أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فتحي الضَّو - هل كفرت العُصبة أم أسلم أهل السودان (2)















المزيد.....

هل كفرت العُصبة أم أسلم أهل السودان (2)


فتحي الضَّو

الحوار المتمدن-العدد: 3019 - 2010 / 5 / 30 - 13:27
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


انتهينا في الجزء الأول من هذا المقال المتسلسل، إلى ما ظلت تُردده العُصبة ذوي البأس.. منذ لحظة دخولها دهاليز السلطة بعد الانقلاب المشؤوم، وحتى لحظة إدخال السلطة إلى دهاليزها بعد الانتخابات الكارثة. إذ ظلت وما فتئت تؤكد طوال العقدين الماضيين بأنها أقبلت على تسنم السلطة بإيعاز من الله سبحانه وتعالى، وبالتالي (هي لله) أي السلطة، وهم فيها من الزاهدين! وللذين يودون أن يُشنفوا آذانهم بهذه المقولات الخالدات، بإمكانهم أن يختلسوا النظر هذه الأيام إلى فضائية عبد الله بن أبي سلول. إذ إنها بدأت تعيد وتكرر بث مقاطع من خُطب الراعي للرعية، بمناسبة الولاية (الديمقراطية) الجديدة، تلك الخُطب المرتجلة في مناسبات سابقة، والتي يعقبها دوماً الرقص على أشلاء وطن مُمزق. أصغ لها يا صاحٍ فلا شك أنك ستسمعه وعصبته يقولون (يا جماعة نحن جينا للسلطة دي تقرباً لله تبارك وتعالى) بيد أن هاتين المقولتين كانتا دافعنا في ختم الجزء الأول بسؤال مشروع: هل كانت حقاً هي لله؟ يقولون إنك قد تستطيع خداع بعض الناس بعض الوقت، ولكنك لا تستطيع أن تخدع كل الناس كل الوقت. وبالرغم من انتفاء المقارنة أصلاً بين الخالق والمخلوق، إلا أنه يمكن القول قياساً، إن الانسان مهما أوتي من حيل المكر والدهاء، فإنه لن يستطيع أن يخدع ربّ الناس لوقت طال أو قصر. وبالرغم من أن بعض الذين يذعنون للوسواس الخنَّاس، يظنون أنهم خدعوا الخلق والخالق، لكنهم في واقع الأمر لم يخدعوا سوى أنفسهم (يُخادِعون الله والذين آمنوا وما يُخدِعون إلا أنفسهم وما يشعرون، في قلوبهم مرض فزادهُم الله مرضاً ولهُم عذابٌ أليم بما كانوا يكذِبون) والذي يخدع نفسه بالضرورة يرتكبه غرور أجوف، مثل عُصبتنا الحاكمة، فيعوث في الأرض فساداً ويظن أنه من المصلحين (وإذا قِيل لهم لا تُفسِدُوا في الأرض قالوا إنما نحن مُصلِحون، ألا إنهم هُم المُفسِدون ولكن لا يشعرون) ولكن السؤال الذي ينبغي أن يطرح نفسه: ما الذي حدث وقتذاك باسم الله وأدى إلى غيبوبة مجتمع كامل، وألقى به في غياهب عُصبة ماكرة؟
باديء ذي بدء ظنَّ أحد اساطينها الغُر الميامين، في صبيحة ذلك الفعل الآثم، إننا من بقايا كفار قريش، فخرج علينا شاهراً (كلاشنكوفه) وقال من أراد أن تثكله أمه فليلحقنا وراء (جبل كرري) فظننا من فرط براءتنا أنه يقصد خراف الأُضحية، ولم نكن نعلم أنهم كانوا يضمرون شراً لثمانية وعشرين نفساً زكية، ضحوا بها صبيحة العيد كما ضحى خالد بن عبد الله القسري بالجعد بن درهم. وحتى يكون للمأساة طعم العلقم، قبروهم على سفح الجبل في يوم عزَّ فيه وجود سارية.. يستطيع أن يسمع في باطن الأرض أنين من لم تخرج روحه إلى بارئها. هنيهةً وألحقوهم بفتىً غريراً أرعناً، نحروه بينما كان يحدق في شجرة وطنٍ فرعها في (سُرة شرق) وجذرها تحت أقدام (تهراقا) وزادوا عليهم بثانٍ، هو واحد من (النصارى) الذين عَقَد عبد الله بن أبى السرح اتفاقية البقط مع أسلافه، فنال جزاءه وفاقاً على يد الأمويين الجدد. وطففوا بثالثٍ ترك دار الحرب وقصد دار الإسلام، كان ينشد الوحدة الجاذبة من قبل أن تكون لها لسانٌ ونجدان في (نيفاشا) ولم يكن يظن أنه سيدفع حياته جزية وهو من الصاغرين. ثمَّ إنفرطت حبات المسبحة وصار القتل على الهوية في خاصرة الوطن جهاداً في سبيل الله، تأججت حرب رُفعت فيها المصاحف على أسنة البنادق، فناحت من كل بيت ثاكلة، وتحولت البلاد كلها إلى سرادق كبير للعزاء. ثمَّ إذا بالأحباب بين (قصر ومنشية) فاحتار القوم بين الصلاة خلف علي والأكل في مائدة معاوية. ثم زاد أبو العباس السفاح الرتق في ديار القرآن والمحمل، فكان الموت صبراً في صحاري التيه، والموت إنكساراً في معسكرات الذلِّ والهوان. ومع استمرار التردي وتعمق الإنحطاط، جاء قوم من وراء الحدود يطالبون بالقصاص للسائل والمحروم، فتجمدت أوصال العصبة حتى بات منظروها في انتظار رؤية أبا عبد الله الصغير، يبكى كالنساء ملكاً مضاعاً لم يفه كالرؤساء حقه من العدل والإنصاف والشفافية!
لأنها لله، تصبح المفارقة أنه باسم الله الذي يعد (الرحيم) واحداً من اسمائه الحسنى، تمَّ فرض حظر التجوال وظلت الدبابات شاهرة مدافعها على الجسور العام تلو الآخر. كانت العصبة منتشية بالسلطة التي دانت لها، ليس فيها رشيد يكترث لسؤال حائر ظلَّ أهل السودان يرددونه: أي إسلام هذا الذي ينتهك الحقوق ويقمع الحريات، وهم يقرأون قرآنه الذي يقول (أدعُ إلى سبيل ربِك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضلَّ عن سبيله وهو أعلم بالمُهتدين) ويطأطئون رؤوسهم خضوعاً وتسليماً لدستوره (فبِما رحمة من الله لِنتَ لهم ولو كُنت فظَّاً غليظ القلب لانفضَّوا من حولك...) وعندما رفعت العصبة منجل قطع أرزاق الناس، بُهت الذين جُبلوا على دين الإسلام بالفطرة، وقالوا هل حقاً هو ذات الدين الذي قال فيه ملك الناس في كتابه الكريم (فليعبُدُوا ربَّ هذا البيت، الذي أطعمهُم من جُوع وآمنهم من خوف) وعندما ذاع صيت بيوت سيئة السمعة وملأت سيرتها الآفاق، وهي تودع أفواجاً قضى نحبها، وتستقبل أفواجاً تنتظر قدرها، كان هناك من يبحث في اللوح المحفوظ عن آيةٍ ارتعدت من ذكرها الجبال (.. من قتل نَفساً بغير نَفسٍ أو فَسادٍ في الأرض فكأنَّما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً..) ويوم أن أطلت مجاعة هَلك فيها الزرع والضرع، قالوا إن الله أمرنا بالستر، وليس هناك ستر أكثر من انكار ضوء الشمس من رمدٍ.. تلك لم تكن سوى (فجوة غذائية) وعوضاً عن أن يسدوا رمق الجياع بلقيمات يُقمن صُلبهم، أطعموهم شعارات (أمريكيا قد دنا عذابها) فنهض من بين الركام فقه المقارنات، وتساءل المُغاثون: لماذا يدنو عذابها أليست هي بلاد (الحاج ريغان) الذي أغاث الجياع منتصف الثمانينات، يوم أن تاجرت البنوك (الأسلربوية) بمخزون الذرة، وهي البنوك التي أنشأتها العصبة نفسها في دولة الإمام المخلوع. رُبّ لاهٍ ليس له من وطنيته سوى الفساد وأكل أموال الوطن بالباطل، لم يكترث لسؤال جدلي ظل قائماً: من هو المؤهل أخلاقياً بالحفاظ على هذا الكون.. الإسلاموي الذي يجوعوك لتتبعه أم الصليبي الذي ينقذك لتشكره؟
حتى يكتمل الوهم في رؤوس صانعيه، طالما أن الله ابتعثهم لإخراج الناس من الكفر إلى الايمان، كان لابد من التمسك بالأهداب في أسلمة المجتمع الجاهلي. فقالوا: أيها الناس إن أردتم التعبير عن مكنون صدوركم فاجتنبوا (التصفيق) وهلُموا نحو التهليل والتكبير، ففي ذلك شفاء من السلطة. أيها للناس أكثروا من الزهد في الدنيا، وقَلِلوا من الإفراط في الأحلام، وتلك هي سنة الكون. أيها الناس أطيلوا اللحى واقصروا الأماني، وتلك مستلزمات ترهبون بها عدو الله وعدوكم. ثمَّ تجلت المتاجرة بالدين في أسطع معانيها، عندما وضع بنو قريظة الثوب الذي كانت ترتديه سائر نساء السودان صوب أعينهم، فقالوا إنه زي فاضح يظهر محاسن المرأة ومفاتنها، واتضح أن ذلك كان لدنيا يصيبها البعض، فظهرت العباءة (الإيرانية) و (الخليجية) بديلاً، لم ير تجَّار العصبة فيهما أبعد من ملايين الدولارات التي يمكن ان تنهال عليهم، بل وطال الأمر أيضاً الذكور الذين يطلون من الشاشة الصغيرة، ففرض عليهم الجلباب والعمامة بديلاً لأزياء الغرب الصليبي. وطالت المتاجرة فرض اللونين الأبيض والأخضر على المحال التجارية، باعتبارهما ألواناً إسلامية، ليس لأن تاجراً جشعاً استورد كميات ضخمة من (الآجار) الأبيض و (البوية) الخضراء واراد تسويقهما! ثمَّ حتى تعانق النفوس الطاهرة شبهات فساد بدأت تجد طريقها نحو الأيادي المتوضئة، قالوا لابد من تغيير الجنية السوداني إلى الدينار إحياءً لسنن العملة الإسلامية المندثرة. ثمَّ ختموا الأسلمة بتنقيح الغناء، إذ رأوا فيما رأى النائم.. شِعراً ساقطاً وماجناً وخليعاً، وقاموا بتشييع ذلك التراث الغنائي الضخم إلى مثواه الأخير.. فقد كان أهل السودان من الغاوين الذين اتّبعوا شعراء ضالين!
فعلت العصبة في السودان ما فعله الثور في مستودع الخزف، فبغض النظر عن الشرعية التي داستها سنابك خيولهم وظلت تؤرقهم طيلة العقدين الماضيين، لم تكن للعصبة أي رؤية لبرنامج متكامل يستوعب مشاكل أهل السودان ويضع لها الحلول الواقعية. مثلهم كمثل سائر حركات الإسلام السياسي، إن سألتهم عن برنامجهم قالوا لك الإسلام هو الحل. ثمَّ يقفون كحمار الشيخ في العقبة إن طلبت تفصيلاً. وبالطبع لم يكن المجتمع السوداني مجتمعاً كافراً كما توهمت العصبة، ولا قوماً جاهلون كما ظنوا، ولا شعوباً ارتدت عن دينها حتى يقام عليها الحد. فالسودانيون شأنهم شأن بقية خلق الله توخوا حياة كريمة في بلد كالفسيفساء تعددت أديانه ولغاته وأعراقه وثقافته، وقد عقَّدت نخبته عليهم حياتهم، بممارسات سياسية طائشة بُعيد الاستقلال، أوقعتهم في براثن التخلف وأقعدتهم عن بلوغ الأهداف العظيمة، وحتى وقتئذٍ كانت قضية هذا الشعب مع سياسييه، فإذا بالعصبة تقول له إن قضيتك مع خالقك...
فهل كانت العصبة تروم الدينا أم الدين؟ ما أيسر الاجابة وما أعقد التفاصيل!!
نواصل...



#فتحي_الضَّو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل كفرت العُصبة أم أسلم أهل السودان (1)
- هكذا تكلم (سردشت).. وقُتِل!


المزيد.....




- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهداف موقع اسرائيلي حيوي ...
- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهداف قاعدة -عوفدا- الجو ...
- معرض روسي مصري في دار الإفتاء المصرية
- -مستمرون في عملياتنا-.. -المقاومة الإسلامية في العراق- تعلن ...
- تونس: إلغاء الاحتفال السنوي لليهود في جربة بسبب الحرب في غزة ...
- اليهود الإيرانيون في إسرائيل.. مشاعر مختلطة وسط التوتر
- تونس تلغي الاحتفال السنوي لليهود لهذا العام
- تونس: إلغاء الاحتفالات اليهودية بجزيرة جربة بسبب الحرب على غ ...
- المسلمون.. الغائب الأكبر في الانتخابات الهندية
- نزل قناة mbc3 الجديدة 2024 على النايل سات وعرب سات واستمتع ب ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فتحي الضَّو - هل كفرت العُصبة أم أسلم أهل السودان (2)