فراس سعد
الحوار المتمدن-العدد: 932 - 2004 / 8 / 21 - 09:03
المحور:
القضية الكردية
الدعاية التخريبية المحمومة التي أطلقتها بعض الصحف السورية وبعض الأبواق بحق الأكراد هي بداية فعلية لتقسيم سورية , لأنها_ هذه الدعاية_ ستؤدي لخلق الظرف النفسي لحصر الأكراد في الجزيرة أو لهجرتهم إلى العراق _ هذا ما يخطط له المخططون ويساهم ياببغاوات الأعلام الرسمي وا شوفينيي النظام من ذوي الرؤوس الصفراء في نجاح هذا التخطيط , لأن من يتهم الأكراد بالعمالة لجهة خارجية يحقق بذلك غايات هذه الجهة التي تريد صنع شرخ في المجتمع السوري بين أكراد سوريين وباقي السوريين , ويساهم في التأسيس لنفور عميق لدى الأكراد من جهة و باقي السوريين من جهة ثانية , كلُ تجاه الآخر و بذلك يقيم معسكرين متضادين و ذاتين متفارقتين , فإذا رفض الشعب السوري جماعة منه_ السوريون الأكراد_ فهذا يعني أن هذه الجماعة _الأكراد السوريون_ سيرفضوا باقي السوريين و يصبح أمل الأكراد الوحيد لخلاصهم من النظرة و المعاملة العنصرية هو أن يستقلوّا في دويلة لهم خاصة في الجزيرة و يصبح همّ باقي السوريين التخلّص من "الخطر" الكردي بأعطاء الأكراد دويلة لهم أو ترحيلهم إلى العراق , و إلاّ ماذا يعني تصريح أو تصريخ مسؤول سوري مؤخراً أنه مستعد لارتكاب مجزرة بحق الأكراد و إعادة حماة جديدة ؟!!
السلطة السورية , الأجهزة , الإعلام حينما ترفض جماعة ما و تضطهدها نفسيا و عمليا , تدفعها للأرتماء في أحضان المتربصين بالبلاد ,هذا قانون اجتماعي و نفسي صحيح عموماً , لذلك الذنب ذنبكم أيها المسؤولون عن الإعلام السوري و عن خطابات المسؤولين !! , المسألة خطيرة حقاً و لا تتحمّل الأستغلال السياسي لغايات إطالة عمركم فوق الكراسي , فليس من الوطنية و لا القومية المتاجرة بوحدة و استقلال البلاد و أمنها القومي في سبيل البقاء في الحكم أطول مدّة ممكنة .
الذي يتهم اليوم الأكراد بسبب حادث وقع في مدينة أو بلده _ و كان السبب الأقوى لحصوله رجال الشرطة المسلحين الذين ارتكبوا مجزرة بحق أطفال أصيبوا برصاص في الصدر أو الرأس _ سوف يتهم غدا أقليات أخرى قومية أو طائفية لأسباب أوهى و أبسط .
لنفترض جدلاً ان بعض السوريين الأكراد قد تعاملوا مع جهاز مخابرات معادي عن جهل أو عن قصد مضطرين أو باختيارهم , هذا لا يعني أن نقوم بحملة أعلامية تتهم الأكراد كلهم , فيذهب الصالح و هم كل الأكراد السوريين بالطالح و هم عدد من المتعاملين قد لا يتجاوزوا العشرة أو المئة مثلاً , بل يتم توقيف هؤلاء المتهمين بالتعامل و التحقيق معهم , أليس ممكناً في ظروف مشابهة يمكن أن تمرّ بها أية جماعة سورية سواء كانت قومية أم طائفة أم حزب , أن يقع بعض أفرادها ضحية اختراق أمني من قبل جهاز مخابراتي خارجي ؟! الجواب نعم هذا وارد , السؤال هل نقوم باتهام كل من ينتمي إلى هذه الجماعة بالعمالة و التعاون مع هذا الجهاز؟! بالطبع لا , لسبب بسيط و هو أن كل أو معظم الجماعات السورية عبر تاريخها قد تعرضت لاضطهاد الجماعات السورية الأخرى و كان دائما هناك اختراق خارجي عبر أشخاص كثر عددهم أو قل , فهل يكون السوريون كلهم عملاء للخارج ؟!
إن للأكراد تاريخ مشرّف في وطنهم سورية و عددهم اليوم مليوني مواطن باستثناء ثلاثمئة ألف لم يمنحوا الجنسية حتى الآن , و لن ننسى للأكراد أنهم رفضوا الأنفصال عن سورية حينما كان بأمكانهم الأستقلال في دولة أيام الأحتلال الفرنسي لسوريا التي عرضت عليهم تأسيس دولة كردية في الجزيرة , فلماذا يبدّلون رأيهم الآن ؟ إن كل الأحزاب الكردية تؤكّد انتماءها لسورية على الرغم من محاولات السلطة السورية منذ 1962 و حتى اليوم دفع الأكراد للهجرة و للتنكّر لانتمائهم السوري و على الرغم من سياسة التعريب التي تشبه سياسة التتريك .. و على الرغم من الهجمة القومية العربية الشوفينية البدوية على الأكراد و ممارسة سياسة التمييز العنصري بحقهم و بحق الأقليات عموماً و هي سياسة درج عليها و تدرّب ذوي الرؤوس الصفراء القابعون في مؤسسات الأعلام و الدعاية في بلاد العرب أوطاني و في رأسها سورية , أقول رغم كل ذلك بقي الأكراد أوفياء لوطنهم سورية , وهم من طبعهم الوفاء و الكرم و هي صفات مشتركة بين الأكراد و العرب و معظم أهل الشرق الفقراء , و لن ينسى العبد الفقير زيارته أوائل التسعينيات إلى رأس العين حيث أقمت في ضيافة أسرة كردية لثلاثة أيام , كانت من أجمل الأيام لم أشعر فيها أني خرجت من بيتي , حيث أن الأسرة الكردية العزيزة كانت تفضّلنا على نفسها في الطعام و الشراب والنوم , بل أن صديقنا الكردي كان يتحدث مع زوجته بالعربية في حضورنا كي لا نشعر بالغربة , وهي أخلاق اسلامية أنسانية رفيعة لم أر مثلها في حياتي .
إن من يرفع صوته بالنهيق على الأكراد كأنما ينهق على الشعب السوري كله, و إن من يتوعّد الأكراد بحماة ثانية كأنما يتوعّد السوريين كلهم بالمجزرة , فيا أيها العقّال في الحكم و المعارضة الجموا حميرالفتنة التي بدأت تثير النقع مهددة على الطريقة الصدّاميّة اليزيدية الوجود السوري كله , الجموها قبل أن يفوت الأوان, لأن البعض بل الكثير من الواهمين المنتشرين في البلاد و خارجها ما زالوا يحنون لمشاريع الدويلات الطائفية , و هم سيدفعون الأكراد بالقوة لإقامة دويلتهم كي يتسنّى لهم هم بدورهم _ هؤلاء الواهمون _ أن يقيموا دويلاتهم الطائفية التي لم يفلحوا بإقامتها زمن الأحتلال الفرنسي , و اليوم يجدون الظرف مناسباً لإعادة أحياء مشاريعهم , التي ستلقى من اسرائيل و الصهيونية و اليهودية الدولية كل المساعدة عبر خلق الأجواء المناسبة أقليمياً و محليّاً, و هم يتناسون أو لا يعلموا أن اسرائيل و العقلية اليهودية من بعد أن تؤسّس لهم دويلاتهم الطائفية سترحّلهم إلى بلاد العالم في ترانسفير فليسطينوي جديد و سترمي من يبقى في البحر أو في غيتويات محاصرة ليتم استخدامهم كعبيد لدى سادتهم اليهود , و فقط من كانت أمه يهودية يقبل كمواطن يهودي , و لا نعرف إن كان هؤلاء كثر, الله وحده يعلم و الراسخون في العلم ؟!.
#فراس_سعد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟