آل جحش والظلم المستباح

رأفت عبد الحميد فهمي

الحوار المتمدن-العدد: 3006 - 2010 / 5 / 16 - 11:15
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

آل جحش والظلم المستباح -1-
تذخر سورة الأحزاب التي نزلت بالمدينة بالعديد من الإشكاليات التاريخية والفقهية المثيرة للجدل صاحبت الأحداث التي واكبت زواج النبي من زينب بنت جحش بن رئاب الأسدية بعد قضاء زيد بن حارثة وطره منها في العام 5هـ (الإصابة عن الواقدي 8/93 وعيون الأثر 2/302 ) ويؤكد المفسرون في حديث عن عائشة أنها قالت: كانت سورة الأحزاب تعدل علي عهد الرسول مائتي أية فلما كتب المصحف لم يقدر منها إلا على ما هي عليه الأن. ويقول أبيّ بن كعب : أنها كانت تعدل سورة البقرة أو أطول (تفسير القرطبي 8/5195 ) ونحن نعلم أن عدد أياتها 73 كما في جميع المصاحف التي أعتمدها الخليفة الثالث عثمان بن عفان بعد أن أمر بما سواه من القرأن والصحف أن يحرق (بخاري 4987 عن أنس بن مالك ) فيكون ما تم نسخه أو رفعه 127 أية لقول عائشة أو 213 أية لقول أبيّ بن كعب . ومسألة طلاق زيد بن حارثة لزينب ثم زواج النبي لها قد أثارالكثير من اللغو والأقاويل بين المنافقين وانشغل المجتمع المدني لما سبق هذا الزواج من شبهات وأحاط به من ظروف خاصة وتساءلوا كيف تزوج النبي زوجة ابنه بعد نهيه عن نكاح حلائل الأبناء (نساء النبي لعائشة عبد الرحمن ص 262) والإشكالية الخطيرة مثل دخول النبي عليها بدون إذن ومن غير لفظ نكاح أو هبة ومن غير ولي ولا شهود ومن غير رضاها كما جاء في باب الخصائص (السيرة الحلبية 3/377 ) هذة الإشكاليات سوف نتناولها بالبحث والتدقيق نخوض في حفريات الموروث التاريخي المعتمد من كبار أئمة السنة نستكشف المسكوت عنه في الروايات التي ساقها فضلاء الأئمة وأعلام المفسرين والمؤرخين بمنهج الحفر الأركيولوجي للطبقات العميقة للتراث والتي تدرعت بأليات الإخفاء والتدليس وزيفت حقائق الأحداث الأشد خطورة واحتقانا عندما أحاطوها بسياج التقديس وغلفوها بضباب التبجيل في جهد مستميت لستر المطاعن والشناعات عندما تواطؤوا على اقصائها في أعماق اللامفكر فيه ونستميح القارئ عذرا إذا صدمته وأفزعته النتائج التي سوف نطرحها خلال رحلة البحث بين ألغام الموروث...ونحن نحاول زحزحة ما استقر قرونا في ليل الموروث التاريخي الكتيم بتمحيصنا للمرويات من حيث السند والمتون ونحن لا نطعن في ثوابت العقيدة ولا ننفي ما هو معلوم من الدين بالضرورة فكل هدفنا هو اماطة اللثام عن عجائب المفسرين والمؤرخين قدماء كانوا أو معاصرين . يقول طه حسين في (على هامش السيرة )باب شوق الحبيب للحبيب ص 226 " فلما بلغ زيد سن الزواج اختار له النبي بنت عمته زينب بنت جحش أبنة أميمة بنت عبد المطلب عمة النبي ثم يزوج النبي زيد حاضنته أم أيمن ويعده الجنة فتنجب له أسامة بن زيد ص 228 " هذا الوهم والخطأ أكدته عائشة عبد الرحمن في أشهر كتبها نساء النبي وهما معذوران لأن ما توهماه قد جاء بحذافيره وفق مرويات أعلام المفسرين وكبار المؤرخين كالطبري وابن كثير وابن هشام وابن سعد وجوقة هائلة من المحدثين وسوف نبرهن على ما وقعوا فيه من خطأ وذلك من خلال تتبعنا لعلاقات النسب والمصاهرة وأعمار أهم الشخصيات التي عاصرت تلك الأحداث في العامين بين منتصف 3هـ ومنتصف 5هـ .تؤكد مرويات ابن كثير وابن سعد وابن هشام ومسلم وبخاري ومن سار على كتاباتهم أن االنبي تزوج زينب في 5هـ (في الحلبية يقول 4هـ وربما 3هـ ) وكان عمرها 35 عاما وأن زواجها من زيد لم يدم أكثر من عام واحد . هذا التحديد الزمني الذي اتفقوا عليه يجعلنا نرجع بالزمن القهقري لنحدد فارق العمر بين النبي و زينب وهو 22 عاما لأن النبي قد بلغ 57 عاما في 5هـ وقد قالوا أن زيد بن حارثة يصغر عن النبي10 سنوات فيكون فارق العمر بين زيد و زينب 12 عاما فلو سايرنا المؤرخين أن النبي زوّج زيد حين بلغ سن الزواج 18 سنة تقريبا تكون زينب قد بلغت 6 سنوات من عمرها وهو محال أن يكرهها النبي بسورة نزلت بالمدينة " وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضىالله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا " (الأحزاب-36 ) وهي مازالت طفلة في بيت أل جحش في مكة وترفض هي وأخوها لعدم تكافؤ الحسب والشرف ويصبح طلاقها من زيد وزواج النبي منها وهي في السابعة من عمرها أمر يجافي المنطق والمعقول و هذا ما لم يحدث .وتصحيحا لتلك المرويات يكون زواجها من زيد قد تم تقريبا في رجب 4هـ ليطلقها بعد عام في رجب 5هـ ثم ينتظر النبي شهور شعبان ورمضان وشوال كي تنهي عدتها ويتزوجها النبي مصداقا لللأية : " فإذا قضى زيد منها وطرا زوجناكها "(الأحزاب 37) حيث تكون قد أتمت 35 عاما والتساؤل المثير للإشكالية هو ماذاعن الفترة السابقة من حياة زينب قبل أن يكتشفها زيد وقد لعبت برأسه وأصر علي طلبها زوجة منكوحة له يطأها بعقد نكاح شرعي تؤيده السلطة الحاكمة ممثلة في النبي وتؤيده سلطة الوحي القرأني المجيد .وبمزيد من التمحيص نكتشف أن زينب بنت جحش بن رئاب الأسدية كانت نسيا منسيا خلال الحقبة المكية فهي لم تهاجر مع أخويها عبد الله وعبيد الله إلى الحبشة ولا نعرف على وجه التأكيد متى أسلمت خاصة وأن تلك الحقبة الزمنية الطويلة تناهز 20 عاما وهي حقبة تتسم بالغموض المسكوت عنه فلم ترقى أحداثها إلى قرائح المؤرخين ومروياتهم المكتظة بتفاصيل عجيبة مثل تحديد أبوها وجدها متسلسلا نسبها حتى عاشر جد وتساؤلنا هل ظلت منذ بلوغها 13 عاما من عمرها حتى اكتشاف زيد لها أيما أي عانسا لا زوج لها وهي كما تؤكد المرويات جميلة وجسيمة ووضيئة وتعتز بجمالها وحسبها وشرفها وتنتمي إلى الطبقة الموسرة من قريش أم أنها كانت زوجة لأحد سادات قريش المرموقين والذي تم أقصاؤه من الذاكرة الجماعية عن عمد ربما لأنه كان ذو حيثية خطيرة ضد النبي من حيث الإيذاء والسب وانزال كم الإهانات التي تعرض لها محمد في مكة قبل الهجرة .هذا الإستنتاج جاء من تمحيص علاقات النسب والمصاهرة بين أل جحش وسائر بطون قريش الأخرى ذات المكانة والحيثية في قريش فزينب بنت جحش أخوالها العباس بن عبد المطلب وحمزة أسد الإسلام وأبو لهب وعبد الله والد النبي وابن خالتها الزبير بن العوام فقالت : أنا سيدة أبناء عبد شمس.فأخوها عبيد الله بن جحش تزوج رملة بنت أبي سفيان بن حرب وهاجرت معه إلى الحبشة حيث أنجبت له حبيبة وبعد أن يرتد ويتنصر ويموت بأ رض الحبشة يرسل النبي إلى النجاشي كي يعقد له عليها فتصبح أم حبيبة أما للمؤمنين حتى عودتها إلى يثرب بعد غزوة خيبر في 7هـ. والأخ الثاني عبد الله بن جحش صاحب أول راية في الإسلام تزوج زينب بنت خزيمة (أم المساكين) ( حكاه ابن عبد البر عن الزهري وابن حجر في الإصابة ص 243 ) فإذا استشهد في غزوة أحد تزوجها النبي بعد حفصة بنت عمر. والأخ الثالث عبد بن جحش أبو أحمد الشاعر الضريرتزوج من الفرعة بنت أبي سفيان بن حرب ( سير أعلام النبلاء للحافظ الذهبي 2/274 ) وأختها حمنة بنت جحش فقد تزوجها فتى قريش الوسيم مصعب بن عمير والذي استشهد في أحد فخلف عليها الصحابي طلحة بن عبيد الله أحد المبشرين بالجنة والأخت الثالثة أم حبيبة والتي اشتهرت في كتب الفقه بالمستحاضة فقد تزوجها عبد الرحمن بن عوف وهو أيضا من المبشرين بالجنة.هذة العلاقات القوية من النسب والمصاهرة تشهد بأهمية أل جحش في مكة ورغم ذلك نفاجأ أن زينب لم تنل أي ذكر وهي الشريفة ذات الحسب والجمال ما يلفت ويلعب برؤوس رجال قريش وساداتها وشبابها الموسرين في مجتمع قبائلي يراعي أهمية الزواج المبكر لبناته اللاتي يتزوجن صغيرات من سن العاشرة وتكتهل نساؤه دون الأربعين (بنت الشاطئ 369). وإذا اتخذنا عام الحزن بداية لتعويض النبي زوجة جديدة تحل محل خديجة التي توفت في العام العاشر للبعثة أي قبل الهجرة بثلاث سنوات فنتساءل أين كانت زينب بنت جحش عام الحزن وقد بلغت من العمر 28 عاما لماذا لم ترشحها خولة بنت حكيم للنبي بدلا من الثيب الأرملة سودة بنت زمعة أو البكر الطفلة ذات الست أعوام عائشة بنت أبي بكر كما جاء في تاريخ الخميس قال: جاءت خولة بنت حكيم امرأة عثمان بن مظعون وقالت :يارسول الله آلا تتزوج؟ فقال: من ؟ فقالت: إن شئت بكرا وإن شئت ثيبا ) فكيف غابت زينب عن تلك المشورة وعن النبي وهي ابنة عمتة أميمة بنت عبد المطلب وهو يعرفها وآمنت برسالته ويراها في مجتمع لا نقاب فيه ولاحجاب على افتراض أنها أيم لا زوج لها كما اكتشفها الولى المحرر زيد بن حارثة هذا يؤيد استنتاجنا أنها ربما كانت زوجة لسيد من سادات قريش وطمست تلك الحقبة من سيرة حياتها كي يتحاشوا التناقض السافر كون أم المؤمنين كانت زوجة لآعتى الكفار شأوا ونفوذا في مكة ونتعجب من قول ابن عبد البر في (الإستيعاب في معرفة الأصحاب 4/1849 ) عندما قال عن زينب : كانت تكنى أم الحكم. ونعلم أنها كانت عاقرا مع زيد بن حارثة ثم مع النبي فيا ترى ماسبب تلك الكنية فلا نجد من يجيبنا من فضلاء أئمة التفسير وأعلام المؤرخين على ذلك السؤال رغم وفرتهم الكثيرة .هنا تتضخم الإشكالية التاريخية وتزداد تعقيدا كلما توغلنا في أحافير التراث المسكوت عنه فإذا افترضنا جدلا كما يدعي المؤرخين أن زينب كانت زوجة لمولى النبي العبد المحرر زيد بن محمد الذي تبناه قبل البعثة زوجا لزينب خلال الحقبة المكية اصطدمنا بمعضلتين كلاهما أشد عسرا من الأخرى الأولى هي هل دام زواجها من زيد المولى الأسود أفطس الأنف عشرين عاما وهو زمن قضاء الوطر لبعل مرفوض لم يجد السكن والمودة والرحمة منها فهل تحمل صلفها واستعلائها وأذيتها له باللسان 20 عاما وقد قالت عنها عائشة : لديها سورة من حدة كانت فيها تسرع منها الفيئة (فضائل الصحابة لمسلم 4/1892 رقم 2442 ) حتى يذهب إلى النبي يشكو أذيتها أما المعضلة الثانية هي سبب نزول الأية ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة ....... (الأحزاب 36) حيث أكد المفسرون أنها نزلت في يثرب بعد سورة البقرة والأنفال وآل عمران ردا على معارضتها لقبول المولى زيد بن محمد لذا فلا يمكن احتساب الأية مكية وإلا وقعنا في مأزق ترتيب السور المعتمدة .
وزيد بن حارثة قد تبناه النبي وأكرمه وسماه زيد بن محمد وذلك لأنه فضل العيش والعبودية مع النبي عن العودة إلى أهله الذين فقدوه صغيرا بعد ما اختطف منهم وهو يومئذ غلام يفعة حيث عرضه المختطفون للبيع في سوق حباشة فاشتراه حكيم بن حزام بن خويلد لعمته خديجة بأربع مائة درهم فلما تزوجها النبي وهبته له.(تفسير القرطبي 8/5200 والسيرة لابن هشام 1/180).وكانت أم أيمن بركة بنت ثعلبة الحبشية حاضنة الرسول قد ورثها عن أبيه وهي التي حملته بعد وفاة أمه آمنة بنت وهب ومحمد لم يبلغ 6سنوات وأوصلته إلى جده عبد المطلب الذي تولى رعايته بعد أن صار يتيما وقد أعتقها محمد عندما تزوج خديجة فتزوجت عبيد بن الحارث الخزرجي فولدت له أيمن فلما مات زوجها رشحها النبي لمولاه زيد فتزوجا وأنجبت له أسامة حب رسول الله.ونستطيع تتبع صعود أحلام زيد الطبقية كي يتجرأ ويلح في طلب المليحة الوضيئة سيدة أبناء عبد شمس زينب بنت جحش بن رئاب الأسدية فقبل البعثة خرج النبي به إلى الحجر وأعلن للملأ من قريش قائلا : اشهدوا أن زيدا ابني يرثني وأرثه وبعد الهجرة آخى النبي بينه وبين حمزة بن عبد المطلب ثم ولاه النبي قيادة العديد من السرايا بعد غزوة بدر فكانت أول سراياه إلى القردة في 6/3هـ حيث خرج في خمسمائة راكب لمهاجمة عير أبي سفيان وصفوان بن أميه وحويطب بن عبد العزى وكانت معهم فضة كثيرة هي معظم تجارتهم فأصابوا العير وما فيها وهرب رؤساء القوم فساقوا العير والأموال إلى يثرب فبلغ الخمس من تلك الغنيمة عشرين ألفا من الدراهم فقال النبي : خير أمراء السرايا زيد بن حارثة أعدلهم بالرعية وأقسمهم بالسوية (سرايا الرسول لأبي تراب الظاهري ص 80 ) وجعله النبي يمتطي ناقته القصواء ليزف بشرى النصر في بدر كما استخلفه على المدينة مرتين لذا تنامت طموحات وتطلعات زيد الطبقية وتأكد أن المليحة الوضيئة خلية أي أيم لازوج لها شريفة في قومها قد بلغت 33 من عمرها فذهب إلى النبي يستعين به على تحقيق تطلعاته الشهوانية لجعلها منكوحة موطؤة تحته كي يروي شآبيب وطره منها وليذهب وطرها إلى الجحيم وكان زيد قصير القامة أسمر داكن البشرة أفطس الأنف فقد ذهب إلى النبي وقال له : اخطب علىّ قال : من ؟ قال : زينب فقال النبي : لاأراها تفعل إنها أكرم من ذلك نسبا فقال :إذا كلمتها أنت وقلت زيد أكرم الناس علىّ فعلت فقال النبي : أنها امرأة لسناء أي فصيحة والمقصود لسانها طويل. فذهب زيد إلى علي بن أبي طالب فحمله على أن يكلم النبي ليخطب له زينب فقال : إني فاعل ذلك ومرسلك يا على فأخبره بكراهتها وكراهة أخيها لذلك النسب وقد قال : كيف نزوجها لعبد وهي قرشية من حرائر النساء فقال النبي :لقد رضيته وأقضي أن تنكحوه فأنكحوه .فقالت زينب : لست بناكحته فقال النبي : فإنكحيه فقالت : أؤامر نفسي فقالت أختها حمنة : أتزوّج ابنة عمتك مولاك.(السيرة الحلبية باب غزوة بحران 2/291 )....................يتبع للجزء الثاني

#رأفت_عبد_الحميد_فهمي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات