أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - عبدالأمير رحيمة العبود - القطاع الزراعي العراقي, واقعه، مشاكله وآفاق تنميته















المزيد.....



القطاع الزراعي العراقي, واقعه، مشاكله وآفاق تنميته


عبدالأمير رحيمة العبود

الحوار المتمدن-العدد: 3001 - 2010 / 5 / 11 - 20:50
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


القطاع الزراعي العراقي, واقعه، مشاكله وآفاق تنميته
د. عبدالأمير رحيمة العبود
عمـان، آذار 2010
خطة البحث
أولا: واقع القطاع الزراعي ومشاكله
1 – هيكل استغلال الأراضي العراقية.
2 – الإنتاجية الزراعية.
3 – توفير المياه وتنظيم الري.
4 – مشكلة ملوحة التربة.
5 – حالة الفلاحين.
ثانيا: الانتاج الحيواني
ثالثا: وضع القطاع الزراعي بعد تغيير النظام في عام 2003
رابعا: آفاق معالجة مشاكل القطاع الزراعي وتنميته
*****
أولا: واقع القطاع الزراعي العراقي ومشاكله
يعتبر القطاع الزراعي من أهم القطاعات في الاقتصاد العراقي، بل يعتبره البعض القطاع الأول بالنظر لدوره كقاعدة أساسية للاقتصاد العراقي، ولأن هذا القطاع هو الذي يوفر الأغذية للسكان، وعليه يعيش قرابة 30% من السكان وهم سكان الريف، وفيه يشتغل قرابة 20% من القوى العاملة، وهو الذي يوفر المواد الأولية ذات الأصل النباتي والحيواني للصناعات العراقية، فضلا عما يوفره من سلع للتصدير.
وينبغي أن لا يغيب عن تصورنا أن النفط ثروة ناضبة قد نفقدها في المستقبل، بينما سوف تظل الزراعة رصيدا دائما لمعيشة أجيالنا المقبلة وتشغيلهم.
ومن هنا يفترض الاهتمام بهذا القطاع ومعالجة مشاكله وتنميته بالمستوى الذي يتوازن مع أهميته ودوره في تطور العراق اقتصاديا واجتماعيا. وسوف نحاول فيما يلي استعراض بعض المؤشرات التي توضح واقع القطاع الزراعي والمشاكل التي يعاني منها:
1 – هيكل استغلال الأراضي العراقية
تحتسب دراسة هيكل استغلال الأراضي العراقية، من الجوانب المهمة التي يعتمد عليها لغرض التعرف على مستوى تطور الإنتاج الزراعي، والمشاكل التي يعاني منها القطاع الزراعي في البلد، ذلك لأن الأرض هي القاعدة التي يقوم عليها الإنتاج الزراعي النباتي والحيواني، ولأن الإنتاج الزراعي يتأثر إلى حد بعيد بالتربة وخصوبتها وكيفية استغلالها, إضافة إلى عوامل كثيرة أخرى, ومنها المناخ ومستوى الأمطار والمياه والطرق الزراعية المستخدمة.
وقد تضاربت الآراء حول مساحة الأراضي العراقية الصالحة للزراعة فالبعض يقدرها بثمانية وأربعين مليون دونم، في حين يقدرها البعض الآخر بثلاثين مليون دونم، من مجموع مساحة الأراضي العراقية البالغة 770ر177 مليون دونم، ولو انطلقنا من التقدير الثاني وهو متواضع نسبيا، لوجدنا أن الأراضي العراقية الصالحة للزراعة تشكل قرابة 17% من مساحة العراق، وهي نسبة جيدة لو قارنا ذلك بالكثير من الدول النامية، خذ مثلا الجمهورية المصرية حيث تشكل الأراضي الصالحة للزراعة قرابة 6% من مجمل المساحة الكلية.
ولو تأملنا في كيفية استغلال الأراضي العراقية الصالحة للزراعة لوجدنا أن ما يزرع منها سنويا لا يتجاوز 12,406 مليون دونم، وهو ما يوضح لنا بأن لدينا 17,794 مليون دونم من الأراضي صالحة للزراعة ولكنها متروكة ولم تستغل زراعيا، وهو ما يوضح لنا في الوقت ذاته الرصيد الواسع من الأراضي الزراعية الصالحة للزراعة وغير المستغلة أمام التنمية الزراعية في المستقبل، وبخاصة منها ما تتضمنه الصحراء الغربية الممتدة من الموصل وحتى البصرة من أراضي صالحة وتحتوي أجزاء كبيرة منها على المياه الجوفية المتجددة.
ولو تمعنا في هيكل الأراضي العراقية المزروعة فعلا لوجدنا أن هذا الهيكل يتسم بحالة عدم التنوع، واستحواذ محاصيل زراعية قليلة على أكثر مساحات هذه الأراضي كما يتضح ذلك من الجدول التالي:

هيكل استغلال الأراضي العراقية في عام 1997
نوع الاراضي المساحة بآلاف الدونمات %
إلى الأراضي المزروعة %
إلى مجمل مساحة العراق
مجمل مساحة العراق 777ر177 100%
الأراضي الصالحة للزراعة 000ر30 17 %
الأراضي المزروعة فعلا 406ر12 100% 7%
محاصيل الحبوب / حنطة (شعير، رز، ذرة) 926ر9 76% 6 %
الخضروات 780 3ر6 %
الفواكه 202 5ر1%
النخيل 582 6ر4%
المحاصيل الصناعية 481 8ر3 %
الأراضي الصالحة للزراعة والمتروكة 594ر17 10%
الغابات 000ر7 4 %
المراعي 000ر16 9 %
المصدر: نُظم هذا الجدول على أساس الأرقام الواردة في المجموعة الإحصائية السنوية /
وزارة التخطيط 2001.

ومن هذه الأرقام يلاحظ بأن محاصيل الحبوب تستحوذ على 76% من مجمل الأراضي المزروعة، وبغض النظر عن أهمية الحبوب لاعتبارها منتجات إستراتيجية بالنسبة لتغذية السكان، فإن هيمنة الحبوب على أغلب مساحة الأراضي الزراعية، وتميز إنتاجها بالأساليب البدائية وانخفاض الإنتاجية، وشحة استعمال الأسمدة والبذور المحسنة والمكائن الزراعية عند زراعتها، إنما تسبب تبعية الإنتاج الزراعي إلى ظروف إنتاج وتسويق هذه المحاصيل، ذلك أن أي تغير في الظروف الطبيعية لإنتاجها، وأي تأرجح في أسعارها سوف ينعكس بشكل واضح على الدخل الزراعي ويتسبب في ازدياد الاستيراد لتغطية الحاجة المحلية منها، خذ مثلا لو تعرض إنتاج القمح في إحدى السنوات إلى الجفاف أو إلى الآفات الزراعية! يضاف إلى ذلك أن الجزء الأكبر من الأراضي المزروعة بالحبوب تزرع بالقمح والشعير، بينما تقل مساحة الأراضي التي تزرع بالرز بالرغم من الحاجة الاستهلاكية الكبيرة للرز باعتباره من المواد الغذائية الأساسية للسكان مما يضطر البلد إلى استيراد الكميات الكبيرة منه سنويا، يضاف إلى ذلك أن هذه المساحات الشاسعة لا يغطي إنتاجها سوى نسبة قليلة من حاجة السوق المحلية بسبب انخفاض إنتاجية هذه الأراضي مما يضطر البلد إلى استيراد كميات كبيرة منها، خذ مثلا إن ما يستورده العراق سنويا من القمح فقط يتجاوز المليونين طن.
وبالرغم من أهمية المحاصيل الصناعية، التي تدخل كمواد أولية للصناعات العراقية مثل القطن والتبغ وعباد الشمس، والنباتات الطبية، والبنجر، والقصب السكري، التي تدخل في صناعات المنسوجات، والسكاير والزيوت النباتية، والأدوية، والسكر وغيرها من الصناعات التي يرتبط تطورها وانخفاض تكاليف إنتاجها بتوفر المحاصيل الصناعية محليا. فأن المساحة التي تزرع بالمحاصيل الصناعية لا تتجاوز 481 ألف دونم بنسبة 8ر3% من مساحة الأراضي الزراعية.
كذلك يظهر لنا انخفاض حجم الأراضي التي تزرع بالخضروات والفواكه والنخيل بالقياس إلى أهميتها كغذاء للسكان وارتفاع مردودها النقدي بالنسبة للفلاحين مما يضطر البلد إلى إنفاق مبالغ كبيرة من النقد الأجنبي لسد حاجة السوق المحلية منها، فالأراضي التي تزرع بالخضروات لا تشكل سوى 3ر6% والفواكه 5ر1% والنخيل 6ر4% من مجمل الأراضي المزروعة.
يلاحظ أيضا انخفاض حجم الأراضي التي تغطيها المراعي الطبيعية فهي تشكل حاليا نسبة 9% من مجمل مساحة العراق، وهي قليلة بالقياس إلى الكثير من دول العالم، ولا تخفى أهمية المراعي بالنسبة للثروة الحيوانية فهي التي توفر العلف الطبيعي للحيوانات، وانخفاض حجم الأراضي التي تغطيها المراعي تنعكس في تعثر الإنتاج الحيواني وانخفاض إنتاجيته بطبيعة الحال.
أما الأراضي التي تكسوها الغابات الطبيعية فهي لا تشكل سوى 4% من المساحة الكلية وتتكون معظم نباتاتها من أشجار البلوط ونسبة قليلة من أشجار القوق والصفصاف والصنوبر وأغلبية هذه الأراضي تقع في المناطق الشمالية وهي تفتقر إلى النوعيات الجيدة من الأشجار التي تصلح أخشابها للأغراض الصناعية.

2 – الإنتاجية الزراعية
لم تقف حالة التخلف في القطاع الزراعي العراقي عند حدود حالة عدم التنوع في هيكل استغلال الأراضي العراقية، وإنما هي تظهر كذلك في انخفاض مستويات الإنتاجية الزراعية سواء ما تعلق منها بإنتاجية الفرد العامل في القطاع الزراعي، أو إنتاجية الدونم الواحد من المحاصيل الزراعية.
ويعود ذلك إلى عوامل متعددة أهمها الضعف في استخدام المكائن الزراعية، والأسمدة، والبذور المحسنة، ووسائل مكافحة الأوبئة الزراعية في عملية الإنتاج الزراعي، فضلا عن غياب عنصر المهارة لدى الفلاحين العراقيين وعجز غالبيتهم عن استخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة في العملية الزراعية، وهو ما يقتضي توفير هذه المقومات بأسعار تشجيعية وإرشادهم إلى أساليب استخدامها.
3 – توفير المياه وتنظيم الري والبزل
لا يمكن إغفال أهمية الري والبزل بالنسبة لعملية الإنتاج الزراعي، فبدون وصول الماء بشكل منظم إلى المناطق المزروعة لا يمكن أن تنمو النباتات في تلك المناطق.
والأراضي العراقية تروى بوسيلتين، فالمناطق الشمالية والشمالية الغربية تروى عن طريق الأمطار، والآبار التي تعتمد على المياه الجوفية، بينما تروى المناطق الوسطى والجنوبية أساسا بمياه الأنهار، وبشكل عام يعتبر العراق من الدول الغنية بمصادر المياه بسبب ما يوفراه نهري دجلة والفرات وروافدهما، وكذلك المصادر الأخرى للمياه كالمياه الجوفية والأمطار والعيون والينابيع.
ويلاحظ في الآونة الأخيرة قيام تركيا بحجب نسبة عالية من مياه نهري دجلة والفرات نتيجة لقيامها بإنشاء الخزانات العملاقة، ومشاريع الخزن والإرواء الكثيرة اعتمادا على مصادر المياه في هذين النهرين، وكذلك قيام إيران بإغلاق الروافد التي تصب في شط العراق وغيره من الأراضي العراقية، وكذلك قيام سوريا بتوسيع استخداماتها لنهر الفرات، وهو ما تسبب في الشحة والنقص في توفير المياه للزراعة العراقية بخاصة في المناطق العراقية الوسطى والجنوبية.
ويبدو أن شحة المياه في العراق سوف لا تلاقي انفراجا واسعا في المستقبل، وهو ما يستدعي تكثيف التفاوض مع الدول المجاورة تركيا وإيران وسوريا حول الالتزام بتنفيذ المواثيق الدولية حول توزيع مياه الأنهار فيما بينها، وكذلك العمل على ترشيد استخدام المياه وتوسيع استخدام الوسائل الحديثة للإرواء الزراعي وبخاصة أساليب الرش والتنقيط.
4 – مشكلة الملوحة
مشكلة الملوحة من المشاكل الكبيرة التي تهدد الأراضي العراقية، إذ أن 20 – 30% من الأراضي العراقية قد أهملت بسبب تراكم الأملاح، ولأن العراق يفقد سنويا قرابة عشرين ألف دونم في المناطق الوسطى والجنوبية بسبب هذه المشكلة، وتعود ملوحة الأرض إلى عوامل متعددة من أهمها ارتفاع نسبة الملوحة في المياه الجوفية، وارتفاع درجة تبخر المياه بسبب ارتفاع درجات الحرارة في الصيف، والرياح الحارة المحملة بالأملاح، واستعمال الفلاحين في السنين الغابرة لكميات كبيرة من المياه تفوق حاجة النبات، وعدم وجود المبازل الكافية لتسريب المياه المالحة من الأراضي الزراعية، وغير هذه من العوامل التي تشير إليها الدراسات المتخصصة.
والمعلوم أن معالجة مشكلة الملوحة في التربة تتطلب إنشاء شبكة واسعة من المبازل التي لم تكتمل حينذاك لكي تشمل كافة الأراضي العراقية وسط العراق وجنوبه، والتي تعاني من هذه المشكلة، ولم تحصل الصيانة المستمرة لتلك المشاريع وإكمال متطلباتها في السنوات اللاحقة.
لذلك ينبغي أن تولي أساليب التخطيط والاستثمار الاهتمام بمعالجة هذه المشكلة في المستقبل، عن طريق توسيع مشاريع بزل التربة لتشمل كافة الأراضي التي تعاني من الملوحة، وبخاصة في وسط العراق وجنوبه، وصيانة تلك المشاريع وتحديثها.
5 – حالة الفلاحين
الفلاح هو الذي يقوم بعملية الإنتاج الزراعي، لذلك يتأثر الإنتاج الزراعي إلى حد بعيد بحالة الفلاح، بخاصة وضعه المعيشي والصحي والتعليمي.
وقد اتسمت حالة الفلاحين العراقيين الاجتماعية والاقتصادية بالتردي وشيوع حالة الفقر والجهل والمرض بين صفوفهم منذ العهود الغابرة، وبرغم أن قوانين الإصلاح الزراعي التي طبقت بعد عام 1958 قد أنصفت الفلاحين بتوزيع الأراضي عليهم وتحريرهم من استغلال الإقطاعيين، لكن تطبيق تلك الإجراءات لم يقترن بتطبيق نظام متكامل للإنتاج يعالج مشاكل الإدارة والتمويل والتسويق ويتيح المجال أمام الفلاحين لاستخدام الوسائل الحديثة في الإنتاج الزراعي، بل أصبح الفلاح العراقي أعزلاً إزاء عدم توفر تلك المقومات، لقد اعتمد في حينه على الجمعيات التعاونية لإنجاز تلك المهمة، لكنها بقيت غير مؤهلة وغير قادرة على تحقيق تلك المقومات، مما أسفر عن انخفاض حجم الإنتاج وهجرة الكثير من الفلاحين نحو المدن الكبيرة.
ولم تنطو الفترة حتى عام 2003 عن تحولات هامة في المستويات الاجتماعية والاقتصادية للفلاحين تساعدهم على تحسين حالتهم الاجتماعية والاقتصادية، وتحقيق الازدهار في الإنتاج الزراعي، والتحول نحو تطبيق أساليب الإنتاج الكبير واستخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة، بل إن انشغال البلد بالحروب الثلاثة الخاسرة التي أشعلها نظام صدام حسين وما ترتب على ذلك من سحب أجيال عديدة من شباب الريف وزجهم في جبهات القتال لسنوات عديدة، وما أعقب ذلك من فرض الحصار الاقتصادي الذي استمر حتى عام 2003 قد أسفر عن حصول الشلل في عمليات الإنتاج الزراعي وتدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي للعوائل الفلاحية في مختلف مناطق العراق.
واستثناء من هذا الاتجاه أسفر التوسع في تقديم الدعم للفلاحين من قبل وزارة الزراعة نتيجة لما وفره نظام الحصار الاقتصادي من فرصة لاستخدام أسعار الصرف المخفضة وغير التجارية للدينار العراق عن انتعاش بعض الوحدات الإنتاجية الزراعية وتحسين الوضع الاقتصادي للعاملين فيها.
ثانيا: الإنتاج الحيواني
للإنتاج الحيواني موقعا مهما في الاقتصاد العراقي، لأنه يساهم بما يقارب النصف من القيمة المضافة للإنتاج الزراعي، وهو الذي يوفر الأغذية الضرورية للسكان من اللحوم والألبان وبيض المائدة ولأنه يجهز المواد الأولية لصناعات النسيج والجلود والأحذية والألبان، فضلاً عن دوره في توفير السلع للتصدير.
والعراق يمتلك ثروة حيوانية كبيرة قدرت في عام 1997 بما يقارب التسعة ملايين رأس من الأغنام ومليون ونصف المليون من كل من الأبقار والماعز وقرابة المئة والأربعين ألفا من الجاموس وعشرة آلاف من الإبل، وباستثناء حقول الدواجن التي توسعت كثيرا خلال السنوات الأخيرة قبل سقوط النظام عام 2003، فان الإنتاج الحيواني يعاني كثيرا من انخفاض الإنتاجية ورداءة النوعية، وقد ازدادت مشاكله بعد عام 2003 بسبب تعرض الثروة الحيوانية إلى الدمار والتراجع نتيجة لغياب الأمن وتفشي الإرهاب وتعرض المؤسسات الإنتاجية إلى السرقة، وانتشار عمليات تهريب المواشي إلى الأسواق الخارجية، وعجز المنتجين بخاصة أصحاب المشاريع الإنتاجية متوسطة الحجم وكبيرة الحجم عن توفير متطلبات الإنتاج، مثل الأعلاف ووسائل مكافحة الأوبئة، وهو ما يفسر لنا عجز الإنتاج الحيواني في الوقت الحاضر عن سد حاجة السوق المحلية وتوفير السلع للتصدير، واعتماد السوق المحلية بنسب عالية على الاستيراد لسد حاجة الاستهلاك الداخلي إلى المنتجات الحيوانية على اختلاف أنواعها.
ويعزى انخفاض الإنتاجية وتدني حجم الإنتاج في هذا القطاع إلى الأسلوب البدائي في تربية المواشي، فباستثناء العدد القليل من الشركات والمؤسسات الإنتاجية التي ظهرت في السنوات الأخيرة والتي تعتمد الأساليب الحديثة في الإنتاج وتربية المواشي، وكذلك أسلوب تربية المواشي في المناطق الصحراوية والجبلية حيثما تربى المواشي بشكل جماعي من قبل العشائر والعوائل الكبيرة لغرض البيع في الأسواق، فإن الجزء الأكبر من عملية تربية المواشي في العراق تحصل بشكل فردي وبدائي ليس لسد حاجة السوق وإنما لتلبية حاجة العوائل الفلاحية إلى الحليب والألبان واللحوم والبيض، وفي هذه الوحدات تعاني المواشي من عدم توفر الأعلاف بشكل كاف ومنظم ومتكامل، لأنها تعيش في الغالب على الأعشاب والنباتات البرية، وهي تعيش عارية دون الحماية من قسوة الطبيعة، وتفتك بها الأمراض المختلفة.
أما إنتاج الأسماك فقد انحسر إلى حد بعيد، بعد أن فقد العراق أسطوله البحري المتخصص بصيد الأسماك أثناء الحرب العراقية الإيرانية، وبعد أن قام النظام السابق بتجفيف الأهوار التي كانت مصدرا رئيسيا لتزويد السوق العراقية بالأسماك، وأصبح إنتاج الأسماك يعتمد على الكميات القليلة التي تحصل تربيتها في الأحواض والمسطحات المائية، وما يحصل صيده في نهري دجلة والفرات وروافدهما التي تناقصت كمياتها نتيجة لشحة المياه فيها.
ثالثا: وضع القطاع الزراعي بعد تغير النظام عام 2003
لم تحصل تحولات ملموسة على وضع القطاع الزراعي بعد تغيير النظام في عام 2003، فالمشاكل التي يعاني منها هذا القطاع بقيت كما كانت وربما تفاقمت أكثر من السابق، والإنتاج الزراعي تعرض إلى الدمار والتراجع في الكثير من مفاصله المهمة.
وقد تفاعلت عوامل عديدة في تدهور الإنتاج الزراعي خلال هذه الفترة، فمن ناحية أدى تحول السياسة الاقتصادية نحو تطبيق إجراءات اقتصاد السوق إلى إلغاء إجراءات الحماية وفتح أبواب التجارة الخارجية على مصراعيها عن طريق إلغاء نظام المنع والأجازات، وتخفيض الرسوم الجمركية تخفيضا كبيرا وإلغائها بالنسبة لغالبية المنتجات الزراعية المستوردة، وقد نجم عن هذه الإجراءات تعرض الإنتاج الزراعي المحلي بشقيه النباتي والحيواني إلى المنافسة الشديدة من قبل السلع المستوردة التي تحظى بميزة انخفاض تكاليف الإنتاج وجودة النوعية، وهو ما تسبب في اختفاء العديد من المنتجات الزراعية المحلية من الأسواق العراقية، وتعرض المنتجين الزراعيين العراقيين إلى الخسائر ولجوء عدد كبير منهم إلى العزوف عن الإنتاج.
ومن جانب آخر فقد تمخضت الفترة بعد عام 2003 عن الانحسار الكبير في أسلوب دعم الإنتاج الزراعي الذي كانت تقدمه الدولة للفلاحين عن طريق وزارة الزراعة على شكل أسمدة وأجهزة ومعدات زراعية ووسائل الوقاية من الأوبئة الزراعية ومواد أخرى مستوردة بأسعار رخيصة تقل كثيرا عن كلفها الحقيقية، وتقوم الدولة بتحمل الجانب الأكبر من كلف استيرادها، كما تشتري الدولة جزءا كبيرا من المنتجات الزراعية بأسعار تفوق الأسعار الداخلية دعماً للمنتجين. وقد تراجع هذا الدعم بمستويات عالية لأسباب عديدة لا يسعنا تفصيلها في هذا البحث.1 وأصبحت وزارة الزراعة في وضع حرج إزاء مطالب الفلاحين المستمرة لتوفير وسائل الدعم التي أصبح العجز عن توفيرها سببا لتعثر الإنتاج الزراعي وارتفاع تكاليفه عند اعتماد الفلاحين على السوق الداخلية ذات الأسعار المرتفعة لتوفير وسائل الإنتاج المستوردة.
وبالرغم من ازدياد موارد العراق من تصدير النفط واتساع جوانب الإنفاق في الميزانية العراقية إلى حدود تجاوزت السبعين مليار دولار في عام 2010 فإن ما خصص لدعم الإنتاج الزراعي لم يتجاوز 350 مليون دولار سنويا.
يضاف إلى ذلك أن تغير النظام السابق أسفر عن استحواذ العشائر والأفراد على مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية بدون وجه حق، ويعود حق التصرف في جزء من هذه الأراضي إلى وزارة الزراعة التي كانت تستعملها لأغراض البحوث والتجارب الزراعية، والجزء الآخر يتكون من مساحات كبيرة تقارب النصف مليون دونم من الأراضي الخصبة التي كانت تستغل لصالح عائلة صدام حسين وأتباعهم وكبار المسؤولين في حزب البعث، والتي انتزع حق التصرف فيها من مالكيها أو مستأجريها بالقسر، أو لقاء تعويضات رمزية، ومساحات أخرى كان النظام السابق قد منحها للعشائر العربية الموالية إليه في محافظة كركوك بعد أن قام بتسفير أصحابها من المواطنين الأكراد.
وحينما وضعت الحرب أوزارها برزت مشاكل الصراع والمخاصمات بين من يطالبون باسترجاع تلك الأراضي، وهم جهات متعددة، وقد أشغلت تلك المخاصمات وزارة الزراعة والدوائر التابعة لها، وحالت دون استغلال جزء كبير من تلك الأراضي للأغراض الزراعية، ولا يزال النزاع حول الكثير من تلك الأراضي قائم حتى الآن. لا يمكن إغفال الجهود والمكاسب التي حققتها وزارة الزراعة خلال السنوات الماضية منذ تغيير النظام وحتى الآن، رغم شحة الأموال المخصصة لها من ميزانية الدولة، وبخاصة جهودها في تقديم القروض الصغيرة للفلاحين، وحملة إعمار النخيل والإرشاد والبحوث الزراعية، ومكافحة الأوبئة الزراعية وغيرها من النشاطات ذات الطابع الخدمي، بيد أن تلك الجهود سوف تبقى متواضعة وعاجزة عن تحقيق النهوض بالقطاع الزراعي ومعالجة مشاكله الأساسية.
رابعا: آفاق معالجة مشاكل القطاع الزراعي وتنميته
إضافة إلى بعض المقترحات التي أشار إليها هذا البحث من خلال استعراض واقع القطاع الزراعي ومشاكله، سوف نحاول فيما يلي طرح بعض المقترحات التي نعتقد بأهميتها لمعالجة مشاكل هذا القطاع وتنميته:
1 – الاعتماد على أسلوب التخطيط الاقتصادي
ينبغي بذل الجهود الكبيرة والمتواصلة لمعالجة مشاكل القطاع الزراعي وتنميته، وبطبيعة الحال فإن إنجاز مهمة ضخمة كهذه لا يمكن أن تحصل إلا عبر تسخير إمكانيات الدولة وطاقاتها، عن طريق إعداد الخطط القصيرة الأجل، والمتوسطة الأجل، والطويلة الأجل، التي تتصدى لمهمة إصلاح الأراضي العراقية، وإنجاز ما تقتضيه هذه المهمة من تنظيم لأساليب الري وتزويدها بأساليب الري الحديثة كأساليب الرش والتنقيط، وإكمال مشاريع البزل لتشمل كافة الأراضي العراقية التي تعاني من التملح، بخاصة في وسط العراق وجنوبه، وكذلك إقامة المشاريع الزراعية الكبيرة التي تعتمد أسلوب التكامل الزراعي الصناعي، واستخدام السبل الحديثة في الإنتاج، وحيث أن تحقيق هذه المهمة الضخمة يقتضي رصد مبالغ ضخمة من الأموال وتهيئة الإمكانيات الفنية والتكنولوجية الكبيرة، فإن الدولة لا تستطيع إنجاز هذه المهمة دون الاستعانة بالاستثمار الأجنبي والشركات الأجنبية المتخصصة، فضلا عن أهمية تشجيع القطاع الخاص للمساهمة في تحقيق هذا الهدف.
والغريب أن أسلوب التخطيط الاقتصادي في النظام الجديد منذ عام 2003 قد أغفل القيام بهذه المهمة بمستوى جيد، بدليل أن الخطط الاقتصادية التي وضعت منذ عام 2003 لم تتولى القيام بهذه المهمة بمستوى مناسب. بل إن الإنفاق العام قد ركز بشكل أساسي على الإنفاق الجاري، وإن ما خصص للإنفاق الاستثماري وهو قليل نسبيا قد واكبه التعثر بالتنفيذ بشكل عام، وهو لم يتصدى بشكل مباشر إلى القيام بهذه الأعمال.
2 – حماية الإنتاج الزراعي من المنافسة الأجنبية
في سبيل حماية الإنتاج الزراعي من منافسة المنتجات الزراعية المستوردة ينبغي تغيير إجراءات السياسة التجارية على الوجه التالي:
أ – زيادة الرسوم الكمركية على المنتجات الزراعية المستوردة المنافسة للمنتجات الزراعية المحلية، إلى المستوى الذي يضمن المنافسة المتكافئة للمنتجات الزراعية العراقية في الأسواق العراقية.
ب – تطبيق نظام الحصص والإجازات بالنسبة لاستيراد المنتجات الزراعية، التي لا يغطي إنتاجها الوطني حاجة السوق المحلية، على أن يتسم تطبيق هذا النظام بالدراسة الدقيقة والمرونة بحيث لا يفضي تطبيقه إلى احتكار المنتجين المحليين والإضرار بمصلحة المستهلكين.
جـ - تطبيق إجراءات منع الاستيراد، في أوقات محددة، حينما يفيض الإنتاج المحلي عن حاجة السوق المحلية، وأن يقتصر تطبيق هذا الإجراء على منع السلع الزراعية المستوردة التي يفيض إنتاجها الوطني عن حاجة السوق المحلية إبان ذروة المواسم الزراعية، وحينما تتميز السلع الزراعية المنتجة بالنوعية الجيدة والأسعار المتهاودة وصعوبة التصدير إلى الخارج.
3 – دعم الإنتاج الزراعي
أشرنا فيما سبق إلى شحة الإمكانيات المالية والفنية لدى الفلاحين العراقيين، التي تحول دون قيامهم بالإنتاج الزراعي واستخدامهم للأساليب الحديثة في الإنتاج، اعتمادا على إمكانياتهم الذاتية، وحاجتهم الماسة إلى دعم الدولة لهم في مجالات الإنتاج الزراعي. والجدير بالذكر هو أن غالبية دول العالم تقدم الدعم للإنتاج الزراعي، وحتى الدول المتطورة فهي تقدم الدعم للإنتاج الزراعي بنماذج متعددة.
لذلك ينبغي قيام الدولة بزيادة الدعم المالي والعيني الذي يقدم للمنتجين الزراعيين العراقيين، بخاصة تقديم القروض الميسرة للفلاحين، وكذلك تقديم مختلف أشكال الدعم العيني للفلاحين بكميات مجزية ونوعيات جيدة، كالأسمدة، ومواد الوقاية من الأوبئة، والبذور المحسنة، والمعدات الزراعية، وغيرها من المواد المستوردة الضرورية لعمليات الإنتاج، وكذلك شراء الحبوب من الفلاحين بأسعار مجزية.
ومن المعروف أن العراق كان يمارس هذه الإجراءات منذ أمد طويل، لكن الذي نقصده هنا من وراء الإشارة إلى هذا الإجراء هو ضرورة التوسع في تنفيذه، وزيادة المبالغ التي تخصصها الدولة في ميزانيتها لتحقيق هذا الهدف، والحرص على تطويره وتكييفه وفقا لمتطلبات العمليات الإنتاجية الزراعية، بخاصة أن يشمل الدعم تجهيز الفلاحين بأجهزة الرش والتنقيط لما لذلك من دور في ترشيد استخدام المياه، ومعالجة مشاكل الإرواء التي يعاني منها القطاع الزراعي، وأن يقدم الدعم وبشكل مجز لمن يرغبون بإقامة البيوت البلاستيكية لأغراض الإنتاج الزراعي لما لهذا النمط من الإنتاج من دور في النهوض بالعملية الزراعية.
4 – تشجيع القطاع الخاص
ومن الجوانب التي ينبغي أن تحظى بالاهتمام من أجل تطوير أساليب الإنتاج الزراعي الحديثة ضرورة تشجيع القطاع الخاص العراقي، متمثلا بالشركات المساهمة أو المحدودة، وكذلك المؤسسات الزراعية الفردية الكبيرة، للقيام بالإنتاج الزراعي بشقيه النباتي والحيواني، اعتمادا على التكنولوجيا الحديثة وأسلوب الإنتاج الكبير، ومنحها مختلف المزايا والمحفزات، كتقديم القروض الميسرة لآجال طويلة، وتأجيرها الأراضي الزراعية لقاء أسعار معتدلة، وإعفاءها من الضرائب والرسوم وشمولها بوسائل الدعم التي تقدمها الدولة، وغير هذه من وسائل التشجيع التي تطبقها الدول المجاورة.
ذلك لأن هذه الشريحة من المؤسسات والشركات الخاصة إنما تمثل ركيزة مهمة لتحديث القطاع الزراعي، والتحول به نحو استخدام التكنولوجيا الحديثة والإنتاج الكبير، فضلا عن أهمية تنمية القطاع الخاص وتطوير إمكانياته كأفق للسياسة الاقتصادية العراقية في المستقبل.
ومما ينبغي الإشارة إليه، هو أن فترة السبعينات والثمانينات من القرن الماضي قد تمخضت عن تأسيس مجموعة من الشركات المساهمة والمحدودة الخاصة التي ازدهر إنتاجها في المجال الزراعي، بيد أن الإنتاج في هذه الشركات قد تعرض إلى الدمار والتراجع بتأثير الحروب التي خاضها النظام السابق قبل عام 2003، وتفشي الإرهاب وغياب الأمن وانتشار أعمال السرقة والنهب بعد عام 2003. لذلك ينبغي أن تقوم الدولة بمساعدة هذه الشركات في مجال إعادة تأهيلها سواء عن طريق تقديم القروض الميسرة والكبيرة أو عن طريق شمولها بإجراءات الدعم المختلفة.
5 – تشجيع الاستثمار الأجنبي
ولغرض تحقيق النهوض بالقطاع الزراعي، وفي سبيل استغلال الأراضي الزراعية المتروكة، بالاعتماد على استخدام التكنولوجيا الحديثة وأساليب الإنتاج الكبير، لا غنى عن الاستعانة بالاستثمارات الأجنبية، بالنظر لما يمتلكه الاستثمار الأجنبي من إمكانيات مالية وتكنولوجية وتسويقية هائلة يعجز الاقتصاد العراقي بشقيه الحكومي والخاص عن توفيرها. ولا يخفى دور غياب الأمن وتفشي الإرهاب بعد عام 2003 في عزوف الشركات الأجنبية عن الإقبال على الاستثمار في العراق بالرغم من تحمسها واهتمامها بجدوى الاستثمار في العراق بُعيد تغير النظام في عام 2003. بيد أن استتباب الأمن نسبيا في الوقت الحاضر قد يشجع الشركات الأجنبية على الإقبال على الاستثمار في العراق، لذلك ينبغي بذل الجهود لتشجيع الشركات الأجنبية على القيام بالاستثمار في القطاع الزراعي العراقي، وتقديم الضمانات والمحفزات لهذه الشركات من أجل تحقيق هذا الهدف.
6 – المزارع النموذجية
ومن الجوانب ذات الأثر الكبير في تنمية القطاع الزراعي وتنميته، ودعم القطاع الخاص في الوقت ذاته، هو قيام الدولة متمثلة في وزارة الزراعة بإقامة المزارع النموذجية، ثم المبادرة إلى بيعها على القطاع الخاص، بخاصة على الشركات أو الأفراد العاملين فيها، بعد اكتمال إنشائها، ونجاحها في القيام بالإنتاج. ويعرف التاريخ الاقتصادي دور هذا النموذج في تطور الاقتصاد الياباني. ومن أمثلة ذلك قيام الدولة بإنشاء المشاريع الزراعية النموذجية بالقرب من مراكز الأمن، والتي ينبغي أن تقام على أساس التكامل الزراعي الصناعي واستخدام الأساليب التكنولوجية الحديثة، كاستعمال المعدات الزراعية الحديثة، وأجهزة الري بالرش والتنقيط، وغيرها من الأساليب العلمية الحديثة، واستغلال أراضي المشروع في زراعة الأعلاف والحبوب والخضر والفواكه، إلى جانب القيام بتربية الأبقار والأغنام والدواجن وأن يتضمن المشروع معملا صناعيا لكي يقوم بتصنيع منتجات المشروع وتعليبها وتجميدها، كإنتاج اللحوم والألبان على سبيل المثال، وأن يتضمن كذلك معملا لإنتاج الأعلاف.
ولا يخفى دور مثل هذه المزارع النموذجية في تجهيز المدن بالمنتجات الزراعية ذات النوعيات الجيدة، وكذلك تشغيل عدد غير قليل من العمال المهرة، وخريجي كليات الزراعة والبيطرة، كما أن المبادرة إلى بيع هذه المشاريع فيما بعد على العاملين فيها سوف يساهم في توسيع مكانة القطاع الخاص وتعزيز دوره في القطاع الزراعي، فضلا عن دور هذه المزارع في القيام بعملية الإرشاد الزراعي للفلاحين في المناطق المحيطة والقريبة من موقع هذه المزارع.
7 – إعادة تأهيل الأهوار
من بين الجرائم الكبيرة التي ارتكبها النظام السابق قيامه بتجفيف الأهوار في محافظتي ميسان وذي قار لمجرد ظهور المعارضين لحكمه فيها، برغم أن الأهوار تعتبر ثروة طبيعية كبيرة وعريقة، حيث تكثر فيها الطيور، والحيوانات، والأراضي الخصبة، ويعيش عليها مئات الآلاف من سكان الأهوار، وهي في الوقت ذاته مناطق سياحية جميلة تتميز بكثرة المياه والأحراش والأزهار، إضافة إلى أهميتها كمناطق بدائية عريقة لا تزال تحتفظ بمزايا الطبيعة ونمط حياة البشر مثلما كانت في أقدم العصور. وقد بذلت وزارة الموارد المائية العراقية بالتعاون مع العديد من المنظمات الدولية جهودا كبيرة منذ عام 2003 لإعادة تأهيل أجزاء كبيرة من هذه الأهوار إلا أن انحسار المياه في الآونة الأخيرة قد تسبب في تعرض بعض الأجزاء من تلك المناطق إلى الجفاف من جديد. ولا شك في أن أهمية هذه المناطق من الناحية الاجتماعية والاقتصادية تقتضي زيادة الاهتمام بإكمال أعمال إعادة تأهيلها، وضمان وصول المياه إليها بكميات كافية، وتنظيمها، وإشراك جهات متعددة في تطويرها، مثل مراكز البحوث المتخصصة في الجامعات، والهيئة العامة للسياحة في سبيل استعادة ما فقد من مكوناتها الطبيعية، وتوفير مستلزمات الإنتاج الزراعي، النباتي والحيواني فيها، وتحويلها إلى مناطق سياحية مهمة.
8 – حملة إعمار النخيل
تعرضت بساتين النخيل إلى حملة تدمير واسعة إبان فترة حكم صدام حسين، وقد حصل جزء من ذلك التدمير بسبب الحروب التي خاضها النظام السابق، بينما حصل الجزء الآخر بسبب حملات قلع أشجار النخيل من جذورها في المناطق والبساتين التي ظهرت فيها أعمال المقاومة لذلك النظام، فضلا عما اتسمت به تلك الفترة من إهمال لبساتين النخيل وانتشار الأوبئة الزراعية فيها. وقد تسبب ذلك التدمير والإهمال في انخفاض أعداد النخيل العراقي من قرابة الثلاثين مليون نخلة إلى ما يقارب العشرة ملايين نخلة في الوقت الحاضر، أغلبها يعاني من مشاكل انخفاض الإنتاجية ورداءة النوعية. وحيث أن النخلة هي رمز العراق، ولأن بساتين النخيل تعتبر ثروة دائمة يعيش عليها ويعمل فيها عدد كبير من السكان، فضلا عن أهمية التمور كمادة غذائية ضرورية للسكان وما تحظى به من دور في التجارة الداخلية والتجارة الخارجية العراقية، لذلك ينبغي مواصلة العمل من أجل التوسع في زراعة النخيل وإعادة بساتين النخيل إلى ما كانت عليه.
لقد بادرت وزارة الزراعة منذ مطلع عام 2004 إلى القيام بحملة لزراعة أمهات النخيل في كافة المحافظات الوسطى والجنوبية، ويبدو أن هذه الحملة لم تتوقف طيلة السنوات اللاحقة، لكن هذه الحملات ينبغي أن تقترن بحملات أخرى لمكافحة الأوبئة الزراعية مثل مرض الحميرة الذي ما يزال يفتك ببساتين النخيل. ولعل الجانب الأكثر أهمية في تحقيق النهوض بزراعة النخيل هو تطوير البحوث في مجال الزراعة النسيجية لما توفره من كميات هائلة من فسائل النخيل ذات النوعيات الجيدة، وكذلك تطبيق إجراءات الدعم المجزية لمن يقومون بإنشاء بساتين النخيل اعتمادا على أساليب الري بالتنقيط.
9 – الزراعة في البيوت البلاستيكية
يوفر استخدام البيوت البلاستيكية مزايا كثيرة في مجال الإنتاج الزراعي داخل هذه البيوت، ففي داخل هذه البيوت يمكن توفير البيئة المناخية الملائمة لنمو النبات من حيث توفير درجات الحرارة والرطوبة الملائمة، وهي تساعد على تحقيق الاستخدام الأفضل للأسمدة والبذور المحسنة، ووسائل الوقاية من الأوبئة الزراعية، ولهذا يتميز الإنتاج الزراعي داخل البيوت البلاستيكية بالنوعيات الجيدة والإنتاجية المرتفعة، ولعل هذه المزايا هي السبب وراء انتشار استخدامها بمستوى واسع في مختلف دول العالم، وبضمنها غالبية الدول العربية، بخاصة سوريا، مصر، الأردن ودول الخليج العربي، ويلاحظ من يسافر عبر الأراضي السورية أو الأردنية انتشار البيوت البلاستيكية بالمئات على امتداد النظر عبر الشارع يسارا ويمينا، بيد أن استخدامها عندنا في العراق لا يزال قليل، بل قليل جدا، وهو ما يقتضي التفات الهيئات المسؤولة عن رعاية القطاع الزراعي العراقي نحو ضرورة تشجيع استخدام هذه الوسيلة في زراعتنا، عبر تقديم مختلف وسائل الدعم التي أشرنا إليها سابقا لمن يرومون إقامة هذه البيوت البلاستيكية للأغراض الزراعية وبخاصة عن طريق تقديم القروض لهؤلاء، وكذلك دراسة إمكانية قيام وزارة الزراعة بإقامة هذه البيوت ثم بيعها على القطاع الخاص بعد اكتمالها.
10 – الزراعة في الصحراء الغربية
تعتبر أراضي الصحراء الغربية الممتدة بين محافظتي الموصل شمالاً والبصرة جنوباً رصيدا مهما للزراعة العراقية في المستقبل، بالنظر لما تحتويه هذه الصحراء من أراضي واسعة صالحة للزراعة، وما تحتويه مساحات كبيرة منها على المياه المتجددة من التي لا تحتوي على نسب عالية من الأملاح. لذلك ينبغي تقييم الدراسات المتوفرة حاليا حول هذه الأراضي، وإعداد الخرائط حول الأراضي الصالحة للزراعة منها، وحجم وموقع ما يحتوي من هذه الأراضي على المياه المتجددة، مع تحديد نسبة الأملاح الذائبة في تلك المياه، لغرض تحديد الأراضي التي تسخر للأغراض الزراعية بشكل دقيق في المستقبل. والجدير بالذكر إن الدراسات المتوفرة حاليا تشير إلى توفر مساحات واسعة تقارب المليونين دونم من الأراضي الصالحة للزراعة والتي تحتوي على المياه المتجددة في تلك المناطق، وإن جزءا من تلك المساحات يزرع حاليا في محافظات البصرة وذي قار وكربلاء والموصل، وهو ما يقتضي تشجيع القطاع العراقي الخاص والشركات الأجنبية على الاستثمار في هذه الأراضي، ووضع التعليمات حول تطبيق قوانين الاستثمار في هذه المناطق، التي ينبغي أن تلزم المستثمرين في هذه المناطق على إحاطة مزارعهم بأشجار النخيل وأشجار الفاكهة حيثما تتوفر الإمكانيات البيئية لذلك، في سبيل التوسع في زراعة النخيل وأشجار الفاكهة في تلك المناطق الصحراوية.
وكذلك اشتراط استخدام أساليب الزراعة الحديثة بخاصة استخدام وسائل الترشيد في استخدام المياه عن طريق استعمال أساليب الرش والتنقيط في عمليات الإرواء، وكذلك اشتراط تخصيص نسبة من منتجات هذه المزارع لتغطية حاجة الأسواق المحلية.
11 – تنمية الثروة الحيوانية
لقد اشرنا فيما سبق إلى أهمية الإنتاج الحيواني، والواقع البائس الذي يميز الثروة الحيوانية وإنتاجها في الوقت الحاضر وهي تستدعي كغيرها من جوانب الإنتاج الزراعي إلى بذل الجهود نحو معالجة مشاكلها وتنميتها. وقد تتعدد المقترحات التي يمكن طرحها للمعالجة في هذا المجال، سيما وأن البعض منها يتصف بالتشابه مع ما حصل طرحه من معالجات بشأن مشاكل الإنتاج النباتي، بخاصة ما يتعلق منها بضرورة شمول هذه القطاعات بإجراءات الدعم والرعاية. غير أن ما ينبغي الإشارة إليه في هذا المجال هو ضرورة الإسراع في إعادة تأهيل الشركات والمؤسسات الكبيرة التي تعمل في مجالات الإنتاج الحيواني اعتمادا على الأساليب الحديثة، والتي تعرضت للتدمير والسرقة وتراجع الإنتاج كما أشرنا سابقا، عن طريق تقديم القروض الميسرة لها وشمولها بإجراءات الدعم. وكذلك التوجه نحو تشجيع القطاع الخاص والاستثمار الأجنبي نحو إقامة مشاريع الإنتاج الحيواني الكبيرة التي تعتمد أساليب التكامل في الإنتاج الحيواني والزراعي والصناعي واستخدام أساليب الإنتاج الحديثة.
وكذلك توفير المقومات الأساسية لتطوير الإنتاج الحيواني ورعايته، مثل تطوير المؤسسات البيطرية وتجهيزها باللقاحات والأدوية ووسائل المعالجة من الأمراض، وإنشاء المحاجر الكبيرة بغية حماية الثروة الحيواني من دخول الأوبئة، واستيراد السلالات ذات النوعيات الجيدة من الأبقار وبيعها بأسعار متهاودة على الفلاحين، وإنشاء مفاقس الأسماك وبيعها بأسعار تشجيعية على مربي الأسماك، والعمل من أجل إعادة تكوين الأسطول البحري لصيد الأسماك في مياه الخليج العربي.
انتهى
1 للإطلاع على إجراءات دعم الإنتاج الزراعي قبل وبعد عام 2003 يراجع كتابنا "عندما كنت وزيرا" ص 289 – 308، الأردن، دار ورد 2007.

د. عبدالأمير رحمة العبود

- ولد في ناحية المجر الكبير عام 1937.
- حصل على شهادة بكالوريوس بالقانون من جامعة بغداد عام 1959.
- حصل على دكتوراة بالاقتصاد الدولي من الجامعات الألمانية عام 1966.
- عمل في التدريس بجامعة البصرة خلال الفترة 1967 – 1987.
- عمل رئيسا لقسم الاقتصاد بجامعة البصرة خلال الفترة 1969 – 1971.
- عمل عميدا لكلية الادارة والاقتصاد بجامعة البصرة خلال الفترة 1971 – 1976.
- عمل وزيرا للزراعة خلال الفترة 1/9/2003 – 1/6/2004.
- نشر له قرابة الخمسين بحثا في شؤون الاقتصاد العراقي في المجالات العراقية والعربية والألمانية.



#عبدالأمير_رحيمة_العبود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295


المزيد.....




- البنك الدولي: توترات الشرق الأوسط تهدد التقدم العالمي بشأن ا ...
- معضلة الديون في فرنسا.. وكالات التصنيف قلقة ونظرتها سلبية
- أرباح بنك -أبوظبي التجاري- ترتفع 26% في الربع الأول من 2024 ...
- البنك الدولي: توترات المنطقة تهدد التقدم العالمي بشأن التضخم ...
- أسهم -وول ستريت- تهبط بعد نتائج ميتا وبيانات اقتصادية سلبية ...
- الأول في الشرق الأوسط.. صندوق النقد الدولي يفتتح مكتبا إقليم ...
- بلينكن يدعو الصين إلى -منافسة اقتصادية صحية-
- أردوغان: نهدف لرفع التبادل التجاري مع ألمانيا إلى 60 مليار د ...
- تكلفة باهظة والدفع بالعملة الصعبة.. كيف يبدو أول موسم للحج م ...
- رغم تضاعف أرباحها.. ما أسباب التراجع الكبير لأسهم -ميتا-؟


المزيد.....

- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى
- التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي / مجدى عبد الهادى
- نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م ... / مجدى عبد الهادى
- دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في ... / سمية سعيد صديق جبارة
- الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا / مجدى عبد الهادى
- جذور التبعية الاقتصادية وعلاقتها بشروط صندوق النقد والبنك ال ... / الهادي هبَّاني
- الاقتصاد السياسي للجيوش الإقليمية والصناعات العسكرية / دلير زنكنة
- تجربة مملكة النرويج في الاصلاح النقدي وتغيير سعر الصرف ومدى ... / سناء عبد القادر مصطفى
- اقتصادات الدول العربية والعمل الاقتصادي العربي المشترك / الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - عبدالأمير رحيمة العبود - القطاع الزراعي العراقي, واقعه، مشاكله وآفاق تنميته