أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - بوابة التمدن - نهلة الشهال - لماذا السيد المسيح أشقر؟














المزيد.....

لماذا السيد المسيح أشقر؟


نهلة الشهال

الحوار المتمدن-العدد: 3097 - 2010 / 8 / 17 - 19:01
المحور: بوابة التمدن
    


كان صفار شعر السيد المسيح، وخضار لون عيونه، بخلاف كل المحيطين به في المشاهد وهم جميعاً داكنون، هما ما أزعجاني في الشرائط الإعلانية التي سبقت بدء عرض المسلسل وفي الصور الدعائية له التي انتشرت في العديد من الصحف اللبنانية. وبرغم إني استغربت أن يكون العمل واحداً من برامج شهر رمضان، لعدم تناسق موضوعه مع المناسبة، إلا إني لم ادقق في الأمر أكثر، بل أعترف بأني افترضت ايجابيات في هذا كله ـ وإن متخلفة ـ رحت أتندر بها، لاعنة المقاييس السائدة في منطقتنا والتي ترى في كل أشقر أبيض جميلاً. وبالغت في نكاتي لكثرة الشقراوات في شوارع لبنان هذا الصيف، مواطنات وسائحات ـ بل والشقر إجمالاً بعدما اجتاح المرض الذكور أيضاً ـ ولتوفر العدسات اللاصقة التي سهلت تلوين العيون. وأما عن التوقيت، فاعتبرت أن المخرج، ومعه قناتا المنار و«أن بي أن» اللتان تعرضان المسلسل، أرادوها في رمضان بالذات، لفتة لطيفة وكريمة إلى المسيحيين في المشرق وتحديداً في لبنان! تصوّر يمكن تسجيله في خانة السذاجة إذا شئتم، بينما أقول دفاعاً عن نفسي إنه استعداد ذاتي للتفاؤل، ما اعتبره أساس المقاربة الثورية للعالم. وهذا باب نقاش واسع، لا يسويه اعتماد الموقف السينيكي الذي يشكك ابتداء بالنوايا وينطلق من فرضية الشر.
فجأة انفجر المشكل، ليتبين أن العمل، وهو من إنتاج وإخراج إيرانيين، يقوِّل السيد المسيح ما لم يقله. هكذا بكل بساطة. غضبتْ المراجع الكاثوليكية في لبنان، وانتقلت فوراً إلى الهجوم المضاد الذي حمل المطران بشارة الراعي ـ والرجل لديه تاريخه الخاص في هذا الصدد، وإنما لا يفسر ذلك وحده التصعيد ـ على التصريح علناً بأن «كل كلام عن عيش مشترك واحترام ديانة الآخر ومعتقداته هو كلام لا يستند إلى تطبيق فعلي»! هي الحرب الأهلية إذاً.
غدت فجأة شقرة السيد المسيح في المسلسل غربة وليست تجميلاً. وتذكرتُ كيف دعت السلطات الإيرانية منذ بضع سنوات ابنة الثائر تشي غيفارا إلى طهران، فتفاءلنا بأنهم بدأوا يتيحون واحدا من شروط الالتقاء بين اليسار والإسلاميين، وهي لا تقوم بدون تقبل واحترام متبادلين. وإذا بمسؤول كبير يفتتح أول مهرجان عقد في طهران للاحتفال بقدوم الوفد، مفاجئاً السيدة وصحبها بقوله إن غيفارا في حقيقة الأمر، وبعد أن درس هو أقواله وأفعاله، كان مؤمناً صالحاً متديناً ولم يكن البتة شيوعياً! هكذا حرفياً. فانسحبت الابنة والوفد من الاحتفال وغادروا البلد، وتندرت الصحف العالمية بالواقعة.
ويبدو أن طهران قد قررت أيضاً إثبات أن السيد المسيح كان محمدياً وليس إبراهيمياً فحسب، وأنه قال في حياته انه عبد الله (وليس ابنه)، وإنه لم يصلب ولم يقم، بل حتى إنه بشَّر بقدوم النبي العربي (والعروبة هنا واقعة لا يصلح فيها التحريف، وليس على طهران سوى الصبر عليها!). ويدعي التأويل أنه يستند ليس إلى النظرية الإسلامية عن السيد المسيح، وهي موضع خلاف ديني بين العقيدتين، بل إلى واحد من الأناجيل، تصفه السلطة الكنسية القائمة بأنه منحول، وترفضه. وهذا على كل حال سجال في غير محله لأسباب عديدة منها أن مكانه في «حوار الأديان» الذي تشترك في مختلف أطره طهران، يُفترض أن يكون هيئة فلسفية وعقيدية عليا، وليس بالتأكيد مسلسلات تطرح على عموم الناس.
ولكن الأهم دائماً هو سؤال الوظيفة، وإلا خرجنا من حقل التدبير السياسي، أول مستويات الاجتماع الإنساني، إلى لا مكان. فما مصلحة طهران اليوم في التطرق لهذا الأمر، بينما تواجه المنطقة بأكملها إشكالية خطيرة متمثلة بهجرة مكثفة لمسيحييها إلى أقاصي الأرض، هرباً مما يرونه اضطهادا، أو يخافون من تحوله إلى ذلك. وهو في حالات معينة أكثر من اضطهاد. ويكفي أن نذكر كيف استُهدف بالقتل المسيحيون في العراق من قبل بلهاء مجرمين ينتمون إلى القاعدة (أو سواها؟)، وكيف تناقصت أعداد المسيحيين في فلسطين، مهد الناصري، ضيقاً أو خوفاً لم يجدا من يبددهما، واستجابة لتسهيلات غير بريئة لهجرتهم، تقدمها القنصليات الغربية كافة. ويعلم كل مطلع أن هناك برامج في وزارات خارجية الدول الغربية لـ«حماية» مسيحيي الشرق، وأنها جزء من مخططات التدخل في المنطقة والتلاعب بمكوناتها، وفي نهاية المطاف «شيطنتها»، وتسهيل استهدافها من ضمن إستراتيجية «صراع الحضارات» التي سبقت تنظيرات هانتغتون وارنست غلنر لها، ولم تقبر برحيلهما ولا برحيل المحافظين الجدد عن السلطة في واشنطن.
وأما في لبنان، حيث يبذل حزب الله وحركة أمل، صاحبا القناتين، جهوداً يومية لمنع انفجار الموقف، ولتعزيز التسوية القائمة بين الطوائف (أليس ذلك هو ما يقبلانه وينخرطان به حتى النخاع الشوكي؟) انطلاقاً من إدراك للمعطيات كما هي قائمة، ومن تصور للأولويات مناسب لتسييرها، فليست برمجة العرض من قبلهما سوى حماقة. ولكن الأخطر هو أنها حماقة تكشف عن سوء تقدير لحساسيات الآخرين، مما يثير مجدداً مسألة مقدار الانعزال والتقوقع اللذين يعاني منهما التياران، وهما يزدادان كلما قويت شوكتهما، وليس العكس. لا سيما أنه من غير المعروف عنهما ـ ولا عن إيران ـ انفتاح على الإبداع بتعريفه المطلق!
وأما تفجع بعض المثقفين اللبنانيين، من كل الحساسيات، على الضغوط التي مارستها الكنيسة وصادفت قبولاً سياسياً عاماً أدى إلى وقف عرض المسلسل، فموقف صبياني في أحسن حالاته، ليس لأن الرقابة حق للسلطات، ولكن مجدداً لأنه وبكل موضوعية وكتقرير لواقع الحال، فلا يوجد مجتمع إنساني بلا رقابات ومحرمات: تخيلوا مثلا أن يُعرض فيلم ينكر المحرقة اليهودية في الغرب الليبرالي المتحضر! لكان وقع تحت طائلة القانون. وعلى أية حال، فنقاش الرقابة والإبداع مهم لدرجة أنه لا يمكن أن يُترك للصدفة.
على أن الطامة الكبرى في المواقف والنقاش بهذا الخصوص هو أن تكون استنسابية. عيب يا قوم!


السفير



#نهلة_الشهال (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يوم المرأة العالمي: جردة حساب مشاكسة
- حركة مناهضة الحرب تتصدى لمهمة بنائها الذاتي
- خارج الزمن: رياض الترك أم معتقِلوه?


المزيد.....




- شاهد ما كشفه فيديو جديد التقط قبل كارثة جسر بالتيمور بلحظات ...
- هل يلزم مجلس الأمن الدولي إسرائيل وفق الفصل السابع؟
- إعلام إسرائيلي: منفذ إطلاق النار في غور الأردن هو ضابط أمن ف ...
- مصرع 45 شخصا جراء سقوط حافلة من فوق جسر في جنوب إفريقيا
- الرئيس الفلسطيني يصادق على الحكومة الجديدة برئاسة محمد مصطفى ...
- فيديو: إصابة ثلاثة إسرائيليين إثر فتح فلسطيني النار على سيار ...
- شاهد: لحظة تحطم مقاتلة روسية في البحر قبالة شبه جزيرة القرم ...
- نساء عربيات دوّت أصواتهن سعياً لتحرير بلادهن
- مسلسل -الحشاشين-: ثالوث السياسة والدين والفن!
- حريق بالقرب من نصب لنكولن التذكاري وسط واشنطن


المزيد.....

- خط زوال / رمضان بوشارب
- عينُ الاختلاف - نصوص شعرية / محمد الهلالي
- مذكرات فاروق الشرع - الرواية المفقودة / فاروق الشرع
- صحيفة الحب وجود والوجود معرفة , العدد 9 / ريبر هبون
- صحيفة الحب وجود والوجود معرفة ,, العدد 8 / ريبر هبون
- صحيفة الحب وجود والوجود معرفة العدد 7 / ريبر هبون
- صحيفة الحب وجود والوجود معرفة الالكترونية , العدد 6 / ريبر هبون
- صحيفة الحب وجود والوجود معرفة , العدد 5 / ريبر هبون
- صحيفة الحب وجود والوجود معرفة العدد 4 / ريبر هبون
- صحيفة الحب وجود والوجود معرفة , العدد 2 / ريبر هبون


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - بوابة التمدن - نهلة الشهال - لماذا السيد المسيح أشقر؟