أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حكمت مهدي جبار - شخصية كلكامش ..















المزيد.....

شخصية كلكامش ..


حكمت مهدي جبار

الحوار المتمدن-العدد: 3070 - 2010 / 7 / 21 - 09:54
المحور: الادب والفن
    



اننا لم نعش في الزمن الذي عاش فيه كلكامش , (بطل ملحمة كلكامش العراقية) ذلك الزمن السحيق الذي سبق ميلاد السيد المسيح بألآف السنين .لذا فنحن لم نعرف نمط حياته وشخصيته وجوانبه النفسية السايكو لوجية الا من خلال ما وصلنا من نصوص نقلها الينا الكاتب والاديب العراقي القديم فالحكم على نمط هكذا شخصية ومعرفة سلوكياتها شبه مستحيلة .ومنها قد ننجح او نفشل في تحديد ملامح تلك الشخصية التي اعتبرها البعض حقيقية والبعض الاخر اعتبرها اسطورية , وما نقدمه في هذا المبحث المتواضع المتضمن محاولة لتحليل شخصية (كلكامش )لا يعدوا كونه افتراضات وضعناها من خلال التمعن في سير احداث الملحمة العظيمة وقراءة حوارات كلكامش مع باقي شخصيات الملحمة لنستنتج ما توصلنا اليه..

ان دراسة الشخصية كما يقول الدكتور( 1)( قاسم حسين صالح) استاذ علم النفس في جامعة بغداد. تركز ليس فقط على العملية السايكولوجية فحسب بل وعلى العلاقات بين العمليات المختلفة , وان السلوك الانساني هو حالة معقدة يصعب احتواؤها ودراستها وتحليلها بالنسبة لاي باحث مهما كان مبدعا فلا توجد لحد الان نظرية واحدة متكاملة ومنظمة في الشخصية تستطيع ان تزودنا بمجموعة او منظومة من التفسيرات الصادقة . فكيف مع شخصيات موغلة في القدم عاشت عصور قديمة جدا فضلا عن خصائص ذلك الزمن وطبيعة تلك الحياة وسماتها..وأذا افترضنا ان (كلكامش) شخصية (اسطورية) فان تحليل الشخصية (الاسطورية) صعب جدا نتيجة تشعباتها وتعقيداتها لأرتباطها بالفكر الأسطوري الغامض. فأننا في هذا الموضوع نرى انفسنا اننا نخوض في منجز ابداعي كبير ومذهل اثار اعجاب الدنيا قديما وحديثا , ونحن نتناول الجانب النفسي السايكولوجي للنموذج الملحمي . فمن اشعار ملحمة (كلكامش) ونصوصها تمكنا ولو بالحد الادنى معرفة تلك الشخصية الغريبة الغامضة العجيبة .

هل كان كلكامش شخصية حقيقية ام اسطورية ؟

1_- أن المعروف ان كلكامش شخصية تأريخية معروفة في العصر السومري (2) حيث ورد اسمه في ثبت سلالة ملوك (اوروك )التي استعادت الملكية بعد (الطوفان) ومعنى اسمه بالسومرية (الرجل الذي سيثبت شجرة جديدة أي الذي سيولد )(3)
اما في المعنى الاكدي (المحارب الذي في المقدمة )..أذن كان كاكامش ملكا..الا ان شخصيته الحقيقة كملك اختلطت بشخصيته الاسطورية.. الا ان المتمعن في الملحمة يجد ان احاسيس (كلكامش) تدل على مشاعر انسانية رائعة اكثر منها اسطورية .

هو الذي رأى كل شيء فغنى بذكره يا بلادي
وهو الذي خبر جميع الاشياء وافاد من عبرها
وهو الحكيم العارف بكل شيء

2_لم تخلو شخصية كلكامش من متناقضات (4) وقد يكون ذلك ناتج بالتأكيد من طبيعة عناصر الملحمة المتناقضة حيث ان منطقها لم يكن قائما على تعاقب الاحداث على الطريقة (الارسطوية) في الادب ,انما قائمة على التشابه وتكرار الاحداث.


3_لذلك نرى( كلكامش) كثيرا ما يقع تحت تأثيرات انفعالية وعاطفية وحماسية. فكان يتصرف تحت ضغط طاقة روحية هائلة في دعوته لشحذ الهمم بالقسر والاجبار لبناء (اوروك )حتى اثار الرهبة والهيبة في نفوس شعبه.وما تلك الا تعبيرا عن اثبات وجوده كشخصية فاعلة وهي وفق التعبير الوجودي تدل على تركيز كلكامش على محاولته كأنسان لأن يجعل معنى لوجوده وهو يتحمل مسؤولية افعاله في بناء مدينته وفق مباديء آمن بها .

4_كان يقوم بأجبار الشباب على العمل المتواصل والشاق في حملات البناء والاعمار على طريقة (السخرة) مما ادى الى امتعاض الشعب وسخطه رغم انهم كانو يحبونه كونه قد حقق لهم منجزات سابقة ورفع اسم مدينتهم عاليا بين المدن الأخرى . ونتيجة عظمة منجزاته ومكانته مابين المدن والامم والشعوب فقد الهه ملوك سومر أي جعلوه (الها )يعبد.
وعلى ضربات الطبل تستيقظ رعيته
لازم ابطال اوروك حجراتهم متذمرين شاكين


5_وقع (كلكامش )تحت تأثيرنوازع نفسية حادة وعنيفة الى حد الاستهتار والتخبط .فهو في الوقت الذي كان يرعى فيه (اوروك) وتشييد الاعمار وتعزيز حصونها كان يغتصب أي عروس قبل ذهابها الى عريسها . وكذلك لم يدع ابنا طليقا لأبيه الا وجنده للعمل الاجباري .وهي بلا شك تعبير عن نوازعه لأثبات فحولته ورجولته وذكورته.

لم يترك كلكامش ابنا لأبيه
ولم تنقطع مظالمه عن الناس ليل نهار
ولكن كلكامش هو راعي اوروك السور والحمى
انه راعينا قوي وجميل وحكيم
لم يترك كلكامش عذراء لحبيبها

6_في الوقت الذي كان فيه (كلكامش) يستدعي شباب اوروك للعمل الشاق بضرب الطبول . فانه كان يستدعيهم في مجالسه (مجلس الشيوخ) ليأخذ رأيهم في امر ما مؤكدا حرية التعبير بل يمكن القول انها اولى بوادر تأسيس الديمقراطية في العراق القديم.

7_كان (كثير الاحلام) والتي غالبا ما كان يعتبرها (نذير شؤم) لولا تفسيرات امه له لتلك الاحلام عندما تطمئنه (3), بأن صديق له سيأتيه ليكون رفيق دربه في مواجهة الاقدار وتحدي الصعاب .ولكنه لم يكتفي بتفسيرات امه( فكان ينتظر من الاخرين ان يفسروا له معاني احلامه) اذن فهو كان شديد القلق والترقب والخوف من القادم المجهول .فكان يعيش قلقا وجوديا
يا امي لقد رأيت الليلة الماضية حلما
رأيت اني اسير مختالا فرحا بين الابطال
فظهرت كواكب السماء وقد سقط احدهما الي وكأنه شهاب السماء(آنو)
لقد اردت ان ارفعه ولكنه ثقل علي

8_فقد( كلكامش) الثقة بالمرأة , عندما بدأ يشك بعشيقاته وغريماته ! وخاصة مع (عشتار) الهة العشق والحب والتكاثر ,سيدة البغايا والعاهرات..عندما اشتعل حبها به عندما رأته في خلسة وهو ينثر شعره الطويل الجميل ويغسل جسده العملاق المثير للشهوة الجنسية فطلبت منه الزواج فرفضها بقوة:-

غسل كلكامش شعره الاشعث الطويل وصقل سلاحه.
وأرسل جدائل شعره على كتفيه
وخلع لباسه الوسخ واكتسى حللا نظيفة
ارتدى حلة مزركشة وربطها بزنار
ولما ان لبس كلكامش تاجه
رفعت عشتار الجليلة عينيها ورمقت جمال كلكامش فنادته
تعال يا كلكامش وكن عريسي.......(الى آخر النص)
فقال لها كلكامش :-
أي خير سأناله لو تزوجتك ؟
انت! ما انت الا الموقد الذي نخمد ناره في البرد
انت...كذا وكذا ....
الى آخر الكلام الذي اهانه بها وذكرها بغدرها لعشاقها السابقين مثل (تموز)و( طير الشقراق) و(الأسد) و(الحصان) و(راعي القطيع) و(البستاني) الذي كان يعمل ببستان ابيك


9_بعد موت (انكيدو) وهو المشهد الشديد الأثارة في كل الملحمة . حزن كلكامش عليه كثيرا . وصار يبكي ليلا ونهارا على صديقه المفقود . الى جانب شعوره بالخوف من تلك النهاية الحتمية .
وأخذت الدموع تنهمر من عينيه درارا
قال : يا أخي وخلي العزيز علام يبرؤوني من دون اخي
ثم اردف يقول: هل سيتحتم علي ان ارقب ارواح الموتى
فأجلس عند باب الأرواح
وهل سيكتب علي الا ارى صاحبي العزيزبعيني
سمع كلكامش قول صديقه انكيدو فجرت دموعه
فتح كلكامش فاه وقال لأنكيدو:
لقد حباك الأله بقلب واسع ..

فقد حاول ساعيا ان يتخلص من شبح الموت (وامله في العثور على مايهبه الخلود والشباب الدائم مما دفعه الى ابتداع اشياء اخرى عسى ان تبقيه خالدا)وذلك عند ما ذهب الى جده (اوتو – نبشتم ) ومعاونته في بحثه عن سر الخلود .
وهكذا بلغ اور شنابي مياه الموت
وعند ئذ نادى اور شنابي كلكامش وقال له :
هيا يا كلكامش خذ مرديا وادفع به
وحذار ان تمس يدك مياه الموت
.................................
...................
........................
ثم شمر كلكامش عن يديه ونزع ثيابه ونشر بيديه القلوع
وكان اوتو – نبشتم قد شاهد السفينة من بعيد ..
الى آخر النص..
اذن كان كلكامش يشعر بخطورة الموت وقسوته من خلال رؤيته لموت صديقه انكيدو حيث انه لم يكن يعتقد من قبل بأن هناك قوة قادرة على تفريقه من صديقه الحبيب انكيدو سيما وقد عاشا حياة الترف والعزة وتعظيم الناس لهما مما خلق فيهما شعورا بانهم خالدون .فراح وفق المفهوم الوجودي يخاف من المستقبل المجهول وينكمش منه وهو ينظر الى نفسه في ضوء ماضيه حيث المجد والعظمة الى حد التأليه ...ان موضوع الملحمة يتمحورؤ حول الأنسان وحول قدره المحتوم وهو الموت(5) .فالموت قاسم مشترك بين بني البشر يطارد شبحه ويؤرق كل واحد منهم دون استثناء .وهي تمثل فعلا محاولة جريئة لتغيير ذلك القدر الذي كتبته الآلهة للأنسان منذ الدهور الأولى.واذا ما اردنا ان نعتبر ان افكار كلكامش وجودية فأنها وجودية مؤمنة * ......اي انه صار مثابرا بوجه القلق وأختار البقاء على صبره على فراق نصفه الثاني انكيدو بحيث نظر الى الحياة على انها كفاح وتحدي وأن الحياة رغم قلقها وحتمية نهايتها فأن الانسان يستطيع ان يعيشها بشكل افضل .(6) وبعد البرهنة على حتمية الموت وتعذر الخلود ,فكأن كلكامش يسأل نفسه ماذا ينبغي على الفرد ان يسلك في هذه الحياة ؟ اينبذها ويفر من العالم على طريقة الوجودية الملحدة ؟ ام انه يقبل على الحياة فيغترف من نعيمها ولذاتها ؟أم انه يرضخ لقانون الحياة والموت ويقبل التحدي فيقوم بما يخلده بعد الموت عن طريق الذكر ...وذلك ما فعله بطل الملحمة العراقية الرائعة( ملحمة كلكامش).




المصادر:
1- الانسان من هو ؟ الدكتور قاسم حسن صالح. 1986
2- مقدمة في ادب العراق القديم ..طه باقر.1976
3- مجلة افاق عربية..العدد5-6حزيران 2002.فؤاد يوسف قزانجي.
4- = = = = = العدد 7-8 آب .= = = 2001
5- * يقول الدكتور (قاسم حسين صالح)هناك من يرى على سبيل المثال فلسفتين (للوجودية) يمثلهما صنفان من الوجوديين الاول هم (الوجودديون المؤمنون) ويمثلهم (جابريل مارسيل) و(كارل يسبرز) والصنف الثاني هم (الوجوديون الملحدون) ويمثلهم (هايدجر) و(سارتر) ..
5--مجلة الاقلام تموز – اب – 2000د فاضل عبد الواحد علي
6- نفسس المصدر الاول



#حكمت_مهدي_جبار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295


المزيد.....




- فنانون يتدربون لحفل إيقاد شعلة أولمبياد باريس 2024
- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟
- شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً ...
- حضور فلسطيني وسوداني في مهرجان أسوان لسينما المرأة
- مهرجان كان: اختيار الفيلم المصري -رفعت عيني للسماء- ضمن مساب ...
- -الوعد الصادق:-بين -المسرحية- والفيلم الأميركي الرديء
- لماذا يحب كثير من الألمان ثقافة الجسد الحر؟
- بينهم فنانة وابنة مليونير شهير.. تعرف على ضحايا هجوم سيدني ا ...
- تركيز أقل على أوروبا وانفتاح على أفريقيا.. رهان متحف -متروبو ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حكمت مهدي جبار - شخصية كلكامش ..