عنان سعيد
الحوار المتمدن-العدد: 3003 - 2010 / 5 / 13 - 22:48
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
عقدت في مكتبة ابو سلمى في الناصرة في بداية شهر ايار ( 2010 ) ندوة ادبية بعنوان " صورة المرأة في الاسلام " للكاتب موسى صغير من طمرة ويبدو انه قدمها في اماكن أخرى مثل المدرسة الأورتوذكسية في حيفا .
بالطبع كمواطن مثقف ومربي من الناصرة ، لم أسمع عن الندوة ، ولا أعرف عن نشاطات مركز محمود درويش الا ما ينشرعن بعض النشاطات في مواقع الانترنت . ولكنه موضوع آخر آمل ان يجد حلا .
حسب ما جاء في الخبر المنشور في موقع الجبهة الدمقراطية للسلام والمساوة عن ندوة المرأة في الإسلام ، انه :" تخللت الندوة الادبية كلاما عن عدة جوانب في حياة المرأة في الاسلام " ... وأكد المحاضر موسى صغير ان : "الاسلام هو الذى كرم المرأة واعاد اليها كرامتها بعد ان كانت مهانة وذليلة في كل الامم التي عاصرت او سبقت عهد النبى (ص)، كانت مهانة عند اليهود والنصارى والاغريق والرومان والفرس وغيرها من الحضارات القديمة وجاء الاسلام ليضع المرأة فى مكانها الطبيعي وليغير الصورة تماما"
الكلام جميل وشاعري ، لوهلة تمنيت لو ان الله خلقني امرأة مسلمة . ولكن للأسف لا يتلائم هذا الكلام السطحي والغيبي وغير العقلاني مع الواقع الذي نحياه ،ولا مع نصوص الدين الواضحة ، ولا مع الأحاديث الشريفة .
يبدو لي ان الإشكالية تنبع من جهل المحاضر للموضوع ، او من دافع ذاتي للدجل الديني . وبما اني لا اعرف شخصيا الكاتب موسى صغير ولم يصدف ان تعرفت سابقا على كتاباته وآرائه ،لذلك استهجن ان يصدر هذا الكلام من ماركسي كما يظهر من النشر في موقع الجبهة .
ويبدو ان الأصولية الماركسية تندمج مع نقيضها الاسلاموي .وربما نجد ان الأحزاب الشيوعية تستبدل غدا شعاراتها حول حقوق المرأة ومساوتها ، بالمطالبة بتطبيق الشرع الإسلامي عليها ما دام الإسلام "أنصفها واعاد اليها كرامتها" ولم يعد ما يحوج النضال من أجل حقوق المرأة ومساواتها .
وربما يطلبون من القرضاوي ان يصيغ لهم شعارهم الجديد عن المرأة .
في فترة معينة حين ساد المذهب المعتزلي في المرحلة الأولى من الخلافة العباسية ، شهدنا حالة من النهضة الفكرية والعلمية والموسيقية الفنية ، والترجمة ، وكان المجتمع متحررا وصريحا ومنفتحا ، والمرأة لها مكانتها واحترامها . مثلا اقرأوا وصية " حبيبة المدنية" لابنتها قبل زواجها. او الرسالة الرابعة عشرة من كتاب الرسائل للجاحظ .وغيرها من كتاب الرسائل .او قصص كتاب الأغاني ،او كتاب نزهة الجلساء في أشعار النّساء للسيوطيّ ، او كتاب اخبار النساء لإبن الجوزي ، او مجونيات ابو نواس ،وهناك مئات من عيون التراث العربي يوم كانت تسود بغداد عقلية دينية متحررة . ولكن منذ وصول الخليفة ابو الفضل جعفر المتوكل ، الذي خرج عن النهج المعتزلي وتشدد في عقليته الدينية ، بدأ عصر الانحطاط ، وفي زمنه احتل التتار بغداد . وما زلنا نعيش عصر المتوكل في فكرنا الديني ، حتى اصبحت قصص الف ليلة وليلة تقدم اليوم في عصر الفقهاء الظلاميين للمحاكمة وطلب منع نشرها ، وهذا يحدث في مصر رفاعة الطهطاوي وطه حسين وأحمد أمين والإمام محمد عبدة وشبلي شميل وسلامة موسى وغيرهم من ادباء التيار التنويري الذي أجهض بظل حكم العسكر وتنامي الفكر الأصولي .
ويطارد الأدباء والمفكرين ويعتدى عليهم او يقتلون ، كما قتل المفكر الاسلامي المتنور المصري فرج فودة ،كما وجرت محاولة قتل الكاتب المصري الكبير نجيب محفوظ ، حتى نوال السعداوي لجأت الى الولايات المتحدة ، والمفكر الاسلامي المتنور نصر حامد ابو زيد غادر مصر مضطرا ويمنع من المشاركة في ندوات في العالم العربي وفي دول تعتبر ثورية او دمقراطية مثل سوريا والكويت . وألأنظمة تقف متفرجة وكأن ما يجري لا يخصها.
فهل تظن يا موسى صغير ان مثل هذا النهج المتعصب الذي لا ينصف الرجل ، ويلغي عقله وقدرته على التفكير عبر منهج التلقين الغبي ، واخضاع الرجل لنظام حكم الفقيه وأولي الأمر سينصف المرأة ؟ حتى الأمير السعودي طلال بن عبد العزيز انتقد واقع المرأة المذل وقال ان النساء في السعودية أشبه بالخيام السوداء .
اذن مكانة المرأة لا يمكن الحديث حولها عبر اختزال التاريخ وتشويه الواقع ، انما لا بد من طرح رؤية متكاملة للإيجاب والسلب .
الكنيسة المسيحية دفعت ثمنا رهيبا بسبب تعاملها المذل مع المرأة ، لدرجة وقوع انقلاب كنسي وانشقاق انزل الكنيسة من سطوتها ، واليوم تتمتع المرأة المسيحية خاصة وفي الغرب بشكل عام من مكانة اجتماعية لا تقل عن مكانة ودور الرجل . الكنيسة اليوم تعطي المرأة كامل حقوقها والكنائس اللوثرية لا تتردد في رسم كهنة من النساء .
والسؤال:ما هو واقع المرأة المسلمة اليوم ؟
انتقاص حقوقها لم يكن مجرد نزوة .بل نصوصا واضحة في الدين.
جاء في صحيح البخاري على لسان الرسول محمد : مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ » . قلْنَ وَمَا نُقْصَانُ دِينِنَا وَعَقْلِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « أَلَيْسَ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ » . قُلْنَ بَلَى . قَالَ « فَذَلِكَ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا )) (صحيح البخاري ج1 ص115).
وهناك السماح بتزويج الطفلة حتى وهي في المهد .وامتنع عن عرض الحقائق لأنها متوفرة لكل قارئ في الانترنت وفي المواقع الاسلامية تحديدا.
اقصد من مقالي هذا ان المحاضر تجاهل الواقع ولم يوجه نقدا لما يجري اليوم حول واقع المرأة في العالم العربي والاسلامي . حتى في دولة " علمانية " مثل سوريا ، لا تحصل المرأة على جواز سفر بدون موافقة والدها او رجل من عائلتها. وهل من ضرورة للحديث عن الواقع في السعودية او ايران ؟؟ هل نسينا محاكمة الصحفية السودانية التي حكم عليها بمائة جلدة ، لأنها ارتدت بنطالا ، مما يعني "مخالفة للشريعة" حسب العقول المريضة من متأسلمين يلحقون الضرر بالاسلام بتحجرهم ؟ وهل نسينا فتاوي ارضاع الكبير ؟ وهل نسينا فتاوي ضرب المرأة ؟ والحجاب بعين واحدة ؟
لااقصد ان هذا هو الاسلام ، انما هذا تشويه للإسلام الحضاري يجب مواجهته أيضا في المحاضرة ، وعدم خلق وهم ان المرأة احترمت بالاسلام فقط . بينما الواقع منذ قرون طويلة مأساوي بالنسبة للمرأة وحقوقها في المجتمعات التي تسمي نفسها اسلامية.
بالصدفة قرأت رسالة غاضبة لأمرأة سعودية تسمى أم طلال في موقع "آفاق" ، رأيته أحسن دليل على واقع المرأة في الاسلام .
تقول أم طلال : إلى متى سوء الظن والإساءات، وهذه المعاملة؟.. إلى متى هذا التناقض؟ ألأني امرأة يجب أن أقيد وأن أعامل كشر، لأنهم يعتقدون أني سلاح يستغلني الشيطان لإفساد الرجل؟ ألا يمكن لنا حضور دورات تدريبية إلا من وراء حاجز أو من خلال شاشة، ثم يحدثونني على أني مكرمة ومحفوظة حقوقي ؟!
يوم السبت الماضي كانت هناك دورة يقدمها دكتور في أحد الفنادق لمدة أربعة أيام. في اليوم الأول كان هناك حاجز «بارتشن» بيننا وبين الرجال وكلنا محجبات ومنقبات، نستمع لمحاضرة الدكتور.
مضى اليوم الأول طبيعيا، في نهاية يوم الأحد جاء مسؤول في الفندق ليعلن أن النساء سينتقلن للحجز، أقصد لصالة أخرى ويتابعن الدورة من خلال التلفزيون ".
وتروي ما جرى من ابعادهن الى غرفة جانبية للمشاركة عبر التلفزيون ثم انقطاع الصوت .. الخ. وتتابع:
"جاء موظف آخر وقطع التدريب، وطلب منا الخروج... الغريب في الأمر أنه وبعد خروج أغلب النساء من القاعة، كان رد فعل بعض الرجال في المحاضرة، بأن حاولوا أخذ مقاعد النساء، وكانوا بمنتهى اللا مبالاة.
قلت لهم: إن أمهاتكم وأخواتكم أهن اليوم وأنتم لا تعلقون ولا تقولون شيئا، وكأن الأمر لا يعنيكم، وكانوا كالخشب المسندة.
وأنا أدير وجهي وأغادر المكان للأبد، كان تعليق إحدى الأخوات: أخاف أن يأتي يوم ويمنعونا من كل مكان بحجة أننا سلاح يستغله الشيطان ليفسد الرجال ".
عزيزي موسى صغير الذي لم أتشرف بمعرفته ونقاشه ، لدي عشرات النماذج المؤرشفة حول واقع المرأة في الاسلام . الشيخ القرضاوي هدد قبل أيام ، بفرض "الاحتشام" على الأجنبيّات في الدول الإسلامية ، هل هذه هي العقلية التي تحاول ان تقنعنا بأنها أنصفت وتنصف المرأة ؟؟
النظام العلماني والقوانين العلمانية يا موسى انقذت المرأة من الإذلال والبؤس والعبودية وجعلتها انسانا متساوي الحقوق والواجبات وندا للرجل ، وأطلقت قدراتها العقلية في الابداع والرقي والتربية، لأن تنمية طفل ذكي ومفكر يحتاج الى أم تملك عقلا ومعرفة علمية وثقافية ، وحسب ابحاث اوروبية ، تأثير الأم على تشكيل شخصية الإبن تصل الى 75% . وربما هذا المعطى يجعلنا نفهم الواقع الكئيب للأطفال العرب أيضا!!
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟