أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - مصطفى بن صالح - من قلب الندوة الطلابية، وعلى هوامشها.. موضوعات للنقاش















المزيد.....



من قلب الندوة الطلابية، وعلى هوامشها.. موضوعات للنقاش


مصطفى بن صالح

الحوار المتمدن-العدد: 3006 - 2010 / 5 / 16 - 02:45
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


1. ما زالت تداعيات الندوة الطلابية الوحدوية، المنعقدة بمراكش يومي 23/24 مارس، بادية بكل تأثيراتها الإيجابية والسلبية على مجرى النقاش الفكري والسياسي الديمقراطيين، بين فصائل الحركة الطلابية اليسارية والتقدمية، وبين مكونات اليسار الاشتراكي في الساحة السياسية بشكل عام، أي بمن فيها فصائل وفعاليات الحركة الماركسية اللينينية المغربية ـ الحملم ـ.
وإذا كان من المفروض على مناضلي الفصائل المنظمة أن تتابع خطواتها التوحيدية هذه بمبادرات أخرى تتعامل بجدية وبمسؤولية تاريخية تجاه الخلاصات الصادرة عن الندوة، فكذلك الشأن بالنسبة للمعارضين والمناهضين للخطوة الوحدوية، الذين من واجبهم تقديم البدائل البرنامجية والعملية لتجسيد الوحدة البديلة أو أية وحدة تقينا شر "البيروقراطية" و"الانتهازية" و"الاسترزاق السياسي".. وإلاٌ اعتبرنا ما وقع وما قيل في الداخل وعبر الهوامش، مجرد زوبعة في فنجان وبصق في الهواء ليس إلاٌ! بالنسبة للجميع ومن طرف الجميع، المؤيدين والمعارضين والمناهضين والمتحفٌظين والصامتين.. سواء بسواء.
2. بعد تقديمنا، في مقالات سابقة، لملاحظاتنا عن السير العام الذي تم فيه الإعداد لهذه المبادرة الوحدوية، وبعد تسجيلنا كذلك لملاحظاتنا النقدية لسير أشغال الندوة، مع إعطاء الرأي حول كل ما قيل في حقها وفي حق منظميها والمشاركين فيها بشكل مباشر أو غير مباشر.. سنحاول الآن تدارك بعض النواقص التي شابت تقييمنا ورؤيتنا، مع العلم أن بعضها تم تركه عنوة من طرفنا، إمٌا بسبب الرغبة في أخد المسافة الزمنية للتشاور مع أقرب الرفاق لنا داخل التيار/الخط البروليتاري وخارجه، وإمٌا بنية الدفع في اتجاه إنجاح الندوة كهدف، بغض النظر عن نواقصها وثغراتها الأولية والشكلية.
وقد أثارتنا في السياق، بعض الانتقادات الجدية والموضوعية من طرف بعض الأصوات المعارضة التي لم تشارك الندوة حماستها ومشروعها، الشيء الذي ألزم علينا عدم تجاهلها، بنهج التعامل الإيجابي مع كافة الرؤى ووجهات النظر المعنية بموضوعات الحركة الطلابية التي فرضت وتفرض نفسها بإلحاح، والمتمحورة أساسا حول وحدتها النضالية، وسبل تحقيقها في المرحلة الراهنة.
3. وعلى ما يبدو، فقط أصبحت الشبكة العنكبوتية تشكل الفضاء الأكثر حرية وديمقراطية للتعبير عن الآراء، باعتباره فضاء لا مجال فيه للبيروقراطية والإقصاء، ولا قدرة فيه لأحد كيفما كانت قوة تأثيره، على منع المعارضين من التعبير عن آرائهم بكل حرية، حتى وإن كانت لا تشكل سوى أقليات أو استثناءات لا قاعدة لها في أوساط الحركة الطلابية والجماهير الطلابية عامة.
لقد مكننا هذا الفضاء من التواصل والاطلاع على جميع الآراء، وحفٌز فينا ملكات النقاش والاجتهاد.. وبالرغم من كل الصعوبات والاختراقات البوليسية البارزة والمفضوحة، بالرغم كذلك من بعض المنزلقات المقيتة والحقيرة، التي فضٌل أصحابها الصيد في الماء العكر والسباحة في المستنقعات النتنة.. بابتعادهم عن النقاش الفكري والسياسي، واللجوء للملاسنات السوقية والقدح، والتجني المتخصص في إعداد الملفات الأخلاقية والشخصية في حق بعض المناضلين والمناضلات.. فلا يمكن إلاٌ التنويه والإشادة، بالرغم من كل هذا، بالإسهام القيٌم لبعض المناضلين والمناضلات، الذي شرٌفوا وما زالوا، وجه ومجهود اليسار الماركسي اللينيني المغربي، على هذه الواجهة، على ما تشكله من انفتاح على العالم أجمع وما يزخر به من أفكار جذرية وتحررية.
فقط وجب التطوير لنضالنا الإعلامي هذا، عبر الاجتهاد والجدية، وعبر إحكام الطوق على جميع مظاهر اللامسؤولية والمزاجية والحربائية.. التي ما زالت تشكل وتوفر الملاذ لبعض العناصر التي لا علاقة لها بأي التزام سياسي ميداني في ساحة الكفاح والنضال.
فمثلا، حين يحتد النقاش ويكون المطلوب من الجميع تقديم الرأي، فليس من العيب في شيء، توضيح الجهة مصدر الرأي، وإذا كان الإجماع داخل التيار حول رأي معين، فلتكن حينها المسؤولية لتقديمه على هذا الأساس، أما إذا تعذر ذلك فلا داعي للتراشق بالبيانات والبيانات المضادة، ولا داعي كذلك للتخفي وراء صفات "المتتبعين" و"المناضلين" و"الباحثين" و"أرباب المواقع الالكترونية"..الخ
4. من بين الأساليب المستعملة عادة في الصراع السياسي والفكري بين مكونات اليسار عامة والفصائل الطلابية التقدمية خاصة، يعتمد بعض الجبناء، وبدون أدنى بيٌنة، أساليب الافتراء والتجني في حق الآراء المخالفة والمعارضة، وهي أساليب وجب القطع معها ومحاربتها في صفوف التيارات الديمقراطية التي من المفروض فيها أن تنسجم خطاباتها وادعاءاتها حول الديمقراطية المنشودة داخل المجتمع الديمقراطي المنشود الذي تتطلع لبناءه أو المساهمة في تأسيسه وتشييده.. وبين ممارستها الفعلية في الميدان. إذ لا يمكن تشييد الديمقراطية البديلة والجديدة إلاٌ بديمقراطيين حقيقيين تمرٌسوا على الديمقراطية الداخلية وسط تياراتهم وتنظيماتهم، وضمن تواجدهم بقلب اتحادات جماهيرية تضم التيارات والآراء الجماهيرية المخالفة لهم.
5. وإذا كانت الندوة، ومنذ انطلاق مبادراتها الأولى، قد أعلنت بصراحة عن كون الندوة، ندوة خاصة، ومن تنظيم الفصائل الطلابية التقدمية الناشطة في الساحة الجامعية، والمتشبثة بالإطار التاريخي إوطم ومبادئه الأربعة، فمن غير المعقول أن يهرول بعض "الزعماء والموجهين" لمحاسبتها على أشياء أخرى لم تدٌعيها، وليست في متناول منظميها والمنخرطين في دعمها.
فالبعض ادٌعى، ووصف المبادرة بالبيروقراطية بدعوى عدم إشراك الجماهير الطلابية، وهو تعبير سافر عن جهل صريح بمعنى البيروقراطية، وعدم إلمام بمعطيات واقع الحركة الطلابية التقدمية ومواقعها الجامعية الناشطة.. هذا مع العلم أن الجماهير مبعدة ومقصية أصلا من التقرير في معاركها المصيرية حتى، وبالأحرى إشراكها في نقاشات لها أبعادها الفكرية والسياسية، وتهم بالدرجة الأولى الفصائل ومناضليها من الأطر والقيادات والقواعد الناشطة.
البعض الآخر انتقد الندوة وحاسبها قبل انعقادها، وهو تصرف غريب، ووصفها بـ"التحريفية" و"التصفوية" دون أن يذكٌرنا بماذا "ستحرٌف" وماذا "ستصفٌي"! وهي انتقادات بهكذا نعوت، لا علاقة لها باتحاد طلابي جماهيري يتطلٌع كما تطلع تاريخيا لفتح أبواب الانخراط والانضمام إليه لجميع الطلبة بغض النظر عن إصلاحيتهم أو ثوريتهم أو عدم اهتمامهم بالسياسة أصلا.
فما ندعوه بوحدة الفصائل التقدمية كضرورة تاريخية ونضالية، له أساسا علاقة بواقع التردي الذي تعيشه الجامعة المغربية من جراء الهجوم الكاسح الذي باشره النظام الرأسمالي التبعي ضد حقل التعليم عامة والتعليم الجامعي خاصة ضمن مخططات سياسية اقتصادية طبقية انطلقت بوادرها الأولى منذ عقود، وكرٌستها مخططات التقويم الهيكلي وانتصارات العولمة الرأسمالية، بما دشنته من تراجعات وخوصصة للقطاع، وما رافقها من هجوم على الحريات الديمقراطية وقمع لنضالات الطلبة وإطارهم المناضل إوطم.. وبالتالي فكل من أبدى عن استعداده الميداني بشكل مستقل عن رغباته المثالية أو الطوباوية الحالمة بهذه الوحدة، فهو معني مباشرة بهذا المشروع.
6. في يوم ما، وتحت ظروف ما، وفي صفحة ما من كتاب ما.. كتب لينين وكأنه تنبأ لأوضاعنا، بالرغم من استخفافنا بأتباع "الأنبياء الماركسيين"، خلاصة قيٌمة مفادها "إن المنظمات الجماهيرية على اختلافاتها يجب أن توجد في كل مكان وعلى أوسع نطاق وتضم أكبر عدد من الجماهير وتقوم بوظائف كثيرة التنوع ما أمكن ولكن من الخطأ والضرر أن نخلط بينها وبين منظمة الثوريين أو أن نطمس الحد الفاصل بينهما".
ذكٌرنا بهذه الخلاصة لتقويم لينينية بعض الرفاق المنبهرين بلينين وبماركسيته الفريدة، فليست العبرة بإعلان الانتماء للماركسية اللينينية واتخاذها عقيدة وهوية.. فالعبرة بما نمارسه في الميدان وبما ندٌعيه ونصرٌح به علانية ـ ونعني الممارسة والتصريحات المسؤولة ـ والربط بين هذا وذاك.. لكي يحكم الجميع من مخالفين ومناهضين ومتتبعين وجماهير معنية على مدى الانسجام الذي يتمتع به طرحنا ضمن وحدته الدياليكتيكية المفترضة.
فماذا يمكن أن يقال بعد هذه الخلاصة التي قدمناها للرفاق، وبما تشكله من توجيه ومنهجية لينينية لعمل رفاقه الماركسيين داخل الحركة العمالية، لمقارنتها بخلاصات بعض الرفاق الموجهة لفصائل طلابية مناضلة، نكتفي بنعتها باليسارية والتقدمية، وفقط.
7. بالرغم من الزعيق والصراخ الهستيري عن مصالح الجماهير وعن الجماهير الطلابية التي لا تتم استشارتها أبدا والتي لم يطلب منها الرأي بخصوص حضور الندوة أو مقاطعتها أو التحفظ من عقدها.. فجميع التيارات التقدمية، القاعدية وغيرها، باتت بعيدة عن الارتباط بالجماهير الطلابية ومصالحها، وبعيدة كذلك عن تجسيد المبادئ الديمقراطية والجماهيرية القاعدية لإعادة الروح للاتحاد والإطار التاريخي المنظم لنضالات الجماهير الطلابية والمدافع عن مصالحها وتطلعاتها.
الملاحظ كذلك أن أغلبية التيارات القاعدية أو المرتبطة بالإرث القاعدي إلى هذا الحد أو ذاك، باتت تتأرجح خطاباتها بين العفوية المطلقة التي تقدس بشكل غريب جميع أنواع وفئات الجماهير، طلابية كانت أو معطلين حاملي الشهادات، أو فلاحين، أو ساكنة الأحياء الشعبية، أو عمال..الخ وبين أقصى أشكال وممارسة البيروقراطية المتمادية في الكلام باسم الجماهير، واتخاذ القرارات الميدانية والسياسية باسم هذه الجماهير الغائبة/المغيٌبة.
فكما هو معروف ومهضوم لدى الجميع، فإن هياكل الاتحاد إوطم باتت غائبة منذ سنين، وإذا كان تغييبها قد تم بفعل القمع والمنع والمحاكمات التي طالت مسؤولي ومناضلي إوطم بعد فشل المؤتمر السابع عشر بداية الثمانينات.. فمن الغرابة جدا أن نجد من يتكلم عن النضال من أجل رفع الحظر عن المنظمة الطلابية إوطم، وعن مناهضة البيروقراطية.. ولا يعمل شيئا من أجل استرجاع هياكل إوطم، ولا يبادر بأي اقتراح يقوي الأشكال التنظيمية الطلابية، بخلق اللجن الإوطمية التطوعية أو المنتخبة مثلا، لتدبير النضال الطلابي بشكل ديمقراطي يوسع قاعدة الاتحاد ويفسح المجال للمشاركة الطلابية الجماهيرية باعتباره أرقى الأساليب الديمقراطية القاعدية البديلة عن جميع الأشكال البيروقراطية السائدة.
ومن الغريب بما كان، أن يخاف "الديمقراطيون" و"القاعديون".. هيكلة الاتحاد إوطم بدعوى إمكانية تسرب القوى الظلامية والحركة الأمازيغية لصفوفه، والهيمنة على هياكله ومؤسساته.. إذ وتحت هذا المبرر وهاته النظرة القاصرة والضيقة لن تكتب الإمكانية في المستقبل القريب أو البعيد لهيكلة أي اتحاد أو نقابة أو نادي ثقافي أو جمعية للأحياء الشعبية أو جمعية للعاطلين..الخ
فالغالبية الساحقة من الخطابات تربط البيروقراطية بتأثيرات مقررات المؤتمر الوطني السادس عشر وبالأحزاب السياسية التي هيمنت على جلساته وقياداته فيما بعد ـ الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب التقدم والاشتراكية ومنظمة 23 مارس المنحلة ـ وهي نظرة محدودة وضيقة كذلك، على اعتبار أن البيروقراطية حالة وأساليب واتجاه عمل.. لا تسلم منه جميع الاتحادات المبنية على مبدئي الجماهيرية والديمقراطية والتعدد..الخ
8. لقد سقطت الغالبية من المنتقدين في خلط فظيع حين تناولها للفصائل الطلابية التقدمية، وفصائل ومجموعات الحركة الماركسية اللينينية المغربية، حيث تكلم البعض عن "التحريفية" و"التصفوية" و"الانتهازية" و"المد الثوري" و"الكفاح المسلح" و"حرب التحرير الشعبية"..الخ وهي مفاهيم، في تقديرنا، خاصة بالصراعات السياسية والفكرية داخل الحركة اليسارية العمالية.
وقد ذهب البعض لاشتراط الجلوس والمشاورة والتنسيق القبلي بين فصائل الحملم قبل الانخراط في أي عمل وحدوي طلابي كيفما كانت مواضيعه وأهدافه.. فمن حيث المبدأ نعتبر أن هذه المنهجية سليمة من الناحية النظرية والسياسية العملية، لكن وبالنظر للأوضاع المتردية التي تعرفها هذه الفصائل من جهة، والحركة الطلابية من جهة أخرى، نعتقد أن التفاعل الإيجابي بين الحركتين قد يدلل بعض الصعاب، وقد يفتح المجال لتقدم الحركتين والتنفيس عن الأزمتين، بالرغم من اختلاف الأوضاع والارتباطات والتأثيرات..الخ
إذ لم يكن الهدف وفق إعلان الندوة الصريح، من تجميع الفصائل حول نقط ومهام مشتركة، في شكل شعارات مركزية أو في شكل برنامج حد أدنى.. هو توحيد أو دمج فصائل الحملم في تيار شيوعي ماركسي لينيني واحد، الشيء الذي نستبعد أي كلام عنه الآن لما يحتاجه من شروط موضوعية بعيدة كل البعد عن الإرادة والطموح، إضافة لكون العديد من فصائل الحركة الطلابية التقدمية لا تعلن عن ماركسيتها واشتراكيتها إلاٌ من باب الادعاء وفقط، وبالتالي سيبقى مجال الصراع الفكري والإيديولوجي، الذي هو حق للجميع، تيارات وجماهير طلابية بأن تنخرط فيه من أجل توضيح الاشتراكية التي نتبناها ونعمل على نشر قيمها وأفكارها، ونتطلع للمساهمة في إقامتها وتشييدها.
9. من حيث الحضور والمساهمة، ما زال التردد والتذبذب يطغى على مواقف وممارسات بعض الفصائل الوحدوية، وهو الشيء الذي سجلناه على الرفاق في تيار "الطلبة القاعديين/أنصار الكراس" بعدا انسحابهم في آخر اللحظات من لجنة الإعداد للندوة، بدون أي مبرر مقنع، بل إن ممارستهم هذه، أي الانسحاب في آخر أشواط الإعداد، أبانت عن هشاشتهم التنظيمية وقلة الحس بالمسؤولية.. مما انعكس جليا على قرارهم الغير محسوب والغير متبصر، بحيث كان من الممكن أن يشكل عامل نسف وأن تكون عواقبه وخيمة على السير العام لترتيبات الندوة.
بالنسبة للرفاق "القاعديين التقدميين" أو أنصار "الكلمة الممانعة"، أجمع الكل على عدم الانسجام الواضح والصارخ بين مواقفهم وممارستهم، وكان باديا للعيان احتواء التيار وتمثيليته على رأيين برأسين، رأي تمثل في المنصة اعتبره الجميع نموذجا للنضج والنقاش الجاد والحوار الديمقراطي.. ورأي آخر تمثل من داخل القاعة وحلقات النقاش، لم يعط للمسؤولية أية اعتبارات، سواء فيما يخص المسار الطلابي الوحدوي أو فيما يخص الموضوعات الأخرى للندوة، معبرا وبإفراط عن المزاجية والاستفزاز في حق المخالفين..الخ
وعن المجموعات الأخرى التي أعلنت عن مناهضتها ومقاطعتها للندوة بالرغم من حضورها العملي لأشغال الندوة! ـ "النهج الديمقراطي القاعدي" بكل من فاس، تازة، مكناس وأكادير ـ يمكن تسجيل الطرق الغير الناضجة والغير مسؤولة التي عبرت من خلالها عن آراءها ومواقفها، سواء على مستوى التصريحات المستفزة والتي وصلت لحد نعت الرفاق المنظمين والمشاركين بـ"عملاء الرجعية والظلامية والإمبريالية"!، أو على مستوى البيانات المجهولة المصادر والتي تبَيٌن في الأخير أنها لا تشكل الإجماع داخل التيارات المعنية ولا تعبر في الحقيقة سوى عن آراء محدودة القاعدة في بعض المواقع المحدودة كذلك، مع المبالغة في الصيغ القدحية المتجنية في حق الآراء المخالفة وبشكل خاص آراء المنظمين والمشاركين في الندوة.
أما فيما يخص الرفاق في "النهج الديمقراطي القاعدي/مراكش" أو ما أصبح يصطلح عليه بـ"الطلبة الماويين"، فقد تم تسجيل العديد من الملاحظات التي أعلن عنها في حينها، متمثلة في ازدواجية الخطاب، وسيادة اللاموقف أو موقف المابين البينين، بطريقة "نعم ولكن"، في بعض الموضوعات الأساسية المرتبطة بمصير الحركة الطلابية، ومشروعها الوحدوي كموضوع جوهري للندوة.
وفي الأمور الترتيبية، ومن باب النضج، كان يتوجب على الرفاق أن يلتزموا بالاتفاقات المسطرة، وعدم التسرع في إصدار وإشهار الأرضية الخاصة بهم كتيار، والتي قدموها على أنها أرضية الندوة! ولا نعلم هل كان الأمر صادر عن سوء نية أو سوء تقدير، والحال أن الرفاق المنظمين لم يتفقوا على أرضية، بل اتفقوا على كلمة خاصة بكل تيار تيار على قدم المساوات.. هفوة غير محسوبة، كادت أن تقضي على ما تبقى من أمل لإنجاح الندوة.
ملاحظة أخرى عكٌرت صفاء الأجواء والنقاش، ورُدٌدت بشكل كبير ومبالغ فيه، يتعلق الأمر ببرنامج الحد الأدنى والذي اعتبره البعض هو "البرنامج المرحلي" الصادر سنة 1986، المعروف بنقطه الثلاثة، الشيء الذي استغربنا له كما استغرب له الجميع، إذ ما معنى أن يأتي الفصيل لجلسة وندوة وحدوية، ببرنامجه الخاص ويقدمه على أنه البرنامج الأدنى الذي لا يمكن التنازل عنه! دون اعتبار لآراء المخالفين وبرامج التيارات والمكونات الطلابية الأخرى؟ فهل معناه "هذا برنامجنا اقبلوا به أو اشربوا البحر!!"، أم ماذا؟؟
فمن أدبيات النقاش، والحوار من أجل عقد تحالفات وحدوية، يفترض أن تتقدم أطراف التحالف ببرامجها المستقلة في جلسة حوار على قدم المساواة، وبنية وهدف الخروج ببرنامج حد أدنى يجمع الأطراف لخوض معارك نضالية موحدة ومحكومة بظرفية زمنية معينة يمكن أن تقصر أو تطول.
ومن المعلوم جدا أن جميع أطراف وفصائل الحركة الطلابية تتوفر مسبقا على برامج خاصة بها قدمتها وتقدمها للجماهير الطلابية، وبالتالي ليس من النضج في شيء أن يتقدم أحد هذه الفصائل ـ الطلبة الماويون ـ ببرنامجه على أنه الحد الأدنى الذي لا يمكن التنازل عليه، إرضاء لمعارضيه الداخليين والمنشقين عنه من "أنصار البرنامج المرحلي".
فالمنهجية الديمقراطية التي نؤمن بها، وهي المستعملة غالبا من طرف التيارات العمالية اليسارية داخل جميع الاتحادات والنقابات والإطارات الجماهيرية.. في هذه الحالات، تعتمد في إطار التحالفات والعمل الوحدوي، لصياغة برنامج الحد الأدنى، كمنهجية، إعادة الصياغة لاتفاقات جديدة تشكل الإجماع واللحمة داخل التحالف المعني، دون أن تمنع الأطراف من الدعاية والتعبئة لبرامجها الخاصة.
أضف إلى هذا، سجٌل الجميع وبانبهار ملحوظ، نرجسية الرفاق المبالغ فيها، حين يتناولون الكلام عن التناقض الثانوي، متنبئين بإمكانية تحوله لتناقض رئيسي مع تطورات الواقع والحركة، وصراع الطبقات.. في إشارة واضحة على أن التيار الماوي/المَعْلم هو الثابت في موقعه ولن تغيره الظروف والأحداث، أما الكل فمُهدٌد بافتقاده لهويته التقدمية والكفاحية لا محالة!!
بمعنى أن هناك احتمال، بل حتمية بأن تنتقل جميع الفصائل الطلابية التقدمية وجميع التيارات الماركسية التي لا تتخذ الماوية مرجعية لها، إلى المواقع المستبيحة لدمائها في إطار ما يسمى بـ"العنف الثوري الماوي".
لقد أجهدوا النفس عبر مقالاتهم وشعاراتهم ولافتاتهم.. ليبرروا الموقف من العنف وسط الاتحادات الجماهيرية التقدمية دون التوصل لرأي مقنع، مستندين على ما قاله "ماو" وما يردده ويبرره أتباعه الماويون بخصوص الحرب الشعبية والكفاح المسلح الذي ما زالت تخوضه الجماهير الفلاحية في البيرو والنيبال والهند والفلبين.. في قراها وبواديها وجبالها ضد الاضطهاد، وضد سلب الأراضي، وضد الإبادات الجماعية..الخ ليأتي الإسقاط الفج على الجامعة المغربية وكأنها أصبحت مختبرا لنظريات الكفاح المسلح أو مدرسة عسكرية لتكوين المقاتلين..الخ
فالحركة الطلابية، على الأقل في المرحلة الحالية، غير معنية بأشكال النضال هاته، ثم إن أشكال النضال جميعها، وبما فيها الأساليب العسكرية، لا تحسم بالإرادة الناتجة في الغالب عن الانبهار بتجارب الآخرين، دون بحث أو تمحيص في الفروقات بين التجارب وظروفها ولحظاتها التاريخية..الخ
ففي غياب حزب الطبقة العاملة المستقل، المنظمة الثورية الوحيدة المؤهلة لقيادة وتوجيه مجمل نضال الكادحين ـ الاقتصادي، السياسي، الاجتماعي، الثقافي.. والعسكري ـ وفي غياب شروط الثورة وفق التحديدات الماركسية اللينينية المعروفة، يعتبر الكفاح المسلح، الفردي أو الجماعي المنظم، الموجه ضد دولة القمع ورموزها السياسية والاقتصادية ـ وليس ضد أبناء الكادحين العزٌل ـ "تشويشا للقوى الثورية وصرفا للمناضلين عن مهامهم الحقيقة" على حد تعبير الرفيق لينين.
كذلك الشأن بالنسبة لاتحاد الطلبة إوطم الذي يضم التعدد والاختلاف.. فهو غير ملزم بهذه الأفكار والنظريات التي تذهب لحد الخلط بين مرجعية إوطم بمبادئه وقانونه الأساسي وتاريخه الكفاحي والنضالي، وبين مرجعية التيارات العاملة والناشطة في قلب الجامعة والإطار الطلابي الجماهيري إوطم.
10. مبدئيا، ينخرط الطالب المناضل في اتحاده إوطم على أساس مبادئ المنظمة الأربعة، أي التقدمية، الديمقراطية، الجماهيرية والاستقلالية، وعلى قانونها الأساسي الذي يفسح المجال لانخراط عموم الطلبة المسجلين بالجامعة المغربية، وعموم الطلبة المغاربة المسجلين في كافة الجامعات الأجنبية بالمغرب وخارجه. على هذا الأساس، لا يجوز الكلام داخل إوطم وباسم إوطم عن مفاهيم تريد أن تؤسس أو تفرض معايير جديدة للالتحاق بالفضاء الذي يؤطره الاتحاد.
فالاتحاد إوطم ليس ثوريا ولا اشتراكيا حتى، وهذا لا يعني أنه يرفض انتماء الثوريين له وبجميع ألوانهم وراياتهم من أفراد وجماعات وتيارات ومنظمات.. ماركسيين وغير ماركسيين، لينينيين، تروتسكيين، ستالينيين، ماويين، فوضويين..الخ وبنفس الدرجة فهو يقبل بانتماء جميع التيارات والأحزاب المناهضة لسياسة النظام في مجال التعليم ومجالات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية أخرى، دون أن يشترط فيها أن تحوي في برامجها مطالب التغيير الجذري أو القضاء على النظام القائم في بلادنا.
نفس الشيء سيجده الماركسيون المتبصرون والناضجون من مناضلي إوطم تجاه إحدى العيٌنات من الطلائع الطلابية المناضلة التي تجد ذاتها في النضال الديمقراطي داخل الجامعة من أجل مطالبها المادية المشروعة، ومن أجل مناهضة القمع الموجه ضد نضالاتها، وبالتالي استماتتها وتضحياتها من أجل توفير حريات سياسية ونقابية، مع استعدادها لصيانة حرمة الفضاءات الجامعية ضد أي مساس أو قمع يطالها أو يدوسها.
هكذا دافع ويدافع الماركسيون اللينينيون وكافة التيارات الماركسية العمالية عن نظرتهم وتصورهم للانتماء الجماهيري للنقابات والاتحادات الطلابية وغيرها، فلينين أحد قادة الحركة العمالية الثورية، الذي يستشهد به البعض عن خطأ أو مزايدة، أشار على أن مجرد الاشتراط للانتساب للنقابات العمالية، الاعتراف بديكتاتورية البروليتاريا، بأنه سخيف وحماقة صبيانية من طرف اليسراويين "ذلك أن واجب الشيوعيين بأكمله هو أن يكونوا قادرين على إقناع العناصر المتخلفة، وأن يعملوا بينها، وألاٌ ينفصلوا عنها بسياج من الشعارات "اليسارية" المختلفة و"الصبيانية" هكذا هي النظرة التي لا تخلط بين المنظمة الثورية وبين الاتحادات النقابية والجماهيرية.
11. لقد أصبحت الماركسية اللينينية مجرد ادعاء وفقط، وقد بيٌنت النقاشات على جهلها الفظيع لأطروحة "العنف الثوري" كضرورة تاريخية ضمن تصور وفكر الطبقة العاملة، بما هو عنف طبقي منظم وسلاح بيد الطبقة العاملة تستعمله دفاعا عن نفسها وعن أجنة سلطتها، وكوسيلة حاسمة لافتضاض السلطة السياسية لمصلحتها في سياق تطور نضالاتها.. حيث التجأ جميع المدافعين عن العنف في الأوساط الطلابية ـ ولا علم لنا لأسباب عدم تعميم هذا "المبدأ الثوري" على الاتحادات النقابية واتحادات المعطلين وتنسيقيات المناهضة للغلاء.. ـ للتبرير والذرائعية بالاستناد على نصوص ماوية وفوضوية، مبتورة في غالبها من سياقها وظرفها التاريخي، ولم يتقدم لحد الآن أي من هؤلاء بنص ماركسي لينيني صريح يبيح ممارسة العنف بين الرفاق التقدميين داخل اتحاد طلابي أو اتحاد نقابي أو داخل أي إطار جماهيري يتضمن التعدد والاختلاف في الرؤى والأفكار والمرجعيات.
وبذلك تبين ويتبين للجميع من عموم الطلبة وعموم جميع الرفاق التقدميين المناصرين للحركة الطلابية ونضالاتها ضد مخططات النظام الرجعي، وضد المخططات الظلامية الاستئصالية لأي فعل تقدمي ديمقراطي تنويري.. داخل الجامعة، التخلف والإسقاط المرتبط بالموقف من العنف، لقد سادت الذرائعية ووصلت قمتها بالتبريرات الفارغة والترهات المستندة لثورية غريبة كل الغرابة عن تقاليد إوطم الديمقراطية وكذا عن التقاليد العمالية الديمقراطية، الماركسية وغير الماركسية.
فمن المعلوم جدا أن الماركسيون تناولوا مسألة العنف في نقطتين أوشكلين أوحالتين أساسيتين:
ـ حالة العنف الثوري الجماهيري المنظم، أي في ظل وجود وقيادة الطبقة العاملة، بحزبها المستقل، وفصائلها، وميليشياتها، ولجن المصانع المسلحة التابعة لها في إطار تصورها لمجمل النضال الثوري بجميع أشكاله ومستوياته..الخ إبٌان نضوج العملية الثورية للتقدم أماما لحسم السلطة السياسية والاستيلاء عليها لمصلحة ومن طرف الطبقة العاملة، وبما تقتضيه شروط النضج الثلاثة كما حددها الرفيق لينين، من أزمة في قمة الطبقات السائدة واستحالة حكمها بالشكل الذي ولٌد الأزمة، وتفاقم بؤس الطبقات الشعبية الكادحة، ورفض الكادحين للعيش في ظل الأزمة واحتجاجهم ضد ما أنتجته من أوضاع، بوعي وتنظيم وراء القيادة السياسية المنظمة في إطار حزب الطبقة العاملة المستقل.
ـ الحالة الثانية، وهي حالة الإرهاب الفردي، وهو العنف الذي اعتمده الفوضويون والشعبويون لحد التولع واعتباره من أشكال النضال الرئيسية.. مارسه الثوريون في لحظات معينة ضد الأمراء والوزراء وكل رموز السلطة والجاه، وحذٌر لينين من استعماله في غياب الحزب والمنظمة الثورية.. وفي غياب التنظيم، اعتبر هذه الوسيلة خاطئة، وتصْرف نشطاء المناضلين عن مهامهم الحقيقية وتشوش في المجمل، عملهم الثوري.
12. نموذج آخر من ترٌهات بعض المنظرين الذين يجهدون النفس من أجل الحفاظ على الأوضاع كما هي، إن لم نقل تكريس الشتات واللاتنظيم واللامسؤولية.. عبرت عنه بعض الأصوات الداعية لبناء "النهج الديمقراطي القاعدي" كبديل عن أية وحدة طلابية.
فلم تكن الدعوة في إطار المبادرة المشار إليها أعلاه، دعوة لبناء "النهج الديمقراطي القاعدي"، كما هو معلوم وواضح لدى الجميع، أي بمن فيهم "المتتبعين"، ولم يشكل "النهج الديمقراطي القاعدي" بشكله الحالي، إلاٌ طرف ضمن أطراف أخرى، وإلاٌ اعتبرنا إوطم بمثابة قنطرة لحل أزمتنا التنظيمية الذاتية.
فليست الحركة الطلابية هي الحركة القاعدية، وليست المنظمة إوطم هي "النهج الديمقراطي القاعدي" على اعتبار أن "النهج القاعدي" وإن شكل تاريخيا الفضاء الرحب لاستيعاب جميع الطاقات والحساسيات القاعدية في إطار حركة ديمقراطية طلابية مناضلة.. فيمكن الاعتراف بأنه فقد العديد من هذه المقومات انطلاقا من السنوات الأولى من ثمانينيات القرن الماضي.
صحيح جدا أن الحركة القاعدية ما زالت في الواجهة، وما زالت تشكل عن جدارة، رأس رمح الحركة الطلابية التقدمية والمناضلة.. ولا بأس أن نستحضر أوضاعها في نقاشات الحركة الطلابية على اعتبار أن الغالبية الساحقة إن لم نعمٌم ونُجمع على أن جميع التيارات الناشطة الآن في الساحة الطلابية وحركتها التقدمية هي وليدة وإنتاج الحركة القاعدية، أي بما فيها تيار "الطلبة الثوريين/أنصار الأممية الرابعة".. لكن أن يستمر هذا الحَوَل ويصل لقمٌته في عدم الفصل النسبي بين قضايا التيارات وقضايا اتحاد الطلبة، فذلك ما سيكرس واقع الشتات، والتدرير، والدفاع عن الحصون.. استمرارا لسوء التقدير والتدبير الذي اتخذته الصراعات القاعدية منذ بداية الثمانينات إلى الآن.
من هنا يتضح أن بعض الخطابات والتوجيهات الصادرة عن بعض "المتتبعين" أو من لدن البعض ممن يصدرون مواقفهم تحت "الطلب ورغبات الرفاق".. ما زالت حبيسة التصورات الخاطئة عن طبيعة الاتحاد الطلابي إوطم، وعن طبيعة المهام الطلابية، وعن طبيعة مهام الحركة التقدمية في الأوساط الطلابية والجامعية، وبما فيها الثورية والماركسية.
13. من بين الأمور الإيجابية التي أطلقت شراراتها هذه المبادرة، وفي خضم النقاش حول الندوة، ومن داخل الندوة، وعلى هوامشها.. تبين أن هناك تقدم ملموس على مستوى برامج الفصائل، وهو شيء إيجابي وجب التنويه به والدفع به إلى الأمام، ويجب كذلك على من عدٌلوا وقوٌموا برامجهم، ألاٌ تخونهم الجرأة وألاٌ يخضعوا وينصاعوا لبعض الخطابات اليسراوية المدمرة والمزايدة بـ"التخوين" و"الانحراف" و"التراجع" و"التحريفية"..الخ
نذكر ما سجلناه عن الرفاق في فصيل "القاعديين التقدميين" الذين عدٌلوا مواقفهم، لحذفهم لنقطة البناء والهيكلة لاتحاد الطلبة إوطم وفق منظور الوحدة الفوقية التوافقية مع طلبة "أحزاب المعارضة الرسمية" الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب التقدم الاشتراكية.. ومن المعلوم أن هذه الأحزاب قد غيرت مواقفها ومواقعها وجلدتها، وبالتالي نظرتها لأدوار الحركة الطلابية وإطارها العتيد إوطم، حيث أصبحت طرفا أساسيا في إدارة السياسات الحكومية اللبرالية التي ينهجها النظام منذ أواخر التسعينات إلى الآن.
نفس الشيء يسري على الرفاق في فصيل "الطلبة القاعديين/أنصار الكراس" الذين أعلنوا صراحة عن تراجعهم عن برنامج الكراس وتعويضه بالبرنامج الديمقراطي العام لسنة 79. وكل الإرث الذي خلفته وثائق وقرارات المؤتمر الوطني الخامس عشر.
وبقدر ما نوٌهنا بالتعديل، استغربنا كذلك لهذا التعويض.. فإذا كانت النقط البرنامجية التي انبنت أو خلصت لها وثيقة "الكراس" في سنة 84 في إطار تصورها للعمل الوحدوي وإعادة البناء الإوطمي على أرضية الوثائق الرسمية الصادرة عن المؤتمر الوطني السادس عشر، تحضيرا لعقد المؤتمر الاستثنائي الثامن عشر.. محكومة بظروفها التي تميزت وكما يعلم الجميع بالانتفاضة الطلابية والشعبية العارمة التي عرفتها أغلب المدن المغربية خلال يناير 84، والتي خلفت وراءها اجتثاثا لا سابق له في صفوف الحركة القاعدية، جسدته الاعتقالات العشوائية والجماعية التي همٌت أغلب القيادات والنشطاء القاعديين والعديد من المتعاطفين، وبالموازاة تراجعات بيٌنة وملموسة لحد الفرار والاختفاء من الساحة من طرف الفصائل الحزبية المعنية بخطاب وأطروحة العمل الوحدوي التوافقي بين فصائل الحركة الطلابية آنذاك.. فمن الطبيعي جدا أن تفقد "الكراسة" أي مبرر لترديدها أو ترديد خلاصاتها الآن.
لكن ما لم نفهمه هو دواعي الاستنجاد بالمؤتمر الوطني الخامس عشر والبرنامج الديمقراطي العام؟ وكأن الرفاق بهروبهم لعمق التاريخ هذا، وبدفاعهم عن بكارة مستعارة واصطناعية، سيساهمون بجدية في إعادة البناء "للنهج الديمقراطي القاعدي"!!
بالنسبة للرفاق في "النهج الديمقراطي القاعدي/مراكش" أو "البرنامج المرحلي في نسخته الماوية"، فيمكن ملاحظة تعديلاتهم العملية في شكل إضافات برنامجية وممارسة ميدانية وخطابات موجهة للمخالفين والحلفاء.. تختلف في الجوهر عمٌا يبق في تجربتهم.
وبدون أي ربط بظرفية الندوة، يمكن اعتبار أن هذه التعديلات جاءت نتيجة لنقاشات وتراكمات سابقة عن هذه اللحظة بسنوات، وقد ساهمت الحالة التنظيمية المتقدمة التي يحظى بها التيار كتيار سياسي أممي، وليس طلابي محلي، في تحقيق هذه التراكمات، إضافة للمجهود النظري و"العسكري" الذي خاضه زعماء التيار وقياداته في دحض الأطروحات اليسراوية وطردها من أوساطهم، وذلك بالرجوع لأطروحة الجبهات الوحدوية الموحدة الستالينية/الماوية، والتشبث الواضح والجريء بمنظومة وحدة ـ نقد ـ وحدة لتأطير نضالات الحركة الطلابية التقدمية، وعمل اليسار الاشتراكي بشكل عام داخل الإطارات النقابية والجماهيرية والشبه جماهيرية.
وبدمجهم لنقطة النضال من أجل الحريات النقابية والسياسية في برنامجهم، وضع الرفاق خطوتهم الأولى لتكسير طابوهات "الثبات.."، صحيح أننا ما زلنا نختلف معهم في طريقة التفسير والصياغة، باعتبارها صياغة مخالفة للتصور الماركسي اللينيني لمبدأ النضال الديمقراطي، تعززها بوضوح الشوائب اليسراوية التي ما زالت بادية على الطرح الماوي. وهو ما سجلناه في تصريحات الرفاق على شكل "أن رفع الحظر لن يتحقق إلاٌ عبر دك النظام"، واعترافهم بعدم التوصل والاقتناع بمبدأ النضال من أجل الحريات الديمقراطية إلاٌ بعد انطلاق موجة الحركة الجماهيرية المناهضة للغلاء والزيادات في الأسعار.. خلال السنوات الأخيرة من هذه العشرية.. وهو تبرير يبين بالملموس مستوى ماركسيتهم وماركسية العديد من التيارات التقدمية المناضلة، والتي تذهب أحيانا لحد مراجعة الجوهري في الخبرة العمالية الماركسية لتعويضها بالتجريبية والعفوية واليسراوية. لكن كيفما كانت الأحوال، فالتقدم واضح وملموس.
لقد حذٌر لينين، في العديد من المناسبات، رفاقه، مشيرا عليهم بتجنب أفدح الأخطاء.. حين اتجهت بعض الأصوات، مثلا، لحذف فقرة "حق الأمم في تقرير مصيرها" من البرنامج بما هو مطلب مرتبط بالديمقراطية السياسية الغير قابلة للتأجيل إلى حين الثورة واستلام السلطة السياسية من طرف الطبقة العاملة.. بحجة أن هذا الحق "غير قابل للتحقيق" أو "وهمي" في ظل الإمبريالية، على اعتبار أن المطلب أو النضال الديمقراطي من أجل الحريات هو مطلب برجوازي أسهمت في صياغته "البرجوازية الصغرى بداية الأمر، بل إنها صاغت أيضا جميع ـ بتسطير ـ فقرات برنامج الحد الأدنى الديمقراطي" على حد تعبير وتصريح لينين.
فلـُبٌ القضية كما أكٌده لينين، أن جميع المطالب والحقوق المرتبطة بالحريات الديمقراطية في ظل النظام الرأسمالي، صعبة المنال وستظل نسبية مفتوحة على الصراع، والأخذ والرد، لكنه حذٌر من مغبة إهمالها من طرف الماركسيين، بل اعتبر من ينكرها، غير اشتراكي وغير ديمقراطي بالمرة "إن كل الديمقراطية تتلخص في إعلان وتحقيق "حقوق" قابلة للتحقيق قليلا جدا ونسبيا جدا في ظل الرأسمالية، والواقع أن الاشتراكية تستحيل بدون مثل هذا الإعلان، بدون النضال في سبيل الحقوق على الفور وفي الحال، بدون تربية الجماهير بروح هذا النضال".
فعلى النقيض من مشوهي الماركسية الذين حوٌلوها إلى كاريكاتور حيث اعتبرهم لينين بـ"العاجزين كليا عن التفكير أو غير الممكن إطلاقا بالماركسية".. "فالماركسيون يعرفون أن الديمقراطية لا تقضي على الاضطهاد الطبقي، ولا تفعل سوى جعل النضال الطبقي أكثر نقاوة واتساعا وسفورا وحِدٌة، وهذا بالذات ما نريده.
وبقدر ما تكون حرية الطلاق أتم وأكمل، بقدر ما يتضح للمرأة أن مصدر عبوديتها البيتية هو الرأسمالية وليس الحرمان من الحقوق.
وبقدر ما يكون نظام الدولة أوفر ديمقراطية، بقدر ما يتضح للعامل أن أصل الشر هو الرأسمالية وليس الحرمان من الحقوق".
14. قدمنا هذه الملاحظات تتمة لحواراتنا الرفاقية والديمقراطية، وهي ملاحظات معنية بالنقاش، وقابلة للنقد والانتقاد. فمن داخل معمعان الصراع والممارسة تعلمنا هذه القيم وتشبعنا واقتنعنا بها، وبالتالي سيكون من الصعب على من اعتاد تصريف الفتاوي والملاحظات من برجه العاجي أن يتصور الخطأ والنقص في مرجعياته وأطروحاته وبرامجه..الخ
فمن يعارض النضال داخل النقابات والجمعيات والإطارات الجماهيرية.. لا حق له في نقاش مفاهيم مثل "البيروقراطية" و"التصفوية".. "إذ من الصعب جدا ـ والثمين جدا ـ أن يكون المرء ثوريا مع انعدام شروط الثورة، وأن يكون في نفس الوقت قادرا عن الدفاع عن مصالح الثورة (بالدعاية والتحريض والتنظيم) في الهيئات غير الثورية، وفي كثير من الأحيان في الهيئات الرجعية السافرة، في وضع غير ثوري، بين الجماهير العاجزة على تقدير، وبصورة فورية، الحاجة إلى طرق العمل الثورية".
ومن يدافع على إوطم كمبادئ وكتاريخ وكمراكمة نضالية ميدانية ووحدوية، ويسعى لرد الاعتبار لهذا التاريخ، بإعادة توحيد نضالات الجماهير الطلابية وبإعادة بناء وهيكلة اتحادها.. فعليه أن يجسد ذلك باعتباره معني مباشرة، وليس كمتتبع أرغمته الأجواء والحنين للنقاشات.. على الكتابة للحركة الطلابية واختصار الطريق بالمزايدة على وضد من أوقفوا الزمن الطلابي في سنة 86، بالرجوع بعجلته لعمق التاريخ إلى الوراء لسنوات 79 و72.. إنه الهراء وفقط، وليس المسؤولية، كما يضفي البعض على تخريجاته.



#مصطفى_بن_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- فيديو رائع يرصد ثوران بركان أمام الشفق القطبي في آيسلندا
- ما هو ترتيب الدول العربية الأكثر والأقل أمانًا للنساء؟
- بالأسماء.. 13 أميرا عن مناطق السعودية يلتقون محمد بن سلمان
- طائرة إماراتية تتعرض لحادث في مطار موسكو (صور)
- وكالة: صور تكشف بناء مهبط طائرات في سقطرى اليمنية وبجانبه عب ...
- لحظة فقدان التحكم بسفينة شحن واصطدامها بالجسر الذي انهار في ...
- لليوم الرابع على التوالي..مظاهرة حاشدة بالقرب من السفارة الإ ...
- تونس ـ -حملة قمع لتفكيك القوى المضادة- تمهيدا للانتخابات
- موسكو: نشاط -الناتو- في شرق أوروبا موجه نحو الصدام مع روسيا ...
- معارض تركي يهدد الحكومة بفضيحة إن استمرت في التجارة مع إسرائ ...


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - مصطفى بن صالح - من قلب الندوة الطلابية، وعلى هوامشها.. موضوعات للنقاش