حزب الخداثة والديمقراطية لسورية
الحوار المتمدن-العدد: 3083 - 2010 / 8 / 3 - 20:24
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
أثارت القرارات التي اتخذتها الحكومة السورية بنقل المعلمات المنقبات من سلك التعليم إلى مواقع في الإدارة المحلية ثم منع المنقبات من دخول الجامعات الخاصة و العامة جدلا كبيرا وردود أفعال واسعة بالقياس إلى ما تحدثه عادة قرارات أو مراسيم أخرى لا تمس الحيز الثقافي– الديني الذي تحقق المساس به عنوة مع تلك القرارات الأخيرة ، على أن الجدل و السجالات الأخيرة و إن كانت طبيعية إلا أنها أدخلت مختلف الشخصيات الرسمية و القوى الحقوقية و المعارضة في اختبار مواجهة - بعد مواربة ربما- مع ما تقتضيه مواقعها الفكرية و مصالحها السياسية الضيقة منها أو المشروعة من مواقف و ينطبق ذلك أكثر على بعض القوى التي ائتلفت تحت خيمة سياسية لم تحدد بشكل واضح و دقيق تخومها القيمية السياسية ، كما ينطبق أيضا على الشخصيات الدينية الرسمية التي تقدم نفسها معتدلة و منفتحة ،
إلا أن حزب الحداثة و الديمقراطية لسورية أراد منذ صدور تلك "الأوامر" الحكومية أن يقرأ و يناقش بهدوء الصورة المرسومة بفعلها ، و ذلك بمعايرتها أساسا إلى الشروط و البيئة المعرفية - الثقافية و السياسية التي يعمل من أجل إنجاحها في سورية ، و هو ينظر إلى الموضوع من خلال الزاوية التحليلية التالية :
1- إن السلطة السياسية السورية التي تشرف على سير اجتماعي سوري عام صوب علاقة قروسطية مع الدين لا تخفى آياته على أحد و تستخدمه في مواطن عديدة منها ما يمنحها الشرعية و منها ما ينزعها عن خصومها ، تقوم على ضبط دقيق و صارم لإيقاعات هذا السير و رسم حدوده بما يحول دون:
أ - أن يتفاقم التدين الشعبي الحاصل بكثافة ملفتة في سورية( فيتحول إلى سياسي ، و هو ما يمكن أن يشكل حال حصوله في ظل هذه البيئة المشحونة بهذا التدين تهديدا حقيقيا لمواقع أهل السلطة و مكاسبهم ،
ب- أو يتراجع فلا يستطيع أن يقدم رسائله السياسية للخارج و الداخل ، الخارج الذي يخشى من إسلام سياسي أصولي يصل بانفجاراته دولها ، و الداخل حيث الطوائف غير السنية التي تستحوذ عليها هي الأخرى الخشية من إسلام سياسي سني فتبقى لذلك مكونة و بصورة موضوعية الاستناد "الاجتماعي " للسلطة يقوى كلما تزايد في الحياة العامة حضور العلامات الاجتماعية الدالة على الارتباط الوثيق بين كل طائفة و تصورها عن السماء و ما تقرره من حق و قيم و طقوس ( الحجاب و المساجد و أزياء التدين المختلفة على سبيل المثال ...)
2- إن السير بالمجتمع السوري صوب الانغلاق الديني المعبر عنه كعلامات و شعائر في الوسط السني أكثر من غيره و إن كان وفقا للفقرة السابقة يقوي من الاستنادات "الاجتماعية" للنظام السوري ، إلا أن دلالات اتساع ظاهرة النقاب إنما تؤشر أيضا إلى أن هذا الانغلاق في طريقه لأن يصل إلى مستويات بعيدة و خطرة الأمر الذي يقلق و قد يضعف بدوره شبه الإجماع الحاصل بين الشارع الشعبي وقادة الرأي الفكري و السياسي للطوائف غير السنية على الموقف من "علمانية" النظام أو موقعه الطائفي و هو ما قد يعني تحول فئات منها إلى موقع يمكنها أن تنظر إليه بوصفه تخل أو هو في طور التخلي عن موقعه "العلماني" أو الطائفي ، و في ذلك ما قد يثير البلبلة و يجلب الضعف إلى استنادات هذا النظام ( على عكس ما تنشده سياسات النظام السوري من دعم التدين الشعبي بالأساس ) و يهدد مواقعه و مصالحه ، لذلك تأتي هذه القرارات الحالية كعربون ثقة جديدة تقدمه السلطة السورية لاستناداتها تلك .
3- النظام السوري و من موقعه كمتحكم وحيد بالشأن السوري و الذي يمتلك وحده المقدرة على استخدام العنف "المقونن" وفقا لحاجاته ، و يسيطر أيضا على توزع الثروة وفقا للوحة مصالحه ، هذا النظام الذي ألحق كل هذا العجز بمجتمعه ليس في موقع أن يخشى ردود أفعال سياسية أو شعبية رافضة لقرارات كتلك ، فبتوافر كل هذا الانعدام لصوت الشارع و إيغاله في ترك الحقل العام ، مع ما بدده الانفتاح الإقليمي و الدولي ، و انحسار حالة العزلة التي كان ينظر من خلالها البعض إلى ضعفه و ممكنات رحيله ، لم يعد النظام السوري المستبد في معرض الأخذ بعين الاعتبار وجود ردود فعل يمكنها أن تمنعه من اتخاذ هذه القرارات
4- بعد الانحسار السياسي و الرمزي لحالة الحرب على الإرهاب مع وصول إدارة اوباما إلى السلطة في الولايات المتحدة ، و تراجع أهمية توظيف صورة مالات المشهد السوري الممكنة أثناء غياب النظام الحالي عن تسيده له ، بوصفه مشهدا يحتله التطرف الديني الانفجاري ، خصوصا و قد تخلص النظام من الضغط و العزل الذي تعرض له لعدة سنوات ، أصبحت الحاجة لصورة جديدة عنوانها منع النقاب و محاصرة ظاهرته أمرا مطلوبا ، استكمالا للصورة السابقة ( أي إلى مالات المشهد السوري إبان غياب النظام عن تسيده له ) و توسيعا لحقل دلالاتها ، كونها تفيد لجهة الانسجام مع دول العالم المتحضر التي بادرت هي أيضا إلى منع النقاب مؤخرا ، و ليس التزامن الحاصل بين هذا المنع في سورية و بينه في تلك الدول إلا مؤشرا قويا على ذلك .
إن موقف حزب الحداثة و الديمقراطية لسورية و من أجل الوضوح و الحسم يسجل التالي :
1 -إن حزب الحداثة و الديمقراطية لسورية ينظر الى نقاب المرأة ليس بوصفه تشييئا أو تسليعا للمرأة السورية فحسب ( وفق منطق الجوهرة تخبأ لأنها ثمينة ..!) ، بل قمعا و سلبا موضوعيا لوجودها ، إنه عنف مادي و تلقين ثقافي يبدأ فعله مع سنين الطفولة لتتقمصه الأنثى المنقبة (بإرادتها) فيما بعد و تعيد الحاقه بذاتها ، أو هو عنف مادي و اعتداء مباشر و مستمر بشكل سافر على الأنثى المنقبة رغما عنها ،
2 -إن السلطة السياسية وفقا للزاوية التحليلية أعلاه لا تشارك في مفاقمة ظاهرة الانغلاق الديني و الطائفي و قمع الأنثى السورية و اتساع ظاهرة النقاب ( حتى بمحاربتها على النحو السابق ..! ) مشاركة أو تواطؤا فحسب بل تتحمل هي المسئولية عن ذلك بالكامل . إن صدور القرارات تلك بهذا الشكل العمودي ووفقا للنسق الاستبدادي لسياسات تلك السلطة و الاكتفاء بمعالجة جزئية و محدودة للغاية يقوي في المحصلة من ظاهرة النقاب بدلا من أن يضعفها أو يقذفها بعيدا عن حقل القيم الإسلامية ،بل تقوم هذه الإجراءات – الأوامر من وجهة نظر الحزب بمفعول تطعيم و تحصين العقل الديني ضد التأثر بثقافة الحرية بالمفهوم الفلسفي و تبقيه في حالة قطيعة مع القيم الإنسانية الحديثة كقيم حرية المرأة و حقوق الإنسان ، إضافة لما قد تشكله هذه القرارات من حجب موضوعي لعدد من الإناث السوريات عن حقهن في التعليم الذي قد يفتح لهن نوافذ خارج العالم المغلق الذي يعشن فيه ،
3 إذا أرادت السلطة السورية حقا معالجة مشكلة الانغلاق الديني و الوعي الطائفي الذي يخلق التناقضات و العداءات الضمنية و الواعية في المجتمع السوري ، و هو المجتمع الذي يتوجه بشكل متزايد نحو التطرف ( حيث منع النقاب يهدف إلى معالجة هذا التوجه حسب أصحاب قرار المنع ) ، فإن ذلك يتطلب سياسات جادة ذات رؤية شاملة و متزامنة لأزمة السياسي أولا ، و الثقافي المعرفي ثانيا في سورية ،على أن اتخاذ هكذا سياسات يشكل بالنسبة لتلك السلطة استحالة ذات أصل بنيوي ، تجعلها تحتل هي ذاتها منطقة المركز في الأزمة الأولى و منطقة التثبيت و إعادة الإنتاج للازمة الثانية .
4 -إن الممكن عمله الآن للحد من ظاهرة النقاب بديلا عن القرارات الحكومية بمنعها ، رغم إنتاجيته المتواضعة و المدة الزمنية الطويلة نسبيا التي يتطلبها ، يتمثل حسب اقتراح حزب الحداثة و الديمقراطية بالعمل في سورية على إطلاق مبادرات فردية أو جماعية غير حكومية و غير سياسية لا تأخذ طابعا تنظيميا ، يجري إطلاقها لفترات محدودة زمنيا و بشكل شبه دوري ، يشترك فيها علمانيون و مثقفون و رجال دين منفتحين من كلا الطرفين سلطة ومعارضة بالإضافة إلى فئات مستنيرة أخرى من كتاب و مثقفين و فنانين ، نابذين تماما في هذه المبادرات كل عمل أو حوار حول السياسة من الجانب الذي يستفز أو يزعج السلطة السياسية ، لتتمركز فقط حول ظاهرة النقاب و المنقبات ، نقاشا و عملا فكريا و ميدانيا على الأرض ، يبحث و يقيم جسورا للتواصل مع كل الشرائح المعرضة لهذه الظاهرة بمن فيهن المنقبات و أوساطهن على نحو خاص دون تعال أو وصاية أو احتقار للرأي الذي تمثله أية شريحة ، مركزين على قراءة أكثر انفتاحا للعامل الديني و حقوله القيمية ، عاملين على أن يتحول هذا الجهد إلى بداية لحوار اجتماعي عام يتناول هذه الظاهرة ، فالحوار عندما يدور حقا بين أطرافه يثمر و ينتج .
حزب الحداثة و الديمقراطية لسورية
مجلس الإدارة السياسي
مكتب الحزب في الخارج
برلين – ألمانيا
02.08.2010
www.hadatha4syria.com
[email protected]
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟