أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خديجة وحيد - تأسيس خامس : في سوق الوجوه















المزيد.....

تأسيس خامس : في سوق الوجوه


خديجة وحيد

الحوار المتمدن-العدد: 3076 - 2010 / 7 / 27 - 18:19
المحور: الادب والفن
    


يستيقظ "لعازر ".
تتواكب الوجوه أمامه متعاقبة ، متراقصة ، متتابعة في غُــنْجٍ . تمشي الهوينى لا تبالي ، تختال في اكتمالها . كأنها أسربةُ حمائم يافعة . ترتدي كلَّ أرباعها و شموسها . تتواكب . تتتابع . تتدافع في خبثٍ وظُــرْفٍ و تمازح . تتباسم تتضاحك . تتراشق بالنظرات الزئبقية . تتقاذف بالاهداب وكومات إغراء . تتحاكى فيما بينها بالغمزات والقبلات الهوائية.
يحار لعازر . له أن يختار بينها . عليه أن يفعل الان . فلا بُـــدَّ له من وَجْــهٍ يفتتح به بعثه و يصافح به الاخرين . وجه يجسد له عنوانا بين الغير و مساحة تمتد بينه و الاخرين . كم هو صعب غياب الوجه بينما الكل ينعم بمسحة عنوان يتدفأ بها بين الناس:
ـ "لك أن تختار بين خرائطنا ، بيننا . فكل وجه منا يرشح بسلالات من الخصب و الطواويس". قالت الوجوه في أصوات كــورالــية متناغمة . نحن عواصم الوجوه . لن تجد لنا في الخلق مثيلا . لم تُنْسَجْ من قبل وجوه في كمالنا ونضارتنا و جمال خرائطنا .
مَـرَّ الموكب الأول : يتراقص أمامه وجه أدونيس . لقد هيأه له . عطره . شذب عنه الملامح الطفيلية العالقة بذقنه وجفنيه . مــشَّـطَ شعره المنسدل حتى حدود الجزر المهاجرة في دمه . أقام فوق جبينه مهرجانات ومواسم احتفالية . غرس له في الوجنة اليسرى كل الأزهار و الرياحين ، كل البساتين ، نجوما متلألئة ، سنابل شامخة ، حروفا متوهجة ، ثم سيَّجَ حدودها بخيوط الشمس و أشجار الليمــون .
في الوجنة اليُـمْـنى شيَّـدَ مناديل الطرواديات ، أساطيل المدينة ، ملامحها ، عروش ربَّات أولمب المتوجات ، دهاليزهن، مفاتيح ذاكرتهن الموصدة منذ قرون .
قطف أدونيس النوارس أكاليل بهالاتها الفاتنة ليزين بها جبينه . قدم وجهه للعازر يدعوه إليه :
كني أنا وجهك . لطالما حلمت بالبعث مثلك . لطالما بعثت بأصدائي للشعراء ليخرجوني من سخرية الحلم و يبنوا لي في أشعارهم ركنا و مسبحا يغسلني من لعنات الصمت .
أنا مثلك حلمت بالعودة كثيرا . زارتني في مرقدي كل المرايا لأراني فيها . قست كل الملامح و كل التقاسيم . فصلت كل الأسماء و التواريخ . سبحت في الإنتظار .
لكن الحبيبة عشتار كانت هناك . كَـنَسَـتْ أسئلتي و فجَّـرتْ كل علامات الأستفهام التي امتصت أبوابي فأغْـلَقْـتُهَا و أَغْـلَقـَتْـني .
شرعتْ أبوابي لتفْتَحَني فأدخلَ رُمُوزِي و أشكالي و عطشي للحياة. حملتْ لي معها ذاكرتي و كـلّ ما كان لي من تحف الجسد.
فكني أنا وجهك لتجدكَ .
كُني أنا . اخترني أنا .
الموكب الثاني : نرسيس يتعقب الموكبَ الأول . يغازل . يغمزُ . يشير بأصابع راقصة. يمشط شعره المرشوش برحيق الورد و النرجس . يرتب رسائل عشاقه. يعدلُ خواتمه و خلاياه الداخلية . يسرعُ الخُطى نحو "لعازر" ، يحيطه بذراعيه المعطرتين :
--"كلا. دَعْـكَ من الوجوه الأخرى إنها لا ترقى إلى دائرتي و فتنتي . فأنا الأبهى والأجمل.لا يغريك بريقها الخادع و خطوطها المرتبة فلا شيء يرقى لحسني . فانظرْ إليها الآن . يالها منْ وجوه : لقد تبخرتْ و اندثرتْ في زحفها . إنها مجرد سراب . لو ارتديتـَها ستحولكَ في الحين إلى سراب أيضا . سراب خرافي .فخُـذْ وجهي المنسوج من لُـعاب الآلهة . هاك وجهي . لقدْ ظـَلَّ نائماً في مرايا الغدير مذْ ارتديْـتُ الشلال و توسدْتُ النيلوفر . مُذْ احتذَيْـتُ الطحالب "
هاك وجهي ، البسه عني . أما أنا فقد حان وقت ذبحي و غرسي . آه لو تدري ، كم أسقط هذا الوجه من الأجساد صرعى . كم أغرق من البواخر في العيون . كم خبز من الجراح زادا للغدير .
خذ وجهي قبل أن ألحق بصرعاي و يجرفني شلال العدم .
الآن ، آن أواني و آن أوانك .
كنت أود أن أسجل ملاحظاتي و "انطباعاتي" و أدون مذكراتي قبل أن أقبل الغدير و يحتضن مسافاتي ، غير أن حارسات "أولمب"لم يمهلنني .استعجلن اجتثاثي . لقد صادرن ظلي و ألواني و عقارب زمني و أمرن بدق طبول الرحيل نحو المنفى الأبدي .
سوف تجد كل شيء منقوشا في حقول عيني .متألقا كوجهي هذا. سوف تجد أيضا بعضا من حدائقي السرية معلقة فوق الأهداب و رسائل عشاقي مرتبة و مرقمة . بين رسالة و أخرى دسست نرجسة ونتفا من أهذابي و قطعة من جلدي فربما تستنسخ في مختبر ما لأولد مني.
فاقرأني .استعن بالخرير لتفك طلاسم لساني . واستعن بابتهالات القمر لتدشن مراسم العبور نحو قارات الأوراق بالذاكرة.
اقرأني لتكشف لائحة الحمقى الذين غرقوا في وجهي و سباهم رمشي .
اقرأني ليحملك الربيع نحو أقاليمه و يتوجك ملكا على النرجس .
اقرأني لتقرأ وجهك الذي كفنه الغياب و لفظته الذاكرة ولم تعثر له على أية باب بعد .
أنا وجهك ، فكني . و علقني بين كتفيك عنوانا للجسد .لا تكترث بما يقوله الآخرون و البسني .اجعلني دائرتك التي تحج إليها
إلى اللقاء إذن في وجهي ."
الموكب الثالث : أقنعة تراقص بعضها البعض تتشابك. ارتدت أنصع الألوان و أعتق الخطوط . زارات قبل الآن كل القبائل البدائية .نسخت لها من كل قبيلة قناعا .شاركت في كل المهرجانات حول الأقنعة . حضرت كل المواسم التي هيأتها وزارات الأقنعة و جمعيات الأقنعة . ساهمت بقراءات و إبداعات في دوريات الأقنعة و ها هي الآن لم يفتها موكب الأقنعة المتراقص أمام لعازر الباحث عن وجهه . " القناع أفضل من الوجه " قالت له مبتسمة بخبث . حولت خط ابتسامتها إلى خط مقوس يتكئ على عكازتين تعبيرا عن حزنها المباغت عندما لم تجد من لعازر قبولا و رضى . استعادت ابتسامتها و بريق الفرح في ثقبتي مقلتيها و شرعت ألوانها و خطوطها تتراقص فوق القناع عندما دنا منها لعازر هذه المرة ولم يشح بحضوره عنها بل دنا أكثر و أخذ يتمسح بها و يتحسس أشكالها .لعله قرر أن يكتفي بقناع بدل وجه وها هو الآن يختار بينها .انتاب الأقنعة فرح عارم بانتصارها على الوجوه .فلعازر لم يختر أي وجه من الوجوه التي تواكبت أمامه وكان يعبر عن نفوره منها و رفضه حتى مجرد الدنو منها . أما هي ،فلا شك أنه اختارها عنوانا له .
تشدو الأقنعة :"لا تغرنك كثرة الوجوه التي تلحظها أينما ذهبت فهي في حقيقتها مجرد أقنعة ..أقنعة...أقنعة.."
سبح لعازر في مجمع الأقنعة ، تتقاذفه عن اليمين و عن اليسار .اشتد عليه حصارها له .ارتمت كلها فوق رأسه و احتلت موقع وجهه .تراكمت فوق بعضه البعض حتى أضحت جبلا هائلا في موقع وجهه . قناع فوق قناع تحت قناع جنب قناع .تداخلت .تذاوبت في بعضها . تضاءل امتدادها و بدأت تتقلص . تنكمش . تتقزم . انمحت جميعها . لا وجه ولا قناع .
عاد لعازر أدراجه خاوي الوفاض .لا شيء .لا وجه . لا قناع . لا عنوان .لا ذاكرة .فكيف سيبدأ التأسيس ؟ومن أية بوابة سيدخله ؟ أي عقم هذا الذي احتضن مخاضه ؟
يجلس "لعازر" في مرقده .لقد اتخذ قراره .يردد قناعته :
"لن أعلق أي وجه من هذي الوجوه المتناحرة من أجلي ، مهما كان . سوف أنتظر أن ينمو لي وجه . لقد زرعته بيدي قبل أن أستدعى للنوم في رقادي الدهري .لقد بدأ برعمه يدشن زغاريده .هي الآن تشنف آذاني المقبلة على النمو .أهي حقا زغاريد تخص برعم وجهي أم زغاريد لآخرين غيري يبحثون مثلي عن أولى الخطوات في مسار التأسيس؟



#خديجة_وحيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خديجة وحيد - تأسيس خامس : في سوق الوجوه