ساما عويضة
الحوار المتمدن-العدد: 3096 - 2010 / 8 / 16 - 16:25
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
عندما نتربى في مجتمع يعزز لدينا الصورة السلبية للمرأة الضعيفة، والصورة الإيجابية للرجل القوي...المرأة العالة، والرجل المعيل...المرأة "الولية" والرجل "الزلمة"....المرأة التي لا حول لها ولا قوة والرجل الذي بيده كل الحيل والقوة...المرأة التي تبحث عمن يحميها مقابل الرجل الذي خلق ليحمي الآخرين...تصبح أي معادلة معاكسة لتلك التربية "محط خطر" لا بدّ من أن نبحث له عن سبب ومبرر والأدهى من ذلك كله فلا بدّ لنا من أن نبحث عن رادع ليعيد الأمور إلى نصابها...
في مجتمعنا الفلسطيني ورغم كل المعادلات المعاكسة التي برزت على الساحة سواء كان ذلك من خلال مناضلات استشهدن ليحمين الوطن، أو معتقلات قدّمن حرياتهن ثمنا لحرية الوطن، وجريحات قبلن بجروحهن مقابل أن يشفين جروح الوطن، وأمهات قمن بأدوار الأب والأم والأخ والأخت ليكنّ دائما جاهزات للتضحية والرعاية...ومناضلات خلعن رداء الراحة ولبسن رداء التعب والشقاء من أجل أن يحيا الوطن...وقد تقبلهن المجتمع راضيا أو مغصوبا دون أن ينسى وضع "الحدود" لهن حتى لا تتجرأ أيا منهن وتعلن جهرا بأن المعادلة القديمة الجديدة كانت دائما وستبقى معادلة خاطئة...
في هذا المجتمع كانت هناك مناضلات على المستويات المختلفة السياسية والاقتصادية والاجتماعية قبلن بأدوارهن الجديدة وضمن "الحدود" الموضوعة، في الوقت الذي كانت فيه هناك أيضا مناضلات تخطين تلك "الحدود" وأعلن بأن لديهن من الطاقات ما يتخطى تلك الحدود فلماذا الانتظار...
من بين هؤلاء المناضلات برزت المناضلة "ماجدة المصري" لتبدأ من الصفوف الخلفية في الثورة، ومن ثمّ إلى مقدمتها، وبخطوات واثقة تخطتها لتقتحم الحدود فتصبح "وزيرة" وليست كأي وزير أو وزيرة، بل وزيرة مؤمنة بدورها، مصممة على استثمار منصبها من أجل شعبها أولا وشعبها أخيرا، ولتعلن للجميع بأن تلك الحدود ما هي إلا حدودا وهمية "فكسرتنا" جميعا...أو بمعنى أدق كسرت كل الصور النمطية التي تربينا عليها وكنّا نعتقد بأنها مقدّسة...
ولكن ما الذي يحصل عندما "تكسرنا" امرأة...تتعالى الأصوات من أجل محاولة "كسرها"...من أجل "بتر" ساقها التي امتدت لتجتاز الحدود...ومن بين المكسورات تبرز امرأة لتقرر بأنها هي من سيعيد "المتمردة" إلى ما خلف الحدود وترفع راية النصر عبر إعلانها عن "ترميم" الحدود...وأتساءل هل كان من الممكن أن نحاول حتى أن نكسر رجلا لو كان في مكانها...أم أن محاولة كسر النساء الناجحات ما هو إلا امتدادا لاستضعاف النساء وانكار كل نجاح يحققنه...
لم أتعود أن أمتدح مسؤولا في كتاباتي، ولست من الكتاب أو الشعراء الذين أو اللواتي يبحثون عن مجد من خلال التمسح بالمسؤولين، ولكنني أكتب بقلم امرأة وبفكر امرأة راعها أن ترى امرأة تحاول "كسر" امرأة وراعها أن تصمت إزاء من يعيد النساء لخلف الحدود...
في مقالتي هذه لن أكتب الكثير، ولكنني سأحاول أن أرد على مقالة استهدفت الوزيرة ماجدة المصري واتهمتها بالفساد..."الفساد" لأنها وضمن منصبها تقدّم الحماية لضحايا العنف المجتمعي...لفتيات ونساء كنّ وما زلن ضحايا تربية نمطية شجعت الآخرين على استغلالهن، وسدّت أفواههن كي لا يتمردن على هذا الاستغلال، في الوقت الذي علمتهن أن يكنّ ضعيفات وغير قادرات حتى على الرفض أحيانا لكي يكنّ "البنات الخلوقات" وفقا لمعايير المجتمع...والبيت الآمن جاء كمبادرة لمساعدة هؤلاء المستضعفات ضحايا العنف والتمييز في محاولة لحمايتهن ليس أكثر ...ففكرة البيوت الأمنة لا تمثل بتاتا الحل الأمثل ولا حتى الحل الجيد، ولكنها وللأسف تمثّل الحل الوحيد عندما تنعدم الحلول الأخرى...هي الحل عندما يتحول دور الأهل من دور الرعاية إلى دور "الجلاد" ...هي الحل عندما يتحول "الحامي" المفترض إلى "الوحش المفترس"...هي الحل عندما يحل التخلف الاجتماعي مكان المنطق والعقل.
في هذه البيوت تصل الفتيات والنساء وقد وصل منهن الهم والظلم والاستغلال حدا علينا أن لا نقلل من شأنه وأن لا نفترض بأنهن "سويّات نفسيا" وقادرات على مواصلة الحياة كأي فتاة أو امرأة أخرى...نعم هناك من ستحاول الانتحار، وهناك من ستتجرأ لتصب غضبها على غيرها، وهناك من ستحاول عكس تجربتها على الأخريات، وهناك من ستبحث عن متنفس عبر إيذاء غيرها، وهناك من ومن ومن...وهناك أيضا من هن ضعيفات في حالة يأس لا يبحثن إلا عن الأمان...
شكرا لوزارة الشؤون الاجتماعية وعلى الوزيرة التي تهتم بهؤلاء النساء والفتيات بعد أن لفظهن المجتمع واستنكف عن حمايتهن من خلال توفير بيت آمن لهن يحميهن من ظلم الأهل والمجتمع...ويبقى علينا نحن أن نعمل من أجل التغيير، من أجل محاربة الظلم، من أجل محاربة التخلف حتى يكون صدر الأهل هو الصدر الذي يتسع دوما لهموم بناتهن، وحتى تكون نظرة المجتمع باتجاه حماية الضحية وتذنيب الجاني وعندها لن نحتاج إلى بيوت آمنة...ولنتوقف عن "كسر" كل من يحاول أو تحاول "تكسير" جدار التخلف والجهل...وبأن نقبل بأن "تكسرنا" امرأة إن كان هذا الكسر سيبني جدارا منيعا يحمينا من ظلم أنفسنا.
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟