هيثم بسما
الحوار المتمدن-العدد: 944 - 2004 / 9 / 2 - 10:32
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
في عدد 29 آب 2004 من نشرة كلنا شركاء قرأت ما أثار "استغرابي بل استهجاني" في تعليق فراس السيد أحمد على مقالة للأستاذ الطاهر ابراهيم" كانت نشرت في نفس الموقع بتاريخ 27 آب 2004 بعنوان (سورية »الوطن« حق أصلي للمواطن السوري ومنع المنفيين من العودة اغتصاب لهذا الحق.) لا بد من التوضيح أنني لا أعرف الأستاذ الطاهر ابراهيم وكل ما أعرفه عنه هو مقالاته القيمة التي أستطيع قراءتها عبر الإنترنت. وكي لا يجتهد أحدهم لمعرفة هويتي أو أن يحتسبني على الإخوان المسلمين نظراً لما سأكتبه بعد قليل أسارع إلى التعريف بأنني لست من الإخوان المسلمين، وأنا أنتمي أسرياً لعائلة علوية بالتسمية وسورية بالإنتماء وجغرافياً انتمي لمنطقة معروفة أنها منطقة علوية تاريخياً ولكنها لا تفتخر بما فعله نظام الأسد بهذا الوطن... وأنا علماني وأؤمن بالتعددية وأحترم كل صاحب رأي أو معتقد مهما اختلفت معه في الرأي....
نتيجة رد فراس أحمد هذا يتضح لي جلياً مدى الدمار الذي سببه تعنت وتقوقع وتعصب نظام البعث والأسد في عقول الناس، فالغوغائية والهيلمة والهيمنة والسلبطة والنصب والاحتيال والعجرفة والسرقة تتغلغل في عقول الجيل الذي تربى على أيادي البعثيين الأسديين. أن يعرف الأستاذ الطاهر ابراهيم على أنه كاتب سوري وعضو مؤسس في رابطة أدباء الشام فهذا أدنى بكثير مما هو عليه الأستاذ الطاهر ابراهيم من إمكانيات فكرية وتاريخية ولغوية ومقالاته تشهد بذلك ولن يحتاج لأذن من فلان أو علان كي يعرف بهذا الشكل. وأن يتم اتهامه بانه يكتب وكأن مقالته "موجهة لأناس ساذجين لا يفقهون شيئاً عن أحوال وطنهم في الداخل والخارج..." فهذا تجني كبير ولن أذكر أي رقم عمن يشارك الأستاذ الطاهر ابراهيم الرأي فيما يكتبه بل أقول وبكل ثقة أن كتابته دقيقة والأرقام عن عدد السوريين الذين أذاهم النظام السوري أعلى بكثير مما ذكر حتى الآن...ولا أريد إلا أن أقول أن هؤلاء الناس لهم هموم كثيرة يشاطرون بها الأستاذ ابراهيم ولكن الفرق أن الأستاذ المذكور تناول قلمه وكتب، مشكوراً، وبكل جرأة عن ذلك أما البقية فلسبب أو لآخر لم يكتبوا...وفي غالب الظن أن الكثيرين لا يكتبون خوفاً من أن تمتد رعاية الأب القائد حافظ الأسد ـ حتى وهو ميت ـ إلى أسرهم وأقاربهم وتستضيفهم في فرع فلسطين أو غيره من فروع الأمن... ولا ندري من هم هؤلاء "المواطنين الذين ينتقلون من وإلى الوطن بحرية..." كما يدعي فراس أحمد هذا ! فكم من شخص اعتقد بعد عقود أن بإمكانه العودة إلى سورية فعاد ليجد ملفات اعتقال مبنية على تقارير بعثيين بانتظاره! وكم من أسرة انتظرت ابنها في المطار ولم تراه لأن مخابرات عائلة الأسد اختطفتهم من أرض المطار ُملبسة إياهم أكياساً في رؤوسهم ولم يعرف عنهم شيئاً بعدها! وكم من شخص لا علاقة له بالمعارضة ولا بالسياسة اختفى في سجون عائلة الأسد التي يسبح بحمدها فراس أحمد وقلة قليلة جداً من البعثيين المستفيدين أو الموعودين بأكل جزء من الفطيرة ! ...
وأن يبدأ السيد المذكور بتوزيع الاتهامات ويتكلم بالسوء عن أصحاب الرأي الآخر ويبين عدم احترامه لأصحاب المعتقدات وللأخوة الأكراد فهذا دليل آخر على العقلية البعثية التي خربت البلد وأوصلته إلى وضع لا يحسد عليه. وليس بالأحسن كيل الإتهامات لمن أفلت من تحت براثن عصابة حافظ الأسد وفر إلى أي مكان في العالم منتظراً الفرج حين يتهم فراس أحمد هؤلاء بأنهم ذهبوا ليتقاضوا راتب عاطل عن العمل في السويد وغيرها....! ألا يندى جبينك وأنت تتفوه بكلمات من هذا النوع؟ ألا يشعر بالخجل من نفسه من يتجنى على أخوتنا الذين يعانون من الغربة وغيرها حين يكتب ذلك؟ أيوجد أجهل من ذلك؟ وكذلك توزيع الاتهامات بأن الاخوان المسلمين قتلوا هذا وذاك... صحيح أن فئة قليلة جداً من الاخوان لجأت إلى الرد على عنف السلطة بعنف راح ضحيته عدداً ما من الناس، لكن هل يمكن مقارنة عنف الاخوان بعنف السلطة؟ ماذا فعلت السلطة بحماه وحلب وجسر الشغور وإدلب ودمشق واللاذقية وغيرها؟ ماذا فعل النظام السوري بسجناء الإخوان في تدمر وغيرها؟ كم هو عدد المفقودين والذين لا ذنب لهم؟ لا أعرف كم هو عمرك يا سيد فراس أحمد وإن كنت تتذكر جيداً كيف أن عائلة البروفسور المرحوم محمد الفاضل لم تتهم الإخوان بدمه بل اتهمت من له مصلحة بالتخلص من الأستاذ الفاضل، وأريد أن أذكرك كيف أن كثير من حوادث الاغتيالات قامت بها مخابرات حافظ الأسد ضد بعض الرموز ونسبت فيما بعد إلى الأخوان...وهذا ما هو معروف جيداً حتى في الوسط العلوي... وحادثة الأزبكية التي تشير إليها أصبح معروفاً منذ زمن أن لا علاقة للإخوان أو لنظام صدام حسين بها حيث انكشف لاحقاً أنها بتدبير فرنسي وذلك رداً على الاغتيالات والزعرنات والأعمال الإرهابية التي كانت المخابرات السورية ترعاها وتنفذها في باريس... وأذكرك من جديد، وهذا ليس سراً، أنه لولا الأخطاء التي وقع بها البعض من الإخوان في سورية (العنف كما ذكرنا آنفاً) لكانت أعداد كبيرة من العلويين هللت فرحاً لوجود من يتحدى هذا النظام الفاسد بل ولكسب تنظيم الإخوان بعضاً من العلويين.. العلويون أول من أصابهم الأذى من نظام الأسد الذي زرع الأحقاد والضغائن التي لن ينظف البلد منها حتى بعد عقود من كنس نظام الأسد القائم والذي يمارس أبشع الممارسات ويريد أن يختبئ وراء الطائفة العلوية.
أستطيع الاستطالة كثيراً في التعبير عن السخط والحنق الذي في نفسي بعد أن قرأت هذه السموم والتي يبدو أنها تنضح من بعثي يستمد معلوماته من مساعد في فرع أمن...ولكنني أقول: الوطن يجب أن يكون لنا جميعاً... والأكراد ليسوا ضيوفاً علينا بل ربما نحن ضيوفاً عليهم لأنهم من أقدم سكان المنطقة...وللأخوان المسلمين (وغيرهم) كل الحق في العودة كجماعات وليس كأفراد وممارسة حقهم في السياسة وبكل حرية وديمقراطية وتاريخهم (وكذلك الشيوعيين الذين يتهجم عليهم فراس أحمد) أقدم من البعث بكثير في سورية..ولا يحق للبعث أن يتفرد بالحكم.. والواثق من نفسه يعرف أن استمراريته يحددها خطه وما يقدمه للناس. ونصيحتي لمن يريد أن يتنكر للآخر ولوجوده وحقوقه أن يفتش عن حفرة ما ليدفن نفسه بها وليتقوقع على نفسه أو ليتمدد تحت شجرة التوت في الضيعة ليستمتع بفيها أو لينتظر في الليل ظهور القمر ليرى صورة قائده الخالد مرتدياً نظاراته الشمسية... وليقضي بقية عمره في أجواء الزيف والوهم والغوغائية فقطار الزمن يتحرك وسنسير به جميعنا في سورية بكل انتماءاتنا السياسية والأثنية والدينية وباحترام لبعضنا البعض ودون أن يلغي أحدنا الآخر... ولن يصح في نهاية الأمر إلا الصحيح.
هيثم بسما ـ اللاذقية 30. 8. 2004
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟