أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - هدى جعفر - 11 يوليو 1995... تاريخ يجب أن تخجل منه الأمم المتحدة















المزيد.....


11 يوليو 1995... تاريخ يجب أن تخجل منه الأمم المتحدة


هدى جعفر

الحوار المتمدن-العدد: 3077 - 2010 / 7 / 28 - 09:34
المحور: حقوق الانسان
    


11 يوليو 1995
تاريخ يجب أن تخجل منه الأمم المتحدة

"كل عطور الأرض لا تستطيع تطهير الأيدي الآثمة"
مجهول
*****
حينما بدأت الحرب الأهلية في يوغسلافيا في أوائل التسعينات كنت في المرحلة الابتدائية، أتذكر حينما جاءت صديقتي في المدرسة وقالت لي نكتة وأسمت لي شخص من قبيلة تشتهر بالسذاجة في تلك البلاد بأنه سمع عن البوسنة والهرسك فذهب ليتطعم، ضحكت كثيرا حينها، حيث كانت كلمتي البوسنة و الهرسك لها وقع غريب على المسامع، فلم أكن سمعت ولا أظن أن أحدا سمع عنها في تلك الدولة التي عشت بها.
11 يوليو 1995 كان يوما عاديا لكل من يقرأ هذا المقال تقريبا, بل و ربما كان عيد زواج أو يوم التخرج من الجامعة، أو ربما كان يوم حصول أحدهم أو إحداهن على وظيفة الحلم، وأكيد هو عيد ميلاد هذا أو ذاك كما يقول (حسن نوهانوفيتش) أحد الناجين من مجزرة سربرينيتشا التي وقعت في 11 يوليو 1995 تحت سمع وبصر قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة والمجتمع الدولي، مجزرة سربرينتيشا الأسوأ والأكثر وحشية منذ الحرب العالمية الثانية.
***
من حين لآخر تستعيد أوروبا همجيتها القديمة، فمنذ أن كان الرومان يحتشدون في مسرح الآرينا وبحضور قيصر البلاد لمشاهدة الأسرى المسيحيين أو العبيد تلتهمهم الأسود و النمور و الدببة ويصاحب ذلك تصفير وتصفيق الجماهير، مرورا بالحربين العالميتين والتي فقد العالم فيها – في الحرب العالمية الثانية فقط – 2 % من سكانه والذي يقدر بمئات الملايين، وحتى الحرب في البلقان في تسعينات القرن الماضي، بعد أن تأكد العالم بأن الفظاعة التي مورست في الحرب العالمية الثانية لن تحصل مجددا في أي مكان في الأرض، و كيف يتم ذلك وهناك بناء مشيد و فخيم في أمريكا يدعى (الأمم المتحدة).
***
"على المسلمين بعد اليوم أن يعدوا أحيائهم وليس أمواتهم"
الجنرال الصربي راتكو ملاديتش قبيل حدوث المذبحة

***
باختصار شديد جدا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي بدأ الاتحاد اليوغسلافي بالتحلل، هذا الاتحاد الذي يضم كلا من كرواتيا وصربيا والبوسنة والهرسك والجبل الأسود و سلوفينيا و مقدونيا، وبعد تفكك هذه الدولة السلافية العريقة حدث ما يعرفه ويتوقعه أي محلل سياسي في العالم، وهو رغبة كل جمهورية بالانفصال عن الكيان الأم، حيث استقلت في 1991 كلا من سلوفينيا والجبل الأسود ومقدونيا ثم استقلت البوسنة والهرسك في 1992، ولما كانت صربيا تريد تأسيس جمهورية صربيا العظمى وضم جمهورية البوسنة والهرسك إليها – صربيا هي الدولة التي سببت بطموحها الأخرق الحرب العالمية الأولى ومن ثم الحرب العالمية الثانية التي كانت نتيجة للحرب العالمية الأولى- وهو ما رفضه البوسنة بالطبع مما أدى إلى نشوب حرب أهلية في نفس العام انتهت في ديسمبر 1995 بتوقيع اتفاقية دايتون.

خلال سني الحرب الثلاث ارتكب الصرب في حق بني جلدتهم مالا يصدقه أحد، وما لم يصدقه البوسنة أنسفهم، حيث عاشوا قرونا جنبا إلى جنب مع إخوانهم الصرب حيث درسوا وأكلوا وشربوا وتزوجوا ومارسوا أفعال الحب والحلم سويا، هناك في تلك البلاد الساحرة ذبح الآلاف من الناس، وتم شنق أئمة المساجد على الأبواب مستخدمين أسلاك الميكروفونات، تحولت النوادي الرياضية و مدارس الأطفال إلى ساحات تعذيب وغرف للاغتصاب والإعدام، ذكرت إحدى الناجيات من عمليات التطهير العرقي أن الجنود الصرب أحضروا امرأة ثم جردوها من ملابسها وتناوبوا على اغتصابها، وربما لو انتهت القصة عند هذا الحد لكانت نهاية مبهجة لتلك الأم، ولكنهم جاءوا بابنها ذي الأربع سنوات وذبحوه وملئوا كأسا بدمائه وأجبروها على شربه، وذكرت ناجية أخرى أنها كانت في منزلها مع أطفالها الثلاثة حيث دخل بيتها مجموعة من الجنود الصرب و كان ذلك كفيلا بنزع قلبها من محله خوفا ولكن رؤيتها لزميل دراستها في مرحلتي الثانوية والجامعة ضمن المقتحمين طمأنها كثيرا فالأمر - كما ظنت- لن يخرج عن تحقيقات روتينية أو ربما أخف من ذلك، ما حدث هو أنه تم اغتصابها أمام أطفالها وبعد ذلك أخذ الجنود أصغر الأبناء وذبحوه خرجوا ليلعبوا برأسه كره القدم في حديقة البيت، ومثل هذه القصص و أفظع منها كثير، وهناك صورة شهيرة لرأس مزارع بوسني تم حرقه وغرسه في أسنان معول الفلاحة الشبيه بالشوكة وقد وضعت في فمه سيجارة فاخرة.
ما يميز الجثث خلال الحرب في البوسنة، شيء محير فعلا، فأنت تنظر إلى جثة ولكن لا تستطيع أن تحدد الطريقة التي ماتت بها، فالأسباب خليط من التعذيب والحرق ( قبل وبعد الموت) والهرس والذبح والطعن والتهشيم بأدوات حادة وغير حادة، و الإخصاء وبتر الأطراف للرجال والنساء والأطفال، ولم يسلم من الاغتصاب حتى الرجال والمسنين حيث تم تسجيل أكثر من خمسين ألف حالة اغتصاب خلال ثلاث سنوات.
وقد تدخلت الأمم المتحدة بأكثر من طريقة آخرها أنها أعلنت مدينة (سربرينيتشا) مدينة آمنة وأنها تحت حماية الأمم المتحدة وفقا للقرار 819، وقد وصل المدينة 600 جندي من قوات حفظ السلام من الجنسية الهولندية (ذوي القبعات الزرقاء) وقائدهم الكولونيل كاريمانس وعليه فقد تجمع الأهالي من القرى والمدن المجاورة في سربرينيتشا والذي بلغ عددهم أكثر من خمسين ألف لاجئ ولاجئة، و رغم صعوبة الظروف و قسوتها إلا أن ذلك كان أفضل شيء يمكن أن يحلم به أي بوسني في تلك الأيام الكالحة، ذكرت السيدة/ صاليحا أوزمانوفيتش – ولصاليحا قصة أليمة لا يسع المجال لذكرها - بأنه كان هناك حمام واحد لكل ستين شخص ولكن – والكلام مازال لصاليحا- بأن ذلك كان شيئا جيدا حيث تستطيع النوم بأمان مع وجود فرصة لا بأس بها للنجاة.
خلال الفترة من 6 – 8 يوليو 1995 بدأت دبابات القوات الصربية بالتحرك نحو المدينة التي تقف في مدخلها مبنى قاعدة الأمم المتحدة الشهير ذي الطابق الواحد، وقتها طلب المقاتلون البوسنة من قوات حفظ السلام إعطائهم أسلحتهم حيث قد سلموها لهم بناء على بنود القرار 819 المشئوم ولكن طلبهم قوبل بالرفض.

وقبل المذبحة بيوم أي في 10 يوليو طلب الكولونيل كاريمانس دعم جوي من حلف الشمال الأطلسي ولكن الجنرال بيرتراند خافيير في سراييفو و المسئول عن البت في هكذا موضوع رفض الطلب، ومع اشتداد القصف الصربي للمدينة كرر الجنرال ( كاريمانس) طلب الدعم ، وافق الجنرال خافيير ولكنه أجل التنفيذ حتى صباح اليوم الثاني أي إلى صبيحة 11 يوليو، في اليوم التالي تلقى (كاريمانس) برقية بأن طلبه قد تم تقديمه بطريقة غير صحيحة وعليه أن يعيد الكرة، هنا كانت القوات الصربية على مرمى حجر من منطقة تجمع اللاجئين واللاجئات و بدءوا بقصف محيط المخيم، وقتها اكتشفت قوات حفظ السلام فجأة بأن وقود طياراتهم قد شارف على النفاد وعليهم الذهاب إلى القاعدة في إيطاليا لملئها، وفي الساعة 11 صباحا من يوم وقوع المذبحة صرح الجنرال بيرتراند خافيير بأنه ليس متأكد من نوايا الصرب السيئة – ما هو تعريف النوايا السيئة عند هذا الجنرال يا ترى؟ - وعليه فقد علق موضوع إرسال دعما جويا لقوات حفظ السلام في سيربرينيتشا، ثم أرسلها أخيرا بعد أربع ساعات.
وفي عصر يوم 11 يوليو 1995 دخلت القوات الصربية مدينة سيربرينيتشا بالدبابات بقيادة الجنرال راتكو ملاديتش والذي ظهر وهو يتوعد البوسنة المسلمين بالانتقام في شريط مصور ظهر على أكثر من قناة وفي أكثر من فيلم وثائقي منه فيلم (صرخة من القبر) التي أنتجته قناة BBC ، كرر البوسنيون طلبهم من قوات حفظ السلام بأن تعطيهم الأسلحة ولكنهم رفضوا ذلك بل ومنعوهم أيضا من استخدام الأسلحة الخاصة بالأمم المتحدة، وفور وصول القوات الصربية أخذت 30 جنديا هولنديا كرهينة، و التجأ عدد من البوسنة إلى قوات حفظ السلام حيث احتمى بالقاعدة التي تعلوها حرفي (UN) بحجم يفوق جدار الغرفة التي أنت بها، خمسة ألاف شخص وبقى قرابة 20 ألف شخص في العراء لعدم وجود أماكن شاغرة، طلب الجنرال ملاديتش من قائد قوات حفظ السلام الكولونيل كاريمانس الاجتماع بشكل عاجل، و ظهر الرجلان وهما يتهامسان بهدوء يحسدان عليه، وكأنهما يناقشان جودة البيرة التي كانا يشربانها أو تحديد موعد زواج ابنيهما، و بعد محادثات باسمة ولطيفة كنسائم الصيف وبعد أن شربا نخب العمر المديد والعيش السعيد كما ظهر في أكثر قناة تلفزيونية، قررت قوات حفظ السلام تسليم المدنيين البوسنة الذين التجئوا إلى قاعدة أكبر وأهم منظمة تعنى بحقوق الإنسان في العالم إلى صرب البوسنة مقابل تسليم الرهائن الهولنديين، وحيث كانت قوات حفظ السلام يقفون على بعد إنشات من الصرب كانوا الأخيرين يطلبون من الذكور الذين تبلغ أعمارهم من سن 12 وحتى 70 في إجراء نازي هتلري عتيد الوقوف جانبا و إجبارهم على ركوب شاحنات لأخذهم إلى المستودعات وملاعب الكرة والمدارس القريبة حيث وعلى مدى خمسة أيام تم قتل 8000 طفل ورجل ومسن بوسني- بلغت نسبة الضحايا الإناث 560 ضحية- ثم دفنوا في مقابر جماعية و منهم من دفنوا أحياء، و ذكر أحد الذين شاركوا في عمليات الإعدام الجماعي في شهادته أمام قضاة محكمة الجزاء الدولية بأنه عاني من تعرض إصبعه الإبهام للتخدير ( تنميل باللهجة العامية) نظرا للكم الهائل من الإعدامات التي تمت، حيث أنه لم يعد قادرا على قتل المزيد، وذكر شاهد عيان بأن الصرب طلبوا من البوسنة حفر قبورهم بأنفسهم حفظا للوقت والجهد، وذكر شاهد عيان آخر بأن رجال البوسنة استسلموا لنوبات هستيرية جنونية مما جعلهم يطلقون النار على أنفسهم أملا في أن يظهر الصرب رحمة بالجرحى والمصابين.
وفي جبال البوسنة الوعرة وقف جنود صرب بعشرات الدبابات والخوذات والبزات الخاصة بالأمم المتحدة لاستقبال البوسنة الفارين واستدراجهم ومن ثم قتلهم و دفنهم حيث وجدوهم، وقد قيل – مازال يقال- بأن الصرب قد سرقوا الملابس والمعدات من قاعدة الأمم المتحدة في المدينة، ولا أدري كيف تم الأمر دون أن تلحظ قوات حفظ السلام ذلك، وربما كانت الإجابة هي ما شاهدته في أحد الأفلام الوثائقية، حيث و بعد ساعات من إخلاء قاعدة الأمم المتحدة من اللاجئين البوسنة وبعد أن تم تسليمهم فردا فردا إلى قوات الصرب، ظهر الجنود الهولنديون الذين أحضروهم من بلادهم لهدف واحد أحد وهو حماية البوسنة، ظهروا وهم يرقصون في دبكة سلافية على أنغام موسيقى شهيرة ( هي ذات الموسيقى التي يرقص عليها بطلا فيلم عن العشق والهوى في أحد المشاهد) وقد أمسك كل جندي بعبوة بيرة (هينكين) الخضراء المعروفة وهم يثملون في فرح وانتشاء غريبين.
من استطاع الفرار من الرجال البوسنة وصل بعد ستة أيام إلى مدينة توزلا بأقدام دامية وملابس يعلوها الغبار والعرق والدماء ، حيث سمع العالم بوقوع المجزرة يوم 16 يوليو مع وصول أول الناجين الذين انفجروا في بكاء مؤلم أمام كاميرات التصوير، وتم اكتشاف أول مقبرة جماعية على يد الصحفي الأمريكي ديفيد روهد حيث ذكر في تحقيقه أنه وجد بقايا عظاما آدمية في ثلاث مقابر جماعية ومسابح وبطاقات انتخابية تخص مواطنين بوسنة، ولكن لوحظ ندرة وجود هياكل عظمية سليمة والسبب أنه وبعد أن دفن الصرب الجثث أخرجوهم بالجرافات ودفنوهم في سبعين مقبرة فرعية أخرى حول مدينة سيربرينيتشا في محاولة لإخفاء آثار الجريمة.
و بعد انتهاء مهمة الأمم المتحدة العظيمة، وبعد أن لملم جنود حفظ السلام خوذاتهم وأطعمتهم وقبعاتهم الزرقاء وملابسهم الداخلية، أصدر رئيس بعثة الأمم المتحدة في البوسنة ياسوشي آكاشي تقريره الذي لم يتطرق فيه إلى أي معلومات حول أي ممارسات وحشية، كما وصف الكولونيل(كاريمانس) قائد قوات حفظ السلام عملية الاستيلاء على سيربرينيتشا من قبل الصرب بأنها عملية عسكرية خطط لها بشكل ممتاز!!!، بل وتبادل الجنرال ( كاريمانس) والصربي ( ملاديتش) الهدايا الأنيقة المغلفة بورق السولوفان اللامع ووقف ملاديتش بنفسه يودع سيارات الأمم المتحدة المغادرة بتحية عسكرية واثقة وابتسامة عريضة تحسده عليه الموناليزا.

في العام 1999 أصدرت الأمم المتحدة تقريرها حول أدائها في منطقة البلقان وقد انتقدت نفسها بصراحة ولكن بلطف أيضا، حيث ذكر التقرير أن على الأمم المتحدة أن تتحمل جزءا من المسئولية عن وقوع القتل الجماعي في سربرينيتشا في 1995، أسوأ مجزرة في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، ولم يذكر التقرير ما هي تبعات تحمل هذه المسئولية، أما كوفي عنان فقد قال في تقريره الذي صدر في نفس العام "أننا حاولنا حفظ السلام وتطبيق قوانينه في منطقة البلقان حيث لم يكن هناك سلام من الأصل حتى نقوم بحفظه".
وكعادة الأمم المتحدة المملة تم إنشاء محكمة الجزاء الخاصة بيوغسلافيا السابقة التي أدانت سبعة من كبار قادة الجيش من صرب البوسنة في المجزرة في أوسع قضية تنظرها محكمة جرائم الحرب الدولية، وقد ذهبت تحليلات دور الأمم المتحدة في وقوع المجزرة إلى أبعد من هذا، وكان أطرفها ما صرح به كبير الضباط في حلف الناتو الجنرال المتقاعد جون شيهان في مارس 2010 حيث قال بأن الجنود الشواذ في قوات حفظ السلام كانوا من أسباب وقوع المجزرة، وهذا يثبت أن الأمم المتحدة (ولادة) فعلا وأنها لن تكف عن تسليتنا أبدا!!.
وفي عام 2001 مثل رئيس جمهورية صربيا الرئيس سلوبودان ميلوزوفيتش أمام محكمة الجزاء وهو أحد المتهمين الرئيسين في وقوع جرائم إنسانية وإبادة جماعية في حرب البوسنة، حيث كان دائم السخرية من القضاة ولا يعترف بشرعية المحكمة ويرفض توكيل محام عنه واستمر الحال حتى وجد ميتا في غرفته في 2006 ، مات هكذا مثلما يموت الفلاحون و مدرسو الرسم و مدربو السيرك، مات مثلما مات جدي في سلام.
أما رادوفان كاراديتش القائد العام للقوات الصربية والذي وجهت له سبع تهم منها ارتكاب جرائم بحق الإنسانية فقد اعتقل في 2008، ولمن أراد معرفة نوعية العدالة في هذه المحكمة عليه أن يشاهد محاكمة كاراديتش الطبيب والشاعر والمجرم الذي يظهر وهو متأنق و مصفف الشعر ويتحدث بمنتهى الحزن النبيل عن جهل القضاة بحقيقة الحرب اليوغسلافية ويرفض كل ما نسب إليه من تهم واصفا حرب بلاده ضد البوسنة بأنها حرب عادلة ومقدسة، وجدير بالذكر أنه تم اعتقال كاراديتتش قبيل صدور مذكرة اعتقال الرئيس السوداني البشير مما يشكك بالسبب الحقيقي بالقبض عليه فجأة وهو الذي ظل متخفيا طيلة 13 عاما، أما راتكو ملاديتش المسئول المباشر عن تنفيذ القتل المنظم في سربرينيتشا مازال طليقا حتى اللحظة.
و في مارس 2010 وفي سابقة تاريخية أعلن البرلمان الصربي بموافقة 127 نائبا من أصل 250 عن إصدار قرار يؤكد وقوع جرائم ارتكبت بحق أبرياء خلال الحرب مع البوسنة وأنهم يعتذرون عن ذلك، وقد أغضب هذا القرار أهالي الضحايا على غير المتوقع، لأن البرلمان لم يصف ما حدث بأنه إبادة جماعية كما صرحت محكمة الجزاء الدولية، بل واعتبر هذا شتيمة جديدة لقتلى المجزرة كما جاء على لسان أحد أقارب الضحايا، وطبعا لم يكن ما قامت به صربيا خالصا لوجه العدالة ولكن لرغبتها في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي الذي علق انضمامها حتى يتم القبض على جميع من ذكرت أسمائهم في لائحة الاتهام الصادرة عن محكمة الجزاء الدولية، وقد يسبب هذا ارتياحا جزئيا للمهتمين بتحقيق العدالة لولا أن الاتحاد الأوروبي علق عضوية جمهورية البوسنة والهرسك لنفس السبب!!!.
وفي 11 يوليو من هذا العام احتشد حوالي خمسين ألف لإحياء الذكرى الخامسة عشرة على وقوع مجزرة سيربرينيتسا وتم دفن 775 جثة تم التعرف على هوياتهم مؤخرا من بينهم كرواتي وهو الوحيد الذي أقيمت له مراسم دفن كاثوليكية وقالت والدته السيدة باربرا هرين"رودولف مدفون مع أصدقائه الذين بقى معهم حتى آخر يوم" وقد حضر المناسبة – وقيل بضغط دولي- الرئيس الصربي بوريس تاديتش، ولكن حضوره لم يرق لعائلات الضحايا حيث قالت السيدة منيرة سوباسيتش رئيسة جمعية نساء سربرينيتشا "أظن أن خطوة تاديتش هذه غير صادقة، انه يفعل ذلك لأنه في حاجة لأوراق في إطار سياسة التقارب بين صربيا والاتحاد الأوروبي التي ينتهجها" ثم أردفت " بأنها خطوة جيدة مهما كانت مبرراته ولكن في المرة القادمة عليه أن يحضر معه راتكو ملاديتش"، ولكن قبل يومين من هذه المناسبة كرمت صربيا مجرم الحرب الفار ملاديتش وسلمت وسام التقدير إلى زوجته إيلينا وبعده بيومين أعلن رئيس الوزراء الصربي ميلوراد دوديك استيائه لوصف ما حدث في سيربرينيتشا بالإبادة الجماعية ووعد بإرسال لجنة للتحقيق فهو يقر بوقوع عمليات قتل واسعة ولكنها لا تصل إلى حد الإبادة الجماعية، إن هؤلاء القوم يدفعوك دفعا للاقتناع بأن هولاكو لم يكن على ذلك القدر من الإجرام كما أن هبنقة لم يكن غبيا كما وصفوه.
أما أفضل طرق التعبير عن تقييم دور الأمم المتحدة في وقوع المجزرة قدمها الناشط الألماني فيليب روخ الذي قام بإنشاء (عمود العار) و المكون من 16000 فردة حذاء بحيث يمثل كل زوج أحد ضحايا المجزرة وقد شكل العمود ليمثل حرفي (UN) في إدانة واضحة للأمم المتحدة وكيف أن عليها أن تحذر في المرات القادمة إذا أرادت خدمة الشعوب وقت الأزمات، وبهذا يصبح الحذاء على رأس وسائل التنفيس للعام الثاني على التوالي بعد حذاء منتظر الزيدي في 2009، ربما اقتنع الناس أخيرا بفحوى مقال أحلام مستغانمي فائق الإمتاع ( كن فصيحا كحذاء).
ومن جانبه اعتبر الأمين العام للمنظمة الألمانية للدفاع عن الشعوب المهددة تيلمان تسوليش أن "أوروبا تواطأت بقوة في ما جرى بسربرنيتشا، وفي تقسيم البوسنة إلي كيانين ما زال أحدهما يحكمه الجناة الصرب حتى الآن".
ودعا تسوليش الدول الأوروبية للتكفير عن خطاياها بجلب المسئول الرئيسي عن مذبحة سربرنيتشا الجنرال الصربي راتكو ملاديتش للمحاكمة، ومنح البوسنيين تأشيرات دخول حرة، والمساعدة في إعادة توحيد و إعمار البوسنة ومنحها عضوية الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي.
في نفس اليوم 11 يوليو 2010، اتجهت أنظار العالم شاخصة إلى جنوب أفريقيا لمتابعة مباراة كاس العالم بين فريقي هولندا وأسبانيا – هل كانت هزيمة هولندا انتقاما سماويا- وفي الأسبوع الذين يليه احتفل عدد أقل بكثير ولكنه كاف جدا بيوم العدالة العالمي، ولكن العدالة مازالت كلمة لها مرارة الحصرم في حلوق البوسنة، ومازالت آثار المجزرة وما سبقها تسكن الذاكرة البوسنية و يبدو أنها لن تغادره، ويكفينا أن نسمع خبر انتحار ستة من الناجيين من سربرينيتشا مطلع 2010 جراء تدهور حالتهم العقلية والنفسية، لنعرف ماذا حصل بالضبط في 11 يوليو 1995 ولنعرف كيف أن عطور الأرض لم ولن تستطيع تطهير أيدي قوات حفظ السلام...الآثمة.



#هدى_جعفر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295


المزيد.....




- التحالف الوطني للعمل الأهلي يطلق قافلة تحوي 2400 طن مساعدات ...
- منظمة حقوقية: إسرائيل تعتقل أكثر من 3 آلاف فلسطيني من غزة من ...
- مفوضية اللاجئين: ندعم حق النازحين السوريين بالعودة بحرية لوط ...
- المنتدى العراقي لحقوق الإنسان يجدد إدانة جرائم الأنفال وكل ت ...
- النصيرات.. ثالث أكبر مخيمات اللاجئين في فلسطين
- بي بي سي ترصد محاولات آلاف النازحين العودة إلى منازلهم شمالي ...
- -تجريم المثلية-.. هل يسير العراق على خطى أوغندا؟
- شربوا -التنر- بدل المياه.. هكذا يتعامل الاحتلال مع المعتقلين ...
- عام من الاقتتال.. كيف قاد جنرالان متناحران السودان إلى حافة ...
- العراق يرجئ التصويت على مشروع قانون يقضي بإعدام المثليين


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - هدى جعفر - 11 يوليو 1995... تاريخ يجب أن تخجل منه الأمم المتحدة