أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - طه اسماعيل محمد - هيباتيا














المزيد.....

هيباتيا


طه اسماعيل محمد

الحوار المتمدن-العدد: 3055 - 2010 / 7 / 6 - 17:30
المحور: كتابات ساخرة
    


من سلة المهملات......
هيباتيا
تخيلوا معي إمرأة على قدر عال من الجمال والإنوثة والجاذبية، عالمة في الفلسفة والحكمة، اخصائية في الرياضيات والفلك. بدأت وهي في الخامسة والعشرين من عمرها في التدريس في أرقى جامعة في زمانها، الجامعة التي خرجت أبوقراط ونيكوماخوس وأرخميدس وبايوس. يتسارع الناس من كل حدب وصوب لحضور محاضراتها منهم من يحضر للتزود بالعلم والمعرفة وكثير آخرون للتمعن في جمالها الانثوي المثير وصوتها العسلي الساحر. تلقي محاضراتها باسلوب أخاذ تسحر الألباب وهي تشرح أصعب نظريات الرياضيات واعقد مسائل الفلسفة والمنطق. تشرح بإسلوب بسيط ورشيق كيف أن الأرض يجب أن تكون كروية لكي تستقيم مع نتائج البحث العلمي والرياضي.
إنها هيباتيا (Hypatia) التي تعرفها الموسوعة البريطانية بأنها "فيلسوفة مصرية وعالمة في الرياضيات والفلك وكانت المرأة الأولى في التأريخ الإنساني التي نبغت في ميدان الرياضيات".
ولدت هيباتيا في الاسكندرية عام 370 ميلادية وهي إبنة ثيوف استاذ الرياضيات والفلك في جامعة الاسكندرية، تتلمذت على يد والدها ابتداءً وابدعت الى درجة أنها حصلت على منحة لمجانية التعليم في زمن كان فيه هذا الحق مقصور على الذكور فقط.
بقى أن نفهم الظرف الزمكاني الذي عاشت فيه هذه الفيلسوفة المفكرة الفلتة.
لقد كانت الاسكندرية - آنذاك- واحدة من قلاع المسيحية الشرقية، وكان شعب الاسكندرية يدينون بدينين مختلفين، الجزء الأكبر منهم يدينون بالمسيحية وهو الدين الجديد الذي يرعاه البابا كيرلس السكندري، والبقية مازالت تدين بالديانات المصرية القديمة المختلطة والمتأثرة بالفكر والفلسفة اليونانيتين، تلك الديانات التي قامت عليها أرقى حضارات مصر الفرعونية القديمة، والذين يدعونهم أصحاب الديانة الجديدة بالوثنيين (نسبة الى الوثن وهو التمثال على شكل وهيأة محددة وذات معنى) ويرعى هذه الأقلية حاكم الاسكندرية الروماني أورستس، وبطبيعة الحال كان الصراع والتنافس بين رجل الدين ورجل الدولة على أشده (قارن). كما أنه من الطبيعي أن تحسب هيباتيا على الحاكم فهي وثنية تدين بالدين القديم كما أنها – وهنا الخطر – مفكرة وفيلسوفة طبيعة تخصصها تجعلها تطير كما العصافير في فضاء الفكر ذي الحدود المتعددة والواسعة. فقد كانت الكنيسة - حينذاك- تعتبر أن الكتاب المقدس هو المصدر الوحيد للفكر والثقافة ولا صحيح ولا خطأ الا ما ورد في الكتاب المقدس، وأن كل ما هو خارج سلطان النصوص المقدسة هو كفر والحاد وزندقة وهرطقة وكل هرطقة ضلالة وكل ضلالة في النار، فكيف و هيباتيا تجيب رجل الدين المسيحي آمونيس عندما هددها بالموت اذا لم تعتنق المسيحية بأنها تؤمن بالفلسفة.
أحد نتائج هذا الصراع كان الهجوم الكبير عام 391م على مكتبة الاسكندرية التي كانت أكبر وأشهر مكتبة في العالم القديم حيث أحرقوها (تماما كشارع المتنبي) وسرقوا محتوياتها الا ما استطاعت هيباتيا وجماعتها أن ينقذوه من محتوياتها من اللفائف والكتب والمخطوطات.
بعد هذا التأريخ بسبعة عشر عاماً وتحديداً عام 415 م و هيباتيا في قمة عطائها العلمي بعمر 45 سنة وبينما كانت بعربتها من غير حرس تعرضت الى هجوم منظم بتحريض من البابا شخصياً وبقيادة رجال الكنيسة وعلى رأسهم بطرس القاريء، تم الإمساك بها وتعريتها تماماً وذبحت بسكين صدئة من الوريد الى الوريد، تم تقطيع جسدها الجميل الى قطع صغيرة وزعت على الجماهير المؤمنة التي بدأت تقشط لحمها عن العظم بصدفات البحر ثم أحرقت في إحتفال إيماني بديع.
إن من قتل هيباتيا ليس الدين المسيحي، فهذا الدين هو دين المحبة والسلام، وأساس ما جاء به السيد المسيح هو الحب الذي لا يدخل مملكة الرب من لا يدين به، والمسيحية لا تعرف الحقد فمن يضربك على خدك ادر له الخد الآخر. ولكن الذي قتل هيباتيا ومن قبلها من صلب المسيح ومن بعدها من قتل الحلاج وفرج فودة وطالبات جامعة البصرة هو واحد، هو التزمت الأعمى والجمود الفكري المتعصب.
أثناء محاكمة قاتل الشهيد فرج فودة جرى الحوار التالي بين القاضي والقاتل:-
"-لماذا أغتلت فرج فودة؟
-لأنه كافر.
-ومن أي من كتبه عرفت أنه كافر؟
-أنا لا أقرأ كتبه.
-كيف؟
-أنا لا أقرأ ولا أكتب."
والمشكلة ليست في أنه لا يقرأ ولا يكتب، فمن المؤكد أن من حرضه ومن دافع عنه في المحكمة كان يقرأ ويكتب. والمشكلة –كذلك- ليست في من يقرأ ومن لا يقرأ. المشكلة هي في من يفكر ومن لا يفكر.
فالذي لا يفكر يتصور أنه وصل الى الحقيقة بتمامها، وأن ما يؤمن به وبالشكل الذي يؤمن به هو الحق الذي لا حق بعده. في حين أن الذي يفكر يعرف أن الله –سبحانه-قد خلق لنا عقلاً وأن حدود معرفته لا حدود لها، وأن بعد كل حقيقة تظهر حقائق بعدها. وأنه الحق –لحكمة ارتضاها- جعل حدود العقل كحدود كونه –سبحانه-.
ورحم الله الجواهري حين قال في معريته المشهورة:
"لثورة الفكر تأريخ يحدثنا بأن ألف مسيح دونها صلبا".



#طه_اسماعيل_محمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295


المزيد.....




- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - طه اسماعيل محمد - هيباتيا