|
الصباغة أنواع أيها السيد المدير ؟
عزيز باكوش
إعلامي من المغرب
(Bakouch Azziz)
الحوار المتمدن-العدد: 3026 - 2010 / 6 / 6 - 17:00
المحور:
الادب والفن
بعد مضي أكثر من أسبوعين عن اعتقاله وإيداعه السجن المركزي، ينفتح باب الزنزانة السميك الصدئ ، ويتدفق نور الى الفضاء المعتم من غير استئذان فيقرضه ضوء أصفر باهت. ميلود الصباغ- صاح السجان ذو الشاربين المعقوفين وأنف كبير أفطس نعم..نعم.. حاضر..حاضر-أناهو- يرد على الفور شبح منكمش وضامر في أقصى الضياع والعتمة والنسيان. تململ يا كلب .. المدير يرغب في مقابلتك ... يصطفق الباب بعنف قبل أن يحدث دويا مرعبا ، قبل أن يلف المكان ظلام كاسح فيما وقع أقدام السجان تهيم في السكون بإيقاع متهالك ، ظل ميلود يحدق طويلا في الظلام ، وهو يفكر بصوت مسموع . لا يهم.. آآآخ ..من أي وعاء ارتويت ؟ المهم ، أشعر أني ثمل ، ثمل جدا كانت المرة الأولى التي يحظى فيها ميلود بزيارة شخص من عيار ثقيل بهذه المؤسسة السجنية منذ أن وطئت قدماه عتمتها الكابية قبل 9أشهر و12 يوما وثمان ساعات. أن يقابل مدير السجن بصفته موظفا ساميا كائنا هامشيا وحقيرا وصباغا مثله أمر في غاية الإثارة والدهشة والاستغراب ، ومع كل ذلك ، عبثا تساءل عن جدوى هذه المقابلة ، إذ حاول مرات عديدة أن يرسم صورة مطمئنة لهذا الكائن القمقم المخيف، الذي يقترن في ذاكرة البعض بالقرارات المجحفة وبفروض الطاعة والولاء ولدى البعض الآخر بمجرد سمسار أو مالك عمارات ، زيجاته تترمل الواحدة تلو الأخرى، أطفال بقدر الضيعات ، وحرب عقار يمتلك لها مفاتيح الوقت كله ، وتساءل ميلود في حيرة ، ماذا عن مشاريعه وعقاراته ؟ أين وصلت أشغال بنائها؟ صمت مليا ثم استطرد يهذي ، ربما الصباغة آخر ما تبقى من أشغال كي ينهض ذلك الصرح الأسطوري الباذخ . بعد لحظات ، دلف السجان وتسلل ميلود بعينين كابيتين ورأس مدعوك يشبه رضاعة طفل متخلى عنه ، وحينما اقتربا من الحي الإداري دلف مبعثرا ، وأخذ يحملق في زوايا الغرفة الفسيحة ، مكتب قرمزي اللون على جنباته تنساب في رقة ستائر مخملية بلون البنفسج، مشرعة على جناح الأسيرات القاصرات من النساء، وعلى الفور ، تسربت الى المكان رائحة طبيخ على الطريقة الفاسية تشد الروح ، عدل المدير جلسته ثم قال بكبرياء قل من غير تفضل يا.... ورد على الفور ميلود سيدي .. وكان رأسه ثقيلا محبطا .. ميلود الصباغ سيدي، إسم على مسمى ..أليس كذلك ..هأهأ ثم انطلق هذيان بلا جماح ، صبغت ثلث الحي .. ونصف المدينة القديمة بالأبيضين الفاتح والغامق، لكن حياتي مساحة سوداء سيدي لم يتجرأ أحد على رسم علامة بيضاء واحد ة فيها . قطب المدير حاجبيه متظاهرا بتجاوب ملحوظ ، ثم مالبث أن فتش في أدراج مكتبه ، أحكم سيجارة مكتنزة ، أقلعها سترتها السميكة ، كان صوتا ايروتكيا يفيض شهوة وفحولة ، وللمرة الأولى، انزرعت نافورة دخان تسللت بحفاوة تحت أنف مبهم يعلو فما مرا متيبسا ، وقرر ميلود أن يستمتع بهذه النكهة قبل ينصرف أو أن يداهمها ريح مفاجئ ، لكن صوت المدير فاجأه هذه المرة وقد تملكه قلق غير عادي ، لكني يا...غير راض عن الطريقة التي تصرفت بها حيال مشغلك وهو بالمناسبة أحد أفراد الأسرة ،لقد أذللته ومسحت بكرامته الأرض ، كانت خياشيمه تنفض وقد بدا إن الكمية الكبيرة من الدخان التي استنشقها تحترق لتوها وتعتمل في مزاجه، على أن يترجمها السجانون سجنا انفراديا .وقال ميلود من غير أن يرف لفه جفن - منحط، لئيم ، قذر وجبان ..صمت لحظة ثم أردف قائلا.. تصور يا سيدي ..لك أن تتصور تصور منذ البداية أوضحت له الأمر، قلت ، ومن ليس له شهود كاذب ، ولدي شاهدان.. قلت له أن غلاف العملية برمتها يكلفه 400الف درهم ، صباغة فيلا من 400متر مربع ، قبل الجبان عرضي من غير تحفظ، لكن بمجرد ما أنهيت عملي ، وكان آية في الدقة الروعة والإتقان بشهادة زوجته ، ولك سيدي أن تتأكد من ذلك بنفسك ، لكن الحقير الجلف رفض أن يسلمني المبلغ المتفق عليه، كان بوسعي أن أسحله و أمسح الأرض بأوصاله ، لكني عدلت عن ذلك ، وقلت لنفسي، سنتفاهم ، فأنا بطبعي لا أحب أن يسخر من عرقي أحد خصوصا ، لأني أغوص في الجير الأبيض والأسود حتى الركب، ثم تطلع خلسة وبمرح طفولي الى المدير الذي كان صامتا جهما ، وسرعان ما بدت عليه علامات التباس ومضى ميلود يقول..أي نعم ، كان علي أن أصبر أياما ، وأنت تعلم سيدي أن أيامنا نحن المغاربة و انتظاراتنا تتحول من أيام الى شهور وربما أعوام ، ونحن على مشارف العيد ، لذلك اكتفيت بإهانته أمام حشد من الصبايا والعجزة وشمكارى الحومة ، هذا كل ما في الأمر. قاطعه المدير مهدئا ، هل توقعت انه سيرفع شكاية ضدك؟ نظرميلود في وجه المدير محملقا وقال بتذمر" أبدا..." حتى أني فوجئت بمقدم الحي مرفوقا بضابط شرطة يأمرني بمرافقته والنتيجة كما ترى.. " ...طيب طيب ..لا تنشغل بالأمر ، سأعمل كل ما يمكن أن ينصفك ، تشرب بوجه ميلود بحمرة قاتمة فيما يشبه الفرح ، وغدا مثل سرطان بحري وغمره للتو إحساس بنوع من الأمان المبهم الغامض ، كان يعصف بصورة مشوهة رسمها قبل قليل عن المدير أي مدير كائن فض غليظ القلب سليط اللسان ، وتمتم بكلام غير مفهوم ، شيئ لا يصدق . ثم استطرد على كل حال، فأنا بريء حتى تثبت إدانتي ن وتراءت أمام عينيه اهتزازات حلقات ضوء شمس تتراقص بمرح فوق المكتب، وتمنى لو أن هذا الحوار المتكافئ دار في مقهى البرج تسخسخه سيجارة من العيار الثقيل مذيلة بقطرات النعناع الأخضر بدلا من هذا السجن الحقير الذي يرقد في أحشاء سجن أحقر منه في رحم السجن الكبير . وحتى يتسنى للمدير أن يثبت حسن نيته فقد عمد الى طلب غريم ميلود الذي يقبع في السجن هو الأخر بتهمة الاتجار في المخدرات ، وحين مثل أمامه كان رجلا طويل القامة عريض المنكبين وشعر مجعد مائل الى الصفرة اسمع يا...أنت ملزم بالقوة القانون أن تسدد ما بذمتك فورا لفائدة وأدار وجهه نحو ميلود ، الذي علت ملامحه فورة فرح لا حد لمداها واستطرد المدير قائلا - في حال عدم انصياعك - ستدفع ذلك غاليا ، أتفهم؟ والآن انصرف ، انكشح من أمامي غور في ستين ألف داهية . انفجر ميلود على الفور" يحيا العدل " هيه أنت سعيد الآن ؟ رد المدير بنبرة منافق . وقال بصوت منفعل يختنق اجل سيدي المدير ، لن يضيع مند الآن حق صباغ أجير قصد عدالتك ، بالتأكيد لن يحصل ذلك ، العفو العفو ميلود كل صباغي المدينة معارفي يشهد الله إني لم ادخر جهدا من اجل إنصاف هذه الفئة، ومضى المدير يقول - إنكم بالكاد تستحقون كل شفقة، لكن ميلود قرر ميلود أن يفصح عن سؤال يعتمل في ذهنه ، عن آخر سجين صباغ فرد المدير على الفور متظاهرا بوجاهة ولباقة قل نظيرهما ، كان حبل المشنقة يطوق عنقه لولا ..أنه سفاح..أتعلم؟ قتل قاصرتين بعد أن اغتصبهما لكنه بالمقابل أظهر كرما لا حدود له ، تصورياميلود ، أنهى صباغة قصري القديم في أقل من25 يوما ، والأدهى من ذلك ، أنه رفض أن يتسلم مليما واحدا " دمدم ميلود مصعوقا " الحمد لله لأنني لا أشبهه" وكمن يلتقط أنفاسه قال المدير برقة ، لك أن تحدثني الآن عن الصباغة الجيدة أصنافها ، كيف تصير جامدة لامعة تقهر كل الفصول ؟ خذ مثلا الفيلا التي سأنهي إشغالها بعد أيام ، كم يلزمك من الوقت بعد أن يطلق الله سراحك في القريب العاجل ؟؟؟ فكر في الأمر؟؟ كان سيتحدث بحرارة وهو يهز رأسه ويده ، أما ميلود فقد أخفى شعورا هداما بالندم وقال بنبرة استجداء وتظلم -- الصباغة أنواع أيها السيد المدير ؟؟؟؟. عزيز باكوش
#عزيز_باكوش (هاشتاغ)
Bakouch__Azziz#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
للشباب والأطفال نصيب في مهرجان الموسيقى الروحية بفاس
-
فاس.... والكل في فاس2
-
فاس.... والكل في فاس1
-
فضاء الابداع للسينما والمسرح بفاس النشأة والتطور
-
بيان حقيقة من شبكة الكفاءات المغربية في ألمانيا
-
الموت قدر الكائن
-
شبكة الكفاءات المغربية تنتفض ضد رئيسها
-
ملتقى تازة الدولي للفنون المشهدية يشعل شمعته الأولى
-
جمالية التأويل وفاجعة القبض على المعنى في أقصوصة - المنصب ال
...
-
خرجات ميدانية وجلسات استماع لكن.....؟
-
جمنزياد فاس في دورته الثالثة يستكشف أبطال الغد
-
حراك الإعلام العربي تعزيز المحتوى لتطوير الأداء
-
منزل مدير جريدة - وجدة سيتي - الالكترونية بجوار إقامة الوالي
...
-
تتويج مزدوج لمسرحية- ناكر لحسان- في الدورة السادسة لمهرجان ف
...
-
مقدمات أولية لفهم -ثقافة الإشاعة-
-
جنان المنشية بفاس الاحتقار الكبير
-
الاكشاك لحملة الشهادات العليا المعطلين ولذوي الحاجات الصعبة
...
-
قرار الاستغناء عن ثلاث مسؤولين حهويين يثير ارتباكا كبيرا بمؤ
...
-
تخليدا لليوم العالمي للأرض والبيئة
-
سبق صحفي بلا محمول
المزيد.....
-
توم يورك يغادر المسرح بعد مشادة مع متظاهر مؤيد للفلسطينيين ف
...
-
كيف شكلت الأعمال الروائية رؤية خامنئي للديمقراطية الأميركية؟
...
-
شوف كل حصري.. تردد قناة روتانا سينما 2024 على القمر الصناعي
...
-
رغم حزنه لوفاة شقيقه.. حسين فهمي يواصل التحضيرات للقاهرة الس
...
-
أفلام ومسلسلات من اللي بتحبها في انتظارك.. تردد روتانا سينما
...
-
فنانة مصرية شهيرة تكشف -مؤامرة بريئة- عن زواجها العرفي 10 سن
...
-
بعد الجدل والنجاح.. مسلسل -الحشاشين- يعود للشاشة من خلال فيل
...
-
“حـــ 168 مترجمة“ مسلسل المؤسس عثمان الموسم السادس الحلقة ال
...
-
جائزة -ديسمبر- الأدبية للمغربي عبدالله الطايع
-
التلفزيون البولندي يعرض مسلسلا روسيا!
المزيد.....
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ أحمد محمود أحمد سعيد
-
إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ
/ منى عارف
المزيد.....
|