أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - عيسى قراقع - الشهيد مشهور العاروري ... الآن أنا حيّ














المزيد.....

الشهيد مشهور العاروري ... الآن أنا حيّ


عيسى قراقع

الحوار المتمدن-العدد: 3095 - 2010 / 8 / 15 - 17:17
المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
    


بعد 33 عاما عاد الشهيد الفلسطيني مشهور طلب العاوري الى قريته في رام الله ليتحقق حلم والدته العجوز التي كانت تتمنى أن يطيل الله في عمرها حتى تشارك في جنازته وتطمئن أن ابنها قد تحرر من الغياب والنسيان وصار له قبرا واسما وليس رقما.
في الطريق من ( حاجز رنتيس) الى مستشفى رام الله رافقتنا والدة الشهيد في سيارة الإسعاف التي نقلته، وكانت طوال الطريق منحنية تقبل التابوت الذي لف بالعلم الفلسطيني، مخاطبة ابنها قائلة: الحمد لله على سلامتك يا مشهور، انتظرتك طويلا، وكنت واثقا انك ستعود الى أبيك وأمك وبلدك، كان قلبي معك، وكنت قد وعدتك بزفة كبيرة، وها هي زفتك الفلسطينية قد بدأت يا أجمل عريس، والدك ينتظرك بالبيت على أحر من الجمر.
أم مشهور لم تبك، كانت قوية كأنها عادت شابة، مفتخرة بولدها، صوتها يلعلع ويزغرد، تتحدث مع الصحافة برباطة جأش، كأنها انتصرت على الدولة العبرية التي حجزت رفات ابنها طوال هذه المدة، وقد رفعته بيديها من وسط تلك المقابر العسكرية التي تسمى مقابر الأرقام، استبدلت الرقم الموضوع على القبر باسمه وصورته وكوشان ميلاده، مسدت شعره ورتبت بهدوء بدلته العسكرية وغسلته ورفعته عاليا عاليا في وسط شوارع رام الله.
كان مشهدا يجسد رواية الفلسطيني الذي يعود ميتا ويعود حيا الى هنا، الى الأرض التي امتلأت بأرواح الشهداء، وكان مشهدا يلقي سؤال الحياة على الشهداء المأسورين المحتجزين هناك في تلك المقابر البائسة في انتظار أن يتحرروا من المنفى والذوبان في غموض المسافات.
نحتفل بالميت لأن الموت تليه حياة، ولأن وراء الموت قاتل وسجان ومن أعدم القتيل بقرار رسمي، وخبأ الجريمة ودفن صوت الضحية ليخفي البراهين ورائحة الحنين في أسطورة الفلسطيني المسافر أبدا بين ذاكرة وغروب وشمس ومكان.
مشهور العاروري يفتح ملف المفقودين والشهداء المحتجزين المعذبين الحالمين بجنازة وورد ومشيعين، وقبر لائق حوله أزهار ونقش من الآيات ورائحة بشر يقرأون الماضي في سفر الحاضر حتى لا تعود اللغة الى الوراء.
وقد ترك العاروري خلفه ما يزيد عن 320 شهيدا يتألمون في حفرهم الفردية والجماعية، أجسادهم تنهشها الطيور الجارحة أو الحيوانات المتوحشة، يحاولون أن يرفعوا أجسادهم الى مستوى الانتباه، يقاومون هذه الأبدية الخالية من المطر والضوء والملائكة حتى لا تنقص أجسادهم وتفر ملامحهم من الصور.
أم مشهور تفقدت ملابسه وساعته، ونظرت طويلا إليه، كانت خائفة أن يكون ابنها قد تعرض لسرقة لأحدى أعضائه، متيقنة أن مشهور ظل يشتبك بروحه طوال 33 عاما من اجل أن يعود الى أمه وبيته كاملا.
في سيارة الإسعاف التي نقلت الشهيد مشهور العاروري أصغت الأم الى ولدها وهو يصحوا رويدا رويدا، يصحو من الأرق، يحلق في بساتين الغيوم الممتدة على طريق رام الله، يبتسم لوالدته ويقول لها : أنا حيّ
مشهور يوصينا أن نعمل على إغلاق مقابر الأرقام واستعادة رفات شهدائنا المأسورين، ويكشف أن احتجازهم لم يكن لأجل مفاوضات او صفقة او وسيلة للضغط، وإنما من أجل الانتقام من كل من أراد أن يكون حرا وسيدا في بلده ووطنه، ومن كل من رفض الظلم وتمرد على العبودية.
ويسرد الشهيد حكاية ليل المقابر هناك: أسلاك شائكة تحيط بها لأن الإسرائيليون خائفون أن يهرب الموتى، إما تعذيب قبل الموت، ومن لم يعترف يتم إعدامه وتمزيق جسده ومصادرة روحه كي لا تعود مجددا، وإما المتاجرة بأعضاء جسمه حتى تضيع هويته بين السموات والأرض.
ويقول لأمه: جثث تدفن على وجه الأرض حتى يستطيع حيوان النمس من أكلها،جثث تجرفها سيول الشتاء، صراخ يسمعه الصحفيون إن استطاعوا أن يقتربوا من المكان، ضجيج عظام وحركة أقدام تحت التراب.
أم مشهور صرحت لأحد الصحفيين وهي تنظر الى ولدها: كأنه نائم، لا يريد أن يفنى في ذلك المعنى العبري، الآن يصحو وكأنه أدرك أن حياته هي امتداد حلمه، فينهض الشهيد ويعانقني بشدة كأنه مندهش من ارتباط الحياة بإيقاع الأم، لم يعد الشهيد وحيدا مع الموت........ يا له من حب.
السماء في رام الله انخفضت احتراما لكرامة الشهيد..... عناق بين البشر وأرواحهم لأول مرة في ساحة المنارة، صارت الحياة هي وعي الموت والتحرر من قيود الزمن، شهر رمضان يتقدم وكان أول المتقدمين الشهيد مشهور العاروري، يتباهى في هذا الشهر الفضيل.



#عيسى_قراقع (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في الذكرى السادسة والثلاثين لانطلاقة الجبهة الشعبية رسالة إل ...


المزيد.....




- نيويورك.. الناجون من حصار لينينغراد يدينون توجه واشنطن لإحيا ...
- محتجون في كينيا يدعون لاتخاذ إجراءات بشأن تغير المناخ
- التنظيمات الليبراليةَّ على ضوء موقفها من تعديل مدونة الأسرة ...
- غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب
- الرفيق حنا غريب الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني في حوار ...
- يونس سراج ضيف برنامج “شباب في الواجهة” – حلقة 16 أبريل 2024 ...
- مسيرة وطنية للمتصرفين، صباح السبت 20 أبريل 2024 انطلاقا من ب ...
- فاتح ماي 2024 تحت شعار: “تحصين المكتسبات والحقوق والتصدي للم ...
- بلاغ الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع إثر اجتماع ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 18 أبريل 2024


المزيد.....

- سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول / ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
- سلام عادل -سیرة مناضل- / ثمینة یوسف
- سلام عادل- سيرة مناضل / ثمينة ناجي يوسف
- قناديل مندائية / فائز الحيدر
- قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني / خالد حسين سلطان
- الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين ... / نعيم ناصر
- حياة شرارة الثائرة الصامتة / خالد حسين سلطان
- ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري ... / خالد حسين سلطان
- قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول / خالد حسين سلطان
- نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - عيسى قراقع - الشهيد مشهور العاروري ... الآن أنا حيّ