رؤيا التماثل بين التحليل والتأويل

البشير النحلي

الحوار المتمدن-العدد: 2968 - 2010 / 4 / 7 - 03:17
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    

أرجو أن يسمح لي في البداية أن أصرح بالدافع لكتابة هذه الأسطر المعدودات عن الباحث المغربي المتميز محمد مفتاح. فقد ظننت أن هذا الناسك المدقق ترك الكتابة وترك البحث، وكان ظنِّي مبنيّاً على ما صار يرى رأي العين من تناقص قيمة البحث في قضايا اللغة والخطاب في بلادنا المكتفية بأوهام اكتمال علمنا الموروث، لكن ظني خاب، وكانت خيبته جليلة وجميلة حين فاجأنأ بكتابه بالغ الأناقة والدقة االذي أهداه إلى كل المؤمنين بقدرات لغة الضاد الموسوم بـ(مفاهيم موسّعة لنظرية شعرية: اللغة- الموسيقى- الحركة). وهو كتاب من ثلاثة أجزاء، عنون أولها بـ(مبادئ ومسارات)، وثانيها بـ(نظريات وأنساق)، وثالثهابـ(أنغام ورموز). ولا بدّ أن أشير إلى أن مفتاح كان في هذا الكتاب، كما كان في جميع كتبه السابقة، متطلِّباً، محقِّقا ومدقِّقاً، مُفارقا لنهج من يستسهلون الكتابة ويستخفون بالقراء والمتلقِّين.
بيد أني لا أكتب لا لعرض الكتاب، ولا لمناقشة ما ورد فيه مناقشة تفصيلية، فذلك "محوج إلى إطالة تتخون أزمنة الناظر" إذا استعرنا عبارة من عبارات حازم القرطاجني. بل أكتب هذه العجالة لأسجل ملاحظة عامة تتعلق بكل كتب محمد مفتاح:
يركب الباحث بين علوم كثيرة تركيباً تكامليا وتفاعليا يستثمره في تحليلاته لكيفيات تشكل وانبناء الخطاب في كل أجناس القول وأنواعه، لكنه يفعل ذلك بهاجس محوري يتمثل في الكشف عن كليات إنسانية متماثلة في كل تلك الأجناس والأنواع بحثاً عما يجعله قادراً على أن يصالح بين تصورات وأراء متباعدة ومتناقضة بناء على قاعدته الذهبية وسنته المرعية المتمثلة في مبدإ "كل شيء يشبه كل شيء من وجه أو من وجوه". إنه، بعبارة واحدة، يستفرغ الوسع للاستدلال على شمولية وكونية رؤيا التماثل، كما يستفرغ الوسع للإقتاع بخطورة كل تصور يبرز الصراع والتناقض والاختلاف. وهو إذ يعمل على الإقناع بهذا ينزلق من التحليل إلى التأويل، بل ويسقط في التغليط والمغالطة حين يجعل كل تحليل يستعمل مقولات الاختلاف والتناقض والصراع دعوة صريحة للعنف، وكأن ستر التناقض والصراع وكَفْرَه كفيل بأن يحول المجتمعات إلى مدن فاضلة غارقة في الانسجام والمحبة والتآلف. وفي هذا من التبسيط والتغليط ما كنا نرجو صادقين أن يتنزه عنه قلم هذا الباحث الذي لا نشك في صدق نية الإصلاح لديه.

#البشير_النحلي (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل