أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - روجيه عوطة - بورتريه مائي فارغ














المزيد.....

بورتريه مائي فارغ


روجيه عوطة

الحوار المتمدن-العدد: 3095 - 2010 / 8 / 15 - 17:56
المحور: الادب والفن
    


"لما شاء/ واكتملت في خاطره/ صور الأشياء/ رسم الله وجوه الناس/ وأعطاها الأسماء/ علقها فوق جدار الفردوس/ وكانت جامدة/ فابتكر الماء" قصيدة من كتاب "أحلام الماء" للشاعرة سوريا بدور طويلة، دار أبعاد، أيار 2010

ليس أجمل من قراءة نص الا العودة الى لغة كرسته وجعلت منه مساحة شاسعة تتحمل ما تتحمله من تأويلات شقيّة ، تحاول ان تبرر المعنى الخارج من رحمها والعائد الى مفاصل النص اللانهائية.
هي إذن رحلة كتابة جديدة، تقع بين كفيّنا، وترسم لنا طريقا ً يبدأ بالفراغ وينتهي بالفراغ، الذي سيخطلط بالماء الجاري بين الكلمات، صانعا ً، من مسيرته هذه، خلق بلا خليقة، توبة بلا تائب، وطهارة غائبة عن الصورة.
لماذا الفراغ ولماذا الكل كان صامتا ً في لحظة، من الأفضل أن لا نطلق عليها أي صفة، لأنها، رغم هالتها الشعرية، تتشظى كمعنى خائف ؟
في هذه القصيدة، "لما شاء"، تعيدنا الشاعرة سوريا بدور الى الماضي، يوم كان الخلق على حافة الحضور الدائم، يوم كان الإله منزعجا ً من العتمة، يوم حمل بيده المساء، وبأخرى ثلاثة أسماء او أكثر.
"لما شاء"، هكذا بدأت رحلته بإرادة خرساء وقوية، فساد الصمت لأنه تراكم كلعبة الكلمات التي تتراكم لتغطي الأشياء لا لتشرحها. تكتمل الأشياء في فضاءه الخالق، لكن عذرا ً ليست أشياء بل صوّر اكتملت لأنها لم تنجز بعد.
صور قريبة من الفراغ لأنها تخدع أشياءها وبعيدة عنه لأنها اعتقال ٌ له.
رسم الإله إطارا ً بريء ليحتفظ بالصوّر في داخلها، ثم انتقل الى مرحلة ثانية، لا يمكن قراءتها الا بالعودة الى التناص المتشظي والجامع في الوقت نفسه.
في سفر التكوين، كانت السماء والأرض أولى المخلوقات ولحقها النور، السماء، اليابسة، الشمس، القمر، النجوم، الحيوانات، وأخيرا ً، خُلق الإنسان في الجنة، فارتوى بماءها وأكل من ثمارها قبل أن يعاقب على شراهته ونظراته الممتلئة بالشهوة.
في هذه القصيدة، بعد خلق الإطار الفارغ لصوّر لا يمكن التأكد من كثافتها، ولا من امتلاءها بالأشياء، "رسم الله وجوه الناس" و"أعطاها الأسماء".
وجوه الناس المرسومة ليست سوى امتداد للفراغ، الاله يرسم بورتريهات الناس بفراغ لأنها وجوه فقط، فقد غاب الطين، غاب الماء، غاب النعاس الآدمي والبعث الأنثوي، وظلت وجوه الناس حاضرة، هذه الوجوه التي تتميّز عن الرؤوس بلا ظهورها وبلا مرأيتها، إذ أنها تحتاج الآن الى مرايا تخمد فيها نار التسمية.
فأن نسمي الأشياء يعني التحكم بها، هذا ما كان يفعله زوربا حين كان يقع في مشكلة، وهذا ما تحدث عنه الكاتب جاك دوكيسن حين قال: Nommer quelqu’un, c’est lui indiquer un destin .
عٌلقت الوجوه فوق جدار الفردوس، بعد إعتقالها بأسماء و إحتراقها بإطار الفراغ فكيف بإمكانها التفلت من صمتها وخرسها وهي لا تملك قوة خالقة.
فكما نعرف، فهي لم تشء، فالقصيدة بدأت بـ"لما شاء" هو، أما الوجوه فلا قدرة لها إلا على الإحتراق.
حتى هذه اللحظة، البورتريه فارغ، ولكن بعد أن خلق الإله، ببراءة خلقه، الماء، وقفت القصيدة وأخرجت الصوّر من إطارها الجامد، والوجوه من صمتها، نظرت الناس الى وجوهها وتفقدت حضورها وقالت فيما بينها:"ماءنا مرآتنا".
إمتلأ البورتريه بالماء واحتل داخلها وتشققت جدران الفردوس، لكن هل انتهينا من مرحلة الفراغ؟
صحيح أن الماء حرر الوجوه وملأ البورتريهات، لكنه مجرد مرآة تعكس ولا تحقق، نرى من خلالها الصوّر، مجرد صوّر ، والأكثر من ذلك إنها مرآة محكومة بمشيئة برانية أرادت للفراغ أن يصبح مكان.
هذه القصيدة قصيدة تحرضنا على قراءتها، وتنقلنا من مرحلة الوجه الغارق في التسطيح، الى ما يسمى بالصداع الشعري ، فتجعلنا نعود الى خارجها ونحفر، ثم نعود الى داخلها ونرمي الكلمات في ثقوبها لأنها محكومة بالفراغ الموضوعاتي، وبالمرايا المائية المتشظية كالمعنى من المشيئة الى التوبة والطهارة الفارغة.



#روجيه_عوطة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مرآة الدين الضائعة (لا بد للجسد أن يعود الى القبر ليرى مرآته ...
- لن يُستهلك ماركس بعد الآن
- الوجه: نرسيس بلا مرآة
- رحم الأم...بيت الزوج...القبر
- ثنائية لحظة الذروة
- مفتاح السجن في يد السجين
- الماركسية والدين
- هل من سبب للطائفية في لبنان؟


المزيد.....




- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - روجيه عوطة - بورتريه مائي فارغ