أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طارق الدويري - الخبز والحرية















المزيد.....

الخبز والحرية


طارق الدويري

الحوار المتمدن-العدد: 917 - 2004 / 8 / 6 - 10:52
المحور: الادب والفن
    


الخبز والحرية
وتشي يسوع
في رواية " الأخوة كارامازوف ج2 " للكاتب العظيم " دوستويفسكي"
تحكي أحدي شخصيات روايته الفريدة قصيدة أو حكاية تدور أحداثها في أسبانيا حيث "محاكم التفتيش" تقوم بدورها في نشر الدين والفضيلة بالتكفير والإرهاب.. والحرق والتنكيل بالبشر الخطاة الخارجين عن شريعة الإله بحسب رؤاهم وتفسيراتهم المطلقة والتي نراها..
عبر التاريخ الإنساني في الأديان والأزمنة المختلفة وكلاً أيضاً بلغته ومفرداته المختلفة..
تحكي القصة أن المسيح قرر النزول مرة أخري لتفقد حال الإنسان في هذا الجزء المشتعل من العالم بمحارق الفضيلة.. نزل الرب وجال وصنع خيراً، ولكن هذا لم يعجب رجال الدين الأفاضل والمقدسون في كل الأزمان..ومثلهم في قصتنا ما سمي "بالمفتش الكبير" الذي أمر رجاله بالقبض عليه واعتقاله.. وفي حواره الطويل مع الرب الصامت وعينيه النافذة الحانية يقول المفتش الكبير له " لماذا تجيء اليوم لتزرع الاضطراب في حياتنا؟ ثم يقول " إن ذلك الجمهور نفسه الذي كان يقبل قدميك منذ بضع ساعات، سيهرع غداً، بإشارة بسيطة مني، فيوري لهيب النار، هل تعلم ذلك؟ هؤلاء الجموع الذي جئتهم قديماً ورددت علي مسامعهم
"لقد جئتكم بالحرية" ستراهم غداً وهم يحرقونك مرة أخري. لقد أتممنا اليوم عملنا أخيراً باسمك. وهؤلاء البشر وفي هذا اليوم بعينه أشد اقتناعاً منهم في أي وقت مضي بحريتهم الكاملة، ومع ذلك فالواقع أنهم تنازلوا عنها ووضعوها في أيدينا بكثير من المذلة! أهذه هي الحرية التي كنت تنشدها لهم؟ بالطبع لا.. لقد أوقفنا نمو الحرية بداخلهم.. واستطعنا بذلك أن نجعلهم سعداء! ( انه يتكلم باسم رجال الدين في كل الأزمان).. ثم أكمل تصوراته.إن الشيطان الروح الرهيب العميق، روح الدمار والعدم قد خاطبك في الصحراء في التجربة علي الجبل..
وقدم الغويات الثلاث العظيمة..أسئلته الثلاثة البسيطة والتي تلخص كل مستقبل العالم والإنسانية..وتشتمل في ذاتها علي كل التاريخ المقبل للإنسانية، وتقدم رموزاً ثلاثة تنحل فيها جميع تناقضات الطبيعة الإنسانية، التي لا سبيل إلي حلها. ( وسأكتفي في موضوعنا هذا بأول سؤال) طرحه الشيطان علي بطلنا والذي معناه العام لا نصه.." تريد أن تمضي إلي الناس، وأنت خالي اليدين إلا من وعد بالحرية لا يستطيعون بحكم ما فطروا عليه من بساطة وحطة
أن يفهموها، عدا أنهم بالإضافة إلي ذلك يخشونها ويخافون منها، لأنه ليس هناك ولم يكن هناك في يوم من الأيام حالة لا يطيقها البشر والمجتمع مثلما لا يطيقان الحرية.
هل ترى هذه الحجارة في الصحراء الوعرة المحرقة؟ حولها إلى خبز تهرع إليك الإنسانية كقطيع جائع وتصبح شاكرة لك مطيعة إياك، ولكنها ستظل ترتجف خوفا من أن تسحب يديك وتحرم هي من الخبز. ولكنك لم تشأ أن تحرم الإنسان من الحرية ورفضت العرض قائلا لنفسك "لا حرية صادقة حيث تشترى الطاعة بالخبز" وها هم البشر تركوك الآن وسيجيئون لنا باحثين عنا كما فعلوا في الماضي قائلين أطعمونا... وسف نطعمهم، سوف نطعمهم نحن ولا أحد سوانا وسوف نفعل ذلك باسمك كاذبين عليهم مستمدين سلطتنا منك، سينتهون دائما إلى أن يرموا حريتهم على أقدامنا قائلين "استعبدونا ولكن أطعمونا" سيدركون هم أنفسهم علي خلاف خيارك أن الحرية لا تتفق وخبز الأرض ولا تتيح أن يصيب كل منهم من هذا الخبز كفايته، لأنهم لن يتوصلوا إلى اقتسامه بالعدل في يوم من الأيام. لأنه لا عدالة علي الأرض. وسيقتنعون كذلك باستحالة أن يكونا أحرارا لأنهم ضعاف فاسدون صغار النفوس. لقد وعدتهم بخبز السماء، ولكني أسألك مرة أخرى هل يقارن خبز السماء بخبز الأرض في نظر الكثرة التي ستظل إلى الأبد فاسدة عاقة، ولكن هؤلاء الضعاف الشريرون العصاة سيصبحون في آخر الأمر أكثر الناس طاعة لنا وخضوعا، وسوف يعجبون بنا ويعدوننا آلهة، لأننا نكون قد رضينا عنهم، حين صيرنا قادة لهم، وسنتحمل عنهم دائماً عبأ حريتهم، فإلى هذا الحد ستكون هذه الحرية قد أصبحت كريهة في نظرهم بتقدم الزمن، وسوف نوهمهم مع ذلك دائماً بأنهم إنما يطيعونك أنت وأننا نحكمهم باسمك.!!!

وهكذا أدرك المسيح في فيلمنا وفي المشهد الأول مع موسيقي غارقة في حالة شجن عميق، نراه وهو يصرخ لأبيه طالباً المعونة.. إذ أدرك المعركة القادمة ومدي قسوتها.. فقد وصلت حمية معركته ألي الذروة ولا مفر من المنتظر.. كان يدرك أن رجال الدين بعد اصطدامه بهم وكشفه لزيفهم ومواتهم وخطط سيطرتهم علي الجموع وتحويلهم لقطيع لا يبتغي سوي الخبز. كان يدرك خبايا السياسة وكواليسها القذرة.الغايات التي لا تقبل مساومة ولا تخجل من وسيلة، كان يعرف ذلك الزواج غير الشرعي بين الدين والسياسة كان يعرف حجم التداخل بين مصالح الساسة واستخدامهم للدين للسيطرة علي الجموع، ومكاسب وأرباح رجال الدين التي لن يتنازلوا عنها، سلطات كهنوتية وهيبة وقداسة كاذبة وعطايا لا تنتهي إلا في يوم الدين.

كان قد صاح فيهم أفصلوا مابين ما هو لله وما هو لقيصر.. أفصلوا ما بين السماء والأرض، ما بين السياسة والدين، ولكنه كان يعرف قدرة المال، وكان يعرف أيضاً قدرة وسحر تكفير الآخر في تحريك القطيع، وكان قد أحرق أخر أوراقه معهم وألقي بذبائحهم وذهبهم أرضاً.. طردهم من بيت أبيه.. بيت الله.. عرف جيداً قلب القطيع وتحوله السريع.. مات الملك..عاش الملك.. أدرك حجم قسوته، وعمق سقوطه. كان يعرف ما هي الخيانة.. كان يعرف الإنسان!
كان يعرف أنه لابد من حمل كل هذه الآثام والقسوة علي كاهله. فلا مفر..
فلآبد من الصدام مع السلطات الزمنية والكهنوتية في كل عصر..ولابد دائماً من خائن. يهوذا!
ولابد أن تمتحن فكرته..في النار والألم، كان يعرف عبث اللحظة بالتاريخ والمهازل الإنسانية وكل العنف والقسوة والتفاصيل المزرية والتي لا يراها إلا من يعملون ويمارسون التعذيب في الأقبية العطنة. والزمن المترهل في السجون والمعتقلات والغرف المظلمة السرية في كل الأزمان والأمصار. أنظمة العسكر وذقون الدين. أنظمة فلسفات القوة والاستبداد، محترفي تكسير عظام الرؤى والأحلام. هذا قدر كل صاحب فكرة. وهكذا كان كل الرفاق..سبارتاكوس وجاليليو وأبن رشد وطه حسين وفرج فودة ونصر حامد وخليل عبد الكريم ونجيب سرور وكل القدسيين.. وكل القادمين علي طابور الكشف والصدام والتكفير..
كل الرفاق الذين أحبوا الإنسانية وبذلوا لأجلها حني الموت، ولو كان منهم من تاه في الطريق
هكذا كانت عاطفة كل الرفاق.. طاغور وغاندي وجيفارا... وفي كل عصر نصيباً ليهوذا..
هكذا كان..
وكانت.. عاطفة المسيح أبن الإنسان.
تشي يسوع.
طارق الدويري



#طارق_الدويري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ساعات أنشودة الصباح البعيد
- بنحب السيما
- خانة الخيانة-علي فين يامصر


المزيد.....




- أحزان أكبر مدينة عربية.. سردية تحولات -القاهرة المتنازع عليه ...
- سلطنة عمان تستضيف الدورة الـ15 لمهرجان المسرح العربي
- “لولو بتعيط الحرامي سرقها” .. تردد قناة وناسة الجديد لمشاهدة ...
- معرض -بث حي-.. لوحات فنية تجسد -كل أنواع الموت- في حرب إسرائ ...
- فرقة بريطانية تجعل المسرح منبرا للاجئين يتيح لهم التعبير عن ...
- أول حكم على ترامب في قضية -الممثلة الإباحية-
- الموت يفجع بطل الفنون القتالية المختلطة فرانسيس نغانو
- وينك يا لولو! تردد قناة وناسة أطفال الجديد 2024 لمشاهدة لولو ...
- فنانو الشارع يُحوِّلون العاصمة الإسبانية مدريد إلى رواق للفن ...
- مغن كندي يتبرع بـ18 مليون رغيف لسكان غزة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طارق الدويري - الخبز والحرية