أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حكمت مهدي جبار - التناص في الفنون التشكيلية (نصب الحرية أنموذجا)















المزيد.....

التناص في الفنون التشكيلية (نصب الحرية أنموذجا)


حكمت مهدي جبار

الحوار المتمدن-العدد: 3110 - 2010 / 8 / 30 - 06:01
المحور: الادب والفن
    


التناص في الفنون التشكيلية..
نصب الحرية أنموذجا..
حكمت مهدي جبار
المنجز الابداعي التشكيلي سواء كان رسما ام نحتا أيا كان اتجاهه وأسلوبه فهو (نص بصري).وأذ يجتمع مفهوم النص التشكيلي مع النص الادبي فأن تحديد المفهومين كتعريف لايفترقان .ذلك لأننا لو بحثنا عن مرجعية المفردة وأصولها لوجدناها تؤدي نفس الغرض في المعنى والتأويل.سواء في الفنون البصرية , رسما او, نحتا او, عمارة اوفي الفنون الأدبية شعرا او رواية او مسرح. فالنص لغة هو الرفع او تقديم الشيء, او عرضه للمشاهدة.حيث جاء في (تاج العروس للزبيدي) (نص ينصه أي رفعه). وفي موضع آخر (النص في الأصل هو (الأظهار) لذا قيل : نص الشيء : اظهره.ومنه نص نصا : أي جعل بعضه فوق بعض.اما (التناص) فقد وضعه البلاغيون العرب القدماء تحت مفهوم (التشبيه) ومن ثم (الأستعارة).والمفهومين يمثلان بنية (مشاكلة) بين طرف وآخر او بين (بنية) وأخرى. أي علاقة تشابه بين العمل الادبي والفني من خلال لغة مجازية فنية. تعمق العرب بدراسة هذا المفهوم , ولكنهم لم يدرسوه بهذا الأسم (التناص) انما عرفوه بالـ(تضمين) .أما المصطلح الحديث لـ( التناص)entertextualite) ) يعود الى (جوليا كريستيفا) (joulea crestefea) والتي اكدت فيه على انه تقاطع عبارات مأخوذة من نصوص اخرى.مؤكدة على العلاقة والتعديل المتبادل ,وقد لخصت طرحها لذلك بعبارتها المشهورة حول التناص عنما قالت ( أن كل نص هو تشرب وتحويل لنص آخر)..
وتأسيسا على ذلك فأن المنجز التشكيلي رسما كان ام نحتا ام عمارة انما هو مجموعة منجزات الآخرين. فاللوحة المنجزة (أ ي لوحة) انما هي مجموعة رسوم الآخرين بعد أن هضمت الرسوم التي سبقتها وتمثلتها لتحولها الى هذا المنجز الجديد..وهكذا مع النحت والعمارة والسيراميك وغيرها.يقول الأستاذ كاظم نوير ( انه لا أشكال عذراء. فالعمل الفني هو طبقات من الأعمال الفنية تماثلت وتشاكلت استجابة لقانون التشاكل والتباين الابداعي من جهة ومن جهة اخرى فأنها تماثلت وتباينت استجابة لضرورات الخلق الفني المرتكز على ما للواقع من حضور خاص وجديد يشكل واقع النص وهويته. ان أي فنان عندما يرسم او ينحت او يبني انما يقوم بأعادة انتاج سابق له بطريقة لا شعورية تراكمت لديه بفعل تراكم الصور في طيات الذاكرة تحت طبقات اللاوعي.فهو لم يخرج من بطن امه وهو يرسم المنظر الطبيعي بدون ان ينظر الى رسام آخر كيف يرسم ؟ ولم يقدر على توزيع (الفكرات) داخل السطح التصويري مالم ينظر الى فنان آخر تعلم منه او اخذ عنه خبرته؟ أي بمعنى انه يقوم بأعادة انتاج غيره سواء كان يدري او لايدري.وهذا هو (التناص ), والذي يعرف تشكيليا بـ(التشاكل) ..
التناص التشكيلي في نصب الحرية.
أنجز جواد سليم رائعته الخالدة (نصب الحرية) في ستينيات القرن الماضي,مستلهما فيه قيم (الرسم )لأنجاز أثر فني عظيم ينتمي الى (النحت).وانه أذ نجز ذلك الصرح الكبير فهو انما قدم (نصا بصريا ) تشاكلت طبقاته استجابة لقانون الخلق الفني كما مر ذكره , وذلك النص(النصب) قد تألف من وحدات بصرية تضم وحدات صغرى على الطريقة الأدبية اللغوية .فهو, يرى , يشاهد , يقرأ , من اليمين الى اليسار .وكأن المشاهد يقرأ بيت شعري عربي كلاسيكي ذي صدر وعجز , وبذلك فأن جواد قد أستعار بنية الشعرالعربي حيث تظهر الشمس في وسط النصب (كفاصلة) بين شطري البيت الشعري وعجزه , أو (النقطة) في النثر وهنا يتناص النصب مع النص اللغوي بخصوصيته الزمنية حيث التقاطع والتتابع الحكائي لقصة النصب.. أو انه اعتمد على ما بشبه النص (الحكائي) على الطريقة الارسطية .بداية , وسط , نهاية , فالنصب حكاية تحكي قصة كفاح الشعب العراقي في سبيل الحرية والخلاص.
ان نصب الحرية عمل فني مذهل منفتح بشكل كبير, وكلما كان العمل الفني اكثر انفتاحا كلما كان أكثر قبولا للتناص واالتشاكل .اشكال النصب النحتية منفتحة على الفن الرافديني .فكانت تتشاكل / تتناصص مع الأشكال السومرية لاسيما فيما يخص البنية المعمارية للشخوص التي تجسد (عملاقية الجسد العراقي القديم) الى جانب بنائية الأختام الأسطوانية. وكذلك يظهر من منحوتة الثور (البارزة ـ المجسمة) كما عبر عنها شاكر حسن ال سعيد : جمع وجهتي النظر في الفن السومري.فجسم اثور الجانبي ارتأى فيه جوادا ان يكون جانبيا ليظهر الجسم واضحا للمشاهد .أما رأس الثور نفذ مجسما ليمنحه قدرة على التفاتة قوية (حركة مثلى) كتلك التي في النصب.الى جانب توزيع تلك الأشكال وأكثرها أجساد بشرية وحيوانية يوحي ويحاكي الوقائع التأريخية الوطنية كونها معاني حضارية عظيمة.أما اذا نظر اليها من حيث كونها اشكالا بأعتبار ان الفن لغة لأشكال رمزية فأنها تولد معاني متعددة كما قلنا مما يخلق محيطا ابداعيا قابلا لفرض سلطته الفنية التشكيلية على المتلقي. . ان جواد سليم آلف مابين النحت البارز من خلال استخدام طريقة الحز وبين النحت المدور (تمثال الطفل) وأستخدم القضبان في منحوتات (الامومة ) والخشب في السجين السياسي . واعتمد بما يسمى (بالمحاور التعاقبية) وأهمها طبعا (السجين السياسي) الذي يتوسط العمل والذي تم فيها التجريد والتجسيد معا من خلال طريقة أختزال رائعة . اما المحور العمودي فتمثل في القضبان والخطوط الشاقولية وأمتدادات الشخوص والسنابل..والفنان التشكيلي غير قادر على صنع اشكال دون احتكاك بالمثيرات الشكلية عبر تناصاته ومن هذا التناص / التفاعل يستمد العمل الفني هويته.والفنان بسبب ارادته الشعورية واللاشعورية يبدأ بفرض اشكال جديدة . ووفق هذه المفاهيم تأثر جواد سليم بفن (هنري مور) بعدد من التنفيذات حيث اتجه نحو الأختزال الشديد الذي وصل الى حد التجريد وهذا ما نلاحظه في تمثال الأم وهي تحتضن طفلها وكأنها كرة ,على طريقة تكوينات (هنري مور) وأختزالته.وهو بذلك يحاول تجاوز المحلية بأتجاه العالمية مع الحفاظ على الهوية الوطنية. وهناك مقاربات فكرية بين النصب ولوحة (الغورنيكا) الشهيرة للفنان الكبير (بابلو بيكاسو), فالنصب يبدأ بالحركة والعنف ويصل ذروته عند انتفاضة السجين وارتفاع الشمس ثم يتجه الى الاستقرار بحركة درامية نحو الهدوء. بينما تكون (الغورنيكا ) قد ركزت على المنتصف من خلال البؤرة الدرامية العنيفة وهذا ما يؤكد على وجود (التشابه) أو الأستعارة الناشئة من لاوعي الفنان جواد نتيجة تراكمات خبرته الفنية التشكيلية, وأفادته من التجارب اتي سبقته. وأذا كان نصب الحرية قد بدأ بالحركة والعنف لينتهي الى الهدوء وهو يسرد قصة نضال الشعب العراقي فأن الغورنيكا ممتلئة بالمأساة لتعبر عن قتامة الجريمة التي وقعت على الشعب الأنساني من قبل النازية الألمانية التي حرقت القرية (غورنيكا) خلال الحرب العالمية الثانية ..
أن معظم منحوتات النصب جانبية وأنجزت بأسلوب النحت البارز (الريليف) ما عدا منحوتتي (الطفل)و(الثور)فقد نفذا بأسلوب النحت المجسم .وهذه هي محاولة لأبراز (الوضع الأمثل) للمنحوتة . فهو رأى أن لايمكن ان يظهر (الطفل ) و(الثور) بالغاية التي يريدها اذا ما نفذ بطريقة النحت البارز . فلجأ الى اسلوب النحت المجسم .وهي طريقة اتبعها الفنان العراقي القديم ..أستلهم جواد سليم فن الرسم كقيمة تشكيلية ببعديه الطول والعرض وطبقها في النحت البارز بأعتبار ان النحت البارز نحتا ببعدين أو هو رسما بمادة مجسمة , أي انه نحت بدون بعد ثالث (عمق ) بدرجة ما أو انه رسم اضيف له بعد ثالث .
لايخلو النصب من غايات ايديولوجية حيث كان جوادا حزءا من عصر هيمنت فيه الأيديولوجية على الفنون بشكل عام . لكنه عرف كيف يتصرف كفنان لا كسياسي منتم الى حزب . لذلك رأيناه تصرف مع الجانب الفني البصري رغم الأهداف الأيديولوجية التي عناها النصب ليدرك ان ادلجة الفن تسلب ابداع الفنان وتسلب حق المتلقي في المشاهدة والتحليل والتمتع بالمشاهدة.
نصب الحرية منجز ابداعي كبير ثري بالدلالات والرموز الوطنية والأنسانية ورغم ان مستويات وحدات النصب / النص/ وحدات من (أجزاء منفردة) ووحدات (أجزاء مجتمعة) على حد قول شاكر حسن آل سعيد وهذا يؤكد معمارية النصب وهو تناص الفن التشكيلي مع فن العمارة.ورغم (التعددية النصية /الشكلية) في (النص / النصب )فهو يبقى لغة بصرية عرف جواد سليم كيف يوصلها بسهولة الى المتلقي سواء كان انسانا عاديا او فنانا او ساذجا او ناقدا .
المصادر:
1 - مقالة للأستاذ كاظم نوير _ مجلة الموقف الثقافي – العدد29 سنة 2000
2 - جماليات الشكل في الرسم العراقي الحديث – اطروحة دكتوراه – عاصم عبد الامير 1997.
3 – التربية عن طريق الفن – هربرت ريد – القاهرة – 1968.



#حكمت_مهدي_جبار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفن التشكيلي المعاصر في العراق .تعدد المصادر وأختلاف الأسال ...
- ألأنسان والتجربة الجمالية.
- شخصية كلكامش ..


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حكمت مهدي جبار - التناص في الفنون التشكيلية (نصب الحرية أنموذجا)