أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - زهير كاظم عبود - كردية اسمها شادمان















المزيد.....

كردية اسمها شادمان


زهير كاظم عبود

الحوار المتمدن-العدد: 930 - 2004 / 8 / 19 - 10:21
المحور: القضية الكردية
    


بك اتباهى وأوزع أسمك في ثنايا الأرض الصامتة ايتها الكردية النبيلة التي حملت مواجع الدنيا في أطراف مقلتيها الذابلتين ومشت بخيلاء الكرديات الصابرات تتحمل حزن الجبال ولاتنحني .
شادمان علي فتاح درويش تذكروا هذا الأسم البهيء الممتليء بالأصالة والرقة والعذوبة والصفاء والمحبة .
شادمان فتاة ولكن ليس ككل البنات فقد جسدت معاني الأمة الكردية ونبل الكرد الكبير وصلابة الرجال وصبر الأولياء وجدارة المسؤولية .
شادمان التي تجولت بين جثث المدينة الشهيدة بعد أن اعاقها الكيمياوي ساعات أفقدها البصرفجعلها لاترى اي شيء لساعات وضيق أنفاسها الخردل الذي لم يصلها مباشرة ، تجولت في أزقة المدينة الموحشة التي عافتها الحياة بأمر الرئيس القائد الضرورة والذي يوهب الحياة لمن يشاء ، وقلبت مئات الجثث المتعفنة والمنكفئة والمتصلبة تبحث عن والدها ( علي فتاح درويش ) الذي عرفه الناس ( أسطة علي ) و الذي راح هو الآخر يبحث عن رفاق له كانوا داخل مدينة حلبجة ولم يعد حين أمر القائد العربي المنتصر صدام أن تباد الحياة وأن تنتهي الكائنات في حلبجة وماحولها بأشارة من أصبعه وبكلمة أنطلقت من الجانب المعوج من فمه الذي لم ينطق الا اعوجاجاً .
شادمان الكردية الصابرة التي بحثت حتى أدركها الليل وتجولت بين الرعب والخوف والأشباح والظلام والأصوات المبهمة وفحيح الصمت الصادر من أرتطام الهواء المتعفن بالجثث الميتة ، كانت أمام خيارين أما أن تبقى حتى يطل عليها الصباح الجديد ، أو أن تعود الى أخوتها الصغار تطعمهم وترعاهم حتى تخفي عنهم ذهاب معيلهم ووالدهم دون رجعة في خضم الضربة الكيمياوية على مدينة حلبجة الشهيدة .
أختارت أن تعود في الظلام فلم يعد لها فائدة فقد غمرت دياجير العتمة الفضاء الممتليء بجثث البشر دون تمييز بين شيخ أو طفل أو أمراة أو مقاتل ، أختارت أن تعود لتطمئن على أخوتها وتزرع في عقولهم الصغيرة الأمل بعودة والدهم ومعيلهم فما لهم غيره .
وعادت شادمان تغطي اخوتها وتحكي لهم عن التحاق والدهم بهم ورحيلهم من هذا العذاب الى المجهول فقد استبيحت مدنهم وقرآهم ، وبقيت تتحدث لهم عن مأساة الكرد ومعاناة الأنسان في كردستان حتى ناموا ، وبعد أن اطمأنت شادمان لنومهم سمحت لنفسها حينئذ بالبكاء بصمت ، فقد كان الدمع عصيا ، وسمحت شادمان لمحاجرها أن تطلق الدموع وهي تتحمل مسؤولية أخوتها ورعايتهم وستصير لهم الأب بعد فقدت الأم قبله أن لم تجده ، نشيج صدر من روحها وحرقة بدت تذبح قلبها .
وغاب عن عينيها النوم وهي ترسم وتخطط لعلها تجد علي فتاح هذا المهيب الذي وزع عمره في سبيل قضية الأنسان وحقوق الكرد ، ولم يترك لهم من متاع الدنيا سوى الضمير والمحبة والصمود الباسل وحق الكرد الذي زرعه في عقل الصغيرة شادمان .
وفي الصباح الكردي الحزين عادت شادمان مرة اخرى تقلب الجثث وتبحث تحت ماتبقى من غيوم الخردل الخانق ، وتحمل أطفال ونساء قضوا في الضربة ، تعاونت مع الرجال والنساء الباحثين لكنها لم تجد علي فتاح ولاعرفت له أثر .
ولم تيأس ولم تحزن أو تبكي ، فقد عادت تلك الفتاة التي حدثها علي فتاح قبل أن ينطلق في رحلته الأخيرة انه سيذهب ليتفقد رفاقه وربما لن يعود فعليها أن تتحمل مسؤولية أخوتها .
أية محنة أن تتسلم شادمان الفتاة الصغيرة مسؤولية عائلة لاتملك معها مال أو وسيلة أو معيل ، وأكملت شادمان مهرجان الجثث وأحتفالات الموت في بيارة والطويلة وأحياء حلبجة ووديانها الجميلة ، وتوجهت مع صغارها بأتجاه الجبال تقهرها بأقدامها الصغيرة وتحث الخطى والصغار لقطع المسافات صعوداً قبل ضربة ثانية ورائحة الموت تلاحقها وتحيط بسماء مدينتها الحبيبة .
لم تجد أثراً لعلي فتاح ولاخبراً عرفت عنه ، فحق عليها أن تتحمل المسؤولية ، آمنت بقدرها وتسلقت الجبال بهمة الكرد تحزمت فوق حزامها ويضج في وجدانها ماقاله لها علي فتاح أن رفاقه أهم من روحه وأنه سيحملها مسؤولية الأولاد ، في زمن شحت فيه المروءة والنخوة ، وغمرت فيه السلطة الحاكمة سماء البلاد بالكيمياوي ومنعت الحياة بأمر الرئيس الذي لم تحبه البلاد يوماً ولم يحبه علي فتاح .
شادمان التي كان عمرها 18 سنبلة لم تنحن ولم تهزها نوائب الزمان ولم يدخل اليأس الى قلبها ولابكت امام اخوتها ، فقد علمها الكرد أن تصبر وأن لاتدع عواطفها تنفلت رغم كل الزمان البعثي الممتلي بالموت والخراب ، وشادمان التي بلغت سن الرشد في اول تألقها وريعان شبابها وأكتمال انوثتها لم تكترث لماصار اليه الحال فقد شدت حزامها وانتخت لروحها وحملت اخوتها وأعتلت الجبل .
بك اتباهى أيتها الموجوعة النبيلة والصابرة والتي لم تكترث لها منظمات الأغاثة الدولية ولاباركها الصليب الأحمر أو الأخضر ولاالتفت اليها الهلال ، وأرتقت نحو مجد الكرد في صمود ليس له آخر ، لم تكترث للصمت الذي كان يسود الدنيا وهي تلمس غفوة الضمير العالمي وصمت الأمم المتحدة ، خمسة الاف شهيد بضربة واحدة خاطفة سددها الطيار العربي بأمر من الرئيس القائد العربي ضد الأعداء من الكرد شيوخاً وطفالاً ونساء وبيوت وعصافير وحتى الدجاج ، الغريب أن احداً لم يحتفل بالأنتصارات هذه ، لعل مشاغل السلطة وأعراس العروبة حالت دون ذلك .
أيتها المهيبة والشجاعة التي تعبر القفار وهي تجرجر اخوتها الصغار عبر الصخور والوديان وتعتلي القمم بأتجاه المجهول حتى تتخلص من ضربة ثانية وثالثة مادام صدام ملتصقاً بسلطة البغي والشر والطغيان .
وهي تعرف أن لاأخلاق في الحروب وقد وسع القائد هذه المقولة بأن لاأخلاق في قتل شعب العراق والأكراد خصوصاً ، وهي تعرف انهم يريدون أنهاء هذه الأمة بمباركة خجولة من دول أخرى ، وهي تعرف انهم يريدون النيل من صمود الكرد ومن أصرارهم على المطالبة بحقوقهم رغم هول التضحيات التي قدمتها الأمة ، لكن قدرها أنها تلد رموز ينشطرون ويتكاثرون معها ، وينتشرون مع نغمات المزمار الكردي ووسط زهو الربيع في كردستان وفي دبكات الفلاحين الفقراء يصيرون متألقين مثل شهداء الكرد ومثل زهور الحقول البرية التي تختار لونها وشكلها .
يحق لي أن أتباهى بك .
شادمان.. حين تلثغها أصغر البنات تحنو مثل علي فتاح عليها أو لعلها تجيبها مثل صوت أمها الراحلة ، لكنها تزرع فيهم الأمل وتصوغ لهم قلائد الحلم الكردي الجميل المتجسد في حياة آمنة ومستقرة وكسرة خبز وكأسة ماء من ينابيع كردستان الصافية مثل قلوب الكرد .
شادمان التي تطعم أخوتها دون أن يكون لها راتب أو مصدر للحياة المجهولة التي تركض اليها ، يرعاها الله والملائكة ، فالقديسين دائم محط أنظار الألهه .
عصية الدمع وترسم فوق تعابير وجهها تعابير ممتلئة بالفرح والبهجة ، حتى لاتعكر دقائق الحلم الطفولي في ارواح اخوتها ، لم تتحدث لهم عن أكوام الجثث ، ولاعن رائحة الموتى ، ولاعن الزمن الكردي المر ، ولاعن المجهول ، ولاعن فقدان الحبيب والراعي والسماء التي كانت تملأ وتغطي حياتها وحياة اخوتها الصغار ، عصية الدمع تحجرت الدموع تحت أجفانها كحبيبات من الرمل تحرق حدقات العيون .
وتتذكر شادمان انه قبل أن يحل نوروز الكرد بأيام قليلة قصف صدام مدينة حلبجة بالكيمياوي ليحرق الورود ويقتل السنابل ويمنع الحياة ، وتتذكر شادمان سكون الروح والصمت المطبق الذي حل على المكان وأوقف الزمان في المدينة الشهيدة التي استحالت الى مدينة تعج بالأشباح والظلام والعفونة ، وأستحال هوائها أسود فماتت الطيور والفراشات وتوقف تغريد اللابل و تأجل تبرعم الأشجار وماتت الورود وبللت الأمطار الملوثة جثث الأطفال الغافين عند ينابيع حلبجة وغفت عيونهم وهم يهمون بالرحيل فناموا نومتهم الأبدية .
قبل أن يحل آذار الربيع ويطل كاوة وبيده المطرقة وترقص شقائق النعمان وتؤرق أشجار الجوز والبلوط والكستناء وقبل أن تغسل الصخور نفسها تعلن قدوم ربيع الكرد في العام 1988 ارسل الدكتاتور غربان الشر تحلق فوق سماء كردستان تطلق صواريخها النتنة تريد شراً بالمدنيين الآمنيين ، وكأن الطاغية كان يريد قتل الربيع الكردي .
بك أتباهى ايتها الكردية النبيلة التي لم تزل رغم فجيعتها تحلم بكردستان آمنة وفيدرالية حلوة ونوروز دون صدام وربيع دون كيمياوي وزمن دون خوف ، ولم تزل مصرة على أن تواصل درب علي فتاح وكل الكرد الطيبين حتى الرمق الأخير وهي أمانة في رقبتها أن تتحدى الظلم والظلام والكيمياوي ونواصل السير تحث الخطى بأتجاه الشمس التي تشع وسط بياض كردستان التي تحيط بها دماء الشهداء وخضرة الربيع الكردستاني الناصع .
أتباهى بك شادمان وتضاعفين لنا ثقتنا بأنتصار الحق وأن أمة مثل أمة الكرد لن تموت ولن تقهرها عاديات الزمن وأشباه الرجال المتسلطين على السلطات الشوفينية التي تفضح حقيقة عفونة تفكيرهم وعفونة صواريخهم الكيمياوية وعفونة عقولهم التي ابتلينا بها .
ربيع كردستان سيعود أخضر ناصع أكثر من قبل وسيزداد البياض وسط الشمس الكردستانية مشعاً يخلب العقل والقلب .
وسنلتقي في كردستان ياشادمان .
عهداً سنلتقي في كردستان أيتها الكردية النبيلة .



#زهير_كاظم_عبود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حرب الأرهاب على فقراء العراق
- مستقبل العلاقات العراقية الكويتية
- حالة انعدام الجنسية
- هل ينتحر صدام ؟؟
- الدكتور كمال مظهر احمد
- هزائمنا وخيباتنا التي نحتفل بها
- محاكمة المتهم صدام وأعوانه - القسم الأول - من يختص بالتحقيق ...
- الفيدرالية واللعبة السياسية
- الجميع مدعو دون أستثناء
- ابو حمزة المصري يقع في المصيدة
- أين سيقف السيد حسن نصر الله ؟
- الأكراد سبب بلاء الدنيا
- ذكريات عبقة من الديوانية
- الكلمة حين تقاتل عبد المنعم الأعسم
- توفير العدالة لضحايا الجريمة
- المشروع السياسي الخيالي العربي
- لنحترم حرمة بيوت الله !!
- التعذيب والقسوة في التحقيق
- التحريض في جرائم الأرهاب
- أنتحال أسم الحزب الشيوعي


المزيد.....




- مسؤولون إسرائيليون: نعتقد أن الجنائية الدولية تجهز مذكرات اع ...
- نتنياهو قلق من صدور مذكرة اعتقال بحقه
- إيطاليا .. العشرات يؤدون التحية الفاشية في ذكرى إعدام موسولي ...
- بريطانيا - هل بدأ تفعيل مبادرة ترحيل طالبي اللجوء إلى رواندا ...
- أونروا تستهجن حصول الفرد من النازحين الفلسطينيين بغزة على لت ...
- اجتياح رفح أم صفقة الأسرى.. خيارات إسرائيل للميدان والتفاوض ...
- احتجاجات الجامعات الأميركية تتواصل واعتقال مئات الطلاب
- الأونروا: وفاة طفلين بسبب الحر في غزة
- لوموند تتحدث عن الأثر العكسي لاعتداء إسرائيل على الأونروا
- لازاريني: لن يتم حل الأونروا إلا عندما تصبح فلسطين دولة كامل ...


المزيد.....

- سعید بارودو. حیاتي الحزبیة / ابو داستان
- العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس ... / كاظم حبيب
- *الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 * / حواس محمود
- افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_ / د. خليل عبدالرحمن
- عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول / بير رستم
- كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟ / بير رستم
- الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية / بير رستم
- الأحزاب الكردية والصراعات القبلية / بير رستم
- المسألة الكردية ومشروع الأمة الديمقراطية / بير رستم
- الكرد في المعادلات السياسية / بير رستم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - زهير كاظم عبود - كردية اسمها شادمان