أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - اسكندر منصور - نظرة يساريّة في هواجس مسيحيّة : لماذا انحسر الدور المسيحي؟















المزيد.....

نظرة يساريّة في هواجس مسيحيّة : لماذا انحسر الدور المسيحي؟


اسكندر منصور

الحوار المتمدن-العدد: 3033 - 2010 / 6 / 13 - 21:53
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    




«مسيحيّة هذه الديار متجسدة، تمسّ لحم الأرض وزمانها».
المطران جورج خضر

المسيحيون العرب ـ في لبنان كما في سوريا والعراق ومصر وفلسطين أو في أي بقعة أخرى من أرض العرب، يشعرون بالقلق. شيء ما قد تغيّر في حياتهم. لا يثقون بالحاضر ويخشون المستقبل. وفي الواقع اللبناني يحنّون إلى ماض قريب و«ملك مفقود» كانوا السباقين في إضاعته والعبث به. كان مسيحيو لبنان يرون فيه وطنهم الخاص ومعادلة ثابتة لا تتغير، لا بل كانوا يرون فيه كنيستهم ومزارهم وإن شئت قل قدسهم. كان لبنان بالنسبة لهم ـ بعد أن أصبحت المسيحيّة في بلاد الشام ومصر تنعت بـ«الأقليّة» ـ آخر الطلقات وخط دفاعهم الأخير.
أن يحاول اليساري قراءة واقع وطنه بتفاصيله الدقيقة وتشعباته العميقة ورصد هواجس فئاته ـ دينيّة كانت أم أثنيّة أم قوميّة ـ كانت محاولة تشكل سابقا خروجا عن النصّ اليساري المترجم إلى العربيّة. فكما فُهم الشعور والانتماء القوميان على أنه مظهر من مظاهر «الفكر البرجوازي» مما أدى إلى اعتبار مواقف فرج الله الحلو ورئيف خوري في ما يخصّ القضيّة الفلسطينيّة خارجة عن النص اليساري «الرسمي»؛ كذلك فالبحث والتأمل في أوضاع المسيحيين العرب وهواجسهم بالنسبة إلى اليساري كان ولا يزال يعتبر خروجاً عن النصّ، كون اليساري علماني النزعة والرؤية، وكل ما له علاقة بالطوائف وهموم «أبنائها» وهواجسهم كان بنظره يشكل حالة عارضة مؤقتة، أو قل حالة غير أصيلة في طريق الزوال. لهذا لم يكن اليساري يريد أن يلوث خطابه بوعي زائف من أهدافه حجب البعد الطبقي للخلافات السياسيّة والاجتماعيّة. ونتيجة لذلك غابت عن اهتماماته قضايا كثيرة من بينها واقع المسيحيين العرب وظروفهم، خاصة في مصر والعراق وفلسطين وحتى في لبنان. لم نقرأ موقفا يساريا واضحا وجريئا مما جرى ويجري في مصر بحق أبنائها المسيحيين، كما لم نقرأ موقفا واضحا وجريئا مما جرى ولا يزال يجري في العراق من قتل وتنكيل وتهجير بحق مسيحييه. أما في لبنان، وخاصة في ما يتعلق بالدعوة لتشكيل الهيئة الوطنيّة لإلغاء الطائفيّة السياسيّة والسجال الدائر حولها، فجاء بعض الخطاب اليساري ـ وإن كان محقا في تأييده للدعوة ـ ملحقاً وتابعاً وخجولاً بعلمانيته؛ مغادراً المقاربة النقديّة الصريحة والواضحة بأنّ إلغاء الطائفيّة السياسيّة يحتاج إلى تغيير فعلي وملموس في نسبة القوى السياسيّة والاجتماعيّة التي ستتألف منها الهيئة الوطنيّة، ليس فقط لتكون هذه القوى ـ اليسار العلماني بسياسيّيه ونقابيّيه وكل القوى التي شاركت في مسيرة العلمانيين ـ أولاً: حاضنة لعمليّة إلغاء الطائفيّة بكل أشكالها والتي بدونها (القوى العلمانيّة) لن تلغى الطائفيّة، حيث لا مستقبل لهذا الوطن من دون إلغائها، بل ثانياً: ضامنة للسير بها إلى شاطئ الأمان؛ أي أن لا يتحول إلغاء الطائفيّة السياسيّة إلى عكس ما يتمناه صاحب الدعوة، إلى هيمنة طائفيّة/مذهبيّة جديدة انعكاساتها أخطر بكثير مما عرفه لبنان سابقا.
لماذا انحسر الدور المسيحي؟
عوامل عدة ساهمت في ما آل إليه وضع المسيحيين الراهن في العالم العربي وخاصة لبنان.
العامل الأول: كان لفشل مشاريع النهضة التوجهات العلمانيّة ذاتها بتياراتها الليبراليّة والقوميّة والماركسيّة والتي لعب فيها المسيحيون العرب منذ نشأتها وخلال مسيرتها أدواراً مميزة وبارزة، انعكاسا واضحا على حالة المسيحيين العرب الراهنة. شكلت العلمانيّة رهانهم وأملهم واحتلت جزءاً كبيراً من تطلعاتهم، كونهم أصبحوا رعايا الكيانات السياسيّة الجديدة التي ولدت على أثر هزيمة وتفكك الدولة العثمانيّة في الحــرب العــالميّة الأولى من خلال اتفاقية ساكــيس ـ بيكو؛ الاتفاقيّة التي أجهضت الدولة العربيّة الفيصليّة ومهدت الطريق لتحقيق حلم الصهيونية في خلق دولة إسرائيل على أرض فلــسطين. لم ير المسيحــيون العرب في العلــمانيّة واللــيبراليّة والعروبة والماركسيّة خـارطة طريق لحل مشكــلة المسيحيين العرب باعتبارهم «أقليّة» فحسب ـ وبالتالي الانتقال من كونهم رعايا إلى مواطنين متساوين في الحقوق والواجـب ـ بل رأوا فيها دواءً لوضع حد لمرض كبــير وخـطير تمتد خطـورته لتطــال وجـود ووحــدة الأوطان التي نشأت حديثا، حيث كانت ـ الطائفيّة ـ ولا تزال، تشكل الخطر الأول ليس فقط على الأوطان الصغــيرة ووحدتها بل أيضا على مشــروع الوطن الكبير ووجــوده ووحدة كل أبنائه على اختلاف انتمائاتهم الدينيّة. لم ير رواد النهضة من المسيحيين في أواخر القرن التاسـع عشر والنصف الأول من القرن العشرين انخراطهم بقضايا الأمة ونزوعهم نحو الحريّة والمواطنة والمساواة والعلم والاتــحاد والعلمنة كقضايا مستقلة عن قضايا الشعوب العربيّة بأسرها، لا بل جزءاً لا ينفصل عن نضالها في سبيل الحريّة السياسيّة والعدالة الاجتماعيّة والدولة المدنيّة والعقلانيّة والحداثة. هذا ما عبّر عنه البستاني وفرح أنطون وشبلي الشميل ونجيب العازوري وجبران والريحاني وفؤاد الشمالي وفرج الله الحلو ورئيف خوري وأنطون سعادة وقسطنطين زريق وكثيرون غيرهم.
العامل الثاني: تثير التحولات والتغيّرات الديموغرافيّة منذ أواخر القرن التاسع عشر والتي ازدادت وتيرتها منذ الحرب الأهليّة اللبنانيّة حتى اليوم نتيجة هجرات واسعة نحو كل الجهات، القلق لا بل الخوف بين المسيحيين العرب. ففي مصر، ومع صعود التيارات الأصوليّة و أصحاب «الفرقة الناجية» وكثرة الفتاوى التكفيريّة الرافضة لوجود «الآخر» روحاً وجسداً، دوراً ومكانة؛ حاضراً ومستقبلاً. أصبح فيها الأقباط المسيحيون ليس فقط «لاجئين» في وطنهم بحاجة إلى قرار جمهوري لترميم كنائسهم بل يفتقدون الأمن والأمان على حياتهم وممتلكاتهم. أما مسيحيو العراق من أشوريين وكلدانيين فأصبحوا حضارة في طريق الزوال أمام سمعنا وبصرنا. وما يقال عن مسيحيي العراق يقال عن مسيحي فلسطين، وخاصة مسيحيي القدس وبيت لحم مهد الناصري، حيث كان لاغتصاب فلسطين على يد الصهاينة الدور الأساسي في تهجير المسيحيين من فلسطين والقدس؛ لكن ذلك لا يمنعنا من القول أيضا إنّ التحولات الاجتماعيّة والسياسيّة، ضمن المجتمع الفلسطيني القابع تحت الاحتلال وانحسار النزعة العربيّة العلمانيّة لمصلحة تيارات دينيّة متطرفة، جعلت من بقاء المسيحيين أمراً أكثر صعوبة؛ فساهم ذلك، بالإضافة إلى تهجيرهم الأول مع شعب فلسطين على يد قوات الاحتلال، في هجرتهم الأخيرة حتى أصبح مسيحيو فلسطين يشكلون %2 بعدما كانوا يشكلون %20 من سكان فلسطين التاريخيّة.
العامل الثالث: غياب الدور الفاعل الإيجابي للقيادات الروحيّة المسيحية، لا بل كان الدور السلبي للكنيسة ـ في الحالة اللبنانيّة ـ هو المهيمن. لا بد أن ينظر المؤرخون غدا لدور البطريركيّة المارونيّة خلال العقود الأخيرة في ما آلت إليه أوضاع المسيحيين في لبنان. ما الذي فعلته الكنيسة روحيا وسياسيا وماديا من أجل استمرار الحضور المسيحي الفاعل في لبنان وتشجيع المسيحيين على البقاء في لبنان، وطنهم الذي أصلاً أُنشئ من أجلهم؟
العمل الرابع: تخلت الكنيسة عن دورها في مساعدة أبنائها للبقاء في وطنهم على الأقل في ثلاثة مجالات. 1): شهدت المناطق اللبنانيّة ذات الأكثريّة المسيحية نمواً وتوسعا ملحوظا خلال الثلاثين سنة الماضية للمدارس الخاصة في حين أصبحت المدرسة الرسميّة حضارة في طريق الزوال. الكنيسة ليست غريبة عن المدرسة الخاصة. فالمؤسّسات الدينيّة التابعة بأشكال مختلفة للكنيسة والرهبانيات تشرف وتحتضن الكثير من هذه المدارس الخاصة بالإضافة إلى بعض الجامعات أيضا ذات الأقساط العالية والمرهقة للكثير من الطلاب اللبنانيين، الذين يفضل أهلهم الهجرة طلبا للعمل وتأمين التعليم لأولادهم في دنيا الاغتراب. ماذا فعلت الكنيسة لمساعدة الطالب اللبناني عامة والمسيحي خاصة للبقاء وتحصيل العلم في لبنان ؟ 2) : إن ارتفاع أسعار العقارات في لبنان لا يعكس تماشيا مع مستوى الدخل في لبنان. فأسعار العقارات تتماشى مع مستوى الدخل في دول الخليج العربي. لهذا فإن الطموح للعلم والسكن في لبنان أصبح مغامرة غير مضمونة تزداد صعوبة لدرجة الاستحالة عند الكثيرين؛ فأصبحت الهجرة ما تبقى من أمل لدى كثير من اللبنانيين عامة ومن ضمنهم المسيحيون. الكنيسة تملك الأرض والمال. هل فكرت الكنيسة حقا كيف تساعد أبناءها وتسهل لهم سبل البقاء وهجر الهجرة؟ 3): في ظل غياب سياسة اقتصاديّة مدروسة تعنى بقطاع الإنتاج وتأمين فرص العمل لم يبق أمام اللبناني إلا الرحيل. هذا ما حصل في بداية القرن العشرين و هذا ما حصل بوتيرة مرتفعة خلال السنين الماضية. وهنا أيضا كانت الكنيسة شبه غائبة إن لم تكن غائبة كليا.
تلك هي المسألة
لقد انتقل الشعور بالقلق عند المسيحيين من قلق على انحسار الدور والمكانة وفي بعض الأحيان على «الامتيازات» إلى قلق على المصير ببعديه الروحي والوجودي. نعم المسألة ليست هل يستعيد المسيحيون مركز مدير الأمن العام، أو هل يستطيعون أن يحافظوا على مركزي قائد الجيش والمخابرات؟ أو هل يحترم «الآخر» المسلم قانون المناصفة (وكأنه قانون أرخميدس)... إلخ المسألة أهم وأعمق وأخطر بكثير. إنها أسئلة وجوديّة تطال النصّ المسيحي العربي بالصميم. المسألة هل سيكون هناك وجود أو حضور مسيحي عربي فاعل في لبنان وفلسطين والعالم العالم العربي خلال ـ لن أقول المئة سنة المقبلة ـ الخمسين سنة المقبلة؟ إذا كان الجواب بالنفي فتكون الصهيونيّة حققت اختراقاً ربما الأهم بعد اغتصاب فلسطين.
إنّ واقع المسيحيين الراهن ـ من انحسار في دورهم وغياب مكانتهم ـ لا يدخل ضمن الحتميات التاريخيّة ولا يشكل نهاية التاريخ/تاريخهم. فالمستقبل نصّ مفتوح إن عرف المسيحيون فنّ القراءة والتأويل. «الضمانة» المنشودة لا تُعطى ولا تُسْتجدى إن كان باسم المناصفة أو العيش المشترك. فقط مغادرة الفكر «الأقلوي» الطارئ البعيد عن تراثهم وانخراطهم الفاعل في هموم شعبهم وطموحاته ببناء الدولة الحديثة ـ دولة الحداثة والعلمانيّة والعقلانيّة والديموقراطيّة والعدالة الاجتماعيّة والمواطنة وحقوق المرأة والحريّة الفرديّة والقدرة على الدفاع عن أرض الوطن براً وبحراً وجواً أهم أركان هذه الدولة المنشودة ـ هي وحدها ضمانة لجميع المواطنين.



#اسكندر_منصور (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كيف ننقرض وبماذا نقاوم؟


المزيد.....




- في دبي.. مصور يوثق القمر في -رقصة- ساحرة مع برج خليفة
- شاهد لحظة اصطدام تقلب سيارة عند تقاطع طرق مزدحم.. واندفاع سا ...
- السنغال: ماكي سال يستقبل باسيرو ديوماي فاي الفائز بالانتخابا ...
- -لأنها بلد علي بن أبي طالب-.. مقتدى الصدر يثير تفاعلا بإطلاق ...
- 4 أشخاص يلقون حتفهم على سواحل إسبانيا بسبب سوء الأحوال الجوي ...
- حزب الله يطلق صواريخ ثقيلة على شمال إسرائيل بعد اليوم الأكثر ...
- منصور : -مجلس الأمن ليس مقهى أبو العبد- (فيديو)
- الطيران الاستراتيجي الروسي يثير حفيظة قوات -الناتو- في بولند ...
- صحيفة -كوريا هيرالد- تعتذر عن نشرها رسما كاريكاتوريا عن هجوم ...
- برلمان القرم يذكّر ماكرون بمصير جنود نابليون خلال حرب القرم ...


المزيد.....

- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد
- تشظي الهوية السورية بين ثالوث الاستبداد والفساد والعنف الهمج ... / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - اسكندر منصور - نظرة يساريّة في هواجس مسيحيّة : لماذا انحسر الدور المسيحي؟