أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - آسيا علي موسى - قلب من البلور - قصة قصيرة















المزيد.....

قلب من البلور - قصة قصيرة


آسيا علي موسى

الحوار المتمدن-العدد: 903 - 2004 / 7 / 23 - 12:10
المحور: الادب والفن
    


"كل انسان روبنسن كروزو وحيد معزول ،جسده جزيرته، و إشارات الاستغاثة التي يطلقها من آن إلى آخر قلما يلتقطها إنسان آخر يعي موجاته النفسية و شيفرته العاطفية ،و يلتقيان عبر جسر المشاركة المضيئة "

الفجر يلجني ، يحرك أول ما يحرك في، أصابع قدمي ،يبعث الحياة في جسد لا يسترخي حتى في أشد حالاته انهاكا .
جسد ، لا يفقد السيطرة على حواسه تماما ،حتى في درجات النوم العميقة ،على أهبة الوقوف دائما .
تنتقل الحركة تصاعديا ،حتى تصل ذؤابة الجرح ،أشهق ، شهقة روح تهيم في أحلام كبيرة
كبيرة في نظر العالم الملعون و مستحيلة ،رغم أنني أصر دائما أنها أبسط و أصغر الأحلام
فراخ ،تنقر رأسي بحنو شديد ،قطط صغيرة تشد حبال الروح ، تجذبها حينا و ترخيها أخرى / يحدث أن تتعقد الخيوط و تتلخبط فلا أعرف رأس الخيط ،أوله من آخره ،تجري ، تهرب كرة أحلامي ،تتدحرج ،ألحقها ، تتفرع الطرق في رأسي ، تجذبها المنحدرات السهلة
تتكور الأحلام ،و أقهقه ، في داخلي طبعا ، قهقهة الروح ،حتى تصل السماوات العلى
و تطير .
أحلامي أصنع منها طائرات ورقية ، أنفخها و أرسلها إلى عوالم الأحبة ، و عوالم الذاكرة ، عوالم النسيان أيضا ،إلى جسد جدتي الذي يسكن العوالم السفلى ..
كم كانت لذيذة جدتي و كم كانت ساحرة أحجياتها ، أدين لها بخيالي و أحلامي .. أو تدين لي هي ..بسنين العمر الهاربة أو المهربة خارج السياق الزمني المألوف .
أحيانا أذكر جدتي بحسرة و أحيانا اذكرها بندم :
لماذا حشوتِ الفكر الصغير البريء بأحلام ليست على مقاس الحياة ؟ لمَ تفعلين بي هذا أيتها الجدة الخرافة ؟
حكايتي مع الفجر قديمة ،قدم وجودي أو قبله ،لعلني منذ برمجت لأكون مشروع وجودٍ تجريبي للإنسان الرقم ..كذا وكذا و كذا خيبة .
لعلني خلقت ساعة الفجر أو أعيد بعثي و استنساخي من هيئة نملة أو ذبابة أو ..
إلهة مذنبة ؟
هذا لا أعرفه ، ما اعرفه أنني جئت الدنيا أو ألقتني أمي من أحشائها بنزق ، ساعة فجر .
تقول أمي :
كانت الساعة الرابعة صباحا من يوم هادئ ، من ليالي مايو الدافئة ، جئتِ مع صوت الآذان ، استبشرنا بك خيرا ، لكن ..

هذا ما كانت أمي تقوله ،،تبدأ روايتي بهدوء و حنين و تنهيها بتنهيدة عائمة تتمسك بقشة أمل شحيح ، في توبتي .
رغم أنني لم أشعر يوما بالذنب ، لم أخطئ تماما ،و لم أصب تماما ، كنت أسعى لأكون بشر و كفى .
ومن يوم مولدي و الفجر يتواطؤ معي ، يرسل لي ملائكته أو شياطينه ، تدغدغني ، لا احتاج إلى الكثير من المجهود لأستيقظ و كأنني لا أنام حقا أو كأنني في نوم دائم .
****************


طقوسي الدائمة ، صلواتي التي أفتح بها نهاري..
أفتح الشباك كاملا و أتمطى بذراعي و جسدي كله ، أملأ جوفي بهواء ندي، نقي ، أعيد الكَرَة مرات و مرات ، أزود روحي بصفاء الكون و صمته ،بسكون البشر ،،كل شيء ساكن عدا ذاك اللعين ، يفتح عينا و يغلق أخرى و يحدق في و كأنني أسمعه يتذمر :
لمَ تزعجني دائما هذه المجنونة ؟
أحيانا أبتسم له ، أحيانا أُصَبِح عليه ، أحيانا أسُبُه و أحيانا أكشر فيه دون كلام .
كلب الجارة الفضة المشاكسة ، يرقد تحت نافذتي ،و يرافق فجرياتي ، يقحم نفسه في خلوتي المنشودة و يرسل بين الحين و الآخر صوتا شبيها بالغناء أو النواح ، كأنه يقول لي :
حتى الكلاب تتأمل الفجر و تعشق و تحزن .
و ترسل الكلاب الأخرى في أثره ، أصواتا مزعجة ، تتسابق في تناغمها و لا تفلح إلا في الازعاج اكثر .
أتذكر هنا أيضا جدتي ، التي كانت تتعوذ منها و تتلطف ،و عندما أسألها لمَ تخيفك هذه الأصوات إنها تغني .
تجيبني و ابتسامة مرة على محياها :
إن الكلاب لا تغني يا عبيطة ، هذا نذير شؤم ،شيء ما سيحدث ،شر ما سيلحق بأحد ،، الله يبعده علينا ،،
و تسترسل في أدعيتها و تسابيحها التي لا تنتهي و التي لم تمنع حدوث الكثير من المآسي لنا و لكل المؤمنين كما كانت تشدد على ذلك جدتي .

استجمع أنفاسي ، و أغيب في فضائي وقتا طويلا .
****************


شجرة اللوز المحاذية للنافذة ، تحضن برفق فراخ عصافير ، تهب نسائم لطيفة ترقص لها أوراق يانعة و تسقط أخرى صفراء يابسة ، عصافير تأتي و تفرخ و تمضي و عصافير تكبر لترحل ، أوراق تنضج مزهوة بغرور ، و أوراق تستكين و تستسلم ، نسائم صبح مختالة و سكون ليل يلملم أمتعته ،يودع الأرض إلى لقاء قد يأتي و قد لا يأتي ،،،
و أنا أعيد طقوسي الفجرية دون كلل،الشيء الوحيد الذي أحسه يأتيني كل يوم بشكل أروع ..
صلاة فجري ،تهجداتي و دعواتي ..
ينتفض الكلب اللعين يجر سلسلته صوب الباب الحديدي المصفح ،ينبح و ينبح و ينبح ..
يحشر أنفه في شق تحت الباب ،حفيف أقدام يقلقه ، يهرول المخلصون المجتهدون نحو المسجد للحاق بصلاة الفجر ، لا يفرق الكلب بين مصلٍ و تاركِ للصلاة مثلي ، لا يفرق بين تقي و فاجر ، بين طيب و خبيث ، لا يفرق الكلب بين سكير و صاحٍ
كل ما يشغله ،الأغراب .
كل الذي يمقته و يعتبره عدوا له ،من يقترب من باب جارة فضة قبيحة مؤذية .
كل الكلاب على شاكلته ،وفية و حريصة على حرمة البيوت ، حتى و إن كان ساكنوها
أكثر الناس عدوانية .
يتقوس ظهري ، أشعر بتعب ، أو بالأحرى أشعر برغبة في الجلوس على مكتبي ، هو أحد طقوسي أيضا ، بعد شرب فنجان قهوة .
أخرج مفكرتي كعادتي دوما ،و قلمي الوحيد / لا أغير قلما حتى يشح علي و يبخل حبره ، و لا احتفظ بقلمين في آن واحد أبدا ، لا أستعمل ألوانا مختلفة ، لون واحد ابدي ،أخلص له هو اللون الأزرق.
و أنا أقلب صفحاته ،أبحث عن صفحة عذراء ،،،
يتمثل أمامي ، يبرز كشيء سحري ، كمصباح علاء الدين ، كبقايا منسية من حكايات جدتي
صندوق من نور ، من بلور ،تنطلق منه إشعاعات تجبرني على غلق جفوني لأول وهلة ،
كان يصلني صوت دقات ..
تك ..تك ..تك ..
كنبض قلب ، لم يشق علي أن أحدد ، هي دقات قلب ،قلبت الصندوق الزجاجي لأتبين ما بداخله ..
قطرات ماء تتابع على أوجهه ، تستقر في القاعدة ،وثلج ينزل من السقف ،،،كان الصندوق خاويا ،لكن سرت في داخلي حميمية و رغبة جامحة :
ماذا لو أسكنه ؟
ماذا لو احتفظت بهذا القلب ،أنتعش بصفائه و أتزود بروح الخيال التي يلبسها ،منتعشة بمائه الزلال و بيض ثلجه ؟
ماذا لو كان هذا القلب البلوري ، هدية ، عربون مصالحتي مع القدر ؟
هل حقا سيصالحني يوما القدر ؟ و يمنحني تأشيرة دخول الجنة،جنة من نور و حب ،
جنة من سلام ،ياه ..كم أتوق إلى السلام ..
لأفترض ،لأفترض ، صحيح أنا لست قديسة ،لكن ،،يعني لم أضر في حياتي أحد ،أعتقد ذلك
بل ، أعطيت الكثير الكثير ،ربما انتبه القدر إلى تقصيره ، و منحني صك الغفران ،و صك السعادة ..
كم أشتاقك أيها القلب البلوري ،لعلك من كنت توقظني منذ الأزل ، لعلك روح من أحببت دون أن أحب ، لعلك أمانة جاءت من العوالم التي أقمت فيها صلواتي منذ الأزل ، لعلك
روح الفجر .
روح الحب .


**************

أين يمكنني أن أخبئه ؟
أي مكان آمن ؟
نظرت حولي ، درج مكتبي ؟؟
بين كتبي ؟
محفظتي ؟
خزانتي ؟
فتحت خزانة ألبستي المطوية بشكل دقيق ، أجتهد دوما في ترتيب أشيائي بطريقة فنية دقيقة ،لكن أهم ما يصفع الرائي وهو يشرع دفتيها ،،سماوية ألوانها .

كل ملابسي زرقاء أو امتداد للون الأزرق ، ألوان ليلكية ،
بين صفوفها أضع زهورا اصطناعية ..أعشقها على الطبيعة لكنني لا أجدها في الضاحية التي أسكنها ، فحل محلها الاصطناعي منها ،هي زهور الليلك ..
أمسكت الصندوق بحذر و هممت أن أصنع له مكانا في الخزانة ..
لكن ..
نبض القلب ..
تك ..تك ..تك ..
لا يمكن لقلب أن يستمر في الحياة بين أشياء تحتضر .
ملابسي ، كتبي ، أوراقي .. كل أشيائي ، لا تمنح الحياة لقلب /
***********

ضممته بين يدي،أسندته إلى صدري و جلست على حافة السرير ..
كم هو هش و رائع هذا القلب .
أول ضياء يتسرب عبر النافذة ،تنكسر موجاته على حواف الصندوق البلوري و تشع الغرفة بألوان قوس قزح ، تتبعثر على الجدران ، على المرايا ، على السقف و ترتد، إلى مقلتي
تخترق جسدي و تستقر بقاع الروح ،تتهدج لها أعماقي ،أشهق ، شهقة أمي حواء يوم نفخت روحها ،تتفتح جنة أحلامي ورودا و تشع نيازكا و نجوما ، مجرات تتداخل مداراتها و تتقاطع ، الكون ينبعث عبر عيني من جديد ، لعلها الآخرة ، لعله اليوم الموعود ،،يوم ،،عودتي إلى الجنة ..

أي موسيقى ترسلها دقات قلبي ، و أي الأغنيات اختزنتها الذاكرة و طواها النسيان ؟
أي سحر أيها القلب البلوري ، أطلقتني به و قيدتني فيه ،أي سياق أدخله ،أي زمن يعبرني اللحظة ، أي دين قادر على تفسير عقيدتي الآن ؟
عقيدة توحد ،،،
أي الأعراس أقيمت بباحاتي المحرمة زمنا على غير الأحلام ؟
يستمر الماء عذبا زلالا رائقا بالتدحرج على جنبات الصندوق الزجاجي ، يهطل الآن أكثر من ذي قبل ،و قوس قزح يلف عنق السماء ،عقدا من ألوان ..
إنه عرس الذئب .
هكذا كانت تقول جدتي :
عرس الذئب ،المطر يهطل و الشمس تملأ قبة السماء .
عرس الذئب ، أهازيج قلبي و أطياف الحب ترقص على وقع أساطير القدامى و مباركة الآلهة .
عرس الذئب ، و ماء مالح يندلق من عيني ، فرحا ،،ندما ،أسفا على ما فات .
الماء المالح يقع على الصندوق ،،
هالة من نور ،،تخرج منه ،، تدخلني ، تخترق أنفي و فمي ..
أحسها تتسرب ، إلى قلبي و تستقر .
أسمع صوتا يخرج مني :
لا يحيا القلب إلا في قلب .
لا يحيا القلب إلا بالحب .
أبتسم ،أبتسم ، ماء مالح على جنبي شفتي ،،،
"الله أكبر، الله اكبر ,...,,
يوقظني صوت المؤذن ..
أدرك أن النهار طلع حقا و أنني كنت أحلم .
لأول مرة أستيقظ و قد فاتني الفجر ،لان الحلم كان أطول من عمر ليلي ،بشهقة .



#آسيا_علي_موسى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أشواق
- الرقم الساقط من الحساب
- الحد الفاصل بين صفرين
- فقاعات..
- ما لا يقوله الصمت
- معابر ..
- هواجس محرمة
- كوني امرأة
- رحلة إلى..السراب
- ما يشبه الابتسامة


المزيد.....




- روحي فتوح: منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطي ...
- طرد السفير ووزير الثقافة الإيطالي من معرض تونس الدولي للكتاب ...
- الفيلم اليمني -المرهقون- يفوز بالجائزة الخاصة لمهرجان مالمو ...
- الغاوون,قصيدة عامية مصرية بعنوان (بُكى البنفسج) الشاعرة روض ...
- الغاوون,قصيدة عارفة للشاعر:علاء شعبان الخطيب تغنيها الفنانة( ...
- شغال مجاني.. رابط موقع ايجي بست EgyBest الأصلي 2024 لتحميل و ...
- في وداعها الأخير
- ماريو فارغاس يوسا وفردوسهُ الإيروسيُّ المفقود
- عوالم -جامع الفنا- في -إحدى عشرة حكاية من مراكش- للمغربي أني ...
- شعراء أرادوا أن يغيروا العالم


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - آسيا علي موسى - قلب من البلور - قصة قصيرة