أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - انس حسين بواطنة. - العولمة والدولة: انهيارها ام تغير في وظائفها















المزيد.....



العولمة والدولة: انهيارها ام تغير في وظائفها


انس حسين بواطنة.

الحوار المتمدن-العدد: 3097 - 2010 / 8 / 17 - 15:14
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


عنوان البحث:
"العولمة والدولة: انهيارها ام تغير في وظائفها "

إعداد الباحث: أنس حسين بواطنه.

المقدمة:
لقد شكلت العولمة احدى المفاهيم التي خضعت للعديد من الدراسات و الابحاث ، لما لهذا المفهوم من جوانب مختلفة على الصعيد السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي وتداخلاتة المختلفة ، فكان من الطبيعي أن يخضع مفهوم العولمة لهذه الدرجة من الاهتمام والبحث .

إن القدرة على تحديد مفهوم العولمة كظاهرة على درجة من الصعوبة توازي تلك الدرجة من الاختلاف بين الكتاب في رؤيتهم لمفهوم العولمة وتجلياتها المختلفة ، الأمر الذي فتح النقاش على درجة واسعة بين من يرى بها تطور تكنولوجي وتطور في الاتصالات وتسهيل لحركة المرور للأفراد عبر التطور في وسائل المواصلات وتسريع لعماليات انتقال البضائع بكميات ونوعيات كبيرة ومتباينة ، وبتالي تكون العولمة قد صنعت اتسونامي لم تكن البشرية تتوقعه ، في المقابل نرى أن البعض يعرف العولمة بالهيمنة والتسلط والسيطرة ونفي الأخر وإنكار الثقافة الوطنية وتجاوز الحدود وانعدام التضامن والهوية و تكريس للأمركة.

وخلال هذا البحث فسوف أتطرق في القسم الأول منه الى تعريف العولمة وفق مجموعه من الباحثين سواء كان الرافضين للعولمة أو الداعين الى قبولها والتعامل معها وسوف أتطرق الى الآثار والانعكاسات الاقتصادية والسياسية والثقافية الناتجة بفعل العولمة ، أما في القسم الثاني فسوف أتناول موضوع العولمة من خلال علاقتها بالدولة ، محاولا وضع أراء الكتاب سواء الذين يعتبرون أن العولمة تقود الى انعدام سيادة الدولة واختفائها مع الزمن ، أو التيار الأخر الذي يرى في العولمة أنها لم تنهي الدولة وإنما عملت على تغير وظائفها مع الزمن في ظل التغيرات على الساحة العالمية .

المبحث الأول :- العولمة .
أولا:- مفهوم العولمة.
يعتبر مفهوم العولمة من المفاهيم التي لا يستطيع الكتاب والباحثين التوافق عليها والوقوف أمامها بشكل واحد و إعطاء تعريف مشترك لها، والمشكلة في التعريف تكمن في " كيف يمكن جعل الشيء الكبير صغيرا ، والمشتت مركزيا والمعقد بسيطا واللامحدود محدود " فهذا المصطلح لا يعبر عن شيء واحد وإنما تسوده حالة من الغموض وذلك لأنة يحتوي على مجموعة من التناقضات يتم جمعها داخل مفهوم واحد ، فالعولمة تزداد تعقيدا عندما نضع المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وارتباطاتها المختلفة داخل بوتقة واحدة ، كما أن المفهوم يسوده الغموض وذلك لان الباحثين يقوموا بتناوله كل من الجانب الذي يريده ويعمل على تعميم مفهومة كأساس في ظل تجاهل للجوانب الأخرى ، بالإضافة الى أن هذا المصطلح جديد على الساحة الدولية فقد ظهر مع العقد الأخير من القرن الماضي .

حتى إن مفهوم العولمة في الإطار اللغوي هو مفقود في القاموس ، إلا قبل عقد من الزمن بدء تداوله في القاموس ، حيث أنة منذ الوقت الذي بدء الإنسان فيه بالترحال والانتقال الى أي مكان في العالم أصبح للإنسان بعد " عالمي " ، وهذا المفهوم ليس له سمة الثبات حتى في اللغات الأجنبية حيث إن الانكليزية ترى فيه وصفا لكلمة، بينما الفرنسية تميز بين Globalization" وGlobalism وGlobal الكلمة وكلمة Mondial ،Mondialization المستمدة من Monde أي العالم وليس الكوكب والاشتقاق من Global يركز على الجانب الجغرافي ، بينما الإشارة الى Lemonde تركز على التمدين ، وعلى الجوانب الحضارية " ، وبهذا يصبح مفهوم العولمة هو مفهوم بحاجة الى إعادة توضيح وتعريف له .

وللحديث عن مفهوم العولمة لا بد من المرور ولو سريعا عن النشاءة التاريخية للعولمة ، وهنا لا بد من ذكر الخريطة التاريخية التي أوردها " رولاند روبرتسون" والذي وضع من خلالها المراحل المختلفة لمفهوم العولمة ، حيث يرى أن بداية المفهوم كانت مع " الدولة القومية الموحدة " والتي يعتبرها النقطة الأولى في تاريخ بداية العولمة وقسمها الكاتب الى مجموعة من المراحل أولها " المرحلة الجنينية" وفيها ظهرت الدولة القومية وتعززت مفاهيم الفرد ، ثم " مرحلة النشوء " وفيها تطورت مفاهيم العلاقات الدولية ، وتحول الأفراد الى مواطنين داخل دولهم ، ثم " مرحلة الانطلاق" فيها ظهرت مفاهيم ارتبطت بالقومية وظهرت الاندماجات الدولية فيما يعرف ب" المجتمع الدولي"، وبعد ذلك مرحلة "الصراع من اجل الهيمنة" ، وكانت هذه المرحلة مع عشرينيات القرن الماضي حيث ظهر الصراع الثقافي بين الأطراف، وتم خلالها تناول القضايا الإنسانية و أخيرا "مرحلة عدم اليقين" وشهدت هذه المرحلة مجموعة من التغيرات على الساحة الدولية من انهيار للثنائي القطبية ، الى سلاسة العمل الدولي ، وزيادة الاهتمام بقضايا المجتمع المدني العالمي .

وهنا بعض التعريفات للعولمة التي أوردها العديد من الباحثين ، وهذه التعريفات تقع ضمن فريقين ، فالفريق الأول يتحيز للعولمة ويدعوا الى قبولها كما هي دون أي نقاش أو اعتراض والفريق الأخر يرفضها جملتا وتفصيلا ويعتبرها إحدى وسائل السيطرة والهيمنة من النظام الرأسمالي ، وهنا يرى أستاذ العلوم السياسية الأمريكية روزناو أن العولمة يتم التوصل الى مفهومها وإدراكها من خلال ثلاث عمليات وهي الانتشار الكبير للمعلومات ، والزيادة الكبيرة في السمات والخصائص المشتركة بين المجتمعات، أما العملية الثالثة فهي من خلال ذوبان الحدود بين الدول .

وحسب باحثين آخرين فان العولمة تقوم على أربع عمليات تعتبر الأساس لعملها وهي المنافسة بين الدول العظمى والتقدم التكنولوجي " وانتشار عولمة الإنتاج والتبادل والتحديث" وبتالي فان العولمة تعتبر المجال الذي تتم فيه جميع العمليات والنشاطات التي تدور على كوكب الأرض وهنا يكون للعولمة بعد مكاني وبعد معزز للتفاعل بين الأطراف والتبادلية في الاعتماد بين المجتمعات على بعضها البعض .

ويرى علي حرب متغزلا في العولمة بأنها تشكل حدث جديد نقلت البشرية الى" المجال التلفزيوني والفضاء السبراني والتواصل الالكتروني "، وأصبح عبر العولمة هناك إمكانية لبناء العلاقات والصداقات دون الاهتمام بالبعد الجغرافي وبتالي فهي قدمت مساهمة للحياة لم تكن موجودة قبل ذلك .

ويرى يوسف المراشدة في أن العولمة تعبر عن وصف لمختلف المجالات السياسية والاقتصادي والاجتماعية وتشكل " نوعا من سقوط الحدود وتلاشي المسافة ،حيث تجري الحياة في العالم كقرية واحدة صغيرة " .

فيما يرى آخرون أن العولمة هي وسيلة للسيطرة على الشعوب وإلغاء ثقافتهم فيما يخدم مصالح الدول الكبرى ، ويعبر البعض الأخر في رؤيته عن العولمة بأنها إنكار للأخر وتعزيز للانا وبتالي فهي تشكل أداة قمع لكل ما هو خصوصي ، ويعبر عن هذا الاتجاه الدكتور عبد الرزاق عيد ، والذي يتناول الموضوع بدرجة من التعصب دون المرور عبر التحليل المنطقي حيث أن الكاتب يرى في العولمة أنها تشكل الرأسمال الأمريكي بالإضافة الى القوة العسكرية وهذا ينتج " بلطجة من طراز تقني رفيع " ويعبر عن شكل من إشكال "الامبريالية" .
هناك جدل حول تحديد مفهوم العولمة، وهذا الجدل منوط بتأثر كل فريق بإيديولوجيه ومواقفه منها من حيث القبول أو الرفض أو الدعوة لها، فصندوق النقد الدولي،على سبيل المثال،عرفها على أنها تنامي التعاون الاقتصادي بين دول العالم والذي يفرضه زيادة وتنوع حجم السلع والخدمات وتدفق رؤوس الأموال وانتشار التقنية في كافه إرجاء العالم، فهذا التعريف تعرض للنقد نتيجة تركيزه على الجانب الاقتصادي في تعريفه للعولمة وإهمال الجوانب الأخرى ، و الأهداف الأخرى للعولمة.والكاتب نفسه محمود دودين يذهب الى القول، بل والمغالاة في القول عندما يصف العولمة بأنها أمركه، وهي " اكذوبه القوي على الضعيف لتمزيقه و إذلاله ونهبه" .

وأكد على ذلك أيضا غازي الصواني الذي اعتبر إن الرأسمالية العالمية قد تخلصت من كل معيقات "التوسع اللامحدود" متأثرة بالتطور الهائل في مجال التكنولوجيا وثورة المعلومات والاتصالات وقيام التكتلات الاقتصادية العملاقة ولذلك فان لا بد من تطوير النظام الاقتصادي والسياسي والمعرفي التي تعزز النظام الأحادي بمشاركة أوروبيه وروسية ويابانية ، وإذا أضيف إليها الوضع المتأزم في البلاد الإطراف بحيث أصبح جاهزا للتعاطي مع هذه الإفرازات ، فقد قامت الأنظمة فيها بتمهيد الطريق لهذه الإفرازات تحت مسميات مختلفة منها تحرير التجارة العالمية والخصخصة، باعتبارها إحدى الركائز الأساسية لتوليد وتفعيل العولمة ، فالعولمة هي إذا عملية امتداد تاريخي سياسي اقتصادي معرفي لعملية التطور الرأسمالي التي لم تعرف التوقف منذ مراحلها الأولى .

وحول عمر الظاهرة فيرى جلال أمين أن ظاهرة العولمة ليست حديثة ، " فالعناصر الأساسية في فكرة العولمة" وجدت مع ازدياد العلاقات المتبادلة بين الأمم عبر تزايد تبادل السلع والخدمات وانتقال رؤوس الأموال وغيرها من العناصر وهذه كلها كانت موجودة منذ قرون عدة وخاصة منذ أواخر القرن الخامس العشر والتي جاءت مع الاكتشافات الجغرافية، ولكن هناك أشياء جديدة ومهمة طرأت على ظاهرة العولمة في السنوات الأخيرة منها انهيار أسوار عالية كانت تشكل حماية لأمم ومجتمعات من تيار العولمة مثل أوروبا الشرقية والصين، وبانهيار هذه الأسوار انهارت عزلتها قسرا أو اختيارا، كذلك الزيادة الكبيرة والتنوع في السلع والخدمات التي يتم تبادلها وارتفاع نسبت السكان بشكل كبير والتي تتفاعل مع العالم الخارجي وتتأثر به وكذلك التبادل الكبير في الأفكار والمعلومات وانتشار الشركات المتعددة الجنسيات ودورها في نقل رؤوس الأموال والسلع والأفكار و المعلومات والتغير الذي طرأ على مركز الدولة في العلاقات بين المجتمعات .

من الملاحظ أن هناك العديد من التعريفات لمفهوم العولمة ، إلا أن هذه المفاهيم تقع ضمن دائرتين ، فهناك من يرى في أن العولمة هي ظاهرة ايجابية ساهمت على انتقال المعلومات والتطور التكنولوجي وتلاشي الحدود وانتقال السلع والبضائع وبتالي جعلت من العالم قرية صغيرة يمكن للإنسان في أي مكان في العالم أن يتعرف على الآخرين دون ضرورة الوصول إليهم ، فيما يرى الطرف الأخر من الباحثين أن العولمة هي أداة سيطرة ونهب وتسلط على الشعوب الفقيرة وان العولمة تصب في مصلحة الدول الكبرى التي تسيطر على السوق وعلى رؤوس الأموال وبتالي فهي نظام خاوة بشكل جديد ونمط جديد تكرسه الأمركة ، وهذا يقودنا الى أن هذه التعريفات تفتقد الدرجة العلمية لتعريف لأنها إما أن تكون أحكام مسبقة لاعتبارات ايدولوجية وسياسية معينة أو أحكام تفتقد القدرة على فحص العولمة من وجهة نظر أكاديمية متخصصة .

ثانيا: إبعاد العولمة وتحدياتها :
بما أن العولمة تحتوي على مجموعة من المجالات المختلفة والمرتبطة يبعضها البعض فان من الطبيعي أن يكون للعولمة تأثيرات وانعكاسات وأبعاد على جميع هذه الجوانب سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية أو ربما كلها مرتبطة يبعضها البعض .

الآثار الاقتصادية:
بفعل العولمة تم تزايد الاعتماد على "الاقتصاد المتبادل" بين الدول مع تزايد في حجم البضائع والسلع وتزايد في نوعيتها ، وذلك عبر تحول أسواق العالم الى سوق واحد بفعل التطور التكنولوجي ولكن ذلك يترافق في ظل سيطرة على السوق من قبل قوى السوق العالمية ، وترافق هذا التبادل التجاري مع خفض الضرائب وتقليص الحماية الجمركية الأمر الذي جعل من السوق يتحول من " دائرة التبادل والتوزيع الى عالمية دائرة الإنتاج " ، وانعكست العولمة من الناحية الاقتصادية على إقامة نمط واحد وتعميمه على جميع دول العالم وهو النمط الرأسمالي .

وفي ظل سيطرة السوق على العولمة الاقتصادية فان ذلك يخلق حالة من الفجوة بين الدول الغنية والفقيرة لان فلسفة السوق تقوم على أساس الأقوى و" تطبيق شريعة الغاب " وبالرغم من إنشاء اتفاقية " الجات " وإنشاء المنظمة العالمية للتجارة من اجل القدرة على هدم الفجوة بين الدول الغنية والفقيرة الناتجة من العولمة إلا أنها لم تفلح في حماية العالم العربي مثلا من سلبيات العولمة والذي دفع كوفي عنان الى أن يصرح بما يلي " أن الملاين يعيشون العولمة ليس بوصفها فرصة مواتية لكن بوصفها قوة تدمير وتعطيل وبوصفها اعتداء على مستويات معيشتهم" ، ومن هنا نلاحظ أن الاقتصاد هو أهم الانعكاسات الناتجة عن العولمة وتأثيراتها هي التي تتربع على سلبيات الظاهرة ، لان هذا الاقتصاد تديره " نخبة بمثابة طبقة عالمية جديدة " والمقصود هم المجتمعين في دافوس والذين يجعلون من اقتصاد السوق والليبرالية الاقتصادية الأساس لعملهم وتطلعاتهم للسيطرة على العالم وبهذا يكون الاقتصاد هو أساس العولمة وما الجوانب الأخرى سوى إفرازات وانعكاسات لاقتصاد السوق المعولم .

الآثار السياسية:-
لقد ساهمت العولمة في تراجع مبدأ سيادة الدولة والذي تم " التنبه " إلية في عام 1576 والتي شكلت الأساس لمفهوم الدولة ولكن هذا المفهوم اخذ بالتراجع تدريجا مع الوقت في ظل المنظور السياسي بالرغم من محاولة الدول الحفاظ علية في إطاره القانوني إلا أن السيادة أخذت تتغير في مفهومها وذلك بفعل التوقيع على الاتفاقيات الدولية والتي تحتوي على التزامات للدول في ظل تعزيز مفاهيم حقوق الإنسان والمطالبة بالمزيد من الحريات والذي منح المجتمع الدولي القدرة على التدخل في الشؤون الداخلية للدول في انتهاك واضح لسيادتها وساهم في ذلك انهيار النظام ثنائي القطبية والتوجه نحو التحول الديمقراطي في ظل تصاعد المطالبة بالمزيد من الليبرالية الأمر الذي انعكس على سيادة الدول .

بالإضافة الى ما سبق فان الدولة فقدت السيادة وذلك عبر " التدفقات النقدية" حيث أن الاقتصاد لم يعد ملكا لدولة واحدة وإنما أصبح عبر التدفقات المالية يقع في شبكة تسيطر عليها الشركات الكبيرة والتي تعمل خارج إطار الدولة الوطنية ، وفقدت الدولة السيطرة على سيادتها عبر الاقتصاد ؛ لضعف العملات الوطنية وسيطرة التجارة الخارجية التي تقودها الشركات الكبرى، وتعزز ذلك عبر عدم قدرة الدول الضعيفة على منع التجارة الدولية لما لها من أساليب في نقل البضائع والسلع ورؤوس الأموال وهنا أصبح تخطي حدود الدولة السياسية امرا سهلا لما لهذه الشركات من سيطرة ونفوذ .

وهنا أصبحت العولمة السياسية أمام تناقض ما بين الدعوة الى احترام حقوق الإنسان والدعوة الى الديمقراطية والحرية والمناداة بحق الاعتقاد والفكر والتعبير عن الرأي والتعددية السياسية في المقابل يزداد التدخل في الشؤون الداخلية للدول عبر استخدام القوة مثل حرب الخليج وغيرها فيما يخدم المصالح الأمريكية في حربها ضد الإرهاب ضمن تحالف أمريكي اسرائلي بريطاني يضعون من خلاله سمات النظام الجديد وعلى الجميع القبول والدخول بة وبهذا تفقد الدولة القومية القدرة على ممارسة عملها ووظائفها وبهذا تحقق العولمة نداء " الوطن بلا حدود " وتعمل على اذلال الشعوب وهذا يصب في طريق تعزيز الاستبداد والسيطرة .

الأمر الذي دفع بعض الباحثين الى اعتبار أن الدول التي تدير عملية العولمة تعمل على
" استلاب كينونة الدول والمجتمعات " عبر إلغاء الحدود السياسية وإدراج العولمة في سياق تعزيز " الامبريالية " عبر حصار الدول وتجويع شعوبها وإلغاء العامل السياسي عبر انتهاك سيادة الدول وهو مشروع صهيوني يتم من خلاله السيطرة على الدول وبهذا تحقق الدول " ظاهرة التداول " من خلال ارتفاع النشاط والحركة الدولية للدول الفاعلة .

الآثار الثقافية:
تعتبر الثقافة من أهم الخصائص التي تميز الدولة فهي تعطي الدولة خصوصيتها الثقافية والتي تعبر عن تراثها وهويتها الوطنية ، ولكن في ظل العولمة تصبح " سيادة الدولة الثقافية " أمام مأزق يتعلق في مدى قدرة الثقافة الوطنية على التأثير على الآخرين ، وكيف تستطيع أن تحافظ على خصوصيتها الثقافية ، اليوم عبر التطور التكنولوجي والمعلوماتي والذي جعل من العالم عبارة عن قرية سريعة سرعان ما ينتقل فيها أي خبر بسرعة ، فان هناك ما يزيد على 500 قمر صناعي كلها تعمل على تعزيز أفكار وثقافة واحدة هي " النموذج الغربي" ، وهذا يعني أن العولمة لا تسعى الى بيع بضائعها فقط وإنما يترافق ذلك مع تعزيز الأفكار والثقافة حتى تكون النتائج المرجوة هي " ميكانيكية ثنائية هي الجمع الاقتصادي في السوق والتشتت الإنساني في المجتمع على مستوى الهوية " ، وهنا تظهر الخطورة عندما تستطيع العولمة عبر قوتها الثقافية أن تعتلي فوق مفاهيم " الدولة والوطن والأمة " .

ونلاحظ أن الثقافة الأمريكية هي البضاعة السائدة في العالم والتي استخدمت العولمة كأداة لنشر ثقافتها من موسيقى وسينما وجاكسون ، وأصبح " النمط الأمريكي" هو الشكل السائد في جميع دول العالم سواء في الثياب أو الطعام أو حتى السلع الأخرى وقد استطاعت أمريكا تحقيق ذلك عبر السيطرة الأمريكية عبر وسائل إعلامها التي تغطي مساحات واسعة من العالم ، وعبر إنتاج الموسيقى والغناء والسينما والذي تم تصديره الى الخارج مما لاقى رواجا واسعا خصوصا أنة يعبر عن قيم استهلاكية شبابية تهم الجميع بغض النظر عن المكان وبهذا أصبح هناك علاقة وطيدة وطردية أيضا بين " العصرنة والأمركة " .


المبحث الثاني : العولمة والدولة :
لقد شكلت العلاقة ما بين الدولة والعولمة إحدى أهم نقاط الخلاف والتباين ما بين الباحثين والكتاب في العالم العربي لما للعولمة من انعكاسات على العديد من الأصعدة الأمر الذي جعلهم يقفون على مفترق طرق حول طبيعة هذه العلاقة ، فالقسم الأول يرى في العولمة أنها أذابت سيادة الدولة وقلصت من نفوذها وسيطرتها على حدودها السياسية الأمر الذي جعلها عرضة للتدخل الأجنبي وتدخل الشركات متعددة الجنسيات في شؤونها الداخلية، أما القسم الآخر فيرى في العولمة أنها لم تفقد الدولة مكانتها وأهميتها ولكنها غيرت من وظائفها والتي تتغير باختلاف الأزمان والظروف، وسوف أتطرق في هذا المبحث الى كلا الرأيين في محاولة للتعرف على طبيعة العلاقة بين الدولة والعولمة .

أولا : العولمة واضمحلال الدولة .
لقد شكل ظهور الدولة القومية وزيادة التقدم التقني والزيادة الإنتاجية الى زيادة نطاق السوق متجاوزا "حدود المقاطعة" لتصبح الدولة الخيار الأفضل مكان الإقطاعية ، وكان على الدولة العمل على بناء جيش قوي للقدرة على الوصول الى أسواق جديدة من خلال الغزو والاستعمار إلا أن هذا التزايد في الإنتاج وزيادة حجم السوق شكل الأداة الأولى لتضاؤل قوة الدولة وأصبحت الشركات متعددة الجنسيات هي التي تقف محل الدولة وبهذا " لم تعد حدود الدولة القومية هي حدود السوق الجديدة ، بل أصبح العالم كله مجال التسويق" ، سواء كانت سلعا أو معلومات أو أفكارا وبهذا فقد استطاعت الشركات متعددة الجنسيات تجاوز الدولة وهذه الشركات تستعين بمجموعة من المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد والبنك الدولي ووكالات الأمم المتحدة وأجهزة المخابرات والسلطة الرابعة للسيطرة ، وهذا يعزز من رؤية ماركس في أن الدولة هي أداة في يد الطبقات المسيطرة وهنا نستخلص أن دور الدولة في تراجع وانحسار لصالح الشركات العملاقة الكبرى .

إن الدلائل التي ترافقت مع العولمة تظهر لنا انحسار دور الدولة وتراجع مكانتها على المستوى المحلي والعالمي ، ويرى سيد ياسين أن العولمة عبر انتشار المعلومات وذوبان الحدود وتزايد السمات المشتركة بين المجتمعات أدت الى ذوبان الدولة وتفككها وعدم قدرتها على السيطرة لمقاليد الحكم ، كما ويرى إسماعيل عبدا لله أن الشركات متعددة الجنسيات ساهمت في تراجع دور الدولة ، فيما يرى الجابري أن العولمة عبر قيامها بإلغاء حدود الدولة وخاصة في المجال الاقتصادي فإنها تدعو الى عالم بدون دولة ووطن وهنا تذوب الدولة وتصبح بلا فاعلية .

إن إحدى أهم المأزق التي توجهها الدولة المعاصرة يتعلق في عدم قدرتها على القيام بوظائفها بفعل تزايد ظاهرة الفقر حيث بلغ عدد الفقراء في العالم أثناء التسعينيات وفقا للبنك الدولي 1.3 مليار نسمة فضل عن مليار نسمة آخرون هم أميون، وبهذا أصبحت الدولة محاصرة في ظل التشابكات الاقتصادية والتكنولوجية والاتصالات ، الأمر الذي يعني تناقص سيادة الدولة عبر تراجع سلطتها المطلقة وان كانت ما زالت تلعب دور في العالم ، كما وان العولمة دفعت الى خلق أزمات داخلية للدولة تتعلق في إعادة سن قوانين وفرض ضرائب لا تتوافق مع سياسة الدولة .

وفي هذا فلا بد من المرور والتميز ما بين الفقر و " الإفقار " وهو المصطلح الذي استخدمه سمير أمين حيث يرى أن تنامي الرأسمالية بدرجة عالية من التراكم والإنتاج أدى الى تطور كبير لم تعرفه البشرية ؛ ولكن هذا التطور لم يكن مترافق مع تعزيز مبادئ المساواة بين البشر الأمر الذي أدى وفق تصوره الى عدم القدرة على تنافس عادل ما بين الإنتاج الرأسمالي والإنتاج " الفلاحي" لما لكلا الطرفين من أهداف مختلفة فالرأسمالية تسعى تحقيق أعلى مستوى من الربح في المقابل فان الإنتاج ألفلاحي يسعى الى العيش اليومي ، وهذا يقودنا الى عدم قدرة الإنتاج المحلي على منافسة الإنتاج الرأسمالي وبهذا أصبح أكثر من نصف العالم ضمن إحصائيات " الطبقات الشعبية غير المستقرة " وأصبح أكثر من "خمس مليارات من البشر فائضين عن الحاجة "، وهذا يقودنا الى أن " الإفقار هو أمر مسيس ضمن الاستقطاب العالمي والنتيجة الحتمية للتوسع الرأسمالي ، كما ويرى الكاتب أن التطور الرأسمالي مترافق مع تطور ديمقراطي تقتضيه إرادة السوق والرأسمالية

إن الوظيفة الأساسية للدولة العمل على الحفاظ على حياة الأفراد على اعتبار أن لهم الحق في الحياة وأنة من أهم الحقوق، وباقي الحقوق تأتي لاحقا وان اختلفت أولوياتها باختلاف الإيديولوجية ، وعلى هذا يكون مفهوم السيادة قد ظهر في أعقاب التهديد لحق الحياة للإفراد وهذا يتطلب أن تملك الدولة الحق في السيادة للقدرة على حماية الأفراد ، ولكن في ظل التغيرات اليومية والسياسية على الساحة العالمية ، وتنامي العولمة عبر الاقتصاد والاتصالات وانتشار المعلومات وما يرافقها من نتائج على المستوى الثقافي والسياسي فقد أصبحت الدولة عاجزة عن القيام بدورها وغير قادرة على تحقيق " السيادة المطلقة " في ظل السعي إلا أن تكون السيادة واحدة في العالم وليست حق لكل دولة على حدي ، وفي ظل هذا التطور فان الدولة اليوم تشهد تحول في التاريخ السياسي وتشهد حالة من العجز عن الحفاظ على حدودها في ظل الاقتصاد وانتشار المعلومات ، وهنا نقف نحن العرب في دائرة المتفرج دون العمل على فهم العولمة والعالم ونتائجها على العالم العربي .

ويرى سعيد الصديقي أن ظهور العولمة شكل البداية الأولى لتفتت الدولة وتضعضع كيانها، لما للعولمة من تأثيرات على الدولة ويرى المتحمسون للعولمة في توسيع السوق الرأسمالية في أنها سوف تفقد الدولة سيادتها لان دخول الاستثمار الخارجي حدود الدولة والانتقال للإفراد والسلع والبضائع والأفكار كلها تمحو حدود الدولة وتجعلها حدود وهمية ليس أكثر ، وهنا يقول فيليب غولوب إن" العولمة ستحكم على الدولة الوطنية بالإلغاء ، وعلى السيادة بالعجز ، ولن تكون السيادة إلا صدفة فارغة " ، والتيار الأخر المشكك من دور العولمة فهو يقر أيضا أن التغيرات التكنولوجية والأسواق ... الخ تعمل على إلغاء السيادة من الدولة ولكن ذلك لا يعني اندثار الدولة .

ويجمع المغالون لتأثير العولمة على الدولة والمشككون من تأثير العولمة على الدولة ، إن مصير الحدود هو القاسم المشترك بين الطرفين ، وذلك باعتبار أن العولمة تقضي الى إلغاء الحدود بين الدول وأمام التوسع الرأسمالي الأمر الذي يعني غياب الدولة التي حددتها " معاهدة وستفاليا" وهي الشعب و السيادة والحدود ، وهذا يعني وفق تصور الجابري تنازل عن الدولة الوطنية عن حقوقها الوطنية في سبيل مصالح العالم والمقصود بالعالم الدول الكبرى والذي يعني غياب الوطنية والإقليمية وتعزيز العالمية التي يسيطر علية " عصابات" ليس أكثر .

لقد تأثر العالم العربي بالعولمة من وجهة نظر العديد من الكتاب ولكن كل جانب يرى هذا التأثير من خلال الزاوية التي يعرف بها العولمة وهنا يرى حمدي حسن أن العولمة هي الوجه الأخر للأمركة وهما على نفس الدرجة من التعريف ، ويرى أن النظام السياسي العربي قد تعرض الى نكستين الأولى في حرب 1948م وحرب عام 1976م ، ومع انهيار الاتحاد السوفيتي فقد تراجع دور الدولة العربية نتيجة الإفرازات السياسية التي ترتبت على انتهاء نظام ثنائي القطبية وفي ظل ظهور نظام أحادي القطبية والذي تجلى في تعزز الدور الأمريكي المهيمن على النظام العربي وذلك عبر التدخل العسكري الأمريكي في المنطقة وبناء القواعد العسكرية حيث أن أمريكا شنت الحرب على العراق تحت ضغوط على العالم العربي وبهذا فان أمريكا اعتمدت على الدول العربية في تحقيق مصالحها السياسية في ظل استخدام تكنولوجيا عسكرية جديدة وتزايد التبعية للعالم العربي تجاه أمريكا وترتب على ذلك تراجع حقوق الإنسان في العالم العربي في ظل الدعم الأمريكي للنظام العربي السياسي وزادة من نسبة العنف داخل الوطن العربي وتراجع الدور العربي في ظل تزايد الدور الإقليمي وخاصة التركي .

ويرى ناظم الجاسور في أن العولمة تعبر عن سلوك الشركات متعددة الجنسيات وفي سلوك الدول الصناعية الكبرى والتي تملك السيطرة على العالم عبر تجاوز الحدود وانتقال السلع والصناعات وهذا يعني انتهاك السيادة للدول الأخرى في سبيل تحقيق المصالح العليا للدول الصناعية وعملت هذه الدول على تشويه الثقافة الوطنية ونفي الأخر وإلغاء هويته الوطنية وتراثه الشعبي وإذا كانت العولمة تدعو الى إلغاء الحدود وتحقيق المساواة والعدل والتوازن بين الدول فإنها تستتر خلف هذه العبارات الرنانة لتحقيق المقاطعة والحصار والاستغلال الاقتصادي ضد الدول الأخرى وبهذا تصبح العولمة الأداة للنظام الرأسمالي الذي تسيطر علية أمريكا وفق تصور الجابري وبهذا تعمل العولمة على هدم أسس الشرعية للنظام السياسي ورفض فكرة القومية بل محاربتها أيضا وهذا يعني العمل على تقسيم العالم العربي وإلغاء دور جامعة الدول العربية والتخلص من فكرة " التضامن العربي " .

مما لاشك فيه ؛ إن مفهوم الدولة على الصعيد العملي قد تراجع من سلطة مطلقة صاحبة السيادة والقرار والنفوذ الى سلطة اقل قدرة على حماية نفوذها السياسي والجغرافي ، بل أصبحت الدولة في ظل العولمة الاقتصادية واقتصاد السوق والثورة المعلوماتية وانتقال الأفراد والسلع أشبة بالعاجزة عن مواجهة " صدمة المستقبل " ، وبهذا فان التيار الأول يرى أن الدولة قد أذيبت الى حد ما وأصبحت أشبة بالحبر على الورق ليس أكثر ، ويرى أصحاب هذا التيار على أن العولمة تدار وتسير وفق تصور نظام سياسي جديد أطلق علية النظام الدولي الجديد تحت سيطرة أمريكية بالدرجة الأولى ، ومن وجهة نظري فان بعض الكتاب قد بالغ في درجة وصف حالة الدولة فالدولة ما زالت موجودة على ارض الواقع تقوم بدورها الطبيعي، ولكن الإشكالية تقع في التصنيف بين الدول القوية والضعيفة ، فالدول الضعيفة هي التي فقدت السيادة بفعل العولمة ، والسؤال هل لو لم تكن العولمة لكانت الدولة ما زالت محافظة على سيادتها ؟ أما الطرف الأخر من الدول – الدول القوية – فان العولمة لم تنهي سيادتها بل إنها عززت من سيادتها وأعطتها مزيد من السيطرة والنفوذ وهنا يصبح لعبارة البقاء للأفضل هي المعيار والأساس حول تأثر الدولة بالعولمة .

ثانيا: العولمة وتغير وظيفة الدولة .
على عكس أصحاب النظرة الذين يقولون بانهيار الدولة بسبب التوسع في اقتصاد السوق والعولمة بشكل عام بمختلف تجلياتها ، فهناك عدد ليس بالقليل من الكتاب والباحثين يقولون بعكس ذلك ، وان الدولة تأثرت بشكل أو بأخر ، وان ما حدث للدولة هو تغير في وظائفها ، وليس انهيارها والتغير في وظائفها ليس امرا طارئا ، فمنذ نشأة الدولة ووظائفها تتغير بما يتناسب وتغير الظروف الدولية ، بحيث تتكيف الدولة مع هذه المتغيرات ، ولا يعني ذلك انهيار الدولة، ولا تناقض بين العولمة والدولة.

يعتبر كل من بول هرست وغراهام طومبسون انه حسب الإحصاءات حول التجارة العالمية، فإنها تكشف بان العولمة كانت أكثر تطورا في بداية القرن العشرين مما هي عليه اليوم، فالاقتصاد الحر والتوسع في الأسواق لا يستلزم بالضرورة الغياب التام للدولة عن النظام الاقتصادي ، ولكن يحدث هناك تكاملا بين الدولة والقطاع الخاص ، وتتدخل الدولة بوسائل جديدة في الاقتصاد ، وأكثر نجاعة لتحقيق مستوى أعلى في نمو الإنتاج الوطني وتوفير الخدمات المختلفة ، فاقتصاد السوق والدولة هما نظامين متوازيين غايتهما مختلفة ، وكذلك زمانهما ومكانهما كما أظهرت التجربة السياسية، وان السوق لا يستطيع أن ينظم كل شيء ، فإذا كان يستطيع ولو نظريا أن يضبط النشاط الاقتصادي فلا يستطيع أن يحقق رغبات العدالة والتعليم والصحة .

ويضيف الدكتور الصديقي أن الفكرة المهمة في ظل العولمة هو ليس استبدال الدولة الوطنية ، ولكن تكيفها لتكون أكثر استجابة لحاجات الإنسان في التغيرات الدولية ، والتحدي الراهن لا يكمن في الوصول الى نهاية الدولة الوطنية، بل أعادة الاعتبار لغايات الدولة ، بحيث ستبقي الدولة وحكومتها هي المؤسسة المسئولة أمام مواطنيها ومطالبتهم لها بتوفير العدالة والقيام بمسؤولياتها .

ويجيب الكاتب محمد الأطرش حول السؤال ما إذا تلاشت الدولة أم لا في ظل العولمة ، فيعتبر أن سيادة الدولة لم تتلاشى حيث يسوق لذلك عدة أسباب منها أن الدولة ما زالت تقوم بدور كبير في الإنفاق بالإضافة الى الأدوار الأخرى فالولايات المتحدة على سبيل المثال أنفقت على 1995 حوالي 33 % من ناتجها المحلي ، والمانيا 49% ، وإنفاق الدول النفطية العربية أكثر من غيرها من الدول غير النفطية ، فإنفاق الدول يؤدي الى سيطرة الدولةعلى كثير من موارد المجتمع وتوجيهها كما يمكن القول أن الشركات الدولية ليست شركات عولمة حقيقية ، فحوالي 75% من انتاجها العالمي يتم في موطنها الأصلي كما وتوضع عقبات كبيرة أمام انتقال قوة العمل البشري والسلع والخدمات ، وعولمة رأس المال المتمثل في الاستثمارات الأجنبية المباشرة محدودة جدا، وان ما يسمى العولمة المالية لا تشمل كثير من دول العالم ، ولكنها تشمل عددا قليلا من الدول الرأسمالية المتقدمة ، وكثير من دول العالم الثالث لا تسمح بحرية تحويل عملاتها المحلية الى عملات أجنبية لان ذلك يؤدي الى نزوح " الرساميل" .

منذ سبعينيات القرن الماضي ومع التقدم التقني أصبحت الأسواق الوطنية أضيق من أن تستوعب هذا الإنتاج الضخم وزاد ذلك من حدة التنافس بين الدول الكبرى المتقدمة ، ونتيجة لذلك ظهرت الشركات العملاقة متعددة الجنسيات التي استبدلت ضيق الأسواق المحلية بالخروج الى كل العالم ، كل ذلك لم يكن يتم دون تغير في وظيفة الدولة ، فالمطلوب الآن توسع السوق وقهر العمال ، ولكن المطلوب اليوم تخفيض الضرائب وتقليص الإنفاق تسهيلا لمهمة الشركات العملاقة فالدولة لم تختفي وإنما ظهر تغير على وظائفها الأساسية والمطلوب الآن من الدولة أن تسهل من حرية التجارة وتنقل رؤوس الأموال وهدم الحواجز التي وضعتها سابقا وان تباع الشركات والمؤسسات للشركات الدولية العملاقة باسم الخصخصة وتفتح الباب أمام السلع المستوردة .

وأيد هذا التصور محمود دودين حيث اعتبر أن الدولة لم تختفي وليست في طريقها الى الاختفاء ، ففي ظل التطور التقني في مختلف الميادين والمجالات التقنية والاتصالات وتوسع السوق فان ذلك أدى الى تقلص الوظائف التي كانت تقوم بها الدولة لصالح الشركات الكبرى المتعددة الجنسيات وبتالي أصبحت الدولة اقل اهتماما في عملية الإنتاج والحماية لمنتجاتها الوطنية ومنافسة الدول الأجنبية ، كل ذلك تعمل بة الدولة تحت مسمى حرية التجارة وهذا ما فرضته العولمة على هذه الدول الضعيفة ، وكان إحدى نتائجها وانعكاساتها تغير الدور الذي تقوم بة الدولة ، والدولة مجبرة على القيام بهذا الدور الذي يصب في مصلحة تلك الشركات .

وأكثر من ذلك فقد ذهبت الدكتورة هالة مصطفى الى القول بان معظم من تحدث عن اقتصاد السوق قد قرن ذلك بوجود دولة قوية فبدون هذه الدولة لا يستطيع السوق أن يقوم بدورة ، ومن هنا فلا مجال للحديث عن إلغاء دور الدولة ، بل على العكس من ذلك ، هناك ضرورة للتأكيد على دور وأهمية وضرورة الدولة ولكن يبقى المطلوب التغير في شكل هذا الدور ، ففي ظل الاقتصاد الحر تترك الدولة مجال الإنتاج للسلع والخدمات للأفراد والمشروعات الخاصة التي تتفاعل مع الدولة ، ويتم بذلك المحافظة على النمو المستمر في الناتج القومي وتوفير الأمن والخدمات، كما أن الاقتصاد الحر لا يعني إهمال مبدأ العدالة الاجتماعية ، فزيادة الإنتاج المحلي وإيجاد فرص جديدة لمكافحة الأمراض الاجتماعية من بطالة وفقر كلها من المقومات الأساسية للعدالة الاجتماعية ، لذلك هناك دور جديد لدولة يؤهلها الى التكيف مع المتغيرات العالمية الجديدة والتي تقوم على مبدأ الاعتماد المتبادل بين دول وشعوب العالم .

ودعم هذا التوجه الدكتور محمود حوات الذي قال أنة بالرغم من الجدل الدائر بين الباحثين بمختلف إيديولوجياتهم واختلافاتهم الفكرية إلا أن هناك إجماعا بينهم حول الضرورة لوجود الدولة وان تغيرت وظائفها تماشيا مع ما تفرضه العولمة من التوسع في اقتصاد السوق ومع ما فرضته في المجلات الأخرى الثقافية والاجتماعية والسياسية ، وحتى الليبراليين أو كثير من مفكرين هذا التوجه يعتبرون أن المجتمع لا يستطيع العيش بدون دولة ، بل حتى البنك الدولي بدء البحث عن دور جديد للدولة ، وبتالي يمكن القول إن وجود الدولة ضرورة ، ولكن بنمط ووظائف جديدة تختلف عن وظائفها التقليدية السابقة لمرحلة ترسيخ العولمة وأوجها .



















الخاتمة:-
هناك الكثير من المصطلحات والقضايا عبر العالم ما زال الجدل يدور حول مفاهيمها وأبعادها ، وهذا الأمر يعود الى التوجهات المختلفة لمن يتناولها في الدراسة ، ومنها العولمة ففي موضوع العولمة هناك الكثير من القضايا الجدلية في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية وغيرها ، ويأتي موضوع الدولة وتأثرها بالعولمة ، وإحدى هذه القضايا الجدلية بين من يعتبر أن العولمة مناقضة للدولة وتعمل على انهيارها وبين من يعتبر أن العولمة تعمل وتتطلب فقط تغير في وظائف الدولة ، وان وجودها امرا ضروريا .

بعد الاطلاع على هذه القضية الجدلية في هذا البحث ومراجعة أراء الباحثين حول هذه الموضوع ، فيمكن القول أنة وبنظرة فاحصة للواقع فإننا نجد أن وجود الدولة بل الدولة القوية أيضا هو أمر ضروري ، فالقوى الرأسمالية المعولمة ترى في وجود الدولة القوية التي تتساوق مع الرغبات الدولية تراها امرا ضروريا للحفاظ على مصالح الدول الكبرى تلك ، لكن هذه الدول إذا تعارض سلوكها تجاه هذه القوى فإنها تصبح عرضة للتهديد والمضايقة بمختلف الوسائل والطرق ، فالعراق تعرض الى الاعتداء وشنت ضددة حرب طاحنة ، انهارت من خلالها الدولة ولكننا نجد أن الولايات المتحدة الأمريكية معنية في تشكيل حكومة جديدة للعراق تستطيع ضبط الأمور وتحمل المسؤولية تجاه مصالح هذه الدول، بمعنى أخر فان الدولة التي لا تغير وظائفها بما يتناسب مع هذه المرحلة – العولمة- وخدمة الدول العظمى تصبح هذه الدولة تحت دائرة الخطر و التهديد ، بل يجب أن تعمل على توفير جميع الظروف المناسبة لتحقيق مصالح الدول الكبرى .

ومهما يكن ، فان العولمة تعد في أوجها وفي نفس الوقت ، فان الدولة قائمة أيضا ، ولكن بوظائف مناسبة لهذه العولمة ولمصالح من يقود هذه العولمة .

يمكن القول أن الأمن الدولي يشكل جزءا مهما من العولمة ، ففي السنوات الأخيرة ظهر ما يعرف بالحرب على الإرهاب ، ويعتبر هذا جزء من العولمة ، ولتحقيق ذلك فان القوى المعولمة أصبحت بحاجة الى دولا قوية لتنفيذ هذه المهمة عبر الحدود ، ذلك لان البديل عن الدولة القوية الفوضى غير الخلاقة بعد أن كانت قبل فترة الفوضى الخلاقة ، وغياب الدولة القوية يعني ظهور المجاعات وهذا يتناقض مع مصالح الدول وبتالي فان تغير وظائف الدولة لا يعني بأي حال من الأحوال انتهاء الدولة بل إنها تقوى أكثر فأكثر .
أخيرا يمكن القول أن كل ما يحكم العالم هي المصالح ،أي مصالح الأقوى وان ما جاءت بة العولمة من ديمقراطية وحقوق إنسان كجزء من نتائجها وتعرض الدول والزعماء الى المسائلة ، فان هذا التأثير ما زال ضعيف على التأثير على الدولة ما دامت هذه الدول محافظه على مصالح الدول الكبرى ، وهنا يصبح الحديث عن اندثار الدولة امرا غير دقيق وخصوصا أن ما يحدث هو تغير في وظائف الدولة وإعادة ترسيم لدورها ، وهذا يقودنا أن هناك دول قوية وصاحبة نفوذ ومصالح ، وفي المقابل هناك دول ضعيفة تابعة الى العالم الغربي ، تتلقى تغير وظائفها بما يخدم مصالح الدول الكبرى المعولمة ، وكل هذا لا يقود الى اندثار الدولة وتلاشيها وإنما الى بقائها بل وتقويتها بوظائف جديدة تتناسب مع متطلبات العولمة التي تمثلها الدول الرأسمالية المعولمة .





























المصادر والمراجع:-
· الحمد، تركي .(2001). بحثا عن تعريف العولمة . ابواب ، 28 .
· احمد، محمد. (2005) . حول اشكاليات العولمة . السياسة الدولية 41، 161 .
· يسين، السيد. (1998). في مفهوم العولمة. المستقبل العربي 20، 228 .
· منصور ، محمد. (2002). العولمة ومستقبل الدولة القطرية في الوطن العربي . المستقبل العربي 25، 282 .
· جلال العظم، صادق ، وحسن حنفي . (1999). ما العولمة . دمشق: دار الفكر .
· المراشدة ، يوسف . (2007). العولمة واثرها على العالم العربي مشروع الشرق الاوسط الكبير . اربد: دار الكندي للنشر والتوزيع.
· دودين، محمود. (2005). العولمة بين الوهم والحقيقة . فلسطين: الناشر هو نفسة الكاتب .
· الصوراني، غازي. (2004). العولمة وطبيعة الازمات في الوطن العربي وافاق المستقبل . سمير امين واخرون. المجتمع والاقتصاد امام العولمة . بيروت : مركز دراسات الوحدة العربية .
· امين ، جلال . (1998). العولمة والدولة . المستقبل العربي 20، 228.
· ابرش ، ابراهيم . (2007). في عصر العولمة تتجدد تساؤلات عصر النهضة . العرب وتحديات عصر العولمة . المستقبل العربي 29، 337.
· رشوان ، عبد المنصف . ( 2006). العولمة واثارها . رؤية تحليلية اضافية . الاسكندرية : المكتب الجامعي الحديث.

· ابو عمود ، محمد. ( 2005). العولمة والدولة . السياسة الدولية 41، 161 .
· ذياب، مها . ( 2002). تهديدات العولمة للوطن العربي. المستقبل العربي 276.
· بول ، سالم . (1998). الولايات المتحدة والعولمة: معالم الهيمنة في مطلع القرن الحادي والعشرين. المستقبل العربي 9، 229.
· امين، جلال.( 1998). العولمة والدولة. اسامة امين الخولي(محرر). العرب والعولمة. بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية .
· متكيس ، هدى. (2002) . الاثار السياسية الداخلية للعولمة . صلاح زرنوقة (محرر ) . العولمة والوطن العربي . القاهرة : مركز دراسات وبحوث الدول النامية.

· امين ، سمير . (2004). الفيروس الليبرالي . الحرب الدائمة ،وامركة العالم . سعد الطويل (مترجم )، بيروت : دار الفارابي .
· الحمد، تركي. (2000). الدولة والسيادة في عصر العولمة . العربي 494.
· الصديقي، سعيد. (2003). هل تستطيع الدولة الوطنية ان تقاوم تحديات العولمة . المستقبل العربي 293.
· منصور ، محمد. (2003) . العولمة ومستقبل الدولة القطرية في الوطن العربي. احمد ثابت واخرون . العولمة وتداعياتها على الوطن العربي. بيروت : مركز دراسات الوحدة العربية .
· حسن ، حمدي . (2000). العولمة واثارها السياسية في النظام الاقليمي العربي : رؤية عربية . المستقبل العربي 23، 258.
· الجاسور ، ناظم. (2000). العولمة والدولة الوطنية . القومية العربية . المجلة الثقافية 50.
· الاطرش، محمد. (1997). العرب والعولمة: ما العمل. اسامة امين الخوالي(محرر). العرب والعولمة ، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية .
· مصطفى ، هالة . ( 1998). العولمة .. دور جديد للدولة . السياسة الدولية 34، 134.
· حوات ، محمود . (2002). العرب والعولمة شجون الحاضر وغموض المستقبل . القاهرة : مكتبة مدبولي .



#انس_حسين_بواطنة. (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- كاميرات مراقبة ترصد فيل سيرك هارب يتجول في الشوارع.. شاهد ما ...
- على الخريطة.. حجم قواعد أمريكا بالمنطقة وقربها من الميليشيات ...
- بيسكوف: السلطات الفرنسية تقوض أسس نظامها القانوني
- وزير الداخلية اللبناني يكشف عن تفصيل تشير إلى -بصمات- الموسا ...
- مطرب مصري يرد على منتقدي استعراضه سيارته الفارهة
- خصائص الصاروخ -إر – 500 – إسكندر- الروسي الذي دمّر مركز القي ...
- قادة الاتحاد الأوروبي يتفقون على عقوبات جديدة ضد إيران
- سلطنة عمان.. ارتفاع عدد وفيات المنخفض الجوي إلى 21 بينهم 12 ...
- جنرال أوكراني متقاعد يكشف سبب عجز قوات كييف بمنطقة تشاسوف يا ...
- انطلاق المنتدى العالمي لمدرسي الروسية


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - انس حسين بواطنة. - العولمة والدولة: انهيارها ام تغير في وظائفها