أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رياض طبارة - مواجهات اللوبي الإسرائيلي والإدارة الأميركية















المزيد.....


مواجهات اللوبي الإسرائيلي والإدارة الأميركية


رياض طبارة

الحوار المتمدن-العدد: 3024 - 2010 / 6 / 4 - 10:22
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



د. رياض طبارة
أوباما تجرّأ على مواجهة اللوبي الإسرائيلي بعدم تطابق أهداف تل أبيب ومصالح واشنطن

أصبحت ممارسات إسرائيل موضوعًا قابلاً للنقاش، لم يستطع اللوبي الإسرائيلي اليميني إيقافه كما في السابق، وباتت اتهاماته التقليدية لمنتقدي إسرائيل على أنهم ضد السامية تذهب من دون فاعلية كبيرة، خصوصًا أن غالبية المنتقدين هم أصلاً من اليهود الأميركيين
هناك أمور كثيرة تساعد أوباما على مواجهة حملات "إبياك"، ومنها الانقسام غير المسبوق بين اليهود الأمريكيين وظهور لوبي «جاي ستريت» المعتدل وتململ أعضاء الكونغرس من عنجهية وفوقية اللوبي الإسرائيلي والتحوّل الملحوظ في الرأي العام الأمريكي

اللوبي ومكوناته: إن ما يُسمى باللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة هو كناية عن مجموعة من المؤسسات والتجمعات الشعبية التي تعمل بالتعاون مع بعضها بعضا لإيصال وجهة نظر إسرائيل إلى أصحاب القرار، خصوصا في مجلسي النواب والشيوخ ـ أي الكونغرس ـ وفي البيت الأبيض، وإقناعهم بتبنيها. ويتكون هذا اللوبي من فروع أساسية ثلاثة:
أولا: مؤسسة «إيباك»، أي اللجنة الأميركية الإسرائيلية للشؤون العامة، وبعض المؤسسات اليهودية الأخرى، كالمنظمة الصهيونية الأميركية (American Zionist Organization) ومؤسسة التحالف ضد العنصرية (Anti-defamation League) وتشكل «إيباك» رأس الحربة له لهذا اللوبي إذ أنها أكبر متبرع للمرشحين لانتخابات الكونغرس والبيت الأبيض للحزبين الديموقراطي والجمهوري والمؤسسة التي تستطيع أن تجمع العدد الأكبر من أصوات اليهود لمصلحة المرشحين الذين تؤيدهم.
والمعيار الأول لهذه المساعدات هو الوعد بمساندة القضايا الإسرائيلية. وكثيرا ما يُطلب من المرشح إلى الكونغرس، قبل إعطائه الدعم المإلى والانتخابي، أن يتعهد خطيا بالتصويت في شكل معين على بعض الأمور التي تهم إسرائيل والتي قد تُطرح أمام الكونغرس.
ثانيا: شبكة واسعة من مؤسسات الأبحاث، مثل معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى Washington Institute for Near East Policy ومعهد المبادرة الأميركية American Enterprise Institute والمعهد اليهودي لشؤون الأمن القومي Jewish Institute for National Security Affairs ومؤسسات كثيرة غيرها.
وتقوم هذه المعاهد والمؤسسات بدراسات لمساندة المواقف الإسرائيلية تغذي بها اللوبي العامل على الأرض، أي «إيباك» وأخواتها، وتصدرها في منشوراتها الخاصة والصحف والمجلات، خصوصا تلك التي تساند إسرائيل، والتي قد يجوز إدخالها في إطار مفهوم اللوبي الإسرائيلي.
ثالثا: التجمعات التي تدخل في إطار ما يسمى اليمين المسيحي Christian Right الذي يساند القضايا الإسرائيلية المتطرفة كحق إسرائيل بالضفة والقطاع، في بعض الأحيان أكثر من حزب الليكود الإسرائيلي. فعندما أصيب شارون بالجلطة وفقد وعيه مثلا قال القس بات روبرتسون، أحد أكبر القياديين في تيار اليمين المسيحي، إن «ما حل بشارون قد يكون عقابا من الله، لأنه انسحب من أراض تعود إلى إسرائيل التوراة».
أما سبب هذه المساندة العمياء لإسرائيل وأهدافها التوسعية فيعود إلى التفسيرات الدينية التي يتبعونها، إذ يعتبرون ان عودة السيد المسيح إلى الأرض لن تحصل إلا بعد اكتمال إسرائيل كدولة على كل أراضي فلسطين، فتدخل عندها في حرب ضروس، تحصل معركتها الرئيسة في «أرماجدون»، ويموت فيها من الشعب اليهودي مَن يموت، ومَن يبقى حيا يعتنق المسيحية، فيعود السيد المسيح إلى الأرض ويعم فيها السلام.
ولذا يعمل المسيحيون الصهاينة اليوم جاهدين لكي تسيطر إسرائيل على أرض فلسطين كاملة، وبأسرع وقت ممكن، تحضيرا لمعركة «أرماجدون» المنتظرة. ويدعو جون هايجي، مؤسس منظمة «مسيحيون في سبيل إسرائيل» إلى الحرب على إيران لأن هذه الحرب ستكون «أكبر حرب عرفها الكون» حسب قوله، أي انها ستكون «أرماجدون» المنتظرة التي سيعود بعدها السيد المسيح إلى الأرض.



* المواجهات مع الإدارات السابقة
حصلت المواجهة الأولى بين الرئيس دوايت أيزنهاور ورئيس الوزراء الإسرائيلي ديفيد بن غوريون، بعد الاعتداء الثلاثي على مصر عبد الناصر سنة 1956، الذي اشتركت فيه بريطانيا وفرنسا وإسرائيل، فاحتلت إثره إسرائيل شبه جزيرة سيناء بالكامل قبل ان يتوقف الهجوم بأوامر أميركية، إضافة إلى التهديدات السوفياتية.
وعندما رفض بن غوريون الانسحاب من سيناء، هدد أيزنهاور إسرائيل بقطع المساعدات عنها فأذعنت إسرائيل للتهديدات، وكذلك حلفاؤها بريطانيا وفرنسا، وكانت المرة الأولى والأخيرة التي يربح فيها الرئيس الأميركي المواجهة مع إسرائيل بوضوح. أما أسباب هذه النتيجة فتتمثل أهمها في أن شعبية أيزنهاور كانت غير مسبوقة، إذ انه كان قائد قوات الحلفاء التي انتصرت في الحرب ضد ألمانيا النازية، وفي الوقت ذاته، كان اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة لا يزال يانعا، فضلا عن التوافق الأميركي السوفياتي على انسحاب المعتدين من مصر.
المواجهة الثانية وقعت مع ريتشارد نيكسون، وريث أيزنهاور، على رغم أنه كان قد أحاط نفسه بعدد من المعاونين اليهود، أمثال موري تشوتينر رئيس حملاته الانتخابية وهنري كيسنجر وزير خارجيته، وبرغم الجسر الجوي الذي أقامه في حرب 1973 بين مصر وسوريا من جهة وإسرائيل من جهة أخرى، والذي أنقذ إسرائيل من الانهيار... برغم كل ذلك حصلت المواجهة وكان سببها تسريبات لكلام ناب تفوه به نيكسون عن اليهود والضغوط التي كان اللوبي الإسرائيلي يمارسها عليه. ولم يغفر له اللوبي الإسرائيلي هذا الكلام، معتبرا نيكسون معاديا للسامية، فساعد في النهاية، من خلال مؤيديه في الكونغرس، على عزله من منصبه.
ووقعت مواجهات صغيرة نسبيا خلال عهدي جيمي كارتر ورونالد ريغان، أي بين الأعوام 1977 و1989، كانت الغلبة في معظمها لإسرائيل. ففي عهد كارتر تخلص اللوبي الإسرائيلي من مندوب الولايات المتحدة في الأمم المتحدة السفير الأسود أندرو يانغ، لأنه اجتمع سرًا مع ممثل منظمة التحرير في نيويورك، فاستبدله كارتر بدونالد ماك هنري، الذي أثار بدوره غضب اللوبي الإسرائيلي، لأنه صوّت لمصلحة قرار يستنكر قيام إسرائيل ببناء مستوطنات في الأراضي المحتلة، ما اضطر كارتر الى الاعتذار علنا عن هذا العمل.
وفي عهد ريغان، وقعت المواجهة خلال غزو إسرائيل للبنان عام 1982 فوصلت القوات الإسرائيلية إلى بيروت رغم ان الادارة الأميركية كانت قد أعطت إسرائيل الضوء الأخضر للوصول حتى الليطاني فقط. وعندما بدأت إسرائيل بشن غارات وحشية وعشوائية على بيروت، طلب ريغان من رئيس الوزراء الإسرائيلي وقفها، ما جعل أرييل شارون وزير الحرب في حينه، وجوابا على مطلب ريغان، يؤقت في اليوم التإلى غارتين الأولى في الثانية والدقيقة 42 (2: 42)، والثانية في الثالثة والدقيقة 38 (3: 38)، في إشارة إلى قراري الأمم المتحدة 242 و338، اللذين يطالبان إسرائيل بالانسحاب من الأراضي التي احتلتها عام 1967.
أثار ذلك غضب ريغان فاتصل ببيغن هاتفيا وطلب منه بشكل متوتر إيقاف الغارات. وبعد أقل من نصف ساعة، اتصل بيغن بالرئيس الأميركي ليعلمه بأنه أعطى الأوامر لشارون بوقف الغارات الجوية. وبعد انتهاء المكالمة، التفت ريغان إلى نائب رئيس الأركان في الجيش الأميركي الذي كان برفقته، وقال: «لم أكن أعلم أن لدي هذه القوة» (في وجه إسرائيل).
أما المواجهة الكبرى فحصلت، في عهد بوش الأب، الذي طلب من رئيس الوزراء الإسرائيلي في حينه، اسحق شامير، رئيس حزب الليكود، وقف عمليات الاستيطان، والبدء في مفاوضات مع جيرانه العرب. وهدد بوقف كفالات الحكومة الأميركية للاستدانة الإسرائيلية لبناء المستوطنات ومساعدات أخرى، إذا لم يستجب شامير لطلبه. ونتيجة لهذه الضغوط، هدد حزب العمل المشارك في الحكومة بالاستقالة، ما دفع شامير إلى الاستغناء عنه لمصلحة أحزاب دينية متطرفة. ووصلت الأمور إلى حد القطيعة بين البلدين مطلع عام 1991، عندما أعلن جيمس بايكر أمام الكونغرس، أن «في كل مرة يذهب فيها إلى إسرائيل لدفع " عملية السلام" يستقبله الإسرائيليون ببناء مستعمرات جديدة، مما يضعف الموقف الأميركي في المنطقة». وكان بايكر قبل ذلك، قد أجاب عن سؤال في مؤتمر صحافي عما إذا كان سيعاود الاتصال بإسرائيل بعد فشل إحدى رحلاته، بإعطاء رقم هاتف وزارة الخارجية، قائلا ان «على الإسرائيليين الاتصال بهذا الرقم إذا كانوا جادين تجاه عملية السلام».
وأفضى ذلك إلى تحرك اللوبي الإسرائيلي بقوة، وحاز مبدئيا الغالبية اللازمة لكسر الفيتو الرئاسي على كفالات الاستدانة، ما دفع بوش إلى التوجه إلى الشعب الأميركي مباشرة وعبر موجات الأثير، معلنا أنه «رجل وحيد» يقاوم الآلاف من أعضاء اللوبي الإسرائيلي، فرفع هذا من تعاطف الأميركيين معه بشكل كبير، فانتهى الأمر بتراجع أعضاء في الكونغرس عن التصويت لكسر الفيتو الرئاسي. ثم جاءت حرب الخليج الفارس?، لتخفف من حدة المواجهة، كما سقط شامير في الانتخابات ونجح اسحق رابين، ما وفر لبوش الحجة للموافقة على كفالات الاستدانة.
وعلى رغم ذلك، لم يغفر له اللوبي الإسرائيلي فعلته، فعمل جاهدا لإسقاطه في الانتخابات الرئاسية، مما ساعد في ذلك، فلم يستطع بوش ان يحظى بولاية ثانية على رغم الشعبية الكبيرة التي كان قد اكتسبها نتيجة عملية «عاصفة الصحراء» التي حرر فيها الكويت.
تعلم كلينتون الدرس، فجاء بأعضاء من اللوبي الإسرائيلي، وسلمهم عملية السلام بقيادة دنيس روس وعضوية مارتن أنديك ورام إيمانويل، وغيرهم من اليهود المتحمسين لإسرائيل. وبذلك أراح فكره من أية مواجهة يمكن ان تحصل بين إدارته واللوبي الإسرائيلي. وكذلك فعل بوش الابن، الذي خلف كلينتون في سدة الرئاسة، إذ سلّم السياسة الخارجية والدفاعية، أقله في السنوات الست الأولى من عهده، إلى المحافظين الجدد وهم في غالبيتهم الساحقة من اليهود المتطرفين لمصلحة إسرائيل.



* المواجهة القائمة بين الإدارة الأميركية الحالية والحكومة الإسرائيلية
الكل يعلم أن هناك اليوم مواجهة حادة قائمة بين الإدارة الأميركية الحالية والحكومة الإسرائيلية، بدأت عندما طلب أوباما من إسرائيل وقف الاستيطان في الضفة الغربية والقدس، كشرط لاستئناف المفاوضات. إلا أن أوباما تراجع أمام التعنت الإسرائيلي وسحب هذا الشرط، ما جعل أي أمل في المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين يتوقف. ولكن أوباما عاود الكرّة، لكن هذه المرة بزخم لم تعرفه التحركات الماضية.
هل سيصل هذا التحرك الجديد إلى حائط مسدود مثل ما سبقه أم أن حظوظ هذه التحرك تختلف عن سابقاتها فتكون المرة الأولى منذ عهد أيزنهاور التي يربح فيها الرئيس الأميركي المنازلة مع إسرائيل؟ أعتقد ان هذه المواجهة تختلف عن سابقاتها إلى حد كبير، ما يجعل نجاح الإدارة الأميركية فيها، والذي ليس مؤكدًا، أكثر حظًا من الماضي.
يستعمل اللوبي الإسرائيلي في معركته هذه ـ التي يعتبر نتائجها الأخطر على العلاقات الأميركية ـ الإسرائيلية منذ قيام إسرائيل ـ كل الأسلحة المتاحة لديه، إضافة إلى أسلحته التقليدية المتعلقة بالانتخابات ومعاقبة المخالفين من السياسيين لمواقفه.
ويتمثل أول هذه الأسلحة باستعمال قوة الكونغرس للضغط على رئيس الجمهورية لتليين موقفه من إسرائيل في هذه الموجة. إذ تمكنت «إيباك» بعد بدء المواجهة مباشرة، من جمع تواقيع حوالي ثلاثة أرباع أعضاء المجلس النيابي على رسالة موجهة إلى الرئيس أوباما، تحضّه فيها على تبريد المواجهة مع إسرائيل، وحل الأمور «بهدوء وثقة».
وفي منتصف نيسان (إبريل) الماضي، سرّبت «إيباك» نص رسالة وقّعها 76 عضوا في مجلس الشيوخ (من أصل مئة) و333 عضوا في مجلس النواب (من أصل 435)ـ أي 76 بالمئة من كل من المجلسين ـ إلى وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، تحث الإدارة على التخفيف من حدة التوتر بين البلدين.
والسلاح الآخر الذي تتقنه «إيباك»، وتستعمله في هذه المواجهة هو وسائل الإعلام، خصوصًا تلك التابعة لها أو المتعاطفة معها، كقسم الآراء في «وول ستريت جورنال»، ومحطة «فوكس نيوز» التلفزيونية المحافظة، فضلاً عن كتابات وحملات مبرمجة في الإعلام المكتوب والمرئي والمسموع.
ولكن هناك بالمقابل أمور كثيرة تساعد الرئيس أوباما على مواجهة هذه الحملات الضارية، تتمثل في ما يلي:
أولاً: يوجد انقسام غير مسبوق داخل الرأي العام اليهودي في الولايات المتحدة حول أنجع الطرق لتأمين استدامة إسرائيل في المنطقة. إذ يعتقد قسم كبير منهم ـ وربما الغالبية حاليًا ـ ان قوة إسرائيل العسكرية لا تكفي لتأمين ديمومة إسرائيل، كما هو موقف «إيباك» واليمين الإسرائيلي، بل ان عامل الوقت ليس في مصلحة إسرائيل، وأن الطريقة الوحيدة لتأمين استمرارها هو من خلال السلام مع جيرانها وبأسرع وقت ممكن.
ومن هذا المنطلق، تأسس منذ عامين تقريبًا، أي في نيسان عام 2008، لوبي إسرائيلي آخر يدعى «جاي ستريت» J. Street، ينادي بالسلام ويساند أوباما في مواجهته الأخيرة مع «إيباك». وبدأت منظمات السلام اليهودية في الولايات المتحدة في الانخراط تحت لوائه. وتفاجأ كثيرون بالسرعة التي نما فيها هذا اللوبي الجديد، إذ سهّل تحول قسم كبير من اليهود الأميركيين نحو السلام على «جاي ستريت» جمع الأموال، فنمت موازنته في شكل سريع وفي مدة قصيرة، ولو أنها ما زالت بعيدة عن موازنة «إيباك».
أما العضوية فيه فتضم غالبية من جيل جديد من اليهود الشباب، الذي لم يعرف الهولوكوست، ولم يعد ذلك يعنيه بالقدر الذي كان يعني الأجيال السابقة، ما يزيد من فتوة هذا التجمع وبالتإلى من طاقاته على الأرض (في المدارس والجامعات مثلاً) وبتواصله مع الآخرين (عبر الانترنت). وفي هذا السياق، لا يجب أن ننسى صعود اللوبي العربي في الولايات المتحدة منذ عام 2000، الذي بدأ يحرز نجاحا انتخابيا ولو متواضعا، بسبب وجود الأميركيين العرب في الولايات الأميركية الكبرى والمهمة انتخابيا. وبدأ تنسيق بين هذا اللوبي وبين «جاي ستريت»، فعقد أخيرًا اجتماعهما الأول المشترك في سبيل دفع عملية السلام، وبالتالي الوقوف في وجه «إيباك» واللوبي الإسرائيلي اليميني المتطرف.
ثانيًا: لا شك في أن كثيرين من أعضاء الكونغرس تعبوا من عنجهية اللوبي الإسرائيلي، والطريقة الفوقية التي يتعامل بها معهم، خصوصًا أن بشائر لوبي إسرائيلي أقل عنجهية وأكثر انسجامًا مع أفكار الكثيرين منهم، بدأت تطل عليهم. فعندما سئل جيرامي بن عامي، مؤسس جاي ستريت ورئيسه، عن ردة فعل أعضاء الكونغرس لدى زيارته لهم لشرح أهداف اللوبي الجديد، أجاب: «قالوا لي لماذا تأخّرتم حتى اليوم؟». ولا بد من الملاحظة في هذا السياق أن الرسالتين المرسلتين من أعضاء في الكونغرس إلى الرئيس أوباما والوزيرة كلينتون، تستعملان لغة أكثر هدوءًا من الرسائل الماضية التي كان يصوغها اللوبي الإسرائيلي، إذ تطالب بـ «تليين» موقف الإدارة من إسرائيل والتعامل مع الأزمة «بهدوء وثقة» ولا تطلب اتخاذ مواقف تساند المواقف الإسرائيلية المتعلقة بالمستوطنات أو الأمور الخلافية الأخرى كما في الماضي.
ثالثًا: هناك بالتأكيد تحوّل ملحوظ في نظرة الشعب الأميركي غير اليهودي إلى إسرائيل. ففي حين كان يوصف أي كلام سلبي عن إسرائيل في الماضي بأن صاحبه معادٍ للسامية، فتسكت تلك الأصوات بسرعة ومن دون ضجة كبيرة، تغيّرت الأمور جذريًا في السنوات الأخيرة خصوصًا بعدما نشر جون مرسهايمر وستيفن والت مقالهما الشهير عام 2002، حول اللوبي الإسرائيلي وتعارضه مع المصالح الأميركية، ومن ثم كتابهما الأشهر حول الموضوع ذاته عام 2007. إذ ينتمي هذان الكاتبان اليهوديان إلى جامعتين أميركيتين هما من الأفضل في أميركا (جامعتا شيكاغو وهارفرد)، الأول أستاذ علوم سياسية والثاني أستاذ علاقات دولية. وكأن سدا وانكسر، فتدفقت المقالات والكتب المنتقدة لإسرائيل وسياساتها تجاه الفلسطينيين وعملية السلام، وأصبحت ممارسات إسرائيل موضوعًا قابلاً للنقاش، لم يستطع اللوبي الإسرائيلي اليميني إيقافه كما في السابق، وباتت اتهاماته التقليدية لمنتقدي إسرائيل على أنهم ضد السامية، تذهب من دون فاعلية كبيرة، خصوصًا أن غالبية المنتقدين هم أصلاً من اليهود الأميركيين.
ولعل الأكثر تعبيرًا في هذا المجال، هو عنوان مقال كتبه أخيرًا معلق أميركي يقول: «مشكلة كبرى تواجه اللوبي الإسرائيلي: الناس لم تعد تخاف من انتقاد إسرائيل».
رابعًا: يستعمل أوباما في مواجهته الحالية مع إسرائيل الفكرة الأكثر خطرًا على عمل اللوبي الإسرائيلي، والتي لم يجرؤ أي رئيس أميركي في السابق على المجاهرة بها، ألا وهي عدم تطابق أهداف إسرائيل المعلنة وموقفها حيال عملية السلام مع أهداف ومصالح الولايات المتحدة، فمواقف إسرائيل من عملية السلام تشكل خطرًا على مصالح أميركا وأمنها، وعلى أمن جيوشها في المنطقة.
ويؤثر هذا الكلام بشكل كبير في الرأي العام الأميركي تجاه إسرائيل، خاصة عندما يصدر من مرجعيات تتمتع بصدقية، كما يفعل أوباما اليوم. ففي آذار الماضي أعلن الجنرال دايفيد باتريوس قائد القوات الأميركية في الشرق الأوسط، الذي يحظى بشعبية وصدقية كبيرتين بين الأميركيين، في شهادة خطية موجهة إلى لجنة مجلس الشيوخ لشؤون القوات المسلحة، ان «غضب العرب الناتج عن القضية الفلسطينية يحد من حدود وقوة الصداقة بين الولايات المتحدة وحكومات وشعوب (الشرق الأوسط)، ويضعف شرعية الأنظمة المعتدلة في العالم العربي».
وأضاف ان «الصراع العربي ـ الإسرائيلي يساعد القاعدة ومجموعات إرهابية أخرى على استغلال هذا الغضب للحصول على المساندة، كما " يعطي إيران نفوذًا أكبر". وتبع ذلك شهادة للأدميرال مايكل ماللين، رئيس أركان القوى المسلحة، الذي حوّل تقريرًا إلى البيت الأبيض، تسرب بفعل ساحر إلى الصحافة، ينبّه إلى وجود إحساس لدى القيادات العربية بأن الولايات المتحدة غير قادرة على مواجهة إسرائيل، وأن الدول العربية المعنية فقدت الثقة في الوعود الأميركية، فضلاً عن أن التعنت الإسرائيلي في موضوع الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني يعرض موقع الولايات المتحدة في المنطقة للخطر.
وشارك في هذه الأوركسترا المنظمة أعضاء آخرين بارزين في الإدارة الأميركية أمثال جو بايدن نائب الرئيس الأميركي ودايفيد أكسلرود كبير مستشاريه السياسيين وحتى مارتن إندك أحد مؤسسي اللوبي الإسرائيلي التقليدي. ومنذ مدة قليلة أعلن أوباما في مؤتمر صحافي أن حلّ الصراع في الشرق الأوسط «هو مصلحة حيوية لأمن أميركا القومي»، مضيفًا أن «مثل هذا الصراع يكلفنا أموالاً ودماء كثيرة». كل ذلك يجعل من الأصعب على اللوبي الإسرائيلي بعد اليوم، أن يروّج بأن الصراع العربي ـ الإسرائيلي لا يؤثر على سلامة أميركا، وأن أهداف إسرائيل تتماشى دائمًا مع أهداف أميركا ومصالحها.
خامسًا، إن الحكومة الإسرائيلية الحالية غير متماسكة كما الكثير من سابقاتها خاصة أن حزب العمل المشارك فيها، والذي يتأثر كثيرًا بالموقف الأميركي، قد بدأ يهدّد بالانسحاب منها مما سيضع نتنياهو أمام خيار من اثنين: فإما ان يستبدله بأحزاب يمينية صغيرة، كما فعل شامير في مواجهته مع بوش الأب، وهذا يشكل خطرًا على إسرائيل وإما أن يبقيه ويتجاوب مع المطالب الأميركية وعندها قد تنسحب الأحزاب اليمينية المتطرفة من الحكومة فيعوّضها بحزب كاديما المتعاون هو الآخر مع الادارة الأميركية.
وأخيرًا، لا بد من الإشارة إلى أن مكانة إسرائيل بقيادة متطرفين أمثال نتنياهو وليبرمان بدأت تضعف تجاه الغرب عموما، ما يقوّي يد أوباما في المواجهة الحالية. فمن الملاحظ أن كل موقف خلافي يتخذه أوباما تجاه نتنياهو تليه مواقف مساندة من الدول الأوروبية الفاعلة. وللمرة الأولى منذ نشوء إسرائيل تقوم دولة أوروبية (بريطانيا) بطرد أحد دبلوماسييها (دون رد إسرائيلي مماثل)، وقد تتبعها دول غربية أخرى لا تزال تحقق في استعمال جوازات سفرها، من قبل الموساد الإسرائيلي في عملية اغتيال القيادي الفلسطيني محمود المبحوح في دبي مؤخرًا. كما أن القيادات الإسرائيلية بدأت تعاني من صعوبات في السفر إلى البلدان الأوروبية خوفًا من اعتقالها هناك.
فمنذ أشهر، اضطرت السفارة الإسرائيلية في لندن إلى إرجاع جنرال كان على متن إحدى طائرات شركة العال الإسرائيلية، لأن القضاء الانكليزي تحرك لاعتقاله بدعوى جزائية مرفوعة ضده. وخلال زيارة موشي يعالون نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى واشنطن مؤخرًا، استدعته إحدى المحاكم للمثول أمامها بدعوى ضده، لكنه تمكن من التنصل بسبب الحصانة التي تعطيه إياها مراكزه الرسمية. إلا أن هذا التنصل لم يكن ممكنًا لو أن الدعوى كانت على بعد بضعة كيلومترات من واشنطن، أي في فيرجينينا، حيث القانون لا يعترف بهذه الحصانة.
كما ألغت تسيبي ليفني، رئيسة حزب «كاديما»، رحلتها إلى بريطانيا مؤخرًا لأن هناك دعوى ضدها. وقد لا يكون هذا سوى بداية الغيث في هذا المجال، إذ يقول المعلق السياسي الأميركي سام سنجر، بناء على أحد التقارير، أن هناك حوالي ألف دعوى مقامة حول العالم على شخصيات إسرائيلية عسكرية وسياسية مهمة (معظمها لدى محاكم في البلدان الغربية)، وأن وزارة الدفاع الإسرائيلية تتوقع أن تواجه قريبًا 1500 دعوى إضافية هي قيد التحضير. ولا شك في أن معظم هذه الدعاوى تتقدم بها مؤسسات غربية تُعنى بحقوق الإنسان.
ماذا يعني كل هذا؟ هل يعني أن أميركا ستتحرر قريبًا من سيطرة اللوبي الإسرائيلي المتطرف وتصبح على مسافة واحدة من العرب وإسرائيل في تعاطيها مع الصراع العربي الإسرائيلي؟ لا أعتقد ان هذا اليوم قد جاء بعد. فحماية إسرائيل، كما حماية النفط، سيبقيان خطين أحمرين للسياسة الأميركية في الشرق الأوسط، أقله في المستقبل المنظور. ولكن بالمقابل، أعتقد ان حظوظ أوباما في مواجهة اللوبي الإسرائيلي اليميني في الولايات المتحدة، هي أقوى من أي عهد مضى وأن نجاحه في هذه المواجهة، إذا ما تحقق، سيشكل سابقة خطيرة بالنسبة لهذا اللوبي. ولربما أننا نشهد بداية النهاية لاحتكار اللوبي اليميني الإسرائيلي المتطرف، أي «إيباك» ومثيلاتها، لسياسة أميركا تجاه القضية الفلسطينية وذلك لمصلحة لوبي إسرائيلي جديد يسعى إلى السلام بين العرب وإسرائيل.
والأهم من كل ذلك، فإننا نشهد اليوم بداية تحول في نظرة الأميركيين إلى إسرائيل، ومن ثم إلى الصراع العربي الإسرائيلي، فلم يعد الأميركي يخاف ان يتكلم عن إسرائيل لئلا يوصف بالمعادي للسامية، مما سيسمح للرأي العام الأميركي بالإطلاع بشكل أكثر واقعية على الصراع العربي الإسرائيلي، وهذا تحوّل في غاية الأهمية خاصة في الأمدين المتوسط والبعيد. من هنا، فإن هذا المفترق يجعل الدعم العربي للوبي العربي المتنامي في الولايات المتحدة أكثر إلحاحًا عن أي وقت مضى، وذات مردود كبير يسرّع في تحقيق هذا التحول الذي طالما سعى إليه العرب.

* سفير لبنان السابق في واشنطن



#رياض_طبارة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- سقط سرواله فجأة.. عمدة مدينة كولومبية يتعرض لموقف محرج أثناء ...
- -الركوب على النيازك-.. فرضية لطريقة تنقّل الكائنات الفضائية ...
- انتقادات واسعة لرئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بسبب تصريح ...
- عقوبات أمريكية جديدة على إيران ضد منفذي هجمات سيبرانية
- اتحاد الجزائر يطالب الـ-كاف- باعتباره فائزا أمام نهضة بركان ...
- الاتحاد الأوروبي يوافق على إنشاء قوة رد سريع مشتركة
- موقع عبري: إسرائيل لم تحقق الأهداف الأساسية بعد 200 يوم من ا ...
- رئيسي يهدد إسرائيل بأن لن يبقى منها شيء إذا ارتكبت خطأ آخر ض ...
- بريطانيا.. الاستماع لدعوى مؤسستين حقوقيتين بوقف تزويد إسرائي ...
- البنتاغون: الحزمة الجديدة من المساعدات لأوكرانيا ستغطي احتيا ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رياض طبارة - مواجهات اللوبي الإسرائيلي والإدارة الأميركية