أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - الدويب مصطفى - رهينة الخطيئة















المزيد.....

رهينة الخطيئة


الدويب مصطفى

الحوار المتمدن-العدد: 3091 - 2010 / 8 / 11 - 04:34
المحور: الادب والفن
    


Schiava del peccado ) l’esclave du péché(
رهينة الخطيئة * : قراءة نقدية في فيلم المخرج الإيطالي رفايلو ماطارازي" بقلم: الدويب مصطفى

يعد فيلم رهينة الخطيئة ( 1954 ) من بين الأفلام الميلودرامية الإيطالية القوية والتي تدور أحداثها في منتصف القرن العشرين. تهبنا وقائع هذا الفيلم كثيرا من الحسرة والألم والأسى، إذ تحيلنا الرواية إلى أصوات متعددة تئن من وجع اجتماعي لا يمكنه أن يفارق الإنسان مهما حاول، خصوصا إذا كان هذا الإنسان امرأة، ( أول مصدر للخطيئة) إنه العقاب الجماعي. حقيقة أن البطلة " مارا" في هذا الفيلم، كانت تعيش في عالمها. عالم غير العالم الذي ألفناه، محيط الليالي الوردية وأصحاب الرفاهة والعين والليل . سافرت " مارا" وأثناء رحلة عودتها ستتعرف البطلة على طفلة صغيرة بولونية الجنسية في مقصورة القطار الذي يحملهما. تسري شرارة الحب بينهما منذ الوهلة الأولى. أرادت "مارا" الذهاب إلى مقهى القطار، التصقت بها الطفلة وهي تبكي، تريد مرافقتها، غضب الأبوان من سلوك طفلتهما. استعطفتهما البطلة واقتنعا. لقطتان تغيران مجرى الفرجة : اللقطة الأولى نلاحظ فيها دخول القطار إلى نفق من جهة، اللقطة الثانية تظهر دخول قطار أخر إلى نفس النفق من الجهة المعاكسة، نتساءل ماذا سيجري؟ ترتفع نبضات قلبنا، ويصطدم القطاران. ستكون الحادثة كارثية مروعة، في الزمان بلغت روح جميع الركاب مكانها. ضحايا، إسعافات، ضجيج وألم . وكانت المعجزة، لم يخرج من هذا الحطام الهائل إلا من نجى. كانت "مارا" والطفلة من حملتهما أمواج الحياة سالمتين أما باقي المسافرين فرحمة الله عليهم. التصقتا وارتبطتا ببعضهما خصوصا وأن الطفلة أصبحت وحيدة في هذه الدنيا، غريبة، ويتيمة الأبوين. تريد "مارا" أن تحتضن هذه الطفلة التي فقدت أبويها وتأخذ بيدها، رافقتها إلى المنزل، توطدت علاقتهما، حاولت "مارا" أن ترتب حالها وتطلب الحضانة بشكل رسمي، في انتظار ذلك اليوم، ستودع سلطة البلدة هذه الطفلة في ملجأ اليتم . تبكي، تصرخ وتستغيث لكن لاشيء يعلو فوق صوت القانون. ذهبت البطلة بائسة، حزينة، منكسرة إلي مفتش البلدة " كاميو بيلوطو" قصد المساعدة، يُحاول استكشاف المواضيع حول الدعارة والقانون، حول الخطيئة، والإثم ، فيجد طريق الحضانة شاق وعسير. لا يسمح القانون لسيدة تمتهن الدعارة بهذا، إلا بعد ثلاث سنوات من التكفير عن هذه "الخطيئة". تعاطف المفتش معها وانضم إلى جانبها لكن ما العمل إذن؟ هل تتخلى عن الطفلة أم تتخلى عن المهنة؟ أحلى الخيارين مر. لم تتردد لحظة، ضاقت لغتها، سافرت عبر الذاكرة، عالجت الجراح وقررت الاعتزال رغم كل المغريات السابقة. كان حبها لتلك الطفلة أقوى، ضارب في الجنون، خصوصا وأن هذه الصغيرة تذكرها بمولود كانت قد وضعته ومات في سن جد مبكر. حاولت العيش في أحضان حياة "شريفة" بعيدة عن عالمها السابق، تجرب حظها، شيء في أعماقها يولد من جديد، ربما هو حب الطفلة، حب الحياة. يساعدها المفتش حتى تحصل على عمل في أحد المصانع، ما أن يعرف ماضيها حتى تطرد من العمل، تحاول دون كلل أو ملل، يرفضها المجتمع لكن قناعتها كانت أقوى. لم تندم، تحس بنشوة النصر تكبر كلما مرت الشهور والأيام، وموعد الحصول على شهادة حسن السيرة يقترب لتحتضن الطفلة حبيبتها. استقر بها المآل أخيرا في معمل للرخام. أرادت أن تثار لنفسها من هذا المجتمع المتناقض إلى حد اللامعقول. غيرت حياتها بأخرى "يرضاها" المجتمع، عاشت عيشة بسيطة لكن، دائما أنيقة المظهر مهذبة، ملتزمة بخطها الجديد وهي راضية، مرهفة الحس، تتوجع لكل هذه الضغوطات، تريد أن تفك قيدها لتخرج من أوحال هذه الخطيئة. . لكن الملحمة ستعود إلى ملحمها إحياء للتراجيديا، إحياء لمحنة الحياة. هنا في هذا المعمل ستلتقي صدفة " كويليو" (مارسيلو مسطرياني) ، حبيبها السابق وأبو الوليد الذي مات في سن مبكرة، حكت له كل ما وقع، لم يصدق، اعتقد أن الطفلة التي في ملجأ اليتم ابنته، حاول إقناعها ليسترجع بنته بأي ثمن كان، خصوصا وأنه غني، خصوصا وأن زوجته لا تلد. حاول مرات، أغراها، لكنها كانت ترفض عرضه مرة تلو أخرى . علمت زوجة "كويليو" بالقضية، دخلت على الخط لصالح زوجها، لأنها لم تنس الجراح المفتوحة في صدره، ذهبت إلى "مارا" تستفسرها، تستعطفها وتشرح لها، لكن الرفض كان لها بالمرصاد، خرجت بعد كل هذه المحاولات اليائسة، تاركة رقم هاتفها والعنوان وانسحبت. هل ستنجح "مارا" في هذا الامتحان الشاق وتحصل على حضانة الطفلة وتخرجها من ملجأ اليتم؟ أم أنها ستبقى غارقة في مأزق الخطيئة ؟ لماذا اليأس والمثل يقول "إن جسد المرأة خطيئة قادر على تحريك جيوش وإسقاط أمبراطوريات" انتهت المدة، أدت "مارا" دينها الاجتماعي كاملا وكفرت عن خطيئتها. ذهبت إلى الملجأ والفرحة تغمرها، استرجعت الطفلة والسعادة تطفح قلبها ودموع الفرح في عينيهما لأنها الآن ستحس ثانية معنى هذه الأمومة المسترجعة. تعانقتا وقررت أن تمنحها الرعاية الكاملة طوال الوقت. عادتا إلى المنزل واحتفلتا مع بعضهما بهذا اللقاء الجميل. في اليوم التالي من العودة سيظهر من ماضيها من لم يكن في الحسبان، إنه ( حاميها حراميها ) " فرانكو فابريزي" كان خلال هذه المدة يتتبع خطاها ليعيدها إلى ماضيها بالقوة إن تطلب الأمر ذلك، إلى تجارة الجسد لأنه عمل مربح له قبل أن يكون مربحا لها. امتنعت، شرحت له وضعها الجديد، هددها، ضربها، حاولت الدفاع عن نفسها والطفلة تستنجد، لكن يد البطش كانت أقوى. ماتت لتعود حضانة الطفلة إلى "كويليو" بناء على ما أوصت به لمفتش البلدة " كاميو بيلوطو". بعد مشاهدة الفيلم نلاحظ أنه لا يركز هذا على الشخصيات بقدر ما يركز على الأوضاع الاجتماعية، من منظار الواقعية الجديدة ( الإيطالية ) التي جمعت " سيلفانا بانبنيني" (مارا) و"مرسيلو مسطرياني" (كويليو ) في قصة حب أصبح فيها البطل أبا للمولود المتوفى وينفصلا، ليصبح فيما بعد حاضنا للطفلة البولونية. إنه فيلم، من بين الأفلام الإيطالية القلائل الأولى التي تناولت مواضيع اجتماعية على شاكلة "سارق الدراجات" (1948) أو فيلم " تجارة الرقيق" (1952 ) . لماذا الخطيئة؟ حسب كل الديانات والعقيدة المسيحية بالخصوص، كل البشر يخضعون لشريعة خطيئة أصيلة (إلا مريم العذراء فإنها منزهة عن ذلك ) وبالتالي فالخطيئة عصيان لقانون إلهي وتمرد ضده. والمرأة هي أول من تمردت على الرب عندما أطاحت بآدم. وأن الوصية السابعة من الوصايا العشر تنهي عن الزنى لأنها خطيئة كبرى تقع فيها المرأة. لكن لماذا ترتبط الخطيئة بالمرأة فقط دون الرجل؟ هذه هي الرسالة التي حاول الفيلم إثارتها. لم تحظ قضية بالاهتمام على طول التاريخ كما حضيت بها قضية المرأة لأنها الجلاد و الضحية، لأنها الشيطان والملاك ، مما يجعل سوء الفهم يتراكم عبر العصور وتتوارثه القوانين والأعراف السائدة في كل المجتمعات البشرية ويجعل المرأة تعاني من هذه الخطيئة الملتصقة بها والتي تتبناها المرأة نفسها بطريقة لا واعية. هل ستنتهي هذه القضية يوما لتتساوى المرأة مع الرجل ويتحمل كل واحد منهما مسؤؤليته ؟ من المسئول عن هذه الخطيئة عقل المرأة أم جسد الرجل ؟ ومن صاحب الخطيئة الأولى الذكر أم الأنثى , وهل هي فعلاً خاطئة أصلا أم الرجل هو الذي يدفعها إلى ذلك لأنه يريدها أن تمتعه، يريدها أن تغني، أن ترقص، تتعرى.. ولما تمتع الرجل ويتلذذ بها / فيها، يقال عنها إنها خاطئة ينبغي أن تعاقب، فيعاقبها المجتمع وترضى بقراره طلبا للتوبة، لكنها ستجرجر ذيول الخطيئة إلى الأبد ؟؟؟ هذا ما طرحه الفيلم ولمح للتقاليد الاجتماعية المستقرة في اللاوعي الذي عزز نظرية الخطيئة دون أن يجهد أحد (الرجل والمرأة) نفسه في التمييز بين الفعل الديني والدنيوي. إذا كانت الدراسات قبل اللسانيات قد ركزت على المضامين وهنا نحن أمام مضمون اجتماعي تقليدي، غافلة ( عن قصد أو عن غير قصد) تبعات الرواية وأهمها العنوان. وبما أنه استفزني كمدخل أو عتبة للفيلم وأن مرجعيته تحمل مفهوما دينيا في اللغات الثلاث ( الإيطالية، الفرنسية والعربية ) أجد ني مضطرا لمناقشته والمغامرة في هذه العنونة نظرا لأهميته التواصلية ودوره في الإيحاء والتلخيص والتأويل... وبالتالي يعطى العنوان للفيلم هوية ومظهرا قصديا يحفز على الانتباه ويخلق أفق التوقع عند المتفرج ( المتلقي ). وظيفة عنوان الفيلم هنا مرجعية وإيحائية تختصر الكلام في جملة ( رهينة الخطيئة ) التي بدورها تجرنا إلى معاني رمزية متعددة كالخطأ تجاه الإله، العقاب، الغفران ، المغفرة والذنب والتوبة... ويحيل العنوان إلى سيدة أدت كل الدين الاجتماعي وتابت ( إلى الله ) لكن المجتمع لم ينس فعلتها ولم يغفر الله لها (رغم التوبة ) وهكذا نالت الجزاء في الدنيا مرتين وستنال جزاء فعلتها في الآخرة. من ناحية التركيب اللغوي، يتألف العنوان من مبتدأ محذوف ( هي أو هذه ) يعني البطلة التي هي رهينة ( المجتمع ) خبر نكرة أصبحت معرفة بإضافة الخطيئة. يحمل هذا العنوان طابعا مجازيا يدل على الظلم والقهر وعدم التسامح . هذا هو الواقع الذي عانته البطلة خلال هذه التجربة المريرة. في النهاية لابد من التذكير بأن الفيلم (1954) كان ثورة ضد الجهل الاجتماعي والسياسي والعادات البالية المتخلفة. لأن البطلة والطفلة مرتا بعلاقة وتجربة قاسية تعيشها المرأة كما تعيشها الأطفال وكل هذا إرث ثقيل تخلفه الأجيال السابقة للأجيال اللاحقة، إلى متى هذا العجز وإلى متى سيبقى الإنسان عاجزا ضد هذا الاستلاب العظيم؟



#الدويب_مصطفى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة نقدية في كتاب مناجاة معتقل للكاتب محمد الفلوس ( المغرب ...


المزيد.....




- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - الدويب مصطفى - رهينة الخطيئة