة الحقيقية هي الوحيدة التي تثبت في الذاكرة المعرفة والجمال وللأسف وزعت الجوائز لقوة ( المسموع ) على حساب ( المـرئي ).
أرتكنت العروض على عدة مدارس مسرحية البعض أعــــتمد الواقعــــية والأخر أعتمــــد الكلاسيكية والتعبيرية وبعض العروض لم تتخذ أي منهج مسرحي أعتمدت على أداء الممثل فقط .
أستوقفني عمل بقي في ذاكرتي وهو عمل الرصافة الثالثة ( صمتاً حتى لانوقظ الأحياء )أخراج هشام جفات وتأليف نعيم خلف وثمثيل كل من صلاح حسن وئام وافي ونعيم خلف ) فــي هذا العمل أعتـــمد المخرج على المسرح التعبيري بشكل أساس ( فالمسرح التعبيــــري يبدأ من نتيجــة كـــبرى تتمثــــل الموضوع برمته ثم يتداعى هذا الموضوع بشكل لوحـات تستطــرد في أستدعـــاء ماهو باطـني داخل النفس الأنسانية وتستنطفة أي أنه يعطي النتيجة ويوضح الأسباب , والزمن يخاطب الآن وينظر الى المستقبل) . وهذا ما وجدته في مسرح هشام جفات , لقد طرح المخرج في العرض عدة تســــــاؤلات لطالما أرهقت الأنسان العراقي وهي مايحدث عندما يكون المثقف محرض على القتل ؟ وماذا يحــدث
عندما يغيب العقل ؟ وعندما يكون الناس فريسة اللامعرفة ماذا يحصل ؟ الجواب المــوت والخـــراب والضياع ...
سينوغرافيا العرض أستطاعت أن تعمق الفعل المسرحي حيث أرتبط الشـــكل البصــــري بمحمولاته الديكورية البصرية – السمعية وحركة الفعل الدرامي من جهة وكذلك أرتبط بنمـط أفعــــال الشخصية
كونه باعث ومؤطر لأبعاد تلك الشخصية فالسينوغرافيا كانت صاحبة القالب الأكبر لأحتواء مزاجيــة العرض , أنها رسمت الجو السايكو – بصري لكل لحظــــات العـــرض , أما الموسيقـــى فهي أحدى القوالب التي أستوعبت الفعل الدرامي وأعطته دفقا متبايناً لتحفيز الصراعات الباطنية في الشخصـــية
مما ساعد على أستخراج الألم بشكل وضفته الموسيقى بما يتناسب وأيــقاع العــمل بيد أن الأضــــاءة
أخذت على عاتقها منحنى أخر ... منحنى أرتسم بتوعية الحلم وساعدت الأشارة الضوئية على تحقـيق أيجاد ذلك الحلم ومن ثم توسيع دائرة كوابيسه ... فكانت الأضاءة قوة منشطة لتحفيز العقل الباطن فـي
الشخصيات مما ساعد على أستخراج أو تجسيد أحلامها بشكل كوابيس متضخمة تتناسب والحـــــراك التعبيري في أطار المسرحية العام .
أعتمد المخرج على ثالوث ( الضياع – اللامعرفـة – الزيـــف ) من خــــــلال حركة ممثــــليه الثلاث
على أيقاع متباين وأحتوى العلاقة بين الشخصيات وأستطعنا أن نلمس هذه العـــلاقة من قـــــوة الأداء
ومن سرعة الأيقاع ثم هدمه من قبل الشخصية المزيفة وقد شد الجمهـــور ( رغم التباين الثقافـــي بين الجمهور ) أما النص لم يكن موفقاً بالشكل الكامل لأنه تناول أطروحاته بشكل سطحي مما أستبعد عن القارئ أي لغه عميقة يمكن أن تثير دواخله كي تحرضه أكثر للأستقبال والتبني .
لقد كان المخرج موفقاً عندما أخرجنا من كابوس الزيف ليدخلنا الى حقيقة العقل الذي يكــشف زيـــف
المثقف المأجور , عند ئذ يقطع الشعب حبل الموت ( المشنقة ) ليعيش ويؤسس ويبني .
أستطاع المخرج أن يتعامل مع المفردة ويؤولها عدة تأويلات كانت موفــقة والمرأة كانــــت لها وقـــع خاص لأنها فضحت أدعاؤهم وكانت في لحظة جمعت الممثل والمتفرج في آن واحد لتجعلهم الضحية
وهذا كله لم أسمعه وانما رأيته بلوحات فنية متحركة لازالت عالقة في الذاكرة .
أمانينا بمسرح عراقي تربوي ناضج يقوم ويبني رؤى جديدة تنهض بواقـــع التجربة الفنيــة وكذلك لو أعطيت للنقد مساحة ليرد على بعض الأصوات التي أرتفعت بالمهرجان مطالبة بمسرح قديــم جامـــد منقطع عن العالم ومؤدلج يمجد الثقافة السمعية على حساب ثقافة البحث والتفكر.
أحمد كامل مثنى
مدرس تربيــة فنيـــة
#أحمد_كامل_مثنى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟